تأثير الاشعة على الخلايا الحية

د. سمعان ابراهيم سالم: الاستاذ المساعد في دائرة الفيزياء في جامعة لونغ بيتش بكاليورنيا  

نشر المقال في آب / اغسطس 1962 ، العدد الثاني والعشرون ، الرائد العربي  

الأشعة لفظة شاملة . وتلافياً للتشويش ، سيخصص هذا البحث بما يتعلق بالاشعة الذرية التي كثر الحديث عنها في السنوات الاخيرة ، والتي لها من الطاقة ما يمكنها من دخول الخلايا الحية والتأثير عليها . وقد اكتشف العلماء في اوائل القرن العشرين ثلاثة انواع من الاشعة الذرية الطبيعية ، إطلق عليها اسماء الفا وباتا وجاما . 

أشعة الفا  

ليست اشعة الفا سوى ذرات هيليم تنفصل عن بعض الذرات الثقيلة وتنطلق بسرعة مساوية في بعض الاحيان لعشر سرعة الضوء . إن ثقل هذه الذرات وكمية شحنتها الكهربائية يضعفان من مقدرتها الاختراقية مما يجعلها عديمة التأثير على الخلايا الحية ، إن لم يكن مصدرها ملاصقاً لهذه الخلايا . ومن بين الذرات التي تطلق هذا النوع من الاشعة ، ثلاثة اجسام غازية هي رادون وثورون وأكتينون . وقد أثبتناها في هذا البحث لانه يمكن استنشاقها كالهواء تماماً ، وليس لها رائحة مميزة تدل على وجودها ، انما استنشاقها قاتل . وقد ورد في سجلات مناجم " ابرانيم " في تشيكوسلوفاكيا ما يثبت ان جميع العمال الذين عملوا في هذه المناجم عشر سنوات او أكثر كانت وفاتهم بسبب السرطان الرئوي نتيجة لاستنشاقهم هذه الغازات . 

اشعة باتا  

هذه الاشعة هي الكترونات تنطلق من بعض الذرات بسرعة مساوية في بعض الاحيان لسرعة الضوء تقريباً ، لكن شحنتها الكهربائية تحد من فاعليتها وتضعف من تأثيرها ، وان يكن خطرها اكثر من اشعة الفا . إن معظم الأشعة المنبعثة بعد اي انفجار ذري هي من هذا النوع . فالذرات الجديدة التي تولد اثناء الانفجار تحتوي على نسبة عالية من النيوترات ولا يمكنها ان تصل الى حالة تعادل نووي الا باطلاق بضع الكترونات . وبعض هذه الذرات تبقى مشعة ملايين السنين ، لكن خطر الاشعاع العام المتولد منها يزول بعد بضعة ايام ، او على الاكثر بضعة اسابيع ، وذلك وقفاً على قوة ومقدرة الانفجار . فخطر هذه الاشعة الخارجي طفيف نسبياً ، لكن معظم تأثيرها ناتج عن تلويثها للمأكولات والمشروبات التي يحتاج اليها الانسان والحيوان . 

إن أشد الاشعاعات خطراً هي الاشعة المنبعثة من ذرات "سترونتيوم" و" سيزيوم 137" . وهاتان المادتان يكثر بناؤهما أثناء انفجار ذري  وخطرهما ناجم من عاملين اثنين : العامل الاول احتفاظ الجسم بهما . فاذا دخلا جسم انسان او حيوان لا يمكن لهذا الجسم ان يتخلص منهما بسهولة ويبقيا فيه حوالى السنة . والعامل الثاني هو زمن اشعاعهما . ونصف عمرهما الاشعاعي حوالى ثلاثين سنة . 

اشعة جاما  

هذه الاشعة هي اخطر انواع الاشعة اطلاقاً . فقدرتها على تخريب الخلايا الحية ناتجة من مقدرتها الاختراقية . فهي بطبيعتها كالاشعة السينية ( اكس – راي ) تماماً ، تنطلق بسرعة الضوء بدون شحنة كهربائية او ثقل يحدان من فاعليتها . وهنالك اشعاعات اخرى عديدة مخربة نتجاوز شرحها وعرض خصائصها لأن ما يهمنا هنا هو تأثيرها العام على الحيوانات والنباتات وكيفية تجنب بعض اخطارها في حال نشوب حرب ذرية عامة . 

إن تأثير الاشعة عامة على الخلايا الحية منبثق من قدرتها على تخريب هذه الخلايا وهدم تركيبها او اثارة بعض عناصرها واجبارها على ترك المدار الذي خط لها . غير ان نتيجة هذا التخريب ، وان يكن قد اختصها العلماء بالكثير من البحث في السنوات الاخيرة ، لم يثبت معرفتها علمياً بعد  ولا يمكن لاحد ان يحدد بالضبط ما سيحل بمخلوق حي اذا وقع تحت تأثير اشعاع ذري الا اذا كانت كمية الاشعاع كبيرة ودامت مدة طويلة ، وهذا يعني موتاً محتوماً . هذه حالة نادرة جداً ، تتطلب من ذلك المخلوق ان يبقى ملتصقاً بجسم مشع قوي لبضعة ايام . لكن لتأثير الاشعة على الانسان عوارض اولى معروفة تحذره من وجود الاشعاع فيتلافاه .  

إن وحدة قياس الاشعة هي الرونتجن ، نسبة الى العالم الالماني الذي اكتشف اشعة اكس . وهذه الوحدة تساوي بطاقتها عشر الارك ERG تقريبا ، ويمكن لانسان عادي ان يتحمل عشر الرونتجن يومياً من دون اي تأثير مضر يذكر، كما ان تأثير هذه الكمية على ذريته بعيد الاحتمال ايضاً . هذه الكمية تساوي حوالى الفي مرة كمية الاشعاع الكوني التي يتلقاها الفرد من الشمس والتجوم بطبيعة وجوده على القشرة الارضية ، أي ان الخلايا الحية الموجودة على القشرة الارضية لن تؤثر عليها الاشعة ما لن تصبح طاقة هذه الاشعة الفي ما هي عليه الآن . ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ان جميع الانفجارات الذرية التي وقعت منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا ، ومن ضمنها كل التجارب التي اجرتها الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا زادت كمية الاشعاع العام بقيمة اثنين بالمئة فقط . وقد يشعر القارئ بضآلة هذا الازدياد عندما يعلم ان كمية الاشعاع الكوني التي يتلقاها الفرد في بلدة ضهور الشويرالجبلية اللبنانية مثلاً هي ستون بالمئة اكثر من الكمية التي يتلقاها في مدينة بيروت الساحلية . وهذا ناتج عن رقة الدرع الهوائي الباقي فوق ضهور الشوير بسبب ارتفاعها عن سطح البحر .  

إن تأثير الاشعة على بعض اعضاء الحيوان اكثر منها على البعض الآخر . فمثلاً ، تتأثر البيوض التناسلية اولاً، ثم حدقة العين وبعدها الدم والاعضاء الاخرى . فمن بين الذين أصيبوا بالاشعاع الذري في اليابان اثناء الحرب العالمية الثانية ازدادت عندهم حالات مرض فقر الدم خمسة اضعاف ما كانت عليه قبل ان يتلوثوا بالاشعة . وهذا ليس بكثير اذا ما قورن بانواع الاصابات والحروق الاخرى التي كان من الممكن تلافي اكثرها لو توفرت للسكان اليابابيين معرفة بالوقاية من الاشعة ، ولو معرفة بدائية . ثم ان خطر الاشعاع الذري لا ينتهي بانتهاء وجودها . فتأثيرها على الجيل الثاني الذي يتلو زمن وقوع هذا الاشعاع لا يمكن تجاهله ، إذ من الممكن ان تجعل منه جيلاً مشوهاً غريب التركيب ، تحد من نمو بعض افراده او توقف نموهم كلياً . فقد عثر على حالات ولادات بين السكان الذين اصيبوا بالتلوث الاشعاعي في اليابان على اثنتي عشرة حالة كان المولود فيها ذا رأس صغير نسبياً وقواه العقلية ضعيفة جداً . 

في تجربة اجريناها على عدد كبير من بيوض الضفادع وجدنا ان اكثر الضفادع التي بقيت حية حتى اكتمال نموها كانت سليمة التركيب ولم تؤثر فيها الاشعة مطلقاً ، بينما وجدنا ان الضفادع التي شوهت بفعل تعرضها للاشعاع الذري كانت اكثر حالات التشويه الخارجية في الرأس . وقد يكون سبب هذا التشوه زمناً ، اي ان الاشعة اصابت البيوض عندما كان الرأس كبيراً نسبياً ، بحيث تلقى هذا الجزء كمية من الاشعة اكبرمن الكميات التي أصابت الاجزاء الاخرى . وقد يكون هذا الامر نتيجة لعدد الاجزاء التي تكوّن الرأس والتي يمكن ان تضربها الاشعة . وهذا لا يعني ان الاعضاء الاخرى بقيت سليمة . فلم يكن هنالك عضو واحد لم تؤثر فيه الاشعة ، وقد كان من بين الضفادع المشوهة اثنتان اكتمل نمو الجانب الايمن من جسميهما ، بينما كان الجانب الايسر ضعيفاً وهزيلاً ، لا أثر فيه ليد او رجل . ونتيجة لهذا التشويه الغريب لم يكن بامكان هاتين الضدفدعتين ان تسبحا في الماء الا بشكل شبه دائري . 

السؤال الذي يجول في خاطر الكثيرين الآن هو :  

هل يمكن لحرب ذرية ان تزيل الحياة كما نعرفها الآن عن وجه الارض ؟ .  

الجواب على هذا السؤال هو كلا . فكل الاسلحة الذرية الموجودة الآن لو فجرت مرة واحدة ، وهذا مستحيل ، لا يمكنها ان تجعل من الكرة الارضية صحراء قاحلة لا حياة فيها . وعلاوة على ذلك ، ستكون اكثر الاصابات ، في حال وقوع حرب عامة ، من تأثير الانفجارات والحرائق وليس من تأثير الاشعاعات الذرية . وهذا لا يعني انه ليس بالامكان صنع قنبلة مسلحة بذرات اشعاعها قوي وطويل الامد تجعل القشرة الارضية بكاملها غير صالحة للحياة . فالحيوان الذي بامكانه ان يعيش في كهف محكم الاقفال طيلة مدة الاشعاع ، وقد لا تزيد عن اسبوعين ، سيبقى حياً . والانسان بدوره ، ولا شك ، قادر على تحمل التجربة . ومن بين الاشجار التي ستنقرض في حالة كهذه اشجار الصنوبر والارز وكل النباتات التي لا يمكن لجذورها ان تستعيد الحياة اذا جفت اغصانها واحترقت اوراقها . وهذا يعني ان اشجار الزيتون واللوز والسنديان ، مثلاً ، ستكون الاضرار التي تلحق بها طيفة نسبياً ، بينما ستنقرض معظم الطيور ، وستبقى معظم انواع الاسماك سليمة ، خاصة تلك التي تعيش في اعماق البحار.

في حال وقوع انفجار ذري يمكن تأمين الوقاية البدائية كما يلي :  

اولاً ، أقم حاجزاً بين عينيك ومصدر الاشعاع . وزند المرء ، لا يده ، يكفي في معظم الحالات لوقاية عينيه . 

ثانياً ، أسرع الى ملجأ قريب . وقد يكون هذا الملجأ غرفة محكمة الاقفال اذا كان الانفجار بعيداً وبقيت نوافذ المبنى سليمة . وان غرفة داخلية في الطابق الاسفل ستكون ، ولا شك ، أصلح من أي مكان آخر في المبنى ، الا اذا كان هناك ملجأ تحت البناء . وان نوافذ السيارة الزجاجية ، اذا أحكم اقفالها ، تكفي لايقاف حوالى تسعين بالمئة من الاشعة . 

ثالثاً ، تجنب أكل او شرب أي شيء لوثته الاشعة . وقد يقتصر الغذاء على بعض المعلبات والشرب من زجاجات محكمة الاقفال . 

يكون تأثير الاصابات على نوعين : الاول ، اصابة عامة لها تأثيرشامل على المصاب . وعوارضها الاولى قلة نشاط وصداع أليم متقطع ، يزولان من دون ترك أي أثر اذا أبعد المصاب عن مصدر الاشعاع . والدرجة الثانية ، هبوط في ضغط الدم . والدرجة الثالثة تؤدي الى فقر الدم ومن ثم سرطان الدم وبالتالي الهلاك .  

النوع الثاني ، اصابات محلية ناتجة عن تسديد الاشعة على قسم معين من الجسم ، بحيث يصاب الجلد بالاحمرار اولاً وكأنه احترق بأشعة الشمس القوية ، ومن ثم يزداد سمك الجلد ويخشوشن . وتكون هذه الحروق مؤلمة جداً اذا تعرضت للبرد او للحرارة . واذا زادت كمية الاشعاع على هذا الجزء المتضرر يظهر فيه بعض التدرن الذي يمكن ان يتحول الى سرطان جلدي . 

ذكرنا بعض الاضرار التي قد تسببها الاشعة ، لكن لا يجوز ترك هذا البحث على هذه الصورة المشوهة ، إذ ان اصابات الاشعة ليست كلها ضارة ، وإن تكن مخربة لبعض الاجهزة مثل بعض الخلايا غير الصالحة لاداء وظائفها ويستحسن القضاء عليها او التخلص منها . فاستعمال الاشعة في الطب الحديث للقضاء على بعض الادران والخلايا الفاسدة يستحق التنويه من دون شك . وقد ثبت علمياً ان كمية من الاشعاع ، حوالى عشر الرونتجين في الاسبوع ، تطيل من عمر الحيوان الذي تسلط عليه هذه الاشاعات . 

قد تكون للاشعة فوائد اخرى لم تزل قيد البحث والتجربة ، ولا يجوز استعمال مادة كهذه من دون التأكد من فاعليتها ودرس كل خصائصها وكيفية الاستفادة منها من دون التعرض لاضرارها . ومن أهم الامور التي تستأثر حالياً بتفكير الكثيرين من العلماء ورجال الاقتصاد ، امكانية تأثير بعض الاشعة على نمو بعض النباتات . وقد تنبهت الانظار الى هذه الناحية على أثر الدرس الذي اجرته روسيا في ولايى تونغوسكا في سيبيريا . ففي صيف سنة 1908 وقع حادث غريب في هذه الولاية لم يتفق العلماء في تفسيره ، لكنه من الثابت انه شوهد في الفضاء جسم كبير يحترق بينما هو يتجه بسرعة نحو الارض . ثم تلا ذلك انفجار شديد وموجة من الحر وصفها بعض الفلاحين الذين كانوا على بعد اكثر من مئة كيلومتر من مكان الانفجار بقولهم : " وفجأة شعرنا وكأن ثيابنا احترقت على أجسامنا " . ما يهمنا من هذه الحادثة انه ورد في بعض التقارير القادمة من ولاية تونغوسكا ان كمية الاشعة ارتفعت بعد الانفجار لدرجة انها قضت على الكثير من الاجسام الحية . لكن بعض الاشجار والنباتات التي تلوثت بالاشعة زاد نموها السنوي أكثر من خمسة اضعاف ما كان عليه قبل الانفجار . ونتيجة لهذا التقرير تجري الآن تجارب عديدة على الكثير من النباتات بعد تلويثها بانواع مختلفة من الاشعة . وهناك اسئلة كثيرة تنتظر الاجابة : ما هو معدل نمو هذه النباتات بعد الاشعاع ؟ . هل تصلح بذورها للغرس ؟ . هل تأثربها مدارها السنوي ؟. ماذا سيصيب الحيوان الذي سيستهلكها ؟ . ما هو تأثيرها على ذريته ؟  

قد تحمل الاجابة على كل هذه التساؤلات حلاً لكبرى مشاكل العالم ، ونعني بها كيفية اشباع سكان الارض الذين سيتضاعف عددهم في أقل من خمسين سنة .