امارات الخليج العربي على ساحل عمان

خالد الخرافي  

نشر المقال في تشرين الاول / اكتوبر 1962 ، العدد الرابع والعشرون ، الرائد العربي  

بمناسبة عودة الوفد الكويتي للمعونة الاقتصادية والفنية لامارات الخليج ، أعد " للرائد العربي " السيد خالد الخرافي ، مدير الادارة الاقتصادية بوزارة الخارجية في الكويت ، هذا المقال ، وقد ضمنه بعض خواطره عن رحلته في امارات الخليج . 

ظلت إمارات الخليج العربي بعيدة عن الاحداث ، متخلفة عن ركب التطور ، لا يعلم باحوالها وما يدور في جوانبها سوى قلة من المتصلين بشؤونها . وبالرغم من قيام مختلف الروابط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جمعت اشتات العالم العربي ، سواء منه دوله المستقلة او اقاليمه المحتلة ، فقد بقيت هذه البقعة من ساحل عمان في معزل تحجبها عن شقيقاتها استار كثيفة تخفي وراءها تخلفاً تاماً في مختلف الميادين . فالفقر هو اللون الغالب الذي يصبغ المنطقة ، والجهل هو الظاهرة الواضحة بين ابنائها . غير ان هذا كله لم يغط على مشاعر العروبة ومعرفة ما يجري خارج المنطقة من احداث في العالم العربي كله . 

تغلب البيئة القبلية على المنطقة . فالاماراة عبارة عن تجمعات قبلية بسيطة يحكمها امير يرعى شؤون الامن فيها ويعتبر السلطة العليا والمرجع الاخير في كل امورها . وليس لها من مظاهر الدولة الحديثة أي سلطات تنفيذية او تشريعية او قضائية . وتكوّن الامارات بمجموعها وحدة طبيعية واحدة ، حدودها مشتركة ومتداخلة ، لا يفرض على البضائع عبر الحدود رسوم جمركية، كما لا توجد قيود على تنقلات الافراد من امارة الى اخرى. 

إن تخلف هذه المنطقة على ساحل عمان ، كما أعتقد ، يرجع اساساً الى تفكك اجزائها وعدم ربطها في وحدة سياسية تخضع لها كل الامارات وتسعى متضامنة لرفع شأنها والاستفادة من امكانياتها . ويقع على الدول العربية مسؤولية كبيرة تجاه تحضير هذه المنطقة والاستجابة لمطالب ابنائها الذين ينظرون الى الحكومات العربية باعتبارها المنقذ لهم من هذا الوضع والتأخر. وقد قامت الكويت بدور ايجابي في تبديل هذا الوضع .  

بدأت في سنة 1953 في بناء المدارس وايفاد المدرسين لتعليم ابناء الامارات . وقررت حكومتها مؤخراً تخصيص مبلغ 430 الف دينار كويتي لانفاقها على الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية بتوسيع الموجود فيها وانشاء مرافق اخرى جديدة. كما شاركت كل من حكومتي الجمهورية العربية المتحدة وقطر بارسال المدرسين والمدرسات . وقد بلغ عدد المدارس في كل هذه المنطقة ثلاثين مدرسة للبنين والبنات ، تعتمد كلها على المساعدات الحكومية . 

يتكون ساحل الخليج العربي من الامارات التالية :  

امارة دبي . تعتبر دبي أغنى امارات هذا الساحل . منتجاتها مزدهرة وميناؤها هو المدخل الرئيس للمنطقة من الخليج ، يستقبل السفن وما تحمله من بضائع ، كما تشحن منه صادرات الامارات المختلفة . ويعتبر السمك أهم مصادر ثروة دبي . وينتظر ان تحتل الزراعة المركز الاول في ثروتها الانتاجية بعدد اكتشاف آبار جديدة للمياه العذبة . ويحرص الشيخ راشد بن سعيد  حاكم دبي ، على تحسين معيشة ابنائها . فهو يبذل اهتماماً كبيراً بالتنقيب عن عيون المياه واستغلالها ، كما يهتم بانشاء مؤسسات الخدمات الاجتماعية المختلفة . ومن المشاريع المهمة التي قام بها مشروع تعميق الميناء ومد خطوط شيكة الكهرباء والماء . يبلغ عددمدارسها ست مدارس ، اربعاً للبنين واثنين للبنات . ويبلغ عدد سكان الامارة 45 الف نسمة . 

امارة الشّارقة . يبلغ عدد سكانها 35 الف نسمة تقريباً . يتبع لها على الساحل الشرقي قرى كلبا وخورفكان . تلي دبي من حيث مواردها ، غير انها تعتمد على الاسماك والزراعة في بعض اجزائها . يوجد فيها ثماني مدارس ، ست منها للبنين واثنتان للبنات . 

امارة رأس الخيمة . عدد سكانها حوالى 25 الف نسمة موزعين على قراها . وهذه الامارة أصلح الامارات للزراعة ، حيث تتوفر فيها عيون المياه العذبة وينتشر فيها النخيل . مهنة السكان الرئيسة هي صيد الاسماك . يبلغ عدد مدارسها سبع مدارس ، منها اربع مدارس للبنين وثلاث مدارس للبنات . 

امارة أم القيوين . يبلغ عدد سكانها سبعة الآف نسمة . فيها مدرستان ، واحدة للبنين وأخرى للبنات . 

امارة عجمان . يبلغ عدد سكانها خمسة الآف نسمة . فيها مدرسة واحدة للبنين . 

امارة حمرية . يبلغ عدد سكانها الف وخمسمئة نسمة . 

هذه الامارات الثلاث ليس لها مورد سوى صيد الاسماك ، وليس فيها شيء من مظاهر المدنية الحديثة . فلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات صحية . 

الاسباب الرئيسة لتخلف المنطقة  

هناك اسباب كثيرة يعزى اليها تخلف المنطقة . ولا بد من التخلص من كل هذه العوامل حتى تتمكن الامارات ان تنتقل من بيئتها القبلية البسيطة الى المجتمع المتحضر الحديث . فوعورة الطريق وعدم ربط اطراف المنطقة بشبكة من الطرق الممهدة تقف عقبة امام التواصل التجاري والبشري بين الامارات وتعزل كل منطقة عن اختها . ويشكل نقص المياه العذبة عقبةكبيرة امام نهوضها ، وقد طمست آبار كثيرة نتيجة للاهمال وقلة التنظيم الاداري او انعدامه . كما تفتقر المنطقة الى رؤوس الاموال اللازمة ويسودها الجهل ، فضلاً عن كونها منطقة واسعة الاتساع لا رابط بين اجزائها . 

وضع المنطقة الاقتصادي  

الزراعة 

لا يعتبر الانتاج الزراعي من مصادر الثروة الرئيسة لعدم اهتمام السكان بالزراعة بسبب قلة امكاناتهم المالية من جهة ، ولجهلهم لوسائل الزراعة الحديثة من جهة اخرى . وتشكل وعورة الطرق عقبة امام اتصال المناطق الصالحة للزراعة حيث تتوافر المياه الجوفية ، مما أدى الى غمر كثير من الابار وطمسها . 

تعتبر رأس الخيمة أصلح المناطق للزراعة . تزرع فيها انواع الخضر والاكهة ، علاوة على النخيل . فيها مزرعة تجريبية صغيرة تمد المزارعين بالآلات والتوجيه الزراعي في نطاق ضيق.  ويهدف هذا المركز الزراعي الى توفير بعض المواد الغذائية الضرورية لموظفي الشركات العاملة في المنطقة . وتأتي مساعدة المركز للمزارعين في المرتبة الاولى والاساسية . فهو يقرضهم المال الذي يحتاجون اليه بفوائد محدودة تساعدهم في توسيع نطاق عملهم . وتعتبر جهود هذا المركز ، رغم محدوديته ، دلالة قوية على نجاح تحضير هذه المنطقة واغناء زراعتها المتواضعة . وينطبق الامر نفسه على المناطق الاخرى ، حيث تتوفر المياه الجوفية وحيث تكون الارض طينية صالحة للزراعة ، وحيث تكون الايدي العاملة متوفرة . 

اما الوسائل الواجب اتخاذها لتطوير الزراعة في هذه الامارات فهي :  

1 – انشاء مركز زراعي مزود بالفنيين الزراعيين والآلات والمعدات الضرورية للزراعة ومكافحة الآفات الزراعية .

2 – مد المزارعين بقروض ميسرة طويلة الاجل لتمكينهم من حفر الآبار واعداد ما يلزم لزراعة الارض .    3 – تأمين المياه بالبحث والتنقيب عن المياه الجوفية .

4 – استغلال بعض المناطق الزراعية على نطاق واسع برأسمال كبير ، كأن تقوم شركة او شركات تتعهد هذا العمل وتستغل مساحة واسعة تستخدم في استثمارها الآلات والادوات الحديثة وتعتمد الاساليب الزراعية المتطورة .

5 – توجد في المنطقة الشرقية من الساحل مناطق صالحة للزراعة يمكن ان تصبج منطلقاً للتوسع ، ذلك بانشاء مراكز للتجارب الزراعية وامداد المزارعين بالقروض وتدريبهم على الوسائل الزراعية الحديثة وانشاء جمعية تعاونية لتسويق منتوجاتهم ونقلها براً وبحراً .

الثروة السمكية  

يعتبر صيد السمك العمل الرئيس لاهل المنطقة . غير انه ما زال بدائياً . ونعتقد ان بالامكان تطوير هذه الثروة وتحسين الاستفادة منها باتباع الوسائل التالية :  

1 – انشاء مركز لمساعدة الصيادين وتمويل مشاريعهم .

2 – انشاء شركة كبيرة لصيد السمك وتعبئته واعداده وتسويقه  

الثروة الحيوانية  

الاهتمام بهذه الثروة محدود جداً ، رغم انها تعد ثروة جيدة اذا امكن الاستفادة منها . ويمكن الوصول الى نتائج طيبة اذا انشئت شركة لتربية السلالات الحيوانية المنتقاة والاهتمام بالالبان ومشتقاتها وتربية الاغنام والدجاج .

كذلك يمكن ان يقوم المكتب الزراعي بمجهود كبير في هذا الميدان . 

المياه

تفتقر كل الامارات في الخليج ، باستثناء رأس الخيمة ودبي ، الى مياه الشفة الصالحة للشرب . وتنقل المياه الى كل من عجمان وحمرية وام القيوين والشارقة بواسطة الشاحنات او على ظهور الحيوانات . غير انه من الممكن ايصال المياه الى هذه الامارات بواسطة الانابيب، خاصة وان الشيخ راشد ، حاكم دبي ،  قد وافق على هذا المشروع وابدى استعداداً طيباً بالسماح لهذه الامارات بالحصول على المياه من امارته ، على ان تقوم حكومة الكويت بتمويل المشروع . 

المعادن  

هناك احتمال كبير بوجود ثروات معدنية متعددة ومختلفة في المنطقة ، خاصة الحديد.