الاسواق1

ازدهرت الاسواق، او التجارة المحلية، في الجزيرة العربية قبل الإسلام، بفضل الاحلاف والاشهر الحرم. وكانت هذه الاسواق كثيرة ومتنوعة، منها الدائم ومنها الموسمي . وانتشرت هذه الاسواق في مناطق عديدة داخل الجزيرة العربية، وصار لكل مدينة وقرية تقريباً اسواقها. وتحولت المدن الواقعة على طرق التجارة البرية والبحرية محطات للقوافل والمسافرين. وكانت معظم هذه الاسواق تقام في اوقات وصول القوافل، فيقصدها الناس من مستهلكين وتجار، يتبادلون عروض التجارة والصناعة والزراعة. وكان اختلاف انواع المحاصيل والغلات والمصنوعات الحرفية قد اسهم في نشأت هذه الاسواق وتوسعها.

واشتهرت أقطار ومدن بنوع من هذه الانواع. فالبخور في ظفار و
البحرين والسيوف والبرد في اليمن والجلود المدبوغة في الطائف. وفي الشام الزيت والخمر والاعناب والزبيب. وفي هجر والبحرين التمور، بينما الخمور في بصرى والعطور في عـدن والبتراء والمعادن تصَنع في نجران. وكانت المناطق الزراعية بحد ذاتها أسواقاً للمحاصيل الزراعية يرتادها سكان القرى والمناطق المجاورة وأهل البادية لشراء ما يحتاجون اليه او لبيع ما عندهم من أصواف وأغنام وجمال وألبان وأجبان وحبوب وتمور.

أساليب البيع والشراء

كانت بعض هذه الاسواق دائمة تستمر طيلة السنة وبعضها الآخر موسمي. ومنها ما هو متخصص بسلعة او يشمل أكثر من سلعة واحدة. وكان التجار يمكثون في الاسواق يبيعون ويشترون حتى ينتهوا من تجارتهم. ولهم في البيع والشراء أساليب مختلفة، منها :

- بيع الملامسة حيث يلزم المشتري بشراء السلعة التي لمسها .
- بيع المهمهة والايماء خوفاً من الكذب والحلف .
- بيع برمي الحجر او الحصاة .
- بيع الملاقيح (ما تحمله اناث الابل)
- بيع المضامين (ما سينتج من فحول الابل)
- بيع المعاودة (بيع نتاج الابل لسنوات)
- بيع المعاومة (بيع ثمر الشجر لعامين او أكثر)
- بيع المزابنة (بيع الرطب او رؤوس النخل بالتمر كيلاً)
- بيع التصرية (امتناع البائع عن حلب شامته اياماً قبل بيعها حتى يظن المشتري ان لبنها كثير)
- بيع ضربة القابض (ما يخرج من صيد في البر او في البحر)
- بيع ضربة الغائص (ما سيخرجه الغواص من اللآليء)
- بيع المخاضرة (بيع الثمار خضراً) .
- بيع المنابذة (متى نبذ البائع سلعته الى المشنري وجب البيع)
- بيع السرار ( إختص به سوق عكاظ )
- بيع الاجنة (في بطون امهاتها .من المواشي والانعام)

كانت الأسواق الدائمة تقام عادة في وسط المدينة او القرية او أمام معبد او عند ملتقى الطرق في مكان محايد يمكن رؤيته من مسافة بعيدة او في ميدان واسع يتصل بطريق يبدأ عند بوابة المدينة. وكانت الحوانيت تقام على جانبي الطريق وتخضع لاشراف السلطة التي كانت تعين موظفاً يراقب عمليات البيع والشراء ويشرف على تطبيق الانظمة ويمنع الغش ويحصِل الضرائب من الباعة. وكانت هذه الاسواق الدائمة تستمر طوال العام. وكانت غالبية المدن تعد أسواقاً دائمة. وقد يقتصر تبادل السلع فيها بين المقيمين او بينهم وبين الذين يفدون اليها من البلدان والمناطق المجاورة. وقد يوجد في المدينة الواحدة أكثر من سوق. فالبتراء مثلاً كانت تضم ثلاث اسواق تباع فيها سلع متنوعة، بينما تخصصت اسواق اخرى ببيع سلعة معينة. فقد كان للعطارين سوقهم ولباعة الفخار سوقهم ولباعة الماشية سوقهم .

كانت الأسواق الموسمية معارض تجارية وكانت تقام في أماكن متعددة من شبه الجزيرة العربية وبحماية قبائل مختلفة وضمن أوقات متفاوتة. فمن أسواق تنعقد في الأشهر الحرم  (هي اربعة: رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم). وكانت المناطق المحيطة بالكعبة حرم دائم، ومنها سوق حجر اليمامة الذي يستمر حتى نهاية المحرم وسوق نطاة الذي كان يستمر لعشرة ايام، وسوق حباشة وسوق صحار وسوق دبي وسوق حضرموت وسوق عكاظ الذي كان يستمر عشرين يوماً خلال شهر ذي القعدة، وسوق مجنة وسوق ذي المجاز .

أسواق موسمية

كانت هنالك اسواق موسمية تقام في أشهر أخرى منها :

- سوق دومة الجندل . تنعقد السوق في اول ربيع الاول وتنتهي في منتصفه . تقع دومة الجندل في منطقة الجوف شمالي الحجاز على حدود الشام في نقطة متوسطة بين المدينة والخليج العربي والشام . وهي حصن منيع تحيط به قرى لبني كنانة من قبيلة كلب . كان يرتاد السوق القادمون من العراق والشام وشبه الجزيرة العربية . كانت تحميها قبيلتا كلب وجديلة طيء . وكانت هذه السوق كثيرة الرواد لأن فوائدها وافرة ، رغم مخاطر طريقها ووعورة مسالكها وطول السفر اليها . وكان البيع فيها يتم بالرمي بالحصاة او بالحجارة .

- سوق هجر . ينعقد في مطلع ربيع الثاني. يشتمل اسم هجر على أرض
البحرين عامة. وتعد هجر كما اليمن وعُمان من أخصب مناطق شبه الجزيرة العربية وأكثرها رخاء. لأهلها اسباب للعيش غير التجارة، كالغوص على اللؤلؤ. وهي على اتصال تجاري دائم ببلاد الفرس والهند. وكانت تأتيها البضائع المختلفة من هذين البلدين وبلدان اخرى مما جعلها مقصد الناس الراغبين بالحصول على ما يوجد فيها ولا يوجد في غيرها. كانت قوافل كسرى تحمل الى سوق هجر لطائم تحمل الطيب فيباع فيها وترجع محملة بالبضائع المختلفة والطمور. وكانت العرب تقصد سوق هجر بعد انفضاض سوق دومة الجندل.

- سوق عُمان . ينعقد بين آخر ربيع الثاني وينتهي بنهاية شهر جمادي الاول. قيل قديماً : "من تعذر عليه الزرق فعليه بعمان"، فأرضها غنية وتجارات أهلها كثيرة. إشتهرت بالورس الأصفر الذي يصبغ به وبالعنبر. بقيت سوقها تقام في موسمها حتى ايام الرشيد. تقع دبى على ساحل البحر وكان فيها بضائع اجنبية يحملها التجار من بلادهم بحراً وبراً، ومنها كانت تنفذ تجارات العرب الى الخارج. البيع فيها كان بالمساومة. لا يباع فيها شيء حتى يبيع ملكها كل ما عنده، وهو الذي يعشر الناس (يأخذ عشر اموالهم) فيها، كما يفعل غيره من الملوك. كان الجلندي بن المستكبر أشهر ملوكها.

- سوق المشقر . يبدأ في اول جمادي الآخرة وينتهي مع انتهاء الشهر. وكان يقام في حصن بين
نجران والبحرين، وهو مكان قريب من هجر. كان لكسرى سطوة على هذا السوق، شأنه في ذلك كما في سوقي هجر وعمان. وكان قاصدها لا يستغني عن حمايته. اما حماة السوق فكانوا من بني تميم. وكان البيع فيها بالملامسة والايماء والمهمهة. لم يسمح أهلها ببيع تجارة او عرضها حتى تنفق تجارتهم بتمامها .

- سوق الشِحر . يجري في النصف الثاني من شهر شعبان. تقع الشحر على الساحل الجنوبي في شبه الجزيرة العربية بين عمان و
عـدن. البضائع الرائجة فيها البز والأدم والمر والصبر والدخن. البيع فيها كان يتم برمي الحصاة والقاء الحجارة. لا يسير قاصدها الا بخفارة لبعدها وانقطاعها عن بقية المناطق المجاورة. لم يكن فيها عشور .

- سوق عدن . ينعقد في العشر الاول من
رمضان. كانت عدن تخضع للنفوذ الفارسي وتقع على بحر اليمن.

- سوق المربد . تقع على الجهة الغربية من البصرة وأفرب الى البادية. كانت في الجاهلية سوقاً للابل واشتهرت بعد الاسلام وحافظت على الكثير من خصائص وعادات اسواق ما قبل الدعوة، وزادت عليها واصبغتها بخصائص الحضارة الجديدة، فكانت مرآة لحياة العرب قبل
الإسلام وبعده. كانت مسرحاً لدعوات سياسية ودينية ومنبراً لأهل العلم. وكانت كل قبيلة تعرض فيها شعرها ومفاخرها وتجارتها .

- سوق صنعاء . يقام في النصف الثاني من رمضان .       

- سوق صحار وسوق دَبا في عُمان . تقع صحار في عمان على شاطئ البحر، وهي أعمر مدينة في عمان وأكثرها مالاً. كثيرة الفاكهة. جاءتها السلع من مختلف اقطار شبه الجزيرة العربية. لم تكن من الاسواق العامة، بل سوقاً تجارياً فقط. البيع فيها بالقاء الحجارة. كانت تنعقد السوق بين العاشر من رجب والخامس عشر منه.

- سوق الرابية . في
حضرموت .

- سوق عكاظ . (نتحدث عنه ادناه)

- سوق ذي المجاز القريب من
مكة.

- سوق نطاة خيبر الى الشمال من
المدينة المنورة.

- سوق حجر . يقام في اليمامة غربي
البحرين وجنوبي العراق .

ومن أنظمة هذه الاسواق الرهن، بحيث كان المشتري يرهن متاعه وولده لحين سداد دينه. وكذلك نظام المقايضة، أي تبادل سلعة بأخرى. ومارس العرب كذلك تبادل السلع بأوزان المعادن الثمينة، كالذهب او الفضة. وهي عادة قديمة مارسها من قبل تجار بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.

لم تتفق المصادر العربية حول عدد هذه الاسواق وعلى مواقيت إقامتها. فمحمد بن حبيب في كتابه "المحبر" يحددها باثنتي عشرة سوقاً. وقد وافقه اليعقوبي في "تاريخه" على عشرة منها بعد ان حذف سوق حجر اليمامة وسوق نطاة خيبر، بينما يذكر الهمداني انها اربعة اسواق فقط، هي عدن وعكاظ وحجر اليمامة وذو المجاز وأضاف اليها سبعة اسواق لم يأت على ذكرها بن حبيب، وهي نجران وبدر ومكة ومنى والجند ومجنة وهجر البحرين، أي ان الاسواق في رأيه بلغت احد عشر سوقاً. أما القلقشندي في كتابه "
صبح الأعشى" فحدد الاسواق بثمانية هي دومة الجندل وهجر وعمان والشحر وعدن وحضرموت وصنعاء وعكاظ. أما المرزوقي فجزم في مؤلفه "الازمنة والأمكنة" ان الأسواق الموسمية قبل الاسلام بلغ عددها سبعة عشر سوقاً مضيفاً الى لائحة ابن حبيب خمسة اسواق هي مجنة وبُصرى ودير ايوب (في حوران وتسمى الآن قرية الشيخ سعد) واذرعات (درعا) والأسقى.

بعض هذه الاسواق أصاب شهرة أكثر من البعض الآخر . فقد ذكرت دائرة المعارف الاسلامية ان عدد الاسواق زاد عن الاربعة عشر سوقاً. واشارت الى سوق دما الذي تكلم عنه
ياقوت الحموي في مؤلفه معجم البلدان، والى سوق حباشة في ديار بارق بتهامة، وسوق المربد الذي كان يقام في موقع بنيت عليه مدينة البصرة في عهد عمر بن الخطاب. وكان سوقاً للابل، عرف في العصر الاسلامي باسم سوق عكاظ الاسلام ، حيث كان الشعراء يفدون اليه .

تميز سوق عكاظ قبل الإسلام عن سواه وتبوأ الصدارة بين كل اسواق العرب في الجاهلية، رغم ان عكاظ كانت آنذاك قرية تخلو من السكان. وكانت تجتمع فيه قبائل العرب من كل صوب وحد للاتجار مع قبائل نجد. كما كانت اعداد من الحكام والقضاة وكبار تجار ذلك الزمان تأتي اليه. وكان من ابرزهم هاشم جد النبي وابو طالب عبد مناف عم الرسول. وكان هذا السوق يتصل بطرق سالكة الى اليمن وبلاد الشام وبابل والخليج. وقد توافرت فيه فرص بيع وشراء السلع المحلية وغير المحلية. وكان البيع يتم بالتبادل والمقايضة .

تقسم اسواق العرب الموسمية من حيث موقعها الى:

اسواق العراق، وهي أسواق الحيرة والمربد.
اسواق بلاد الشام ، وهي أيوب و
بصرى وأذرعات.
اسواق الخليج العربي، وهي في هجر البحرين وعُمان والمشقر و
صحار ودبا وحجر اليمامة.
اسواق الجنوب العربي، وهي شحر مهرة، عدن ،
صنعاء، رابية، حضرموت.
اسواق الحجاز ونجد ، وهي عكاظ ، المجنة ، ذي المجاز ، دومة الجندل ، حباشة (تهامة) ، خيبر، وبدر .

انظمة السوق

تمتعت أسواق العرب في الجاهلية بنظام أمن وحماية تفرضه الدولة التي يقام السوق ضمن أراضيها، مقابل ضرائب محددة تجمعها من التجار المشاركين. وفي مجال الأمن كانت الدولة مسؤولة عن فرضه، كملاحقة المجرمين ومنع الاعتداءات. اما اذا كانت الاسواق في مناطق البادية قكان التجار يستأجرون الخفراء مقابل مبلغ من المال يدفعونه لهم. ويبدو ان هؤلاء الخفراء قاموا بالمهمة وحموا القوافل التجارية والاسواق خلال انعقادها. وكان زعماء القبائل الذين يحضرون هذه الاسواق ينصبون أنفسهم حكاماً ويجبون الضرائب والمكوس من التجار. ففي سوقي عكاظ وذي المجاز، مثلاً ، قامت طائفة من الفرسان بزعامة صلصل بن أوس من بني تميم بالدفاع عن الحرمات وفرض الأمن والنظام ومنع وصول اللصوص والمجرمين المحليين الى حرم السوق . ويقول اليعقوبي ان قوماً من المحليين، من قبائل أسد وطيئ وبني بكر وبني عامر، كانوا ينصبون أنفسهم لنصرة المظلوم ومنع ارتكاب المنكر والحيلولة دون سفك الدماء. وكان فريق مسلح يدعى الذادة المحرمين من بني عمر وبني حنظلة وهذيل وبني شيبان وبني كلب وبني وبرة مهمته حفظ الامن وفرض النظام .

كانت أصول المتاجرة في الأسواق تقضي باشهار مصدر البضاعة وعلاماتها التجارية. والبضاعة المجهولة المصدر لا يشتريها أحد. والسلعة المسروقة يمنع بيعها ويعتقل بائعها. وكان التجار يعرفون العلامات التجارية المميزة لكل قبيلة، كما يعرفون سندات التملك وسندات البيع والشراء المحررة وفقاً للاصول. كذلك كانوا على درية بقيود المعاملات التجارية وحساباتها.

تصنيف الاسواق

يمكن ان تصنف الاسواق أصنافاً ثلاثة :

1 – أسواق تخضع لنفوذ أجنبي وتدار بنظم خاصة وتغيب عنها الصبغة العربية. وهي الاسواق التي كانت تقام في اراض سيطر عليها الفرس والروم .

2 – أسواق أقامها العرب في شبه الجزيرة العربية تلبية لحاجتهم اليها فصارت تمثل عاداتهم في البيع والشراء والخصام والزواج والحقوق الخ .

3 – أسواق ذات صبغة مختلطة، كأن تكون على ساحل البحر كعدن وصحار ودبي، وفيها يجتمع التجار من شتى البلاد.

بقيت هذه الاسواق تقام في مواسمها وعندما انتقلت اعداد كبيرة من العرب للسكن في المدن الكبرى في بلاد الشام والعراق ومصر وفارس فتضاءلت أهميتها ثم امحت ورسخت أقدام التجار في المدن والثغور.

سوق عكاظ                                           

إكتسب سوق عكاظ شهرة لم تكتسبه الاسواق الاخرى في شبه الجزيرة العربية، وزخرت المصادر العربية باخباره بشكل يفوق أي سوق آخر. ومما لا شك يه ان شروط السوق قد تحققت فيه أكثر من بقية الاسواق.

كان سوق عكاظ يقام في سهل كبير في بلاد الحجاز خلف عرفة. ويبعد عن الطائف أقل من خمسة عشر كيلومتراً، وعن مكة مسيرة ثلاثة ايام الى جنوبها الشرقي. وعرف هذا السهل باسم الأثيدا. وكانت قبائل الشمال والجنوب تجتمع في سوق عكاظ للاتجار مع قبائل نجد، وتلتقي فيه الطرق القادمة والذاهبة من والى اليمن وبلاد الشام والخليج والعراق. وكانت عكاظ في الاساس عبارة عن قرية تخلو من السكان الا في وقت انعقاد السوق خلال الاشهر الحرم .

لم تكن للسوق حدوده المعينة، نظراً لسعة ارضه. فيه نخيل ومياه، أرضه مستوية واسعة الارجاء، لا جبل او مرتفعات فيها. وكانت قبيلة هوزان من قيس عيلان تحمي السوق لأن السوق في أرضها.

كانت عكاظ معرضاً تجارياً ومنتدى اجتماعياً حافلاً بكل انواع النشاطات. ويقال ان السوق هناك بدأت قبل الهجرة بسبعين سنة.

تنوعت الأصناف التي كانت تعرض في سوق عكاظ. فمن زيوت وقمح ودقيق وزبيب وارجوان
صيدا وصور والمصنوعات الذهبية والفضية والأواني الزجاجية القادمة من بلاد الشام، او الحناء من عسقلان والخمور الجيدة من بصرى وغزة واللؤلؤ من البحرين والتمور من هجر .

تولت قبيلة هوزان قبل حروب الفجار القضاء في عكاظ، وصار لكنانة بعدها. ثم اجتمع القضاء والموسم في يد رجل واحد من تميم واستمر الامر على ذلك فتولاها ثمانية رجال من تميم على التوالي الى قبيل مجيء الاسلام. ويروى انه كان لسوق عكاظ محكمة تجارية وكتاب عدل يتولون كتابة العقود والمعاملات. وقيل ان العرب استعملوا العلامة التجارية (شهادة المنشأ بمفهوم اليوم) في سوق عكاظ، وهي السمات التي تميز البضاعة، إذ كان لكل تاجر وسمة خاصة يميز بها بضاعته. كذلك استعملوا الصكوك التجارية .

أسواق دائمة

تحدثنا أعلاه عن الاسواق الموسمية، وهي تشبه الى حد ما المعارض التجارية التي تقام في ايامنا هذه. كما كانت للمدن العربية القديمة، بشكل عام، أسواقها الدائمة التي تميزت عن الاسواق الموسمية لكونها دائمة. وكان في كل مدينة أكثر من سوق متخصص. وبعض هذه الاسواق القديمة ما زالت قائمة حتى يومنا، منها على سبيل المثال اسواق دمشق وبغداد والقاهرة وتونس والجزائر ومراكش الداخلية. اما أبرزها في شبه الجزيرة العربية فهي اسواق صنعاء.

لم تصب أسواق صنعاء القديمة الشهرة التي بلغتها اسواق اخرى آنذاك، كسوق عكاظ مثلاً. غير انها عمرت أكثر من سواها في شبه الجزيرة العربية. وهي لا تزال حية، كالكثير من أمثالها في مدن عربية منشرة من الشرق الى الغرب. واذا جال أحدنا اليوم في هذه الاسواق سيجد نفسه متنقلاً ومتجولاً بين عصور وأزمنة عصت على الزمن. هو الماضي تعيشه صنعاء اليوم بفضل أسواقها .

صنعاء القديمة سوق كبير

يمكن وصف صنعاء القديمة بسوق كبير يحيط به سور قديم وتتشعب فيه الازقة الضيقة وتنتشر فيه الحوانيت على جانبي الطرقات الداخلية الضيقة. طول صنعاء القديمة لا يتجاوز الألفي متر بين بابي اليمن جنوباً وشعوب شمالاً. بلغت أسواقها قديماً حوالى 50 سوقاً ثم تناقصت مع الزمن لتصل حالياً الى 35 سوقاً فقط. وكانت أسواق صنعاء القديمة تمثل على مستوى منطفة شيه الجزيرة مركزاً مهماً للانتاج الحرفي ولتجارة المنتجات الريفية. وقد شاركت صنعاء قديماً في تجارة القوافل التي كانت تربط موانيء البحر الاحمر والمحيط الهندي بشبه الجزيرة العربية. وكانت أسواق صنعاء تصدر في ذلك الزمن الجلود والاحذية والسجاد والألبسة المختلفة والآنية المصنوعة من اليشب الأسمر. وكان في حاناتها  (سمسراتها) حرفيون يعملون بتشذيب العقيق اليماني والاحجار الكريمة. وكانت تأتيها القوافل من بلادي الشام وفارس محملة بالذهب والحرير والتوابل والعطور والاقمشة.

كانت المناطق المتصلة بصنعاء كحضرموت وزبيد ويريم ووصاب تأتي بمنتجاتها الحرفية وثيابها المنسوجة لبيعها في أسواقها، وبشكل خاص في سوق البز. أما السلال والفخاريات المنتجة في القرى المجاورة فكانت تباع في السوق الذي تباع فيه المنتجات الزراعية ومن بينها البن والزبيب.

"دهليز" صنعاء هو الاسم الذي أطلق منذ القدم على سوق النظارة. هو ممر طويل يبدا من باب اليمن، وهو المدخل الجنوبي للمدينة القديمة. وقد أطلق عليه أسم سوق النظارة لأنه اشتهر، وما زال ، ببيع العطور وادوات التجميل والحنة والاقمشة. وقيل لانه اول سوق يقع نظر المتسوقين عليه عند مدخل صنعاء القديمة من الجهة الجنوبية لباب اليمن.

للفضة سوق خاصة يدعى سوق المخلص لأن الحرفيين هنا كانوا، وما زالوا، بعملون على تخليص الفضة من الشوائب والمعادن الاخرى. كذلك كان للعقيق اليماني وما زال، شهرة وله سوقه الذي عرف باسم سوق العقيق .

عرف سوق البهارات قديماُ بسوق الملح. وهي التسمية التي اطلقت على المنطقة القديمة بكاملها.

سوق الجنابي

الخنجر اليمني تحفة فنية إنفرد اليمنبون بصناعتها منذ العهود القديمة. فهي موروث حضاري عريق، أطلق عليه منذ القدم اسم الجنبية. وله اليوم، كما كان في العصور السابقة، سوقه المعروف باسم سوق الجنابي. لحزامه سوقه الخاص المعروف باسم سوق العسوب. وكان الاثرياء قديماً يقتنون الجنابي "الاصلي" ذات المقبض المصنوع من سن الفيل، واذا أمكن من قرن وحيد القرن. أما البسطاء والفقراء فكانت مقابض جنابها مصنوعة من قرون البقر والماعز. أما النصلة (حديدة الخنجر) فكانت تصنع في سوق الحدادة. اما العسيب، وهو الغمد والحزام، فكان من أنواع مختلفة، لكل نوع دلالات مناطقية او عشائرية. والعسيب من صميم التراث اليمني. فهناك العسيب الصناعي (الأخضر) والمأربي (الابيض) والمسيقل والتوزة. وللاحزمة صلة تراثية. فقد عرفت، وما زالت تعرف، باسم التزجة. نقوشها كانت تصنع قديماً من الجلود وتطرز بالسيم الفضي او الأحمر او الذهبي.

المراجع
1- حمور ، عرفان محمد : أسواق العرب ، دار الشورى ، بيروت 1979 .
2- الأفغاني ، سعيد : أسواق العرب في الجاهلية والاسلام ، دار الفكر ، دمشق ، 1960 .
3- بروكلمان ، كارل : تاريخ الشعوب الاسلامية ، تعريب فارس وبعلبكي ، دار العلم للملايين ، بيروت 1977 .
4- البلاذري ، ابو الحسن : فتوح البلدان ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1991 .
5- ابن المجاور ، ابو الفتح : صفة بلاد اليمن ومكة والحجاز ، بريل ، ليدن ، 1951 .
6- المرزوقي ، احمد الأصفهاني : الأزمنة والأمكنة ، حيدر اباد ، 1332 ه .
7- الهمذاني ، الحسن : صفة جزيرة العرب ، مركز الدراسات والبحوث اليمني ، صنعاء ودار الاداب ، بيروت .
8- معطي ، علي : تاريخ العرب الاقتصادي قبل الاسلام ، دار المنهل ، بيروت 2000 .

 



البحرين
اليمن
بصرى