التجارة في عهدة الخلفاء

تولى الخلافة بعد وفاة الرسول خلفاء تجار منهم تاجر البز أبو بكر الصديق الذي أنفق الكثير من ماله في سبيل الإسلام والدعوة له. وقد ترك التجارة اثناء خلافته التي امتدت بين سنة 11 و 13 هجرية، بعد ان وجد صعوبة في الجمع بينها وبين شؤون الخلافة، مما دفع الصحابة لفرض عطاء له من مداخيل التجارة. وعمل عمر بن الخطاب على الاتجار باموال اليتامى المتجمعة لديه بعد ان أوكل اليه عثمان بن ابي العاص، والي البصرة، التجارة بهذه الاموال حتى لا تأكلها الصدقة. ومما يدعم ما تواتر من شكوك حول استمرار عمر بن الخطاب في ممارسة التجارة بعد توليه الخلافة واستعانته ببيت المال، ما ذكر عن ديون ترتبت عليه لبيت المال. وقد أوصى عند وفاته ابنه عبد الله ان يسدد دينه لبيت المال والذي بلغ ثمانين الف درهم ونيف.  

إختار عمر ستة اعضاء من مجلس الشورى ليكون احدهم خليفة من بعده، وهم
عثمان بن عفان ، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب، مما دفع الى الاعتقاد ان مجلس الشورى كان بالفعل مجلساً لكبار التجار ورجال المال والاعمال في المدينة المنورة. وقد أعطي عمر بن الخطاب تسيير دفة النقاش والكلمة الفصل في اختيار خليفته لعبد الرحمن بن عوف، وهو أكثر الاعضاء مالاً وتجارة. وتم اختيار شريكه في التجارة عثمان بن عفان ليتولى شؤون المسلمين . 

كان
عثمان بن عفان من كبار التجار المسلمين وأشهرهم في أمور المضاربة والبز ومواد الطعام، فسيطر على التجارة البحرية ولم يسمح لاحد ان يشاركه فيها، كما سيطر على التجارة البرية. وتكثر المصادر من ذكر استقراض الخليفة عثمان بن عفان الاموال من بيت المال واستخدام بعضها في التجارة، مما أدى الى نشوء خلاف بينه وبين المسؤول عن بيت مال المدينة عبد الله بن الأرقم. ونقل عن الأرقم انه قال لعثمان: "أد المال الذي استلفت" فأجابه عثمان: " ما انت وذلك، انما انت خازن لنا"، مما دعا عبد الله بن الارقم الى ترك العمل ببيت المال. وتذكر مصادر تاريخية (مثل ابن الجوزي وابن ابي الحديد) ان أقارب عثمان استغلوا خلافته في تنمية ثرواتهم عن طريق التجارة. وقيل ان عثمان أقطع سوق المدبنة للحارث بن الحكم، فتحكم الحارث بمقاعد السوق واسعاره وأخذ كل يوم درهمين وعشر ما يباع فيه، رغم ان الرسول كان قد أعفى الاسواق من دفع العشور. ولما طلب سكان المدينة من عثمان ان يعزل الحارث رفض طلبهم. واستغل مروان بن الحكم، من جهته، علاقته بالخليفة عثمان لتعزيز تجارته، وهو الذي كان يبيع النَوى في سوق المدينة ويأمر ان يباع نواه اولاً مدعياً ان النوى يعود للخليفة من دون ان يعلم الخليفة عثمان بهذا الادعاء. وعندما راجع طلحة بن عبيدة الله الخليفة في أمر تجارة النوى نفى علمه بها.

لم يرق لكبار تجار المدينة المنورة تولي
علي بن أبي طالب أمر الخلافة لكونه رجل دين اكثر منه رجل اقتصاد وتجارة .

عمل التجار في اجهزة الدولة وبخاصة في ادارة ولاياتها، كما عملوا في قيادة الحملات العسكرية وأشرفوا على الاسواق. وكان الرسول قد استعان بعدد من التجار في قيادة معظم السرايا، وعين ابا سفيان بن حرب، كبير تجار مكة ، على حرب
نجران، كما عين معاذ بن جبل اميراً وقاضياً على اليمن وجابياً لصدقاتها. كذلك ارسل ابان بن سعيد بن العاص الى البحرين وعهد اليه بصدقات اهلها وتجارتهم ، وأوكل الى سعيد بن العاص الاشراف على سوق مكة .

إستعان الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول بالتجار في تسيير أمور الدولة، فعين ابو بكر الصديق عثمان بن ابي العاص والياً على
الطائف، ومن بعده عينه الخليفة عمر بن الخطاب والياً على عمان والبحرين، كما استعمله مسؤولاً عن ميناء البصرة التجاري في الايلة لجمع العشور من التجار. وكذلك عهد اليه بتنمية أموال اليتامى ليتاجر بها. وعين الخليفة عمر عمرو بن العاص الذي اشتهر بتجارته مع مصر قائداً للجيش وعهد اليه بفتح بلاد وادي النيل، وتم له ذلك وعين والياً عليها. وفي ايام عثمان بن عفان عزل عمرو هذا، ثم أعيد في ايام معاوية بن ابي سفيان والياً على مصر واستمر في حكمها ست سنوات. وقد اشتهر احد مساعديه وردان الرومي بغناه في مصر حتى ان احد اسواق الفسطاط (القاهرة القديمة) سميت باسمه.

قاد سعد بن ابي وقاص الجيش الذي فتح
العراق وبقي والياً على الكوفة. وفي بلاد الشام كان معاوية بن ابي سفيان والياً عليها في ايام عمر بن الخطاب وخليفته عثمان بن عفان. كما تم تعيين عتبة بن ابي سفيان في الطائف وجعله الخليفة عمر بن الخطاب مسؤولاً عن صدقاتها. وعين عمر سلمان الفارسي على المدائن حيث كان يتاجر بالخوص. أما حنيفة بن السيمان فقد ولاه عمر بن الخطاب على المدائن لمساحة ارض العراق وتقدير الضرائب على الارض والسكان. وكان يساعده في عمله هذا عثمان بن حنيف.

كان
أبو موسى الأشعري الذي قاد الفتوح في جبهة البصرة تاجراً كبيراً. وكان له غلام يعمل في بيع الاعلاف بالبصرة. واستطاع عدد من عمال عمر بن الخطاب في منطقة البصرة تنمية اموالهم بطرق متعددة بينها ممارسة التجارة. ولما بعث عمر بن الخطاب ابا هريرة عاملاً على البحرين ظهر عليه الثراء بفعل ممارسته التجارة وجنيه ارباحاً طائلة.

أكمل الخليفة عثمان بن عفان التقليد الذي سار عليه الخلفاء السابقون، فاستعان بالتجار اثناء خلافته. فعين التاجر عبد الله بن عامر والياً على البصرة واشركه في قيادة الجيش عند فتح خرسان. ولما تولى معاوية الخلافة طلب منه عبد الله بن عامر ان يثبته في ولايته على البصرة لأن له فيها ودائع وصنائع يخاف ان يفقدها. وتقول احدى الروايات انه اشترى في البصرة سوقاً من ماله الخاص ووهبه الى أهله الذين لم يأخذ قط منهم اي ضرائب. وفي العراق قلد الخليفة معاوية زياد بن ابيه ولاية البلد. وكان زياد هذا تاجراً ثرياً. وتذكر مصادر متعددة ان زياداً ارسل رجلاَ من الشام ليتاجر له بستين الف درهم. واثناء خلافة مروان ارتفع نفوذ العمال والولاة التجار. فيذكر ان الحجاج بن يوسف كان يدفع امواله للتجار مضاربة للاتجار له بها. وعمل احد عمال الحجاج على خرسان، وهو عبد الله بن ابي بكرة، في شراء الطعام من بلاد العدو وبيعه من جيش الحجاج بسعر أعلى. وبرزت شهرة محمد بن يوسف الثقفي، عامل اليمن للوليد بن عبد الملك، بالتجارة واشتهر بمقدرته الفائقة في تنمية الاموال اثناء ولايته.

خص
الرسول شيوخ القبائل والاشراف وكبار التجار والملاكين بعضاً من اهتمامه ورعايته، فوقف الى جانبهم وراعى مصالحهم. فقد أعفى الرسول التجار من ضريبة العشور ودعاهم الى اداء الصدقات، ومنحهم الهبات والمنح المالية والاقطاعات. ويشير التدقيق في قوائم الاقطاعات والمنح المالية التي قدمها الرسول للمسلمين ان معظمها ذهب الى التجار وملوك القبائل وشيوخها. فقد أقطع الزبير بن العوام اراض في خيبر وبني النضير ومساحات واسعة من ارض الموات. وأقطع تميم الداري منطقة الخليل قبل الشام وكتب له كتاباً بذلك. وكذلك أقطع عبد الرحمن بن عوف اراض كثيرة، منها ارض في الشام بعد فتحها. وأقطع فرات بن حيَان العجلي اراض في اليمامة تغل اربعة الآف درهم.

إتبع الخلفاء الراشدون سياسة الرسول في منح الاقطاعات واعطاء الهبات للتجار. فقد أقطع ابوبكر الصديق اراض للزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله. وأقطع
عمر بن الخطاب أرضاً لعبد الرحمن بن عوف، وأقطع الزبير بن العوام العقيق بأجمعها. وسار عثمان بن عفان على النهج نفسه وأقطع الكثيرين من التجار ووسع في منحهم الاقطاعات، سواء في الحجاز او في الامصار الجديدة. أقطع سوق المدينة المنورة للحارث بن الحكم، وأقطع اربعة اخماس أفريقية الى مروان بن الحكم.

أكثر عثمان بن عفان من صلاته المالية بالتجار، مثل صلاته لصهره سعيد بن العاص، كما وصل ابن الزبير بستمئة الف درهم، ووصل العباس بن الحارث بن عبد المطلب بمئة الف درهم وأقطعه داراً، وكتب صكوكاً مالية لاقاربه ولعبد الله بن خالد بن أسيد بن ابي العاص من بيت المال بلغت ثلاثمئة الف درهم.

كان معاوية بن ابي سفيان أكثر الخلفاء تقرباً الى التجار وشيوخ القبائل وسادة العشائر. فقد منح عبد الله بن عمر بن الخطاب منحة سنوية بلغت مئة الف درهم. واتبع عامله على البصرة عبد الله ابن عامر بن كريز سياسة معاوية فمنح عبد الله بن عمر ستين الف درهم على دفعتين. ولما حج معاوية في احدى السنين منح عبد الله بن صفوان الفي شاة وارسل الى حكيم بن حزم أموالاً وصلات لكنه رفضها. وأمر لعبد الله بن جعفر بخمسين الف دينار. واستمر يزيد ابن معاوية في اعطاء بن جعفر المنح والعطايا السخية. أما منح معاوية لاسياد قريش وتجارها فقد عدت ذات أهداف سياسية بسبب رغبته في تحيدهم وشراء رضاهم في خطته لتحويل الخلافة الى نظام وراثي داخل عائلته او لصرفهم عن المطالبة بالخلافة.

قدم الخلفاء والامراء تسهيلات تجارية للعديد من التجار. ويروى في هذا المجال ان نافع بن الحارث، عندما أبلغ عمر بن الخطاب بفتح الايلة واتخاذه منها تجارة له، طلب من الخليفة ان يكتب الى عتبة بن غزوان "ان يحسن جواري". فكتب له عمر بن الخطاب بذلك. وعندما منع عمر بن الخطاب الاعاجم من المتاجرة في سوق المسلمين بالمدينة احتال أحد الأعاجم على القرار بان باع بضاعته باسم عثمان بن عفان. وقد أجاز عمر ذلك. وبدوره طلب العباس بن الحارث بن عبد المطلب من الخليفة عثمان بن عفان، وكان العباس ابن شريكه في التجارة قبل
الإسلام، ان يكتب الى والي البصرة عبد الله بن عامر بن كريز ليسلفه من بيت المال مئة الف درهم ففعل. وطلب احد الموالي التجار (من غير المسلمين) من معاوية ان يكتب له منشوراً ليبيع بضاعته قبل سواه في سوق البصرة، فكتب له ذلك المنشور. وطلب ابو كثير مولى أسلم، احد سراة الموالي، من عبد العزيز بن مروان والي مصر، ان يعفى من العشور كلما دخل مصر بتجارته فاستجيب طلبه .

عمل التجار الولاة، وهم من غير المسلمين، على مساعدة زملائهم التجار في الامور التجارية وسواها. فقد استعان عمر بن العاص بوردان الرومي وجعله بمنزلة صاحب  شرطته، كما عهد معاوية الى التاجر ابي الدرداء بالقضاء في بلاد الشام، وكذلك فعل
زياد بن أبيه عندما عهد الى صديقه التاجر ابو وائل مسؤولية بيت المال في البصرة واستخدم ابنه على سوق البصرة.

التجارة البحرية

نشطت التجارة البحرية قبل الاسلام، لا سيما وان شبه الجزيرة العربية محاطة بالمياه من جهاتها الثلاث، وعلت وتيرة هذا النشاط بعد مجيء الاسلام. وكان الرسول من ضمن الذين مارسوا هذه التجارة، ومثله فعل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو. وجهد عمر بن الخطاب أثناء ولايته في تنشيط التجارة البحرية، فأمر بحفر خليج يربط البحر الاحمر بالنيل، كما سبق ان أشرنا، لتسهيل التجارة بين وادي النيل والحجاز. وعرف هذا الخليج بخليج أمير المؤمنين. وفي عهده وضعت العشور على التجارة البحرية، واستمر هذا الامر في زمن بني أمية. ومن جهته، إهتم عثمان بن عفان بالتجارة البحرية فحمى البحر "لا تخرج منه سفينة الا لتجارته". واستمر هذا الوضع خلال الدولة الاموية الى ان أمر عمر ابن عبد العزيز بمنع احتكار التجارة البحرية، كما سنرى ادناه.

الاحتكار

مارس التجار قبل الاسلام وبعده الاحتكار. وهو أمر نهى عنه الرسول في كثير من الاحاديث، مثل قوله "لا ينبغي في سوقنا محتكر" و "لا يحتكر الا خاطئ" . وتابع عمر بن الخطاب سياسة النهي عن الاحتكار. ويروى عن بعلي بن امية، احد كبار التجار آنذاك، انه سمع عمر بن الخطاب يقول: "يا أهل مكة، لا تحتكروا الطعام بمكة، فان احتكار الطعام بها للبيع الحاد". وكان الاحتكار قد انتشر بنوع مخيف ايام المجاعات والازمات الاقتصادية. ويذكر انه خلال طاعون عمواس سنة 18 هجرية غلا السعر واحتكر الناس نهى عمر عن الاحتكار وحاول الحد منه خاصة في سوق المدينة. وتبعه من بعده عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب في النهي عن الاحتكار. وقيل ان علي "مر بشط الفرات فاذا كدس طعام لرجل من التجار حبسه". وبما ان النهي انحصر في الطعام وموارده فقد عمد التجار الى احتكار اشياء اخرى كالثياب. وجاء على لسان عبد الله بن المبارك، وهو احد كبار تجار الثياب، "لا بأس بالاحتكار بالقطن والسختان وغيره". الا ان مالك بن أنس أوضح ماهية الاحتكار بقوله: "الحكرة في كل شيء في السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الاشياء والصوف وكل ما أضر بالسوق قال والعصفر والسمن والعسل وكل شيء". وفي كلامه توضيح لطبيعة ونوعية المواد التي كان يتم احتكارها، أي انه لم يكن من تحديد لنوعية واصناف المواد التي يتم احتكارها، مما أتاح لتجار الاصناف المختلفة اباحة احتكارها.

الغش

احتال التجار والباعة على الناس عند بيعهم ما لديهم من بضاعة، مثل مدح السلعة بما ليس فيها او بيع لحوم الميتة او حقن اللحم بالماء او عرض أقمشة والادعاء بانها من الصنف الجيد الخ .. ناهيك عن التلاعب بالأوزان والمكاييل والاسعار، كل ذلك خلافاً لما أمر به الاسلام. وكان بنتيجة هذا الانفلات ان تدخلت الدولة وأقامت وظيفة المحتسب لمراقبة الاسواق وايقاع العقوبات بمن يخل في شروط التجارة كما عددها الشرع. وكان المخالفون يتعرضون لعقوبات صارمة، بينها قطع يد البائع المخالف. كذلك منعت السلطات استغلال تدين الناس اثناء عمليات البيع والشراء لكسب ثقة المشتري اذا ما وصفوا بضاعتهم كذباً بأنها جيدة وأثمانها لا مغالاة فيها وان ارباحهم منها قليلة. وكان عمر بن الخطاب يسير في الاسواق قائلاً: "ويل للتجر من لا والله، وبلى والله .. يا معشر التجار ان هذه التجارة تحضرها الايمان، فشوبوها بالصدقة، الا ان كل يمين فاجرة تذهب بالبركة". ومثله فعل علي بن ابي طالب محذراً التجار من التلاعب في النوعية والاسعار . وقال ابو ذر الغفاري:  "ان المنفق سلعته بالحلف الاجر يعذبه الله ولا ينظر اليه ولا يكلمه ولا يزكيه".

الافلاس

تعرض بعض التجار والصيارفة للافلاس احياناً بسبب الحاح المودعين في حين ان هؤلاء تعذر عليهم تحصيل اموالهم التي لهم في ذمة الناس. وغالباً ما كان التاجر المفلس يلجأ الى الاغنياء او للدولة لمساعدته . ويروى ، في هذا المجال ، ان تاجراً يدعى معاذ بن جبل التجأ الى الرسول عندما أفلس ورجاه ان يتدخل لدى غرماءه بشأن المال ففعل الرسول ذلك، لكن غرماء التاجر رفضوا وساطة الرسول . ومن جهته إتخذت الدولة اجراءات بحق المفلسين الذين يتم شكواهم رسمياً ، بينها حجز املاك المفلس واطلاق سراحه .

تجارة الخلفاء والعمال والولاة

ألحق انغماس الخلفاء والعمال والولاة في التجارة أضراراً بالمصلحة العامة وبالافراد من الناس . وقد تنبه الرسول لذلك فدعا الى عدم جواز ممارسة الامراء والعمال التجارة اثناء عملهم وقلل من شأن التجارة . ويروى عنه قوله : "ما عدل والٍ اتجر في رعيته " وايضاً " اذا اتجر الراعي هلكت الرعية " . وبدوره حذر الخليفة عمر بن الخطاب عماله من الانجرار وراء التجارة قائلاً : " لا تشتر ولا تبع " ، وحاسب عماله الذين نموا ثرواتهم عن طريق استغلال وظائفهم وممارستهم للتجارة ، مشيراً بنوع خاص الى واليه على مصر عمرو بن العاص . كذلك سأل عامله على الطائف عتبة بن ابي سفيان عن مصدر ثروته التي بلغت ثلاثين الف دينار . فقال عتبة : " خرجت به معي وتجرت فيه " . فقام عمر بن الخطاب بمصادرتها . وقد عرض عثمان بن عفان فيما بعد على ابي سفيان رد اموال عتبة التي صادرها عمر بن الخطاب .

استخدم عمر بن الخطاب ابا هريرة على
البحرين. ولما علم الخليفة ان هذا الاخير يبني قصراً في اطراف المدينة وان لديه أموالاً طائلة جمعها من شراء الخيل باموال المسلمين وبيعها ويأخذ ارباحها لنفسه، استدعاه قائلاً " يا عدو الله قد استعملتك على البحرين وكنت بلا نعلين، فما هذه الاموال؟". فقال ابو هريرة: "خيل تناجت وعطايا تلاحقت وسهام تتابعت وخراج رقيق لي"، فصادر الخليفة عمر نصف امواله وعزله. ولم يكن ابا هريرة وحده الذي استغل منصبه. فمثله كان كثيرون مثل الحارثبن كعب بن وهب، إذ سأله الخليفة عن امواله التي ظهرت في اثناء عمله فقال: "خرجت بنفقة معي فتجرت فيها". فقال عمر: "ما بعثناك للتجارة بأموال المسلمين" وعزله من عمله.

بيت المال

لعب بيت المال او "مال الفيء" دوراً مهماً في التجارة العربية آنذاك من خلال تقديم القروض المستردة. وذكرت مصادر التاريخ ان ابا بكر الصديق نفسه استقرض ايام خلافته مالاً من بيت المال من أجل التجارة. وعندما أوشك على الوفاة أوصى بان تباع ارض له لتسديد دينه الى بيت المال. ومثله استلف الخليفة عمر بن الخطاب، وكان تاجراً كبيراً، من بيت المال مبلغاً اختلفت المصادر التاريخية ( اليعقوبي وابن سعد وابن الجوزي ) في تحديده . فمن مصدر يقول ان المبلغ وصل الى ثمانين الف درهم، وآخر قال ستة وثمانون الف درهم، كما قيل ان السلفة وصلت الى سبع وثمانين الف درهم. وروت هذه المصادر ان عمر ماطل في تسديد الدين. وبعد ان طعن في السن أوصى ابنه عبد الله بأن يقضي عنه ديونه لبيت المال. وقال لابنه: "فان سألك الخليفة من بعدي ان لا تأتيه بالمال فلا تفعل".

كان الاقتراض من بيت المال، على ما يبدو، سهلاً وأمراً عادياً. فقيل ان عمر بن الخطاب طلب قرضاً بسيطاً من عبد الرحمن بن عوف لمساعدته في امور التجارة، فأجاب بن عوف:"ليأخذها من بيت المال ثم يردها". وفي خلافة عثمان بن عفان استقرض هذا الخليفة من بيت المال قروضاً مستردة واخرى غير مستردة وهبات. وبذكر انه استلف في احدى المرات مئة الف درهم وردها عند حلول الأجل وأشهد على ذلك علي بن ابي طالب وطلحت بن عبيد الله والزبير وسعد بن ابي وقاص.

إستلف التجار والولاة التجار (غير المسلمين) من بيت المال وردوا ما استلفوه. وذكر البلاذري ان
هند بنت عتبة استلفت اربعة الآف درهم من بيت المال في المدينة وتاجرت فيها وادعت فيما بعد انها تاجرت وخسرت، مما اضطر ابو سفيان الى تسديد هذا المبلغ الى بيت المال. وقام بعض الخلفاء بكفالة مستقرضين من بيت المال. ولم يتردد بعض التجار بالاتجار بمال بيت المال عندما كانوا يكلفون بنقل المال من بلد الى آخر.

ويذكر، كمثل على التصرف، ان ابي موسى الاشعري، أمير البصرة، حمَل عبد الله بن عمر بن الخطاب واخيه عبد الله، وكانا في جيش
العراق، مبلغاً من المال الى أمير المؤمنين ونصحهما ان يبتاعا به متاع العراق ويبيعانه في المدينة وان يشركاه لدى عودتهما بالمال والربح. وقيل انهما أخذا راس المال ونصف الربح.

لم يقتصر الاستقراض من بيت المال على التجار ، بل تعداه لكل من اراد ذلك. وكان القرض لاجل محدد ومن دون فائدة، مما شجع التجار وغيرهم من رجال الاعمال على الاستقراض من بيت المال.

كانت ترد الى بيت المال بعض المواد العينية مصدرها اما الغنائم او الجزية او الخراج. وكان التجار يشنرون هذه المواد او البضائع الى أجل من دون ان يسددوا ثمنها مقدماً. وعندما كان التجار يشترون البضائع والمواد العينية من بيت المال نقداً، كانت الدولة تصرف هذا النقد في اعطيات للمقاتلين. اما الغنائم فكانت تباع من الناس في اعطياتهم. وقيل إن القادة الذين كانوا يقومون ببيع الغنائم تساهلوا بالاسعار لوجود علاقة صداقة او قرابة بينهم وبين التجار او لقاء رشوة ينالها القائد.

ديوان العطاء

أنشئ ديوان العطاء سنة 20 هجرية في ايام عمر بن الخطاب إثر الفتوحات الاسلامية الاولى وبدء العمل في ارساء قواعد الدولة وأنظمتها. فقد جرى تسجيل القبائل العربية بكاملها وفرض لكل منها عطاء سنوياً ومواداً عينية . وقد خلق هذا الديوان ردود فعل غاضبة لدى تجار مكة خوفاً على وضعهم التجاري والاقتصادي، فقال احدهم حكيم بن حزام لعمر بن الخطاب عند استشارة الخليفة المسلمين في إقامة الديوان: ان قريش أهل تجارة، ومتى فرضت لهم عطاءات لا بد ان يتكلوا عليها فيبتعدون عن التجارة، وقد يأتي من بعدك من يلغي العطاء وتكون التجارة قد خربت آنذاك. وقال كبير تجار مكة ابو سفيان بن حرب الكلام نفسه تقريباً: "إنك ان فرضت للناس اتكلوا على الديوان وتركوا التجارة". غير ان التجار استفادوا من ديوان العطاء، وذلك من خلال بيع بضاعتهم الى الناس بأجل بانتظار العطاء النقدي او الى حين نوزيع الارزاق العينية. ويذكران عمر بن الخطاب كان يقضي ديونه لبيت المال عند خروج عطائه. وكانت أسماء بنت خرمة بنت جندل تبيع العطر في المدينة وتستوفي الثمن حين خروج الاعطيات. أما سائر الناس فاقترضوا المال من التجار اومن سواهم وسددوه وقت توزيع الاعطيات. وقيل ان عبد الله بن جعفر استدان من الخليفة معاوية بن أبي سفيان مبلغاً من المال الى حين خروج العطاء. ومثله استلف الاسود بن يزيد الكوفي من احد التجار الموالي (غير المسلمين) مبلغاً من المال الى حين خروج عطائه. وذكر ان احد المقربين الى الخليفة سليمان بن عبد الملك، وهو عبد الله بن زيد الحكمي طلب منه ان يكتب لمسؤول بيت المال ان يسلفه جارية ويقضيه من عطائه. وكان قاضي البصرة اياس بن معاوية يستلف المال الى حين خروج العطاء. وحض زياد بن ابيه الناس على الصرف حسب العطاء بدلاً من الاستدانة .

الصكوك المالية

إنتشرت ظاهرة الصكوك المالية، التي تشبه الشيكات او السندات التجارية في عصرنا الحاضر، بين التجار والناس وبيت المال، خصوصاً بعد ان أخذ مسؤول بيت المال او ديوان العطاء يكتب للناس المسجلين في الديوان صكوكاً مكتوبة. وقد قام الناس ببيع هذه الصكوك من التجار قبل اوان صرفها. وذكر ان الامراء كانوا يكتبون للناس بارزاقهم كتباً لأخذها من بيت المال. ومن جهة ثانية قام بعض الناس ببيع ما لديهم من صكوك للتجار واستوفوا أثمانها نقداً قبل موعد استحقاقها. وقد عارض بعض الصحابة هذا البيع لأنه شكل من أشكال الربا لما تضمنه من فوائد كبيرة. غير ان التجار استمروا بشراء الصكوك واستوفوا أثمانها من بيت المال حين دنو أجلها. وقد تم هذا ايام عمر بن الخطاب وايام ولاية مروان بن الحكم على المدينة.

شكل هذا النشاط مصدر ربح كبير للتجار. ويقال ان أحد هؤلاء، وهوحكيم بن حزام، ابتاع من صكوك التجار مئة الف وربح مئة الف. وتم ذلك ايام عمر بن الخطاب الذي لقي حكيم هذا وسأله قائلاً: بعته قبل ان تقبضه؟ قال نعم، قال عمر: ان هذا البيع لا يصلح فاردده. فقال الحكيم: ما علمت ان هذا لا يصلح، ولا أقدر على رده وقد ذهب وتفرق.

كانت الدولة تكتب للتجار صكوكاً لاثمان بضائعهم او أموالهم من بيت المال. وقد ذكر ان يزيد بن المهلب بن ابي صفرة، والي حرب وصلاة العراق لسليمان ابن عبد الملك، كان قد أخذ متاعاً وبضاعة من التجار وكتب لهم صكوكاً لصرفها لدى مسؤول ديوان الخراج في العراق. وبلغ مبلغ احد الصكوك مئة الف درهم. ورفض مسؤول الديوان ويدعى صالح بن عبد الرحمن صرفها لتكرار هذا الامر. وكتب الخليفة الوليد بن عبد الملك الى والي خراج مصر اسامة بن زيد التنوخي كتاباً يأمره يه بان يرسل له فلفلاً بعشرين الف دينار ليهديه الى ملك الروم، فاشترى اسامة الفلفل من احد كبار تجار
مصر، وهو موسى بن وردان، وأعطاه ثمنها صكوكاً وقبضها موسى بعد اربع سنوات في ايام عمر بن عبد العزيز. وفعل العمال ما فعله غيرهم فأخذوا مالاً من التجار واعطوهم صكوكاً مالية لصرفها من بيت مال مصر آخر. ويروى ان ابن الزبير، لما أعلن نفسه خليفة من الفتنة الثانية، أخذ الوَرِق من تجار مكة وكتب لهم بها صكوكاً الى بيت مال البصرة او الكوفة فاستوفوها دراهماً أجود من دراهمهم.

الصيرفة والصيارفة

جنى التجار ارباحاً كبيرة جداً من صلاتهم القوية ببيت المال. ويبدو ان الأموال التي كان يحصلها التجار كل عام من بيت المال أثناء صرف الاعطيات كانت كبيرة جداً مما دفع ببعض الخلفاء، ومنهم عمر بن الخطاب، لأن يفرضوا زكاة عليها. ومن جهتها أخذت الدولة صكوكاً على الناس عندما كانت تسلفهم الصدقة. واستخدمت الدولة هذه الصكوك في الضغط على المستدينين واستعبادهم. وكان بيت المال يختزن أموالاً كثيرة جمعها من الخراج او الجزية او العشور او الغنائم. ونشأت الى جانب بيت المال طبقة من الصيارفة عملوا على ضخ اموالهم الكثيرة في الاسواق. وكانت محلاتهم تنتشر في المدن الاسلامية ومراكزها غالباً ما كانت قرب المساجد. وفي النصف الثاني من القرن الهجري الاول نشأت أسواق خاصة للصيارفة في المدن  الاسلامية. فذكر ان الحجاج بن يوسف الثقفي جعل لهم أسواقاً خاصة عندما اختط مدينة واسط. وفي دمشق كان للصيارفة اسواقهم الخاصة في خلال تلك الفترة. وقد تم وضع الصيارفة تحت مراقبة المحتسبين وعوقب منهم من حاول بيع الدراهم المزيفة او من أخل باخلاقيات المهنة بالطرد من السوق .

زاول مهنة الصيرفة المسلمون وغير المسلمين من أهل الذمة، وأبدى بعض العلماء تحفظهم من التعامل مع الصيارفة الذميين لأن هؤلاء تعاملوا بالربا. وقد استعانت الدولة او بيت مالها بالصيارفة عند حاجتها للاقتراض منهم . كما اقترض عامة الناس من الصيارفة او أودعوا أموالهم لديهم. وكان الصيارفة بذلك يقومون بعمل البنوك في زمننا الحاضر. والمثير ان المصادر التاريخية لا تتحدث عن طبيعة القروض وشروطها، وكذلك عن شروط الايداع . وذلك ، ربما ، تحاشياً للحديث عن الفوائد التي كان يجنيها المودع لامواله او الصراف الذي يقدم القروض للمحتاجين اليها.

أورد ابن عسكر في "تاريخه" والبخاري في "صحيحه" روايات عن جمع بعض الناس بين مهنتي التجارة والصيرفة. ومن بين هؤلاء:
طلحة بن عبيد الله التميمي والبرار بن عازب وزيد بن الارقم وعبد الله بن عمر والمقداد بن الاسود وسعيد بن المسيب. وذكر ابن عسكر ومالك (الموطأ) ان التجار والصيارفة تعاملوا بموضوع الصرف، كأن يبيع أحدهم بضاعة في بلد ما بعملة ذلك البلد ويستوفي اثمانها ببلد آخر من عملة اخرى، او سداد احدهم ديناً عليه بعملة غير العملة التي استدانها أصلاً، او بيع سبائك فضية او ذهبية بدراهم او دنانير او تمر بتمر. ويبدو ان الصيارفة قاموا بدور الوسيط بين الناس ودور الضرب (سك العملة) في مختلف البلدان. وكانت كل هذه العمليات تتم قبل ان تسك العملة الاسلامية ايام عبد الملك بن مروان كما سنرى في بحث لاحق مستقل .

لم تتمتع مهنة الصيرفة بتقدير او احترام . فكان لتعامل الصيارفة بالربا وغشهم للناس وجمعهم الثروات الطائلة من خلال عملياتهم المصرفية ان رسمت لهم صورة سيئة لدى عامة الناس. وجاء في حديث منسوب للرسول مفاده: "اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين خونة الله في الارض ، فيؤتى بالنخاسين والحاكة والصيارفة" .

مصطلحات جديدة

ظهرت مع بدء الاسلام مصطلحات تعكس المفاهيم الجديدة التي جاء بها الاسلام وتتلائم مع الفكر الاسلامي. فحلت الصدقة والزكاة مكان مصطلح الاتاوة (العشور او المكوس). فالصدقة تحمل معنى القربة الى الله. فهي شكل من اشكال العبادة اذا ما قرنت بالصلاة والصوم. وكانت الصدقات المفروضة، أي الزكاة، تقل بكثير عن الاتاوة التي سبق للعرب ان دفعوها للحكام والملوك. كما ألغى الرسول العشور عن التجار [لا يحشرون ولا يعشرون] . وكان الرسول قد أوضح موقفه الصريح من اعفاء التجار المسلمين من العشور والصدقة حيث قال: " العشور على اليهود والنصارى وليس على أهل الاسلام إنما عليهم الصدقة". وفي فترة لاحقة، بعد انتصار الفتوحات الاولى، أعيد تنظيم فرض الضرائب وجبايتها من التجار في عهد عمر بن الخطاب، سواء أكان التجار من المسلمين ام من غير المسلمين. وفرض بموجب هذا التنظيم الجديد ربع العشر على التاجر المسلم، ونصف العشر على التاجر من اهل الذمة، كما فرض العشر على التجار الذين لم يعدوا من رعايا الدولة الاسلامية . وقد مكن هذا التنظيم الجديد للضرائب التاجر المسلم من السيطرة على التجارة والاسواق ، يليه تاجر أهل الذمة .

العشور

استمرت الدولة الاموية في فرض العشور على التجار بعد ان أدخلت عليها نظاماً واضحاً وعينت عمالاً لتطبيقه. ويذكر ابن حجر في مؤلفه "الاصابة في تمييز الصحابة" ان ذكوان، مولى عمر بن الخطاب، تولى لمعاوية عشور الكوفة. وعندما عزله عين مكانه الضحاك بن قيس الفهري . وذكر ان مسروق بن الأجدع تولى تعشير التجار الذين يمرون عبر نهر الفرات قرب الكوفة. كما تولى خالد بن مهران عشور البصرة، وزريق بن حيان الغزاري تعشير تجار مصر ايام الوليد بن عبد الملك بن مروان. وكانت الدولة الأموية قد أقامت نقاط تعشير (بما يشبه الجمارك الآن) على طرق التجارة بين المدن وبين الاقاليم، كما وضعت نقاطاً على الانهار وأقامت سلاسل حديدية لاعتراض السفن وجمع الضرائب منها. وكذلك بنت المراصد، سواء في الانهر مثل مرصد تكريت على نهر دجلة، اوفي البحار. وانتشرت ايضاً نقاط التفتيش على كل طرق التجارة.

جاء في كتاب محمد ابن سعد "الطبقات الكبرى" ان المترجمين كانوا يرافقون العشارين ليترجموا لهم عندما يمر تجار من أهل الذمة او من أهل الحرب حاملين بضاعتهم وهم لا يجيدون اللغة العربية. وكان العشار يقوم بمعاينة البضاعة بنفسه والاطلاع على نوعيتها وكميتها ويقوم بتقدير سعرها ويفرض كمية الضرائب المستحقة عليها . وكان العشار يكتفي في بعض الحالات بان يطلب من التاجر الحلف او اليمين على صحة ما يذكره من بضاعة. واذا جاء حلفانه كذباً كانت البضاعة اما تتلف او يغرم ناقلها. وأشار اليعقوبي في كتابه " البلدان" ان التجار استغلوا عدم تفتيش بضائعهم وعملوا على تهريب البضائع التي بالامكان إخفاءها عن العشارين .

تشدد العشارون في جمع الضرائب من التجار وحصلت خلافات بين الفريقين في مقدار الدفع، مما حدى بالعشارين احياناً الى حجز السفن او بضاعتها. وكان العشارون يأخذون الضرائب من التجار كل مرة مروا فيها على نقطة التعشير، مما دفع بعمر بن عبد العزيز ان يبعث برسالة الى عامله على مكوس مصر بأن يجبي الضريبة مرة واحدة في السنة فقط . وأكد كثير من العلماء على ضرورة اخذ العشور من التجار مرة واحدة في السنة وعدم جواز أخذها أكثر من مرة، واعتبروا ذلك شططاً وخروجاً عن السنة . وكانت بعض البضائع معفاة من العشور ، مثل هدايا الخلفاء والامراء والتي اعفيت ايضاً من المراقبة والتفتيش ، وبالتالي من دفع الضرائب . وكان الولاة يعفون التجار المقربين منهم من دفع العشور عند دخول الولايات التابعة لحكمهم . كما أعفيت الاموال التي لم تكن للتجارة من العشور ، وأعفي كذلك التجار العبيد المكاتبين . ولم يدفع التاجر المسلم ولا الذمي عشوراً ما دام عليه ديون للآخرين ، كما ألغى عمر بن عبد العزيز المكوس التي وضعت على التجار . وكانت المكوس ضرائب اضافية تفرض على التجار اضافة الى العشور .

لم يتمتع جباة الضرائب بحسن الصيت. وأوردت الكثير من المصادر صورة بشعة لهؤلاء الجباة. وقد لعب التجار والباعة دوراً كبيراً في تشويه العشار اوجباة الضرائب . وقد رويت عن الرسول احاديث عديدة في هذا المجال، منها قوله: "لا يدخل الجنة صاحب مكس (أي عشار). وقد هاب كثير من العلماء والاتقياء المسلمين العمل في هذا المجال.

المصادر
1- ابن اسحق ، محمد: السير والمغازي ، دار الفكر ، بيروت 1978.
2- البخاري ، محمد بن اسماعيل ، بن ابراهيم: صحيح البخاري ، دار احياء التراث العربي ، مصر ، بلا تاريخ.
3- البلاذري ، احمد بن يحي بن جابر: فتوح البلدان ، دار الناشرين الجامعيين ، بيرت 1957.
4- ابن سعد ، محمد: الطبقات الكبرى ، دار بيروت ، بيروت 1960.
5- ابن عبد الحكم ، عبد الله: سيرة عمر بن عبد العزيز ، مكتبة وهبة ، القاهرة 1954.
6- ابن عساكر ، علي بن الحسن: تاريخ مدينة دمشق ، دار الفكر ، بيروت 1995.
7- ياقوت الحموي: معجم البلدان ، دار بيروت ، بيروت 1968.
8- اليعقوبي ، احمد: تاريخ اليعقوبي ، منشورات المكتبة الحيدرية ، النجف 1964.
9- أبيض ، ملكة: الشام والجزيرة خلال القرون الثلاثة الاولى للهجرة ، دار العلم للملايين ، بيروت 1980.
10 – شعبان ، محمد عبد الحي: صدر الاسلام والدولة الاموية ، الاهلية للنشر والتوزيع ، بيروت 1983 .

 



البصرة
علي بن أبي طالب