العرب والصين : تجارة قديمة


قلما سلط مؤرخونا وكتابنا الاضواء على التجارة الصينية – العربية التي بدأت قبل الاسلام وازدهرت بعد الفتوحات. فقد تركزت معظم ابحاثهم عن العلاقات التجارية بين بلدان
البحر الأبيض المتوسط، والقليل منها عن التجارة العربية – الافريقية او العربية - الاوروبية وأهملوا البحث في علاقات العرب التجارية مع البلدان في أقصى القارة اللآسيوية.

الحرير

تقول قصص التاريخ القديم ان بزر شرانق الحرير جاءنا من الصين في عصوين من القصب افرغتا من محتوياتها ووضعت البيوض مكانها. حدث ذلك في اواسط القرن السادس للميلاد. ولم تلبث تربية الشرانق ان انتشرت وأصبح الحرير ينتج في بلاد الشام، خاصة في المناطق الجبيلية المطلة على البحر الابيض المتوسط ومنها وصل الى تركيا واليونان وايطاليا. ولما لم يكن هذا الانتاج كافياً لسد الحاجات المتزايدة لسكان غربي حوض البحر الابيض المتوسط واوروبا، كان من الطبيعي ان يستمر استيراد الحرير خيوطاً ونسيجاً من الصين. وكان هذا الحرير الصيني ينقل بحراً عبر جزيرة سرنديب (سيري لانكا الحالية). واضافة الى الحرير كان التجار العرب يستوردون الخزف المزخرف من الصين عبر سرنديب، كما استوردوا الاحجار الكريمة الهندية عبر سرنديب ايضاً. وفي المقابل حمل التجار معهم الى الهند والصين البخور العربي والمر الافريقي والذبل وقرون وحيد القرن والعاج المستورد من افريقيا والعنبر الذي كانوا يستوردونه من جزيرة سوقطرى ويبيعونه في سرنديب.

كان الحرير الصيني ينقل من سرنديب بحراً الى الخليج العربي ومنه الى المشرق عن طريق دولة الساسان، فيما كانت التوابل والطيوب تنقل عن طريق
البحر الأحمر الى مصر وبلاد الشام. وكانت هذه التجارة هي الاولى التي سجلها التاريخ بين الصين وبلدان العرب.

كتب صينية

جاء في كتاب وقع في أيدي باحثين قدامى يعود الى القرن الثالث للهجرة/التاسع للميلاد تحدث فيه كاتبه الصيني عن بربرا (الصومال) في الشرق الافريقي عما بلغه من التجار والرحالة العرب ان "بلاد بربرا تقع في البحر الجنوبي الغربي. سكان هذه البلاد يعتمدون على اللحوم في غذائهم ولا يأكلون الحبوب. ثيابهم قليلة تكاد تغطي ما تحت الخاصرة ونساؤهم نظيفات وعفيفات... وقد يقنصن ويبعن رقيقاً واسعارهن مرتفعة. والبلاد تنتج العاج والعنبر". وثمة كتاب صيني آخر يعود الى القرن الثالث ميلادي جاء فيه ان سكان تلك البلاد (الصومال) يعيشون في اربع مدن فقط، والباقي من السكان يعيشون في قرى صغيرة. ويقول المؤلف ان البلاد فيها الكثير من الابل والاغنام والعاج وقرن وحيد القرن.

ظهر كتاب صيني آخر في عصر أسرة سونغ ( 960 – 1276 م )، وهو العصر الثاني الذي عرفت فيه الصين ازدهاراً اقتصادياً. وفي العصرين الاول والثاني كانت الصين تسيطر على الطرق البرية التجارية التي وصلتها بالمشرق العربي عبر اواسط آسيا. وفي هذين العصرين صدَرت الصين الى العالم العربي، فضلاً عن الحرير، الشاي والورق والخزف الصيني (في العصر العباسي). وفي وقت لاحق أفلتت التجارة البرية من أيدي الصين فحولت تجارتها الى البحر وبنت اول اسطول بحري وشادت موانيء "رسمية" وقعت كلها في الجزء الغربي من البلاد. وقد وصلتنا ثلاث مدونات تعود الى ايام اسرة سونغ منها اثنتان عنيتا بالتجار الآتين من الشرق والجنوب بالنسبة الى هذه المدن - الموانئ الواقعة في المناطق الجنوبية من الصين. أما المدونة الثالثة فهي التي جاء فيها أخبار عن العرب والمسلمين وديارهم وتجارتهم. وهذه الاخبار دونها مؤلف صيني يدعى تشاوجو – كوا بين سنتي 1242 و 1258 م ( 641 – 656 هجرية ).

ينقسم المؤلف الى قسمين:

الاول لا يهمنا في بحثنا لأنه يتناول الاماكن والشعوب، اما الثاني ففيه ذكر مفصل عن السلع والبضائع وأصنافها وخصائصها ومنافعها وأوجه استعمالها. في الكتاب ست وثلاثون صفحة من أصل مئة وخمس واربعين صفحة يتحدث فيه المؤلف الصيني عن العرب وبلاد العرب والاسلام. وقد جمع معلوماته من التجار والبحارة العرب . ورغم ان المعلومات يشوبها بعض الضبابية والتشويش الا انها تتحدث عن موانيء الخليج العربي وبحر العرب وشرقي افريقيا، من بينها
البصرة والبحرين والشحر وصحار وزنجيبار ، كما انها تشير الى مكة المكرمة والموصل والمغرب العربي وصقلية. اما في ما تعلق بالبضائع المحمولة الى هذه الموانئ فكان المؤلف أقل ضبابية وأكثر دقة. وهو يفرق بين ما كان تجار شيه الجزيرة العربية يحملون من نتاج بلادهم وما كانوا يحملونه من الانحاء الاخرى. ومن بين ما حمله البحارة العرب، كما يذكر المؤلف الى الصين: اللبان البخور الممتاز والمر (البخور العادي). وهذه كانت تأتي من شرق أفريقيا. ومن البحرين جلب التجار العرب اللؤلؤ ، وهو لؤلؤ كان يفضله الصينيون على اللؤلؤ الهندي. وحمل التجار كذلك العاج والعنبر وقرن وحيد القرن من افريقيا والمرجان المغربي الممتاز او المرجان الأقل جودة من البحر الأحمر.

قوانين خاصة بالتجارة

أخضع الصينيون التجار العرب الى قوانين خاصة بالتجارة. فقد فرض على التجار لدى وصولهم الى اي ميناء صيني ان يسجلوا ما لديهم من بضائع. وكان مراقب التجارة يقتطع 30 بالمئة من المتاجر عيناً كرسوم ميناء. وكان للامبراطور الحق الاول في اختيار ما يشاء من المتاجر. وكان مراقب التجارة في الميناء يختار هذه المتاجر قبل عرضها على الجمهور او التجار ويدفع ثمنها. وعندما كان التجار العرب يخرجون من الميناء ومعهم ما ابتاعوه من السلع كان عليهم ان يقدموا البيانات اللازمة للمراقبين وان يسددوا رسوم التصدير قبل ان يؤذن لهم بالسفر. وكانت المدن والموانيء التي تعاملت مع الصين، بشكل كبير ومستمر، هي: صحار، عمّان، مخا، بغداد، الموصل، الإسكندرية، فضلاً عن جزيرة قيس في الخليج العربي.

المراجع
1 – زيادة ، نقولا : مشرقيات ، في صلات التجارة والفكر ، الأهلية للنشر والتوزيع ، الاعمال الكاملة ، بيروت 2002 .
2 – شعبان ، محمد عبد الحي محمد : صدر الاسلام والدولة الاموية ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت 1987 .
3 – معطي ، علي محمد : تاريخ العرب الاقتصادي ، دار المنهل ، بيروت 2003 .

 



البصرة
بغداد
الموصل