التجارة اليهودية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر

نشط التجار اليهود من أصول عربية في تسويق ادوات الزينة والترف مثل اللؤلؤ والخرز واللازورد وعرق اللؤلؤ والمرجان التي كان من السهل اخفاءها ونقلها، كما نشطوا في سوق المعادن بحيث جلبوا كميات كبيرة من الحديد من الهند وشبه الجزيرة العربية ومنها الى معظم أقطار البحر الأبيض المتوسط حيث كانوا يملكون صناعات تحويلية. فالنحاس والقصدير والفضة والرصاص كان يستورد ويصدر من بلاد الاندلس . ولعب التجار العرب اليهود دوراً بارزاً في تجارة الذهب في خلال القرون الوسطى واستوردوه من جنوب الصحراء الافريقية الكبرى عبر سجلماسة ومن بلاد السودان.

إرتبط اختيار السلعة او المادة بطلب الاسواق اولاً. لكن هذه التجارة ظلت رهناً بنشاط الجاليات اليهودية التي ملكت القدرة التمويلية واللوجستية للاتجار. فمثلاً كان تسويق البضاعات التحويلية يرتبط بقدرة اخوان لهم في الدين. فقد كان من المعهود ان يتاجر يهود الاندلس في قطاع الحرير والمواد المتصلة بصناعة النسيج، كالكتان المصري او الهندي او اليمني، التي كانت تجلب الى غرناطة او
تونس او صقلية ليتم تصديرها حريراً منسوجاً ومصبوغاً فيما بعد الى مناطق عديدة بينها مصر. وكانت مناطق عديدة في شرقي البحر الأبيض المتوسط تشهد في هذا الوقت نمواً كبيراً وتحتاج الى هذا النوع من المنسوجات. وبتنا نرى سيطرة تجارية لمدن بحرية ايطالية كجنوا والبندقية على حساب البلدان الاسلامية في غربي البحر الابيض المتوسط. كما ظهرت قواعد تجارية جديدة في جزر كورفو ورودس وقبرص، بالاضافة الى مرافئ يونانية مهمة مثل سالونيكا وكورنثينو، او مدن سورية كطرابلس ودمشق وحلب وسواها. وأدى هذا النشاط المتزايد الى ارتفاع عدد السكان اليهود في كل هذه المناطق بحيث قدمت اليها للاستيطان والعمل اعداد كبيرة من اليهود، خاصة من ايطاليا واسبانيا ، بعد ان ارتفع العداء لليهود في اوروبا وفتحت الامبراطورية العثمانية ابوابها لهم  وحمتهم .

تزامن مع هذا الواقع المستجد صدور قرارات اوروبية أصابت اليهود بالصميم ومهدت لانتقال السيطرة على تجارة
البحر الأبيض المتوسط من ايدي اليهود والمسلمين، على السواء، الى ايدي المسيحيين . وتلازمت هذه القرارات بقوانين أصدرتها البندقية حول التجارة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر تم بموجبها اقصاء اليهود من النظام التجاري، بحيث منع التجار اليهود من اي جنسية انتموا اليها بامتلاك او قيادة سفنهم الخاصة واجبروا على استعمال الخدمات البحرية التابعة للبلدان المسيطرة آنذاك على التجارة البحرية كالبندقية وجنوا .

تعرض التجار اليهود في هذا الوقت الى الى مضايقات كبيرة . فقد عرقلت الدول الاوروبية دخول البواخر اليهودية لأنها كانت تعتبر اليهود من المنبوذين والملاحقين. ثم ان القرصنة اصابت اليهود بالصميم في خلال هذين القرنين بعد ان نشط القراصنة بمهاجمة السفن التي يمتلكها اليهود بضرارة شديدة ، ولم يجد اليهود من يحميهم من هؤلاء اللصوص. ومن وصل من التجار والبحارة اليهود الى الشواطئ بأمان أسكنوا في فنادق منفصلة ومنعزلة .

المراجع
1 – عيسوي ، شارل : التاريخ الاقتصادي للشرق الاوسط وشمال افريقيا ، دار الحداثة ، بيروت 1985
2 – برجاوي ، سعيد احمد : الامبراطوية العثمانية ، الاهلية للنشر والتوزيع ، بيروت 1993

 



دمشق
حلب