أخبار الصمة القشيري

بسم الله الرحمن الرحيم

نسبه

هو الصمة بن عبدالله بن الطفيل بن قرة بن هبيرة بن عامربن سلمة الخيربن قشيربن كعب بن ربيعة بن عامربن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.


شاعر إسلامي بدوي مقل، من شعراء الدولة الاموية. ولجده قزة بن هبيرة صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أحد وفود العرب الوافدين عليه صلى الله عليه وسلم واله.


وفد جده قرة على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم: أخبرني بخبره عبيد الله بن محمد الرازي. وعمي قالا حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي بكر الهذلي وابن دأب وغيرهما من الرواة قالوا: وفد قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخيربن قشيربن كعب بن ربيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وقال له: يا رسول الله، إنا كنا نعبد الآلهة لا تنفعنا ولا تضرنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، "نعم ذا عقلا".


وقال ابن دأب: وكان من خبر الصمة أنه هوي امرأة من قومه ثم من بنات عمه دنية يقال لها العامرية بنت غطيف بن حبيب بن قرة بن هبيرة، فخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها، وخطبها عامر بن بشر بن أبي براء بن مالك بن ملاعب الأسنة بن جعفر بن كلاب، فزوجه إياها. وكان عامر قصيراً قبيحاً، فقال الصمة بن عبدالله في ذلك:

فإن تنكحوها عامراً لاطلاعكم

 

إليه يدهدهكم برجليه عامـر

شبهه بالجعل الذي يدهده البعرة برجليه. فال: فلما بنى بها زوجها، وجد الصمة بها وجداً شديداً وحزن عليها، فزوجه أهله امرأة منهم يقال لها جبرة بنت وحشي بن الطفيل بن قرة بن هبيرة، فأقام عليها مقاماً يسيرأ، ثم رحل إلى الشأم غضباً على قومه، وخلف امرأته فيهم، وقال لها:

كليم التمرحتى تهرم النخل واضفري

 

خطامك ماتدرين ما اليوم من أمس

وقال فيها أيضاً:

لعمري لئن كنتم على النأى والقلـى

 

بكم مثل ما بي إنـكـم لـصـديق

إذا زفرات الحب صعدن في الحشى

 

رددن ولم تنهـج لـهـن طـريق

وقال فيها أيضاً:

إذا ما أتتنا الريح من نحو أرضكم

 

أتتنا برياكم فطاب هبـوبـهـا

أتتنا بريح المسك خالط عنـبـراً

 

وريح الخزامى باكرتها جنوبها

وقال فيها أيضاً:

هل تجزيني العامـرية مـوقـفـي

 

على نسوة بين الحمى وغضى الجمر

مررن بأسباب الصبا فـذكـرنـهـا

 

فأومأت إذ ما من جواب ولا نـكـر

وقال ابن دأب: وأخبرني جماعة من بني قشير أن الصمة خرج في غزي من المسلمين إلى بلد الديلم فمات بطبرستان.
قال ابن دأب: وأنشدني جماعة من بني قشير للصمة:

ألا تسألان الله أن يسقي الحـمـى

 

بلى فسقى الله الحمى والمطالـيا

وأسأل من لاقيت هل مطرالحمى

 

فهل يسألن عني الحمى كيف حاليا

الغناء في هذين البيتين لإسحاق، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى، وهو من مختار الأغاني ونادرها.


أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمي قالا حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال قال عبدالله بن محمد بن إسماعيل الجعفري حدثنا عبدالله بن إسحاق الجعفري عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال حدثني رجل من أهل طبرستان كبير السن قال: بينا أنا يوماً أمشي. في ضيعة لي فيها ألوان من الفاكهة والزعفران وغير ذلك من الأشجار، إذ أنا بإنسان في البستان مطروح عليه أهدام خلقان، فدنوت منه فإذا هو يتحرك ولا يتكلم، فأصغيت إليه فإذا هو يقول بصوت خفي:

تعز بصبـر لا وجـدك لا تـرى

 

بشام الحمى أخرى الليالي الغوابر

كأن فؤادي من تذكره الحـمـى

 

وأهل الحمى يهفو به ريش طائر

قال: فما زال يردد هذين البيتين حتى فاضت نفسه، فسألت عنه فقيل لي: هذا الصمة بن عبدالله القشيري.
كان ابن الأعرابي يستحسن شعراً له: أخبرني عمي قال حدثنا الخراز أحمد بن الحارث قال: كان ابن الأعرابي يستحسن قول الصمة:

أما وجلال الله لو تذكـرينـنـي

 

كذكريك ما كفكفت للعين مدمعا

فقالت بلى والله ذكراً لـو أنـه

 

يصب على صم الصفا لتصدعا

غنى في هذين البيتين عبيد الله بن أبي غسان ثاني ثقيل بالوسطى. وفيهما لعريب خفيف رمل:

ولما رأيت البشر قـد حـال بـينـن

 

وجالت بنات الشوق في الصدر نزعا

تلفث نحو الحي حتـى وجـدتـنـي

 

وجعت من الإصغاء ليتاً وأخـدعـا

أخبرني أبو الطيب بن الوشاء قال: قال لي إبراهيم بن محمد بن سليمان الأزدعي: لو حلف حالف أن أحسن أبيات قيلت في الجاهلية والإسلام في الغزل قول الصمة القشيري ما حنث:

حننت إلى ريا ونفسك بـاعـدت

 

مزارك من ريا وشعباكما معـا

فما حسن أن تأتي الأمر طائعـا

 

وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا

بكت عيني اليمنى فلما زجرتهـا

 

عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا

وأذكر أيام الحمى ثم أنـثـنـي

 

على كبدي من خشية أن تصدعا

فليست عشيات الحمى برواجـع

 

عليك ولكن خل عينيك تدمعـا

غنت في هذين البيتين قرشية الزرقاء لحناً من الثقيل الأول عن الهشامي. وهذه الأبيات التي أولها "حننت إلى ريا تروى لقيس بن ذريح في أخباره وشعره بأسانيد قد ذكرت في مواضعها، ويروى بعضها للمجنون في أخباره، بأسانيد قد ذكرت أيضاً في أخباره. والصحيح في البيتين الأولين أنهما لقيس بن ذريح وروايتهما له، آثبت، وقد تواترت الروايات بأنهما له من عدة طرق، والأخر مشكوك فيها أهي للمجنون أم للصمة. أنشدنا محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم للصمة القشيري قال: وكان أبو حاتم يستجيدهما، وأنشدنيهما عمي عن الكراني عن أبي حاتم، وأنشدنيهما الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبي حاتم:

إذا نأت لم تفارقنـي عـلاقـتـهـا

 

وإن دنت فصدود العاتب الـزاري

فحـال عـينـي مـن يومـــيك

 

واحدة تبكي لفرط صدود أونوى دار

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبيد الله بن إسحاق بن سلام قال حدثني أبي عن شعيب بن صخر عن بعض بني عقيل قال: مررت بالصمة بن عبدالله القشيري يوماً وهو جالس وحده يبكي ويخاطب نفسه ويقول: لا والله ما صدقتك فيما قالت، فقلت: من تعني. ويحك! أجننت! قال: اعني التي أقول فيها:

أما وجلال الله لو تذكرينـنـي

 

كذكريك ماكفكفت للعين مدمعا

فقالت بلى والله ذكراً لـوأنـه

 

يصب على صم الصفا لتصدعا

أسلي نفسي عنها وأخبرها أنها لو ذكرتني كما قالت لكانت في مثل حالي.


أخبرني عمي قال حدثنا عبدالله بن أبي سعد قال حدثني مسعود بن عيسى بن إسماعيل العبدي عن موسى بن عبدالله التيمي قال.


خطب الصمة القشيري بنت عمه وكان لها محباً، فاشتط عليه عمه في المهر فسأل أباه أن يعاونه وكان كثير المال فلم يعنه بشيء فسأل عشيرته فأعطوه، فأتى بالإبل عمه، فقال: لا أقبل هذه في مهر ابنتي، فاسأل أباك أن يبدلها لك فسأل ذلك أباه فأبى عليه، فلما رأى ذلك من فعلهما قطع عقلها وخلاها، فعاد كل بعير منها إلى ألافه. وتحمل الصفة راحلاً. فقالت بنت عمه حين رأته يتحمل: تالله ما رأيت كاليوم رجلاً باعته عشيرته بأبعرة. ومضى من وجهه حتى لحق بالثغر فقال وقد طال مقامه واشتاقها وندم على فعله:

أتبكي على ريا ونفسك باعـدت

 

مزارك من ريا وشعباكما معـا

فماحسن أن تأتي الأمرطـائعـا

 

وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا

وقد أخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي: أن الصمة خطب ابنة عمه هذه إلى أبيها فقال له: لا أزوجكها إلا على كذا وكذا من الإبل، فذهب إلى أبيه فأعلمه بذلك وشكا إليه ما يجد بها فساق الإبل عنه إلى أخيه فلما جاء بها عدها عمه فوجدها تنقص بعيراً، فقال: لا آخذها إلا كاملة، فغضب أبوه وحلف لا يزيده على ما جاء به شيئاً. ورجع إلى الصمة، فقال له: ما وراءك. فأخبره، فقال: تالله ما رأيت قط ألأم منكما جميعاة وإني لألأم منكما إن أقمت بينكما ثم ركب ناقته ورحل إلى ثغر من الثغور، فأقام به حتى مات. وقال في ذلك:

أمن ذكر دار بالرقاشين أصبـحـت

 

بها عاصفات الصيف بدءأ ورجعـا

حننت إلى ريا ونفسـك بـاعـدت

 

مزارك من ريا وشعباكما مـعـا

فما حسن أن تأتي الأمـر طـائعـا

 

وتجزع أن داعي الصبابة أسمعـا

كأنك لم نـشـهـد وداع مـفـارق

 

ولم ترشعبي صاحبين تقـطـعـا

بكت عيني اليسرى فلما زجرتـهـا

 

عن الجهل بعد الحلم أسبلتا مـعـا

تحمل أهلي من قـنـين وغـادروا

 

به أهل ليلى حين جيد وأمـرعـا

ألا يا خليلـي الـلـذين تـواصـيا

 

بلومي إلا أن أطـيع وأسـمـعـا

قفا إنه لا بد مـن رجـع نـظـرة

 

يمانية شتى بها الـقـوم أو مـعـا

لمغتصب قد عزه الـقـوم أمـره

 

حياء يكف الدمع أن يتـطـلـعـا

تبرض عينيه الصـبـابة كـلـمـا

 

دنا الليل أو أوفى من الأرض ميفعا

فليست عشيات الحمـى بـرواجـع

 

إليك ولكن خل عينـيك تـدمـعـا

قل لأسماء أنـجـزي الـمـيعـادا

 

وانظري أن تـزودي مـنـك زادا

إن تكوني حللت ربعاً مـن الـشـأ

 

م وجـاورت حـمـيراً أومـرادا

أوتناءت بك النـوى فـلـقـد قـد

 

ت فؤادي لـحـينـه فـانـقـادا

ذاك أني علقت منـك جـوى الـح

 

ب ولـيداً فـزدت سـنـاً فـزادا

الشعر لداود بن سلم. والغناء لدحمان، ولحنه المختار من الثقيل الأول بالوسطى. وقد كنا وجدنا هذا الشعر في رواية علي بن يحيى عن إسحاق منسوباً إلى المرقش، وطلبناه في أشعار المرقشين جميعاً فلم نجده، وكنا نظنه من شاذ الروايات حتى وقع إلينا في شعر داود بن سلم، وفي خبر أنا ذاكره في أخبار داود. وإنما نذكر ما وقع إلينا عن رواته، فما وقع من غلط فوجدناه أو وقفنا على صحته أثبتناه وأبطلنا ما فرط منا غيره، وما لم يجر هذا المجرى فلا ينبغي لقارىء هذا الكتاب أن يلزمنا لوم خطأ لم نتعمده ولا اخترعناه، وإنما حكيناه عن رواته واجتهدنا في الإصابة. وإن عرف صواباً مخالفاً لما ذكرناه وأصلحه، فإن ذلك لا يضره ولا يخلو به من فضل وذكر جميل إن شاء الله.