أخبار المرقش الأكبر ونسبه

المرقش لقب غلب عليه بقوله:

 

الدار وحش والرسوم كما

 

رقش في ظهر الأديم قلم

عوف بن مالك المعروف بالبرك

وهو أحد من قال شعراً فلقب به. واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعدبن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكربن وائل. وهو أحد المتيمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه فيما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضاً أحد المتيمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبب بها. وكان للمرقشين جميعاً موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدم في المشاهد ونكاية في العدو وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عم المرقش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا ومحلوفي لا يمر بي رجل من بكر بن وائل منهزماً إلا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل فسمي البرك يومئذ.


عمر بن مالك وأسره لمهلهل: وكان أخوه عمرو بن مالك أيضاً من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلاً، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في، بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا الرمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر، فأحسن إساره. ومر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقاً لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى إليه وهو أسير زق خمرة فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكراً وشربوا عند مهلهل في بيته وقد أفرد له عمرو بيتاً يكون فيه فلما أخذ فيهم الشراب لغنى مهلهل فيما كان يقوله من الشعر وينوح به على كليب، فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريان، والله لا يشرب ماء حتى يرد ربيب يعني جملاً كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدهاس من أجواف هجر فيرعى فيها غبا بعد عشر في حمارة القيظ فطلبت ركبان بني مالك ربيباً وهم حراص على ألا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشاً. ونحر عمرو بن مالك يومئذ ناباً فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلل أحد بني لغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسيرة فقال يذكرها:

ظبية ما ابنة المحلل شنبا

 

ء لعوب لذيذة في العناق

فلفا بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنقة القيسي أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول وكان محمقاً وهو الذي تضرب به العرب المثل في الحمق: لا؟ يكون لي جمل أبداً إلا سميته ربيباً يعني أن ربيباً كان مباركاً لقتله مهلهلاً. ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميمية التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:

بل هل شجتك الظعن باكرةً

 

كأنها النخيل من ملـهـم

قال أبو عمرو ووافقه المفضل الضبي: وكان من خبر المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها، فقال: لا أزوجك حتى تعرف بالبأس وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك فكان عنده زماناً ومدحه فأجازه. وأصاب عوفاً زمان شديدث فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف ، فأرغبه في المال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.


ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبرة فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هدا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الدي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش، عن رأسه ودعا الغلام وكان قد ضني ضناً شديداً فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المرادي أسماء فدعا مرقش وليدة له ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المرادي عليها، فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضاً. وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقماً وهلكنا معه ضراً وجوعاً. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكانا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط. فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:

يا صاحبي تلبـثـا لا تـعـجـلا

 

إن الرواح رهين ألا تـفـعـلا

فلعل لبـثـكـمـا يفـرط سـيئا

 

أو يسبق الإسراع سيباً مـقـبـلا

ياراكباً إما عرضت فـبـلـغـن

 

آنس بن سعد إن لقيت وحرمـلا

للـه دركـمـا ودرأبـيكـمــا

 

إن أفلت العبدان حتـى يقـتـلا

من مبلغ الأقـوام أن مـرقـشـاً

 

أضحى على الأصحاب عبئاً مثقلا

وكأنما ترد السـبـاع بـشـلـوه

 

إذ غاب جمع بني ضبيعة منهـلا

قال: فانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش. ونظر حرملة إلى الرحل وجعل يقلبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك. فقال له مرقش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي : من أنت؟ قال: راعي فلان، وإذا هو راعي زوج أسماء. فقال له مرقش: أتستطيع أن تكلم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً فتأتيها بلبنها.


فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم. قالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف بنجران، فأقبل فزعاً فقال لها: لم دعوتني؟ قالت له: ادع عبدك راعي غنمك فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم قال: وجدته مع رجل في كهف خبان .قال: ويقال كهف جبار فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:

سرى ليلاً خيال من سليمـى

 

فأرقني وأصحابي هجـود

فبت أديرأمري كـل حـال

 

وأذكر أهلها وهـم بـعـيد

على أن قد سما طرفي لنار

 

يشب لها بذي الأرطى وقود

حواليها مها بيض التراقـي

 

وآرام وغـزلان رقــود

نواعم لاتعالج بـؤس عـيش

 

أوانس لاتـروح ولاتـرود

يرحن معاً بطاء المشيء بدًا

 

عليهن المجاسد والـبـرود

سكن ببلدة وسكنت أخـرى

 

وقطعت المواثق والعهـود

فما بالي أفي ويخان عهـدي

 

ومابالي أصـاد ولا أصـيد

ورب أسـيلة الـخـــدين

 

بكير منعمة لها فرع وجيد

وذو أشر شتيت النبت عذب

 

نقي اللـون بـراق بـرود

لهوت بها زماناً في شبابـي

 

وزارتها النجائب والقصـيد

أناس كلما أخلقـت وصـلاً

 

عناني منهم وصـل جـديد

ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.
وقال غير أبي عمرو والمفضل: أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسراً، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقاً، فزوجها أبوها من المرادي سراة فظهر على ذلك مرقش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنه. فلما أراد أن يهتديها خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقش، فتربصوا بها حتى عزب مرقش في إبله، وبنى المرادي بأسماء واحتملها إلى بلده. فلما رجع مرقش إلى الحي رأى غلاما يتعرق عظماً، فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحي. وأوجس في صدره خيفةً لما كان، فقال الغلام: اهتدى المراثي امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقش إلى حيه فلبس لأمته وركب فرسه الأغر، واتبع آثار القوم يريد قثل المرادي. فلما طلع لهم قالوا للمرادي: هذا مرقش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمر عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري، فإنه لا يرميك ولا يضرك، ويلهو، بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردوه. وقالوا للمرادي: تقدم فتقدم. وجاءهم مرقش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغض من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه ورداه عن القوم. ومضى بها المرادي فألحقها بحيه. وضني مرقش لفراق أسماء. فقال في ذلك:

أمن آل أسماء الرسوم الدوارس

 

تخطط فيها الطير قفر بسابس

وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضاً:

أغالبك القلب اللجوج صـبـابةً

 

وشوقاً إلى أسماء أم أنست غالبه

يهيم ولايعيا بأسـمـاء قـلـبـه

 

كذاك الهوى إمراره وعواقبـه

أيلحى امرؤ في حب أسماءقد نأى

 

بغمز من الواشين وازور جانبه

وأسماء هم النفس إن كنت عالماً

 

وبادى أحاديث الفؤاد وغـائبـه

إذا ذكرتها النفس ظلت كأنـنـي

 

يزعزعني قفقاف ورد وصالبـه

كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعراً: وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريان ببني تغلب بجمران فنكى فيهم وأصاب مالاً وأسرى، وكان معه المرقش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:

أتتني لسسان بني عـامـر

 

فجلى أحاديثها عن بصـر

بأن بني الوخم ساروا معـا

 

بجيش كضوء نجوم السحر

بكل خبوب السسرى نهـدة

 

وكل كميت طـوال أغـر

فما شعرالحي حـتـى رأوا

 

بريق القوانس فوق الغرر

فأقبلنهـم ثـم أدبـرنـهـم

 

وأصدرنهم قبل حين الصدر

فيا رب شلو تخطر فـنـه

 

كريم لدى مزحف أو مكر

وكائن بجمران من مزعف

 

ومن رجل وجهه قد عفـر

 وأما المرقش الأصغر

فهو على ما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة. والمرقش الأكبر عم الأصغر، والأصغر عم طرفة بن العبد. قال أبو عمرو: والمرقش الأصغر أشعر المرقشين وأطولهما عمراً. وهو الذي عشق فاطمة بنت الممنذر، وكانت لها وليدة يقال لها بنت عجلان، وكان لها قصر بكاظمة، وعليه حرس. وكان الحرس يجرون كل ليلة حوله الثياب فلا يطؤه أحد إلا بنت عجلان. وكان لبنت عجلان في كل ليلة رجل من أهل الماء يبيت عندها. فقال عمرو بن جناب بن مالك لمرقش: إن بنت عجلان تأخذ كل عشية رجلاً ممن يعجبها فيبيت معها. وكان مرقش ترعيةً لا يفارق إبله، فأقام بالماء وترك إبله ظمأى، وكان من أجمل الناس وجهاً وأحسنهم شعراً. وكانت فاطمة بنت المنذر تقعد فوق القصر فتنظر إلى الناس. فجاء مرقش فبات عند ابنة عجلان، حتى إذا كان من الغد تجردت عند مولاتها. فقالت لها: ما هذا بفخذيك،وإذا نكت كأنها التين وكآثار السياط من شدة حفزه إياها عند الجماعق الت: آثار رجل بات معي الليلة. وقد كانت فاطمة قالت لها: لقد رأيت رجلاً جميلاً راح نحونا بالعشية لم أره قبل ذلك، قالت: فإنه فتى قعد عن إبله وكان يرعاها، وهو الفتى الجميل الذي رأيته، وهو الذي بات، معي فأثر في هذه الآثار. قالت لها فاطمة: فإذا كان غد وأتاك فقدمي له مجمراً ومريه أن يجلس عليه وأعطيه سواكاً، فإن استاك به أورده فلا خير فيه، وإن قعد على المجمر أورده فلا خير فيه. فأتته بالمجمر فقالت له: اقعد عليه، فأبى وقال: أدنيه مني، فدخن لحيته وجمته وأبى أن يقعد عليه، وأخذ السواك فقطع رأسه واستاك به. فأتت ابنة عجلان فاطمة فأخبرتها بما صنع، فازدادت به عجباً وقالت: ائتيني به. فتعلقت به كما كانت تتعلق، فمضى معها وانصرف أصحابه. فقال القوم حين انصرفوا: لشد ما علقت بنت عجلان المرقش وكان الحرس ينثرون التراب حول قبة فاطمه بنت المنذر ويجرون عليه ثوباً حين تمسي ويحرسونها فلا يدخل عليها إلا ابنة عجلان، فإذا كان الغد بعث الملك بالقافة فينظرون أثر من دخل إليها ويعودون فيقولون له: لم نر إلا أثر بنت عجلان. فلما كانت تلك الليلة حملت بنت عجلان مرقشاً على ظهرها وحزمته إلى بطنها بثوب، وأدخلته إليها فبات معها. فلما أصبح بعث الملك بالقافة فنظروا وعادوا إليه فقالوا: نظرنا أثر بنت عجلان وهي مثقلة. فلبث بذلك حيناً يدخل إليها. فكان عمرو بن جناب بن عوف بن مالك يرى ما يفعل ولا يعرف مذهبه. فقال له: ألم تكن عاهدتني عهداً لا تكتمني شيئاً ولا أكتمك ولا نتكاذب. فأخبره مرقش الخبر فقال له: لا أرضى عنك ولا أكلمك أبداً أو تدخلني عليها، وحلف على ذلك. فانطلق المرقش إلى المكان الذي كان يواعد فيه بنت عجلان فأجلسه فيه وانصرف وأخبره كيف يصنع، وكانا متشابهين غير أن عمرو بن جناب كان أشعر، فأتته بنت عجلان فاحتملته وأدخلته إليها وصنع ما أمره به مرقش. فلما أراد مباشرتها وجدت شعر فخذيه فاستنكرته، وإذا هو يرعد، فدفعته بقدمها في صدره وقالت: قبح الله سرا عند المعيدي. ودعت بنت عجلان فذهبت به، وانطلق إلى موضع صاحبه. فلما رآه قد أسرع الكرة ولم يلبث، إلا قليلاً، علم أنه قد افتضح، فعض على إصبعه فقطعها. ثم انطلق إلى أهله وترك المال الذي كان فيه يعني الإبل التي كان مقيماً فيها حياءً مما صنع. وقال مرقش في ذلك:

ألا يا اسلمى لا صرم لي اليوم فاطما

 

ولا أبداً مـا دام وصـلـك دائمـا

رمتك ابنة البكري عن فرع ضـالة

 

وهن بنا خوص يخلـن نـعـائمـا

تراءت لنـا يوم الـرحـيل بـوارد

 

وعذب الثنايا لم يكن متـراكـمـا

سقاه حباب المزن في مـتـكـلـل

 

من الشمس رواه ربابا سواجـمـا

أرنك بذات الضال منها معاصـمـاً

 

وخدا أسيلا كـالـوذيلة نـاعـمـا

صحا قلبه عنها عـلـى أن ذكـرةً

 

إذا خطرت دارت به الأرض قائما

تبصر خليلي هل ترى من ظعانـن

 

خرجن سراعاً واقتعدن المفـائمـا

تحملن من جو الوريعة بـعـد مـا

 

تعالى النهار وانتجعن الصـرائمـا

تحلين ياقـوتـاً وشـذراً وصـيغة

 

جزعـاً ظـفـاريا ودرا تـوائمـا

سلكن القرى والجزع تحدى جمالهـا

 

ووركن قوا واجتزن عن المخارما

ألا حبـذا وجـه تـريك بـياضـه

 

ومنسدلات كالمثانـي فـواحـمـا

وإني لأستحيي فـطـيمة جـائعـاً

 

خميصاً وأستحيي فطيمة طاعـمـا

وإني لأستحييك والخـرق بـينـنـا

 

مخافة أن تلقى أخا لي صـارمـا

وإني وإن كلت قلوصـي لـراجـم

 

بها وبنفسي يا فطيم المـراجـمـا

ألايا اسلمى بالكوكب الطلق فاطمـا

 

وإن لم يكن صرف النوى متلائمـا

ألايا اسلمى ثم اعلمي أن حاجتي

 

إليك فردي من نوالك فاطـمـا

أفاطم لو أن النـسـاء بـبـلـدة

 

وأنت بأخرى لابتغيتك هـائمـا

متى مايشأ ذوالود يصرم خليلـه

 

ويغضب عليه لامحالة ظالـمـا

وآلى جناب حلفةً فـأطـعـتـه

 

فنفسك ول اللوم إن كنت نادمـا

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمـره

 

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

ألم ترأن المـرء يجـذم كـفـه

 

ويجشم من لوم الصديق المجاشما

أمن حلم أصبحت تنكت واجـمـا

 

وقد تعترى الأحلام من كان نائما

 من المائة المختارة

إذا قلت تسلو النفس أو تنتهي المنى

 

أبى القلـب إلا حـب أم حـكـيم

منعمة صفـراء حـلـو دلالـهـا

 

أبيت بها بـعـد الـهـدوء أهـيم

قطوف الخطا مخطوطة المتن زانها

 

مع الحسن خلق في الجمال عمـيم

الشعر مختلف في قائله، فمن الرواة من يرويه لصالح بن عبدالله العبشمي، ومنهم من يرويه لقطري بن الفجاءة المازني، ومنهم من يرويه لعبيدة بن هلال اليشكري. والغناء لسياط، وله فيه لحنان: أحدهما، وهو المختار، ثقيل أول بالوسطى، والآخر خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. ولبعض الشراة قصيدة في هذا الوزن وعلى هذه القافية، وفيها ذكر لأم حكيم هذه أيضاً، تنسب إلى هؤلاء الشعراء الثلاثة، ويختلف في قائلها كالاختلاف في قائل هذه. وفيها أيضاً غناء وهو في هذه الأبيات. منها:

لعمرك إني في الحياة لـزاهـد

 

وفي العيش ما لم ألق أم حكـيم

ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت

 

طعان فتى في الحرب غير ذميم

ذكر المبرد أن الشعر لقطري بن الفجاءة، وذكر الهيثم بن عدي أنه لعمرو القنا، وذكر وهب بن جرير أنه لحبيب بن سهم التميمي، وذكر أبو مخنف أنه لعبيدة بن هلال اليشكري، وذكر خالد بن خداش أنه لعمرو القنا أيضاً. والغناء لمعبد ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس.

خبر الوقعة التي قيل فيها هذا الشعر

وهي وقعة دولاب وشيء من أخبار هؤلاء وأنسابهم وخبر أم حكيم هذه.


وقعة دولاب وشيء من أخبار الشراة: هذان الشعران قيلا في وقعة دولاب، وهي قرية من عمل الأهواز، بينها وبين الأهواز نحو من أربعة فراسخ، كانت بها حرب بين الإزارقة وبين مسلم بن عبيس بن كريز خليفة عبدالله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وذلك في أيام ابن الزبير. أخبرني بخبر هذه الحرب أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة عن المدائني، وأخبرني بها عبيد الله بن محمد الرازي عن الخراز عن المدائنيئ، وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش: أن نافع بن الأزرق، لما تفرقت آراء الخوارج ومذاهبهم في أصول مقالتهم أقام بسوق الأهواز وأعمالها لا يعترض الناس، وقد كان متشككاً في ذلك. فقالت له امرأته: إن كنت قد كفرت بعد إيمانك وشككت فيه، فدع نحلتك ودعوتك، وإن كنت قد خرجت من الكفر إلى الإيمان فاقتل الكفار حيث لقيتهم وأثخن في النساء والصبيان كما قال نوح: "لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً". فقبل قولها واستعرض الناس وبسط سيفه، فقتل الرجال والنساء والولدان، وجعل يقول: إن هؤلاء إذا كبروا كانوا مثل آبائهم. وإذا وطيء بلداً فعل مثل هذا به إلىأن يجيبه أهله جميعاً ويدخلوا ملته، فيرفع السيف ويضع الجباية فيجبي الخراج. فعظم أمره واشتدت شوكته وفشا عفاله في السواد. فارتاع لذلك أهل البصرة ومشوا إلى الأحنف بن قيس فشكوا إليه أمرهم وقالوا له: ليس بيننا وبين القوم إلا ليلتان، وسيرتهم كما ترى، فقال لهم الأحنف: إن سيرتهم في مصر كم إن ظفروا به مثل سيرتهم في سوادكم، فخذوا في جهاد عدوكم. وحرضهم الأحنف، فاجتمع إليه عشرة آلاف رجل في السلاح. فأتاه عبدالله بن الحارث بن نوفل، وسأله أن يؤمر عليهم أميراً، فاختار لهم مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة، وكان فارساً شجاعاً ديناً، فأمره عليهم وشيعه. فلما نفذ من جسر البصرة أقبل على الناس وقال: إني ما خرجت لامتيار ذهب ولا وفضة، وإني لأحارب قوماً إن ظفرت بهم فما وراءهم إلا سيوفهم ورماحهم. فمن كان من شأنه الجهاد فلينهض، ومن أحب الحياة فليرجع. فرجع نفز يسير ومضى الباقون معه، فلما صاروا بدولاب خرج إليهم نافع بن الأزرق، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى تكسرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتلى، وتضاربوا بالسيوف والعمدة فقتل في المعركة ابن عبيس وهو على أهل البصرة، وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، وقتل نافع بن الأزرق يومئذ أيضاً، فعجب الناس من ذلك، وأن الفريقين تصابروا حتى قتل منهم خلق كثير، وقتل رئيسا العسكرين، والشراة يومئذ ستمائة رجل، فكانت الحدة يومئذ وبأس الشراة واقعاً ببني تميم وبني سدوس. وأتى ابن عبيس وهو يجود بنفسه فاستخلف على الناس الربيع بن عمرو الغداني، وكان يقال له الأجذم، كانت يده أصيبت بكابل مع عبد الرحمن بن سمرة. واستخلف نافع بن الأزرق عبيد الله بن بشير بن الماحوز أحد بني سليط بن يربع. فكان رئيسا المسلمين والخوارج جميعاًمن بني يربوع، رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع، ورئيس الشراة من بني سليط بن يربوع، فاتصلت الحرب بينهم عشرين يوماً. قال المدائني في خبره: وادعى قتل نافع بن الأزرق رجل من باهلة يقال له سلامة. وتحدث بعد ذلك قال: كنت لما قتلته على برذون ورد فإذا أنا برجل ينادي، وأنا واقف في خمس بني تميم، فإذا به يعرض علي المبارزة فتغافلت عنه، وجعل يطلبني وأنا أنتقل من خمس إلى خمس وليس يزايلني، فصرت إلى رحلي ثم رجعت فدعاني إلى المبارزة، فلما كثر خرجت إليه، فاختلفنا ضربتين فضربته فصرعته، ونزلت فأخذت رأسه وسلبته، فإذا امرأة قد رأتني حين قتلت نافعاً، فخرجت لتثأر به. قالوا: فلما قتل فافع وابن عبيس وولي الجيش إلى ربيع بن عمرو لم يزل يقاتل الشراة نيفاً وعشرين يوماً، ثم أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني مقتول لا محالة، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: إني رأيت البارحة كأن يدي التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاشتشلتني. فلما كان الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم فقتل يومئذ قال: استشلاه: أخذه إليه. يقال: استشلاه واشتلاه قال: فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس ثم أجمعوا على الحجاج بن باب الحميري. وقد اقتتل الناس يومئذ وقبله بيومين قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله، تطاعنوا بالرماح حتى تقصفت، ثم تضاربوا بالسيوف والعمد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، وحتى كان الرجل منهم يضرب الرجل فلا يغني شيئاً من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون بالأفواه. فلما تدافع القوم الراية وأبوها واتفقوا على الحجاج بن باب امتنع من أخذها. فقال له كريب بن عبد الرحمن: خذها فإنها مكرمة، فقال: إنها لراية مشئومة، ما أخذها أحد إلا قتل. فقال له كريب: يا أعور تقارعت العرب على أمرها ثم صيروها إليك فتأبى خوف القتل، خذ اللواء ويحك، فإن حضر أجلك قتلت إن كانت معك أو لم تكن. فأخذ اللواء وناهضهم،فاقتتلوا حتى انتقضت الصفوف وصاروا كراديس والخوارج أقوى عدة بالدروع والجواشن. وجعل الحجاج يغمض عينيه ويحمل حتى يغيب في الشراة ويطعن فيهم ويقتل حتى يظن أنه قد قتل، ثم يرفع رأسه وسيفه يقطر دماً، ويفتح عينيه فيرى الناس كراديس يقاتل كل قوم في ناحية. ثم التقى الحجاج بن باب وعمران ين الحارث الراسبي ، فاختلفا ضربتين كل واحد منهما قتل صاحبه، وجال الناس بينهما جولة ثم تحاجزوا، وأصبح أهل البصرة وقد هرب عامتهم، وولوا حارثة بن بدر الغداني أمرهم ليس بهم طرق ولا بالخوارج. فقالت امرأة من الشراة وهي أم عمران قاتل الحجاج بن باب وقتيله ترثي ابنها عمران:

أللـه أيد عـمـرانـاً وطـهـره

 

وكان عمران يدعو الله في السحر

يدعوه سرا وإعـلانـاً لـيرزقـه

 

شهادة بـيدي مـلـحـادة غـدر

ولى صحابته عن حر مـلـحـمة

 

وشد عمران كالضرغامة الذكـر

قال: فلما عقدوا لحارثة بن بدر الرياسة وسلموا إليه الراية نادى فيهم بأن يثبتوا، فإذا فتح الله عليهم فللعرب زيادة فريضتين وللموالي زيادة فريضة، فندب الناس فالتقوا وليس بأحد منهم طرق، وقد فشت فيهم الجراحات فلهم أنين، وما تطأ الخيل إلا على القتلى. فبينما هم كذلك إذ أقبل من اليمامة جمع من الشراة يقول المكثر إنهم مائتان والمقلل إنهم أربعون، فاجتمعوا وهم يريحون مع أصحابهم واجتمعوا كبكبة واحدة، فحملوا على المسلمين. فلما رآهم حارثة بن بدر نكص برايته فانهزم وقال:

كرنبوا ودولـبـوا

 

وحيث شئتم فاذهبوا

وقال:

أير الحمار فريضة لعبيدكـم

 

والخصيتان فريضة الأعراب

وتتابع الناس على أثره منهزمين، وتبعتهم الخوارج، فالقوا أنفسهم في دجيل فغرق منهم خلق كثير وسلمت بقيتهم. وكان ممن غرق دغفل بن حنظلة أحد بني عمرو بن شيبان. ولحقت قطعة من الشراة خيل عبد القيس فأكبوا عليهم، فعطفت عليهم خيل من بني تميم فعاونوهم وقاتلوا السراة حتى كشفوهم وانصرفوا إلى أصحابهم. وعبرت بقية الناس، فصار حارثة ومن معه بنهر تيري والسراة بالأهواز، فأقاموا ثلاثة أيام. وكان على الأزد يومئذ قبيصة بن أبي صفرة أخو المهلب، وهو جد هزارمرد . قال: وغرق يومئذ من الأزد عدد كثير. فقال شاعر الأزراقة:

يرى من جاء ينظرمن دجيل

 

شيوخ الأزد طافيةً لحاهـا

وقال شاعر آخر منهم:

شمت ابن بدر، والحوادث جمة،

 

والظالمون بنافع بـن الأزرق

والموت حتم لامحـالة واقـع

 

من لايصبحه نهـاراً يطـرق

فلئن أمير المؤمنـين أصـابـه

 

ريب المنون فمن تصبه يغلق

قال قطري بن الفجاءة، فيما ذكر المبرد، وقال المدائني في خبره: إن صالح بن عبدالله العبشمي قائل ذلك، وقال خالد بن خداش: بل قائلها عمرو القنا، قال وهب بن جرير عن أبيه فيما حدثني به أحمد بن الجعد الوشاء عن أحمد بن أبي خيثمة عن أبيه عن وهب بن جرير عن أبيه: إن حبيب بن سهم قائلها:

لعمرك إتي في الحياة لـزاهـد

 

وفي العيش ما لم ألق أم حكيم

من الخفرات البيض لم أرمثلها

 

شفاءً لذي بـث ولالـسـقـيم

لعمرك إني يوم ألطم وجهـهـا

 

على نائبات الدهرغيرحـلـيم

ولوشهدتني يوم دولاب أبصرت

 

طعان فتى في الحرب غير لئيم

غداة طفت علماء بكربـن وائل

 

وألافها من حـمـير وسـلـيم

ومال الحجازيون نحو بلادهـم

 

وعجنا صدورالخيل نحو تمـيم

وكان لعبد القيس أول جـدهـا

 

وولت شيوخ الأزدفهي تعـوم

فلم أريوماً كان كثرمقـعـصـاً

 

يمج دماً مـن فـائظ وكـلـيم

وضاربة خدا كريماًعلى فـتـى

 

أغر نجيب الأمـهـات كـريم

أصيب بدولاب ولم تك موطنـاً

 

له أرض دولاب وديرحـمـيم

فلو شهدتنا يوم ذاك وخـيلـنـا

 

تبيح من الكفـاركـل حـريم

رأت فتية باعوا الإله نفوسهـم

 

بجنات عدن عـنـده ونـعـيم

حدثني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا خلاد الأرقط قال: كان الشراة والمسلمون يتواقفون ويتساءلون بينهم عن أمر الدين وغير ذلك على أمان وسكون فلا يهيج بعضهم بعضاً. فتواقف يوماً عبيدة بن هلال اليشكري وأبو حزابة التميمي وهما في الحرب، فقال عبيدة: يا أبا حزابة، إني سائلك عن أشياء، أفتصدقني في الجواب عنها؟ قال: نعم، إن تضمنت لي مثل ذلك، قال: قد فعلت. قال: سل عما بدا لك. قال: ما تقول في أئمتكم. قال: يبيحون الدم الحرام والمال الحرام والفرج الحرام. قال: ويحك فكيف فعلهم في المال؟ قال: يخبونه من غير حقه، وينفقونه في غير حقه. قال: فكيف فعلهم في اليتيم. قال: يظلمونه ماله، ويمنعونه حقه، وينيكون أمه. قال: ويلك يا أبا حزابة أفمثل هؤلاء تتبع.قال: قد أجبت، فاسمع سؤالي ودع عنك عتابي على رأيي، قال: قل. قال: أي الخمر أطيب: أخمر السهل أم خمر الجبل. قال: ويلك أتسأل مثلي عن هذا؟ قال: قد أوجبت على نفسك أن تجيب، قال: أما إذ أبيت فإن خمر الجبل أقوى وأسكر، وخمر السهل أحسن وأسلس. قال أبو حزابة: فأي الزواني أفره: أزواني رامهرمز أم زواني أرجان ؟ قال: ويلك إن مثلي لا يسأل عن مثل هذا قال: لا بد من الجواب أو تغدر، فقال: أما إذ أبيت فزواني رامهرمز أرق أبشاراً، وزواني أزجان أحسن أبداناً. قال: فأي الرجلين أشعر: أجرير أم الفرزدق. قال: عليك وعليهما لعنة الله، أيهما الذي يقول:

وطوى الطراد مع القياد بطونها

 

طي التجار بحضرموت برودا

قال: جرير، قال: فهو أشعرهما. قال: وكان الناس قد تجاذبوا في أمر جرير والفرزدق حتى تواثبوا وصاروا إلى المهلب محكمين له في ذلك، فقال: أردتم أن أحكم بين هذين الكلبين المتهارشين فيمتضغاني، كنت لأحكم بينهما، ولكني أدلكم على من يحكم بينهما ثم يهون عليه سبابهما، عليكم بالشراة فسلوهم إذا تواقفتم. فلما تواقفوا سأل أبو حزابة عبيدة بن هلال عن ذلك فأجابه بهذا الجواب.


أخبرني أحمد بن جعفر جخظة قال حدثني ميمون بن هارون قال: حدثت أن امرأة من الخوارج كانت مع قطري بن الفجاءة يقال لها أم حكيم، وكانت من أشجع الناس وأجملهم وجهاً وأحسنهم بدينهم تمسكاً، وخطبها جماعة منهم فردتهم ولم تجب إلى ذلك؟ فأخبرني من شهدها أنها كانت تحمل على الناس وترتجز:

أحمل رأساً قد سئمت حمله

 

وقد مللت دفنه وغسـلـه

ألا فتى يحمل عني ثقله

 

 

قال: وهم يفدونها بالآباء والأمهات، فما رأيت قبلها ولا بعدها مثلها.


أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عمي قال: كان عبيدة بن هلال إذا تكاف الناس ناداهم: ليخرج إلي بعضكم، فيخرج إليه فتيان من العسكر، فيقول لهم: أيما أحب إليكم: أقرأ عليكم القرآن أو أنشدكم الشعر؟ فيقولون له: أما القرآن فقد عرفناه مثل معرفتك، فأنشدنا، فيقول لهم: يا فسقة، والله قد علمت أنكم تختارون الشعر على القرآن، ثم لا يزال ينشدهم ويستنشدهم حتى يملوا ثم يفترقون.