أخبار سليم

انقطع إلى إبراهيم المصلي، وهو أمر د فأحبه وعلمه: هو سليم بن سلام الكوفي، ويكنى أبا عبدالله. وكان حسن الوجه حسن الصوت. وقد انقطع وهو أمرد إلى إبراهيم الموصلي، فمال إليه وتعشقه، فعلمه وناصحه، فبرع وكثرت روايته، وصنع فأجاد. وكان إسحاق يهجوه ويطعن عليه. واتفق له اتفاق سيء: كان يخدم الرشيد فيتفق مع ابن جامع وإبراهيم وابنه إسحاق وفليح ابن العوراء وحكم الوادي فيكون بالإضافة إليهم كالساقط. وكان من أبخل الناس، فلما مات خلف جملة عظيمة وافرة من المال، فقبضها السلطان عنه.


أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه: أن إسحاق قال في سليم:

سليم بن لسلام على برد خلقه

 

أحرغناء من حسين بن محرز

وأخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق، وأخبرنا يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق: أن الرشيد قال لبرصوما الزامر وكانت فيه لكنة ما تقول في ابن جامع. قال: زق من أسل، يريد من عسل.


قال: فإبراهيم. قال: بستان فيه فاكهة وريحان وشوك. قال: فيزيد حوراء. قال: ما أبيد أسنانه يريد ما أبيض. قال: فحسين بن محرز. قال: ما أهسن خظامه، يريد ما أحسن خضابه. قال: فسليم بن سلام؟ قال: ما أنظف ثيابه.


قال إسماعيل بن يونس في خبره عن عمر بن شبة عن إسحاق: وغنى سليم يوماً وبرصوما يزمر عليه بين يلي الرشيد، فقصر سليم في موضع صيحة، فأخرج برصوما الناي من فيه ثم صاح به وقال له: يا أبا عبدالله، صيهة أشد من هذا، صيهة أشد من هذا، فضحك الرشيد حتى استلقى. قال: وما أذكر أني ضحكت قط أكثر من ذلك اليوم.


أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال محمد بن الحسن بن مصعب: إنما أخر سليما عن أصحابه في الصنعة ولعه بالأهزاج، فإن ثلثي صنعته هزج، وله من ذلك ماليس لأحد منهم. قال: ثم قال محمد: غنى سليم يوماً بين يدي الرشيد ثلاثة أصوات من الهزج ولاء، أولها:

مت على من غبت عنه أسفا

والثاني:

أسرفت في الإعراض والهجر

والثالث:

أصبح قلبي به ندوب

فأطربه وأمر له بثلاثين ألف درهم، وقال له: لو كنت الحكم الوادي ما زدت على هذا الإحسان في أهزاجك. يعني أن الحكم كان منفرداً بالهزج.

مت على من غبت عنه أسفا

 

لست منه بمصيب خلـفـا

لن ترى قـرةً عـين أبـداً

 

أوترى نحوهم منصـرفـا

قلت لماشفني وجدي بـهـم

 

حسبي الله لمابي وكـفـى

بين الدمع لمن أبصـرنـي

 

ماتضمنـت إذا مـا ذرفـا

الشعر للعباس بن الأحنف. والغناء لسليم، وله فيه لحنان، أحدهما في الأول والثاني هزج بالوسطى، والآخر في الثالث والرابع خفيف رمل بالبنصر مطلق. وفيهما لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو.
ومنها:

أسرفت في الإعراض والهجـر

 

وجزت حد التـيه والـكـبـر

الهجر والإعراض من ذي الهوى

 

سلم ذي الغـدر إلـى الـغـدر

مالي وللهجران حسبـي الـذي

 

مر على رأسي من الـهـجـر

ودون ما جربت فيمـا مـضـى

 

ما عرف الخير مـن الـشـر

الغناء لسيلم هزج بالبنصر.

أصبح قلبي به نـدوب

 

أندبه الشادن الربـيب

تمادياً منه في التصابي

 

وقدعلا رأسي المشيب

أظنني ذائقاً حمـامـي

 

وأن إلمامـه قـريب

إذا فؤاد شجـاه حـب

 

فقلما ينفع الطـبـيب

الشعر لأبي نواس. والغناء لسليم، وله فيه لحنان: خفيف رمل بالبنصر عن إسحاق، وهزج بالوسطى عن الهشامي. وزعمت بذل أن الهزج لها.


أخبرني عفي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني هارون بن مخارق عن أبيه قال: كان سليم بن سلام كوفيا، وكان أبوه من أصحاب أبي مسلم صاحب الدولة ودعاته وثقاته، فكان يكاتب أهل العراق على يلى. وكان سليم حسن الصوت جهيره، وكان بخيلاً.


قال أحمد بن أبي طاهر وحدثني أبو الحواجب الأنصاري، واسمه محمد، قال: قال لي سليم يوماً: امض إلى موسى بن إسحاق الأزرق فادعه ووافياني مع الظهر، فجئناه مع الظهر، فأخرج إلينا ثلاثين جارية محسنة ونبيذاً، ولم يطعمنا شيئاً، ولم نكن كلنا شيئاً. فغمر موسى غلامه فذهب فاشترى لنا خبزاً وبيضاً، فأدخله إلى الكنيف وجلسنا نأكل، فدخل علينا، فلما رآنا نأكل غضب وخاصمنا وقال: أهكذا يفعل الناس تأكلون ولا تطعمونني وجلس معنا في الكنيف يأكل كما يأكل واحد منا حتى فني الخبز والبيض.


أخبرني الحسن بن علي قال حدثني الفضل بن محمد اليزيدي قال حدثني أبي قال: كان سليم بن سلام صديقي وكان كثيراً ما يغشاني. فجاءني يوماً وأعلمني الغلام بمجيئه، فأمرت بإدخاله، فدخل وقال: قد جئتك في حاجة، فقلت: مقضية. فقال: إن المهرجان بعد غد، وقد أمرنا بحضور مجلس الخليفة، وأريد أن أغنيه لحناً أصنعه في شعر لم يعرفه هو ولا من بحضرته، فقل أبياتاً أغني فيها ملاحاة فقلت: على أن تقيم عندي وتصنع بحضرتي اللحن، قال: أفعل. فردوا دابته وأقام عندي، وقلت:

أتيتك عائذاً بك مـن

 

ك لما ضاقت الحيل

وصيرني هواك وبي

 

لحيني يضرب المثل

فإن سلمت لكم نفسي

 

فما لاقيتـه جـلـل

وإن قتل الهوى رجلاً

 

فإني ذلك الـرجـل

فغنى فيه وشربنا يومئذ عليه، وغنانا عدة أصوات من غنائه، فما رأيته مذ عرفته كان أنشط منه يومئذ.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن الجراح قال حدثني عبد الله بن محمد اليزيدي قال حدثني أخي محمد قال: سمعت أبي يقول: ما سرقت من الشعر قط إلا معنيين: قال مسلم بن الوليد:

ذاك ظبي تحير الحسن في الأر

 

كن منه وجال كـل مـكـان

عرضت دونه الحجال فـمـايل

 

قاك ألا في النوم أو في الأماني

فاستعرت معناه فقلت:

يا بعيد الدار موصو

 

لاً بقلبي ولسلنـي

ربما باعدك الـده

 

ر فأدنتك الأماني

الغناء في هذين البيتين لسليم هزج بالبنصر عن الهشامي.
قال: وقال مسلم أيضاً:

متى ماتسمعي بقتيل أرض

 

فإني ذلك الرجل القتـيل

ويروى: أصيب فإنني ذاك القتيل فقلت:

أتيتك عائذاً بك مـن

 

ك لما ضاقت الحيل

وصيرني هواك وبي

 

لحيني يضرب المثل

فإن سلمت لكم نفسي

 

فما لاقيتـه جـلـل

وإن قتل الهوى رجلاً

 

فإني ذلك الـرجـل

وجدت في كتاب علي بن محمد بن نصر عن جده حمدون بن إسماعيل، ولم أسمعه من أحد: أن إبراهيم بن المهدي سأل جماعةً من إخوانه أن يصطبحوا عنده قال حمدون: وكنت فيه، وكان فيمن دعا مخارق، فسار إليه وهو سكران لا فضل فيه لطعام ولا لشراب، فاغتم لذلك إبراهيم وعاتبه على ما صنع؟ فقال: لا والله أيها الأمير، ما كان آفتي إلا سليم بن سلام فإنه مر بي فدخل علي فغناني صوتاً له صنعه قريباً فشربت عليه إلى السحر حتى لم يبق في فضل وأخذته. فقال له إبراهيم: فغنناه إملالاً، فغناه:

إذا كنت ندماني فبـاكـر مـدامة

 

معتقةً زفت إلى غـير خـاطـب

إذاعتقت في دنها العام أقـبـلـت

 

تردى رداء الحسن في عين شارب

الغناء لسليم خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصرقال فبعث إبراهيم إلى سليم فأحضره، فغناه إياه وطرحه على جواريه وأمر له بجائزة، وشربنا عليه بقية يومنا حتى صرنا في حالة مخارق وصار في مثل أحوالنا.

من المائة المختارة

عتق الفؤاد من الـصـبـا

 

ومن السفاهة والـعـلاق

وحططت رحلي عن قلـو

 

ص الحب في قلص عتاق

ورفعت فضـل إزاري ال

 

مجرورعن قدمي وساقي

وكففت غرب النفس حـت

 

ى ما تتوق إلى مـتـاق

لم يقع إلينا قائل هذا الشعر. والغناء لابن عباد الكاتب ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل، وقيل: إنه لغيره، بل قيل: إنه لعمرو.