أخبار يحيى المكي ونسبه

اسمه وكنيته وكتمانه ولاءه لبني أمية لخدمته الخلفاء من بني العباس: هو يحيى بن مرزوق، مولى بني أمية، وكان يكتم ذلك لخدمته الخلفاء من بني العباس خوفاً من أن يجتنبوه ويحتشموه، فإذا سئل عن ولائه انتمى إلى قريش ولم يذكر البطن الذي ولاؤه لهم ، واستعفى من سأله عن ذلك. ويكنى يحيى أبا عثمان. وذكر ابن خزداذبة أنه مولى خزاعة. وليس قوله مما يحصل، لأنه لا يعتمد فيه على رواية ولا دراية.


أخبرني عبدالله بن الزبيع أبو بكر الربيعي صديقنا رحمه الله قال حدثني وسواسة بن الموصلي وقد لقيت وسواسة هذا، وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم وكان معلماً، ولم أسمع هذا منه فكتبته وأشياء أخر عن أبي بكر رحمه الله قال حدثني حماد بن إسحاق قال قال لي أبي: سألت يحيى المكي عن ولائه، فانتمى إلى قريش فاستزدته في الشرح فسألني أن أعفيه.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ويحيى بن علي بن يحيى قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال: كان يحيى المكي يكنى أبا عثمان، وهو مولى بني أمية، وكان يكتم ذلك ويقول: أنا مولى قريش.


ولما قال أعشى بني سليم يمدح دحمان:

كانوا فحولاً فصاروا عند حلبتهم

 

لما انبرى لهم دحمان خصيانـا

فأبلغوه عن الأعشى مقالـتـه

 

أعشى سليم أبي عمرو سليمانا

قولوا يقول أبوعمرو لصحبتـه

 

ياليت دحمان قبل الموت غنانا

قال أبان بن عبد الحميد اللاحقي، ويقال إن ابنه حمدان بن أبان قالها. والأشبه عندي أنها لأبان، وما أظن ابنه أدرك يحيى:

يا مق يفضمل دحماناً ويمـدحـه

 

على المغنين طرا قلت بهتـانـا

لوكنت جالست يحيى أوسمعت بـه

 

لم تمتدح أبداً ماعشت إنـسـانـا

ولم تقل سفهاً في منية عرضـت

 

ياليت دحمان قبل الموت غنـانـا

لقدعجبت لدحـمـان ومـادحـه

 

لاكان مادح دحـمـان ولاكـانـا

ماكان كابن صغيرالعين إذ جـريا

 

بل قام في غاية المجرى وما دانى

بذ الجياد أبو بـكـر وصـيرهـا

 

من بعد ما قرحت جذعاً وثنـيانـا

يعني بأبي بكر ابن صغير العين، وهو من معني مكة. وله أخبار تذكر في موضعها إن شاء الله تعالى.


منزلته في الغناء. وعمر يحيى المكي مائة وعشرين سنة، وأصاب بالغناء ما لم يصبه أحد من نظرائه، ومات وهو صحيح السمع والبصر والعقل. وكان قدم مع الحجازيين الذين قدموا على المهدي في أول خلافته، فخرج أكثرهم وبقي، يحيى بالعراق هو وولده يخدمون الخلفاء إلى أن انقرضوا. وكان آخرهم محمد بن أحمد بن يحيى المكي، وكان يغني مرتجلاً، ويحضر مجلس المعتمد مع المغنين فيوقع بقضيب على دواة. ولقيه جماعة من أصحابنا، وأخذ عنه جماعة ممن أدركنا من عجائز المغنيات، منهم قمرية العمرية، وكانت أم ولد عمرو بن بانة. وممن أدركه من أصحابنا جحظة، وكتبنا عنه عن ابن المكي هذا حكايات حسنة من أخبار أهله. وكان ابن جامع وإبراهيم الموصلي وفليح يفزعون إليه في الغناء القديم ويأخذونه عنه، ويعايي بعضهم بعضاً بما يأخذه منه ويغرب به على أصحابه، فإذا خرجت لهم الجوائز أخذوا منها ووفروا نصيبه. وله صنعة عجيبة نادرة متقدمة. وله كتاب في الأغاني ونسبها وأخبارها أو أجناسها، كبير جليل مشهور، إلا أنه كان كالمطرح عند الرواة لكثرة تخليطه في رواياته. والعمل على كتاب ابنه أحمد، فإنه صحح كثيراً مما أفسده أبوه، وأزال ما عرفه من تخاليط أبيه، وحقق ما نسبه من الأغاني إلى صانعه. وهو يشتمل على نحو ثلاثة آلاف صوت.


أخبرني عبدالله بن الربيع قال حدثني وسواسة بن الموصلي قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي قال: عمل جدي كتاباً في الأغاني وأهداه إلى عبدالله بن طاهر، وهو يومئذ شاب حديث السن، فاستحسنه وسر به، ثم عرضه على إسحاق فعرفه عواراً كثيراً في نسبه، لأن جدي كان لا يصحح لأحد نسبه صوت البتة، وينسب صنعته إلى المتقدمين، وينحل بعضهم صنعة بعض ضناً بذلك على غيره، فسقط من عين عبدالله وبقي في خزانته، ثم وقع إلى محمد بن عبدالله، فدعا أبي، وكان إليه محسناً وعليه مفضلاً، فعرضه عليه، فقال له: إن في هذه النسب تخليطاً كثيراً، خلطها أبي لضنه بهذا الشأن على الناس، ولكني أعمل لك كتاباً أصحح هذا وغيره فيه. فعمل له لحد كتاباً فيه اثنا عشر ألف صوت وأهداه إليه، فوصله محمد بثلاثين ألف درهم. وصحح له الكتاب الأول أيضاً فهو في أيدي الناس. قال وسواسة: وحدثني حماد أن أباه إسحاق كان يقدم يحيى المكي تقديماً كثيراً ويفضله ويناضل أباه وابن جامع فيه، ويقول: ليس يخلو يحيى فيما يرويه من الغناء الذي لا يعرفه أحا منكم من أحد أمرين: إما أن يكون محقاً فيه، كما يقول، فقد علم ما جهلتم، أو يكون من صنعته وقد نحله المتقدمين، كما تقولون، فهو أفضل له، وأوضح لتقدمه عليكم. قال: وكان أبي يقول: لولا ما أفسد به يحيى المكي نفسه من تخليطه في رواية الغناء على المتقدمين وإضافته إليهم ما ليس لهم وقلة ثباته على ما يحكيه من ذلك، لما تقدمه أحد. وقال محمد بن الحسن الكاتب: كان يحيى يخلط في نسب الغناء تخليطاً كثيراً، ولا يزال يصنع الصوت بعد الصوت يتشبه فيه بالغريض مرة وبمعبد أخرى وبابن سريج وابن محرز، ويجتهد في إحكامه وإتقانه حتى يشتبه على سامعه، فإذا حضر مجالس الخلفاء غناه على ما أحدث فيه، من ذلك، فيأتي بأحسن صنعة وأتقنها، وليس أحد يعرفها، فيسأل عن ذلك فيقول: أخذته عن فلان وأخذه فلان عن يونس أو عن نظرائه من رواة الأوائل، فلا يشك في قوله، ولا يثبت لمباراته أحد، ولا يقوم لمعارضته ولا يفي بها، حتى نشأ إسحاق فضبط الغناء وأخذه من مظانه ودونه، وكشف عوار يحيى في منحولاته وبينها للناس.


أظهر إسحاق غلطه فأرسل له هدايا وعاتبه: أخبرني عمي قال سمعت عبيد الله بن عبدالله بن طاهر يذكر عن أحمد بن سعيد المالكي وكان مغنياً منقطعاً إلى طاهر وولده وكان من القواد قال: حضرت يحيى المكي يوماً وقد غنى صوتاً فسئل عنه فقال: هذا لمالك ولم يحفظ أحمد بن سعيد الصوت ثم غنى لحناً لمالك فسئل عن صانعه فقال: هذا لي، فقال له إسحاق: قلت ماذا؟ فديتك، وتضاحك به. فسئل عن صانعه فأخبر به، ثم غنى الصوت. فخجل يحيى حتى أمسك عنه، ثم غنى بعد ساعة في الثقيل الأول، واللحن:

إن الخليط أجد فاحتمـلا

 

وأراد غيظك بالذي فعلا

فظللت تأمل قرب أوبتهم

 

والنفس مما تأمل الأملا

فسئل عنه فنسبه إلى الغريض. فقال له إسحاق: يا أبا عثمان، ليس هذا من نمط الغريض ولا طريقته في الغناء، ولو شئت لأخذت مالك وتركت للغريض ماله ولم تتعب. فاستحيا يحيى ولم ينتفع بنفسه بقية يومه. فلما انصرف بعث إلى إسحاق بألطاف كثيرة وبر واسع، وكتب إليه يعاتبه ويستكف شره ويقول له: لست من أقرانك فتضادني، ولا أنا ممن يتصدى لمباغضتك ومباراتك فتكايدني، ولأنت إلى أن أفيدك وأعطيك ما تعلم أنك لا تجده عند غيري فتسمو به على أكفائك أحوج منك إلى أن تباغضني، فأعطي غيرك سلاحاً إذا حمله عليك لم تقم له، وأنت أولى وما تختار. فعرف إسحاق صدق يحيى، فكتب إليه يعتذر، ورد الألطاف التي حملها إليه، وحلف لا يعارضه بعدها، وشرط عليه الوفاء بما وعده به من الفوائد، فوفى له بها، وأخذ منه كل ما أراد من غناء المتقدمين. وكان إذا حز به أمر في شيء منها فزع إليه فأفاده وعاونه ونصحه، وما عاود إسحاق معارضته بعد ذلك. وحذره يحيى، فكان إذا سئل بحضرته عن شيء صدق فيه، وإذا غاب إسحاق خلط فيما يسأل عنه. قال: وكان يحيى إذا صار إليه إسحاق بطلب منه شيئاً أعطاه إياه وأفاده وناصحه، ويقول لابنه أحمد: تعال حتى تأخذ مع أبي محمد ما الله يعلم أني كنت أبخل به عليك فضلاً عن غيرك. فيأخذه أحمد عن أبيه مع إسحاق. قال: وكان إسحاق بعد ذلك يتعصب ليحيى تعصباً شديداً، ويصفه ويقدمه ويعترف برياسته، وكذلك كان في وصف أحمد ابنه وتقريظه.


قال أحمد بن سعيد: والاختلاف الواقع في كتب الأغاني إلى الآن من بقايا تخليط يحيى. قال أحمد بن سعيد: وكانت صنعة يحيى ثلاثة آلاف صوت، منها زهاء ألف صوت لم.يقاربه فيها أحد، والباقي متوسط. وذكر بعض أصحاب أحمد بن يحيى المكي عنه أنه سئل عن صنعة أبيه فقال: الذي صح عندي منها ألف وثلثمائة صوت، منها مائة وسبعون صوتاً غلب فيها على الناس جميعاً من تقدم منهم ومن تأخر، فلم يقم له فيها أحد.


وقال حماد بن إسحاق قال لي أبي: كان يحيى المكي يسأل عن الصوت، وهو يعلم لمن هو، فينسبه إلى غير صانعه، فيحمل ذلك عنه كذلك، ثم يسأله آخرون فينسبه غير تلك النسبة، حتى طال ذلك وكثر منه وقل تحفظه، فظهر عواره، ولولا ذلك لما قاومه أحد.


وقال أحمد بن سعيد المالكي في خبره: فال إسحاق يوماً للرشيد، قبل أن تصلح الحال بينه وبين يحيى المكي: أتحب يا أمير المؤمنين أن أظهر لك كذب يحيى فيما ينسبه من الغناء. قال نعم. قال: أعطني أي شعر شئت حتى أصنع فيه، واسألني بحضرة يحيى عن نسبته فإني سأنسبه إلى رجل لا أصل له، واسأل يحيى عنه إذا غنيته، فإنه لا يمتنع من أن يدعي معرفته. فأعطاه شعراً فصنع فيه لحناً وغناه الرشيد: ثم قال له: يسألني أمير المؤمنين عن نسبته بين يديه. فلما حضر يحيى غناه إسحاق فسأله الرشيد: لمن هذا اللحن. فقال له إسحاق: لغناديس؟ المديني. فأقبل الرشيد على يحيى فقال له: أكنت لقيت غناديس المديني؟ قال: نعم، لقيته وأخذت عنه صوتين، ثم غنى صوتاً وقال: هذا أحدهما. فلما خرج يحيى حلف إسحاق بالطلاق ثلاثاً وعتق جواريه: أن الله ما خلق أحداً اسمه غناديس، ولا سمع في المغنين ولا غيرهم، وأنه وضع ذلك الاسم في وقته ذلك لينكشف أمره.


حدثني أحمد بن جعفر جخظة قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي المرتجل قال: غنى جدي يوماً بين يدي الرشيد:

هل هيجتك مغاني الحي والدور

 

فاشتقت إن الغريب الدار معذور

وهل يحل بنا إذ عيشـنـا أنـق

 

بيض أوانس أمثال الدمى حـور

والصنعة له خفيف ثقيل فسار إليه إسحاق وسأله أن يعيده إياه، فقال: نعم، حبا وكرامة لك يابن أخي، ولو غيرك يروم ذلك لبعد عليه، وأعاده حتى أخذه إسحاق. فلما انصرف بعث إلى جدي بتخت ثياب وخاتم ياقوت نفيس.


حذثني جحظة قال حدثني القاسم بن زززور عن أبيه عن مولاه علي بن المارقي قال: قال لي إبراهيم بن المهدي: ويلك يا مارقي، إن يحيى المكي غنى البارحة بحضرة أمير المؤمنين صوتاً فيه ذكر زينب، وقد كان النبيذ أخذ مني فأنسيت شعره، فى استعدته إياه فلم يعده، فاحتل لي عليه حتى تأخذه لي منه ولك علي سبق . فقال لي المارقي وأنا يومئذ غلامه، اذهب إليه فقل له إني أسأله أن يكون اليوم عندي، فمضيت إليه فجئته به. فلما تغدرا وضع النبيذ، فقال له المارقي: إني كنت سمعتك تغني صوتاً فيه زينب وأنا أحب أن آخذه منك وكان يحيى يوفي هذا الشأن حقه من الاستقصاء، فلا يخرج عنه إلا بحذر، ولا يدع الطلب والمسألة، ولا يلقي صوتاً إلا بعوض. قال لي جحظة في هذا الفصل: هذا فديتك، فعل يحيى مع ما أفاده من المال، ومع كرم من عاشره وخدمه من الخلفاء مثل الرشيد والبرامكة وسائر الناس، لا يلام ولا يعاب، ونحن مع هؤلاء السفل إن جئناهم نكارمهم تغافلوا عنا، وإن أعطونا النزر اليسير منوا به علينا وعابونا، فمن يلومي أن، أشتمهم. فقلت: ما عليك لوم. قال: فقال له يحيى: وأي شيء العوض إذا ألقيت عليك هذا الصوت. قال: ما تريد، قال: هذه الزربية الأرمينية، كم تقعد عليها، أما ان لك أن تملها. قال: بلى، وهي لك. قال: وهذه الظباء الحرمية، وأنا مكي لا أنت، وأنا أولى بها، قال: هي لك، وأمر بحملها معه. فلما حصلت له، قال المارقي: يا غلام، هات العود، قال يحيى: والميزان والدراهم، وكان لا يغني أو يأخذ خمسين درهماً، فأعطاه إياهاة فألقى عليه قوله:

بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب

 

وقل إن تملينا فما ملك القلـب

ولحنه لكردم ثقيل أول، فلم يشك المارقي أنه قد أخذ الصوت الذي طلبه إبراهيم وأدرك حاجته. فبكر إلى إبراهيم وقد أخذ الصوت، فقال له: قد جئتك بالحاجة. فدعا بالعود فغناه إياه، فقال له: لا والله ما هو هذا، وقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. فبعثني إليه وبعث معي خمسين درهماً. فلما دخل إليه وأكلا وشربا قال له يحيى: قد واليت بين دعواتك لي، ولم تكن برا ولا وصولا، فما هذا؟ قال: لا شيء والله إلا محبتي للأخذ عنك والاقتباس منك، فقال: سرك الله، فمه. قال: تذكرت الصوت الذي سألتك إياه فإذا ليس هو الذي ألقيت علي. قال: فتريد ماذا. قال: تذكر الصوت. قال: أفعل، ثم اندفع فغناه:

ألمم بزينب إن البين قـد أفـدا

 

قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

والغناء لمعبد ثقيل أول فقال له: نعم، فديتك يا أبا عثمان، هذا هو، ألقه علي، قال: العوض قال: ما، شئت. قال: هذا المطرف الأسود قال: هو لك. فأخذه وألقى عليه هذا الصوت حتى استوى له، وبكر إلى إبراهيم؟ فقال له: ما وراءك؟ قال: قد قضيت الحاجة، فدعا له بعود فغناه، فقال: خدعك والله، ليسر هذا هو، فعاود الاحتيال عليه، وكل ما تعطيه إياه ففي ذمتي. فلما كان اليوم الثالث بعث بي إليه، فدعوته وفعلنا مثل فعلنا بالأمس. فقال له يحيى: فمالك أيضاً. قال له: يا أبا عثمان، ليس هذا الصوت هو الذي أردت، فقال له: لست أعلم ما في نفسك فأذكره، وإنما علي أن أذكر ما فيه زينب من الغناء كما التمست حتى لا يبقى عندي زينب البتة إلا أحضرتها؟ فقال: هات على اسم الله، قال: اذكر العوض، قلت: ما شئت، قال: هذه الدراعة الوشي التي عليك، قال: فخذها والخمسين الدرهم، فأحضرها. فالقى عليه والغناء لمعبد ثقيل أول:

لزينب طيف تعتريني طوارقـه

 

هدوءاً إذا النجم ارجحنت لواحقه

فأخذه منه ومضى إلى إبراهيم، فصادفه يشرب مع الحرم فقال له حاجبه: هو متشاغل، فقال: قل له: قد جئتك بحاجتك. فدخل فأعلمه، فقال: يدخل فيغنيه في الدار وهو قائم، فإن كان هو وإلا فليخرج، ففعل؟ فقال:

ودنياك التي أمسيت فيهـا

 

مزايلة الشقيق عن الشقيق

ومما قاله في مرثية أهله وذكر الموت وغني فيه - وإنما نذكر منها ما فيه غناء لأنها طويلة:

مالك وضاح دائم الـغـزل

 

ألست تخشى تقارب الأجل

صل لذي العرش واتخذ قدماً

 

تنجيك يوم العثار والزلـل

يا موت ما إن تزال معترضاً

 

لا مل دون منتهى الأمـل

لو كان من فر منك منفلتـا

 

إذاً لأسرعت رحلة الجمـل

لكن كفيك نال طولـهـمـا

 

ما كل عنه نجـائب الإبـل

 

تنال كفـاك كـل مـسـهـلة

 

وخوت بحر ومعقل الوعـل

لولا حذاري من الحتوف فقـد

 

أصبحت من خوفها على وجل

لكنت للقلب في الهوى تبـعـاً

 

إن هواه ربائب الـحـجـل

حرمية تسكن الحجـاز لـهـا

 

شيخ غيور يعتل بالـعـلـل

علق قلبي ربيب بـيت مـلـو

 

ك ذات قرطين وعثة الكفـل

تفتر عن منطق تـضـن بـه

 

يجري رضاباً كذائب العسـل

أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني سليمان بن أبي أيوب عن مصعب قال: قال وضاح اليمن في حبابة جارية يزيد بن عبد الملك، وشاهدها بالحجاز قبل أن يشتريها يزيد وتصير إليه، وسمع غناءها فأعجب بها إعجاباً شديداً:

يا من لـقـلـب لا يطـي

 

ع الزاجـرين ولا يفـيق

تسلو قلوب ذوي الـهـوى

 

وهو المكلف والمـشـوق

تبلـت حـبـابة قـلـبـه

 

بالدل والشـكـل الأنـيق

وبعـين أحـور يرتـعـي

 

سقط الكثيب من العقـيق

مكحولة بالـسـحـر تـن

 

شي نشوة الخمر العتـيق

هيفاء إن هـي أقـبـلـت

 

لاحت كطالعة الشـروق

والردف مثـل نـقـاً تـل

 

د فهو زحـلـوق زلـوق

في درة الأصـداف مـع

 

تنقاً بها ردع الـخـلـوق

داوي هـواي وأطـفـئي

 

ما في الفؤاد من الحـريق

وترفقـي أمـلـي فـقـد

 

كلفتـنـي مـا لا أطـيق

في القلب منك جـوى الـم

 

حب وراحة الصب الشفيق

هذا يقـود بـرمـتـــي

 

قوداً إلـيك وذا يســوق

يا نفس قد كـلـفـتـنـي

 

تعب الهوى منهـا فـذوق

إن كـنــت تـــائقةً ل

 

حر صبابة منها فـتـوق

ومما قاله في روضة وفيه عناء قوله:

يا لقومي لكـثـرة الـعـذال

 

ولطيف سرى ملـيح الـدلال

زائر في قصور صنعاء يسري

 

كل أرض مخوفة وجـبـال

والغناء لابن عباد عن الهشامي رمل - وهذه الأبيات من قصيدة له في روضة طويلة جيدة يقول فيها:

يقـطـع الـحـزن والـمـهـامـه والـبــي

 

د ومـن دونـه ثـــمـــان لـــيالـــي

عاتـب فـي الـمـنـام أحـبـب بـعـتـبــا

 

ه إلـينـا وقـولــه مـــن مـــقـــال

قالـت أهـلاً ومـرحـبــاً عـــدد الـــق

 

ر وسـهـلاً بـطـيف هــذا الـــخـــيال

حبـذا مـن إذا خـلـــونـــا نـــجـــيا

 

قال: أهـلـي لـك الـفــداء ومـــالـــي

وهـي الـهـم والـمـنـى وهـوى الـنـــف

 

س إذا اعـتـل ذو هـوى بــاعـــتـــلال

قست مـا كـان قـبـلـنـا مـن هـوى الـنـا

 

س فـمـا قـسـت حـبـهـا بـمــثـــال

لم أجد حبها يشاكله الحب ولا ونجدنا كوجد الرجال

 

 

كل حب إذا استطال سيبلى

 

وهـو روضة الـمـنـى غـير بـــالـــي

لم يزده تـــقـــادم الـــعـــهـــد إلا

 

جدة عـنـدنـا وحـســـن احـــتـــلال

أيهـا الـعـاذلـون كـيف عــتـــابـــي

 

بعـد مـا شـاب مـفـرقـي وقـــذالـــي

كيف عـذلـي عـلـى الـتـي هـي مـنــي

 

بمـكـان الـيمـين أخـت الـشـــمـــال

والـذي أحـرمـــوا لـــه وأحـــلـــوا

 

بمـنـى صـبـح عـاشـرات الـلــيالـــي

ما مـلـكـت الـهـوى ولا الـنـفـس مـنـي

 

منـذ عـلـقـتـهـا فـكـيف احـتـيالـــي

إن نـأت كـان نـأيهـا الـمـوت صـرفـــاً

 

أو دنـت لـي فـثـم يبـدو خـبـــالـــي

يا بـنة الـمـالـكـي يا بـهـجة الــنـــف

 

س أفـي حـبـكـم يحـل اقـتـتـــالـــي

أي ذنـب عـلــي إن قـــلـــت إنـــي

 

لأحـب الـحـجـــاز حـــب الـــزلال

لأحـب الـحـجـاز مـن حـب مـن فـــي

 

ه وأهـوى حــلالـــه مـــن حـــلال

ومما فيه غناء من شعر وضاح:

أيها الناعب مـاذا تـقـول

 

فكلانا سـائل ومـسـول

لا كساك الله ما عشت ريشاً

 

وبخوف بت ثـم تـقـيل

ثم لا أنقفت في العش فرخاً

 

أبـداً إلا عـلـيك دلـيل

حين تنبى أن هنداً قـريب

 

يبلغ الحاجات منها الرسول

ونأت هند فخبرت عنـهـا

 

أن عهد الود سوف يزول

ومنها:

حي التي أقصى فؤادك حلـت

 

علمت بأنك عاشـق فـأدلـت

وإذا رأتك تقلقلت أحـشـاؤهـا

 

شوقاً إليك فكثـرت وأقـلـت

وإذا دخلت فاغلقت أبـوابـهـا

 

عزم الغيور حجابها فاعتـلـت

وإذا خرجت بكت عليك صبـابةً

 

حتى تبل دموعها مـا بـلـت

إن كنت يا وضاح زرت فمرحباً

 

رحبت عليك بلادنا وأظـلـت

الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو. وفيها ليحيى المكي ثاني ثقيل بالوسطى، من كتابه. ولابنه أحمد فيها هزج. وذكر حبش أن ليحيى فيها أيضاً خفيف ثقيل.
ومنها:

أتعرف أطلالا بميسـرة الـلـوى

 

إلى أرعب قد حالفتك به الصبـا

فأهلاً وسهلاً بالتي حل حـبـهـا

 

فؤادي وحلت دار شحط من النوى

الغناء فيه هزج يمني بالبنصر عن ابن المكي - وهذه أبيات يقولها لأخيه سماعة، وقد عتب عليه في بعض الأمور. وفيها يقول:

أبـادر درنـوك الأمـير وقـربـه

 

لا ذكر في أهل الكرامة والنـهـى

وأتبع القـصـاص كـل عـشـية

 

رجاء ثواب الله في عدد الخـطـا

وأمست بقصر يضرب الماء سـوره

 

وأصبحت في صنعاء ألتمس النـدى

فمن مبلغ عني سـمـاعة نـاهـياً

 

فإن شئت فاقطعنا كما يقطع السلى

وإن شئت وصل الرحم في غير حيلة

 

فعلنا وقلنا للذي تشتـهـي بـلـى

وإن شئت صرماً للتفرق والـنـوى

 

فبعداً، أدام الله تـفـرقة الـنـوى

ومنها:

طرق الخيال فمرحباً ألفـا

 

بالشاغفات قلوبنا شغـفـا

ولقد يقول لي الطبيب ومـا

 

نبأته من شأننـا حـرفـا:

إني لأحـسـب أن داءك ذا

 

من ذي دمالج يخضب الكفا

إني أنا الوضاح إن تصلـي

 

أحسن بك التشبيب والوصفا

شطت فشف القلب ذكركها

 

ودنت فما بذلت لنا عرفـا

ومنها: ويروى لبشار-:

يا مرحبا ألفـا وألـفـا

 

بالكاسرات إلي طرفـا

رجح الروادف كالظبـا

 

تعرضت حواً ووطفـا

أنكرن مركبي الحـمـا

 

ر وكن لا ينكرن طرفا

وسألننـي أين الـشـبـا

 

ب فقلت بان وكان حلفا

أفنى شبابي فانقـضـى

 

حلف النساء تبعن حلفـا

أعطيتـهـن مـودتـي

 

فجزينني كذباً وخلـفـا

وقصائد مثـل الـرقـى

 

أرسلتهن فكن شغـفـا

أوجعن كـل مـغـازل

 

وعصفن بالغيران عصفا

من كل لذات الـفـتـى

 

قد نلت نائلةً وعـرفـا

صدت الأوانس كالدمـى

 

وسقيتهن الخمر صرفـا

ومنها:- وهذه القصيدة تجمع نسيبه بمن ذكر وفخره بأبيه وجده أبي جمد-.

أغنى على بيضاء تنـكـل عـن بـرد

 

وتمشي على هون كمشية ذي الحـرد

وتلبس من بز العـراق مـنـاصـفـاً

 

وأبراد عصب من مهلهـلة الـجـنـد

إذا قلت يوماً نولـينـي تـبـسـمـت

 

وقالت لعمر الله لـو أنـه اقـتـصـد

سموت إليها بعد مـا نـام بـعـلـهـا

 

وقد وسدته الكف في لـيلة الـصـرد

أشارت بطرف العين أهلاً ومرحـبـاً

 

ستعطى الذي تهوى على رغم من حسد

ألست ترى من حولنـا مـن عـدونـا

 

وكل غلام شامـخ الأنـف قـد مـرد

فقلت لها إني امـرؤ فـاعـلـمـنـه

 

إذا ما أخذت السيف لم أحفل الـعـدد

بنى لي إسمـاعـيل مـجـدا مـؤثـلاً

 

وعبد كـلال قـبـلـه وأبـو جـمـد

تطيف علينـا قـهـوة فـي زجـاجة

 

تريك جبان القوم أمضى مـن الأسـد

ومنها:

يا أيها القلب بعض ما تجد

 

قد يعشق القلب ثـم يتـئد

قد يكتم المرء حبه حقـبـاً

 

وهو عميد وقلبه كـمـد

ماذا تراعون من فتى غزل

 

قد تيمته خمـصـانة رؤد

يهددوني كيما أخـافـهـم

 

هيهات أنى يهـدد الأسـد

ومنها:

صدع البين والتفرق قلبي

 

وتولت أم البنين بـلـي

ثوت النفس في الحمول لديها

 

وتولى بالجسم مني صحبـي

ولقد قلت والمدامع تـجـري

 

بدموع كأنها فـيض غـرب

جزعا للفـراق يوم تـولـت:

 

حسبي الله ذو المعارج حسبي

ومنها:

يا بنة الواحد جـودي فـمـا

 

إن تصرميني فبما أو لـمـا

جودي علينا اليوم أو بـينـي

 

فيم قتلت الرجل المسلـمـا

إني وأيدي قلـص ضـمـر

 

وكل خرق ورد الموسـمـا

ما علق القلب كتعـلـيقـهـا

 

واضعة كفا علت معصـمـا

ربة محـراب إذا جـئتـهـا

 

لم ألقها أو ارتقي سـلـمـا

إخوتـهـا أربـعة كـلـهـم

 

ينفون عنها الفارس المعلمـا

كيف أرجيها ومـن دونـهـا

 

بواب سوء يعجل المشتـمـا

أسود هتاك لأعـراض مـن

 

مر على الأبواب أو سلـمـا

لا منة أعلم كـانـت لـهـا

 

عندي ولا تطلب فينـا دمـا

بل هي لما أن رأت عاشـقـاً

 

صبا رمته اليوم فيمن رمـى

لما ارتمـينـا ورأت أنـهـا

 

قد أثبتت في قلبه أسـهـمـا

أعجبهـا ذاك فـأبـدت لـه

 

سنتها البيضاء والمعصـمـا

قامت تراءى لي على قصرها

 

بين جوار خرد كـالـدمـى

وتعقد المرط على جـسـرة

 

مثل كثيب الرمل أو أعظمـا

ومنها:

دعاك من شوقك الدواعي

 

وأنت وضاح ذو أتبـاع

دعتك مـيالة لـعـوب

 

أسيلة الخد بالـلـمـاع

دلالك الحلو والمشـهـي

 

وليس سريك بالمضـاع

لا أمنع النفس عن هواها

 

وكل شيء إلى انقطـاع

ومنها:

ألا يا لقومي أطلقوا غل مـرتـهـن

 

ومنوا على مستشعر الهم والحـزن

تذكر سلمى وفـي نـازحة فـحـن

 

وهل تنفع الذكرى إذا اغترب الوطن

ألم ترها صفراء رؤداً شـبـابـهـا

 

أسيلة مجرى الدمع كالشادن الأغـن

وأبصرت سلمى بين بردي مراجـل

 

وأراد عصب من مهلهـلة الـيمـن

فقلت لها لا ترتقي السطـح إنـنـي

 

أخاف عليكم كل ذي لـمة حـسـن

الغناء لابن سريج، وله في هذا الشعر لحنان: ثقيل أول بالبنصر عن عمرو، ورمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق. وأول الرمل قوله:

ألا يا لقومي أطلقوا غل مرتهن

وأول الثقيل الأول: تذكر سلمى. وفي هذه الأبيات هزج يمني بالبنصر.
ومنها:

أغدوت أنم في الرائحين تروح

 

أم أنت من ذكر الحسان صحيح

إذ قالت الحسناء ما لصديقـنـا

 

رث الثياب وإنـه لـمـلـيح

لا تسألن عن الثياب فـإنـنـي

 

يوم اللقاء على الكماة مشـيح

أرمي وأطعن ثم اتبع ضـربة

 

تدع النساء على الرجال تنـوح

يا صـاح إنـي قـد حـجـج

 

ت صت وزرت بيت المقدس

وأتـيت لـدا عـــامـــداً

 

في عـيد مـريا سـرجـس

فرأيت فــيه نـــســـوة

 

مثل الـظـبـاء الـكـنـس

الشعر والغناء للمعلى بن طريف مولى المهدي. ولحنه المختار خفيف رمل بالبنصر. وكان المعلى بن طريف وأخوه ليث مملوكين مولدين من مولدي الكوفة لرجل من أهلها، فاشتراهما علي بن سليمان وأهداهما إلى المنصور، فوهبهما المنصور للمهدي فأعتقهما. ونهر المعلى وربض المعلى ببغداد منسوب إلى المعلى - هكذا ذكر ذلك ابن خرداذبه - وكان ضارباً محسناً طيب الصوت حسن الأداء صالح الصنعة، أخذ الغناء عن إبراهيم وابن جامع وحكم الوادي. وولي أخوه ليث السند، وولي هو الطراز والبريد بخراسان، وقاتل يوسف البرم فهزمه، ثم ولي الأهواز بعد ذلك. فقال فيه بعض الشعراء يمدحه ويمدح أخاه الليث ويهجو علي بن صالح صاحب المصلى:

يا علي بن صالح ذا المصلـى

 

أنت تفدي ليثاً وتفدي المعلـى

سد ليث ثغراً ووليت فاخـتـن

 

ت فبئس المولى وبئس المولى

 وعلي بن سليمان هذا الذي أهدى المعلى وأخاه إلى المهدي هو الذي يقول فيه أبو دلامة زند بن الجون الأسدي؛ وكان خرج مع المهدي إلى الصيد، فرمى المهدي وعلي بن سليمان ظبياً سنح لهما، وقد أرسلت عليه الكلاب، بسهمين، فأصاب المهدي الظبي وأصاب علي بن سليمان الكلب فقتلاهما. فقال أبو دلامة:

قد رمى المهدي ظبياً

 

شك بالسهم فـؤاده

وعلي بن سـلـيمـا

 

ن رمى كلباً فصاده

فهنيئا لهمـا كـل ام

 

رىء يأكــل زاده

حدثنا بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب، وعن أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن.

ألا طرد الهوى عني رقادي

 

فحسبي ما لقيت من السهاد

لعبدة إن عبدة تـيمـتـنـي

 

وحلت من فؤادي في السواد

الشعر لبشار.

والغناء المختار في هذين البيتين هزج خفيف بالبنصر، ذكر يحيى بن علي أنه يمني، وذكر الهشامي أنه لسليم.