ذكر أخبار عمر الوادي ونسبه

نسبه وإعجاب الوليد به

هو عمر بن داود بن زاذان. وجده زاذان مولى عمرو بن عثمان بن عفان. وكان عمر مهندساً. وأخذ الغناء عنه حكمٌ وذووه من أهل وادي القرى. وكان قدم إلى الحرم فأخذ من غناء أهله فحذق وصنع فأجاد وأتقن. وكان طيب الصوت شجيه مطرباً. وكان أول من غنى من أهل وادي القرى، واتصل بالوليد بن يزيد في أيام إمارته فتقدم عنده جداً، وكان يسميه جامع لذاتي ومحيي طربي. وقتل الوليد وهو يغنيه، وكان آخر عهده به من الناس. وفي عمر يقول الوليد بن يزيد وفيه غناء: صوت

إنني فكرت في عمـرٍ

 

حين قال القول فاختلجا

إنه للمسـتـنـير بـه

 

قمر قد طمس السرجا

ويغني الشعر ينظـمـه

 

سيد القوم الذي فلـجـا

أكمل الوادي صنعـتـه

 

في لباب الشعر فاندمجا

الشعر للوليد بن يزيد. والغناء لعمر الوادي هزج خفيفٌ بالبنصر في مجراها.


كان الوليد يقدمه على المغنين: أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان عمر الوادي يجتمع مع معبد ومالك وغيرهما من المغنين عند الوليد بن يزيد، فلا يمنعه حضورهم من تقديمه والإصغاء إليه والاختصاص له. وبلغني أنه كان لا يضرب وإنما كان مرتجلاً، وكان الوليد يسميه جامع لذاتي. قال: وبلغني أيها حكما الوادي وغيره من مغني وادي القرى أخذوا عنه الغناء وانتحلوا أكثر أغانيه.


غضب الوليد على أبى رقية فاسترضاه عنه: قال: إسحاق وحدثني عبد السلام بن الربيع: أن الوليد بن يزيد كان يوماً جالساً وعنده عمر الوادي وأبو رقية، وكان ضعيف العقل وكان يمسك المصحف على أم الوليد، فقال الوليد لعمر الوادي وقد غناه صوتاً: أحسنت والله، أنت جامع لذاتي، وأبو رقية مضطجعٌ وهم يحسبونه نائماً، فرفع رأسه إلى الوليد فقال له: وأنا جامع لذات أمك، فغضب الوليد وهم به، فقال له عمر الوادي: جعلني الله فداك! ما يعقل أبو رقية وهو صاح، فكيف يعقل وهو سكران! فأمسك عنه.


سمع غناء من راع أخذه عنه ومدحه: قال إسحاق: وحدثت عن عمر الوادي قال: بينا أنا أسير ليلة بين العرج والسقيا سمعت إنساناً يغني غناءً لم أسمع قط أحسن منه وهو: صوت

وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضـهـا

 

أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

من الخفرات البيض ود جلـيسـهـا

 

إذا ما انقضت أحدوثةٌ لو تعـيدهـا

فكدت أسقط عن راحلتي طرباً، فقلت: والله لألتمسن الوصول إلى هذا الصوت ولو بذهاب عضوٍ من أعضائي حتى هبطت من الشرف ، فإذا أنا برجل يرعى غنماً وإذا هو صاحب الصوت، فأعلمته الذي أقصدني إليه وسألته إعادته علي، فقال: والله لو كان عندي قرىً ما فعلت، ولكني أجعله قراك، فربما ترنمت به وأنا جائعٌ فأشبع، وكسلان فأنشط ومستوحشٌ فآنس، فأعاده علي مراراً حتى أخذته، فو الله ما كان لي كلام غيره حتى دخلت المدينة، ولقد وجدته كما قال. حدثني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني المؤمل بن طالوت الوادي قال حدثني مكين العذري قال: سمعت عمر الوادي يقول: بينا أنا أسير بين الروحاء والعرج، ثم ذكر مثله، وقال فيه: فربما ترنمت به وأنا غرثان فيشبعني، ومتسوحشٌ فيؤنسني، وكسلان فينشطني. قال: فما كان زادي حتى ولجت المدينة غيره ، وجربت ما وصفه الراعي فيه فوجدته كما قال.
نسبة هذا الصوت صوت

لقد هجرت سعدى وطال صدودهـا

 

وعاود عيني دمعهـا وسـهـودهـا

وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضهـا

 

أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

منعمةٌ لم تـلـق بـؤس مـعـيشةٍ

 

هي الخلد في الدنيا لمن يستفـيدهـا

هي الخلد ما دامت لأهـلـك جـارةً

 

وهل دام في الدنيا لنفس خلـودهـا

الشعر لكثير. والغناء لابن محرز ثقيلٌ أول مطلق بالبنصر عن يحيى المكي. وذكر الهشامي أن فيه ليزيد حوراء ثاني ثقيل. وفيه خفيفٌ رمل ينسب إلى عمر الوادي، وهو بعض هذا اللحن الذي حكاه عن الراعي ولا أعلم لمن هو. وهذه الأبيات من قصيدةٍ لكثير سائرها في الغزل وهي من جيد غزله ومختاره. وتمام الأبيات بعد ما مضى منها:

فتلك التي أصفيتـهـا بـمـودتـي

 

وليداً ولما يستبن لـي نـهـودهـا

وقد قتلت نفسـاً بـغـير جـريرة

 

وليس لها عقل ولا مـن يقـيدهـا

فكيف يود الـقـلـب مـن لا يوده

 

بلى قد تريد النفس من لا يريدهـا

ألا ليت شعري بعدنا هل تـغـيرت

 

عن العهد أم أمست كعهدي عهودها

إذا ذكرتها النفس جنت بـذكـرهـا

 

وريعت وحنت واستخف جلـيدهـا

فلو كان ما بي بالجبـال لـهـدهـا

 

وإن كان في الدنيا شديداً هدودهـا

ولست وإن أوعدت فيها بمـنـتـهٍ

 

وإن أوقدت نارٌ فشـب وقـودهـا

أبيت نجيا للـهـمـوم مـسـهـداً

 

وإن أوقدت نحوي بليل وقـودهـا

فأصبحت ذا نفسين نفـس مـريضة

 

من اليأس ما ينفك هـمٌ يعـودهـا

ونفس إذا ما كنت وحدي تقطـعـت

 

كما انسل من ذات النظام فريدهـا

فلم تبد لي يأساً ففـي الـيأس راحة

 

ولم تبد لي جوداً فينفـع جـودهـا

أخذ من الوليد خاتم ياقوت بصوت اقترحه عليه: أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال: قال عمر الوادي: خرج إلي الوليد بن يزيد يوماً وفي يده خاتم ياقوتٍ أحمر قد كاد البيت يلتمع من شعاعه، فقال لي: يا جامع لذتي، أتحب أن أهبه لك؟ قلت: نعم والله يا مولاي، فقال: إن في هذه الأبيات التي أنشدك فيها واجهد نفسك، فإن أصبت إرادتي وهبته لك، فقلت: أجتهد وأرجو التوفيق.
صوت

ألا يسليك عن سلمى

 

قتير الشيب والحلم

وأن الشك ملتـبـسٌ

 

فلا وصلٌ ولا صرم

فلا والله رب الـنـا

 

س مالك عندنا ظلم

وكيف بظلم جـاريةٍ

 

ومنها اللين والرحم

فخلوت في بعض المجالس، فما زلت أديره حتى استقام، ثم خرجت إليه وعلى رأسه وصيفةٌ، بيدها كأس وهو يروم أن يشربها فلا يقدر خماراً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: فرغت مما أمرتني به، وغنيته، فصاح: أحسنت والله! ووثب قائماً على رجليه وأخذ الكأس واستدناني فوضع يده اليسرى علي متكئاً والكأس في يده اليمنى، ثم قال لي: أعد بأبي أنت وأمي! فأعدته عليه فشرب ودعا بثانية وثالثة ورابعة وهو على حاله يشرب قائماً حتى كاد أن يسقط تعباً، ثم جلس ونزع الخاتم والحلة التي كانت عليه، فقال: والله العظيم لا تبرح هكذا حتى أسكر، فما زلت أعيده عليه ويشرب حتى مال على جنبه سكراً فنام.


سبق عبد المطلب بن عبد الله بينه وبين أشعب وأبي رقية في وجز: أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن غرير بن طلحة الأرقمي عن أبي الحكم عبد المطلب بن عبد الله بن يزيد بن عبد الملك قال: والله إني لبآلعقيق في قصر القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وعندي أشعب وعمر الوادي وأبو رقية، إذ دعوت بدينار فوضعته بين يدي وسبقتهموه في رجزٍ فكان أول من خسق عمر الوادي فقال:

أنا ابـن داود أنـا ابـن زاذان

 

أنا ابن مولى عمرو بن عثمان

ثم خسق أبو رقية فقال:

أنا ابن عامر القاري

 

أنا ابن أول أعجمي

تقدم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خسق أشعب فقال:

أنا ابـن أم الـخـلـنـداج

 

أنا ابن المحرشة بين أزواج

النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو الحكم: فقلت له: أي أخزاك الله، هل سمعت أحداً قط فخر بهذا! فقال: وهل فخر أحدٌ بمثل فخري! لولا أن أمي كانت عندهن ثقةً ما قبلن منها حتى يغضب بعضهن على بعض.