أخبار أبي زكار الأعمى

مغن بغدادي قديم انقطع لآل برمك: قال أبو الفرج: أبو زكار هذا رجل من أهل بغداد من قدماء المغنين، وكان منقطعاً إلى آل برمك، وكانوا يؤثرونه ويفضلون عليه إفضالاً.
قتل جعفر البرمكي وهو يغنيه: فحدثني محمد بن جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: سمعت مسروراً يحدث أبي قال: لما أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى، دخلت عليه وعنده أبو زكار الأعمى وهو يغنيه بصوت لم أسمع بمثله:

فلا تبعد فكل فتًى سـيأتـي

 

عليه الموت يطرق أو يغادي

وكـل ذخـيرةٍ لا بـد يومـاً

 

وإن بقيت تصير إلى نـفـاد

ولو يفدى من الحدثان شـيءٌ

 

فديتك بالطريف وبالـتـلاد

طلب أن يقتل مع جعفر فأمر الرشيد بالإحسان إليه: فقلت له: في هذا والله أتيتك! فأخذت بيده فأقمته وأمرت بضرب عنقه. فقال لي أبو زكار: نشدتك الله إلا ألحقتني به. فقلت: وما رغبتك في ذلك؟ قال: إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده. فقلت: أستأمر أمير المؤمنين في ذلك. فلما أتيت الرشيد برأس جعفر أخبرته بقصة أبي زكار، فقال لي: هذا رجل فيه مصطنعٌ، فاضممه إليك وانظر ما كان يجريه عليه فأتممه له.
قال إسحاق الموصلي عن صوت له: هو معرق في العمى: حدثني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق قال: غنى علويه يوماً بحضرة أبي، فقال أبي: مه! هذا الصوت معرقٌ في العمى. الشعر لبشار الأعمى، والغناء لأبي زكار الأعمى، وأول الصوت عميت أمري.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه

ما جرت خطرةٌ على القلب مني

 

فيك إلا استترت عن أصحابـي

من دموع تجري، فإن كنت وحدي

 

خالياً أسعدت دموعي انتحـابـي

إن حبي إياك قد سل جـسـمـي

 

ورماني بالشيب قبل الشـبـاب

لو منحت اللقا شفى بـك صـبًّـا

 

هائم القلب قد ثوى في التـراب

الشعر في الأبيات للسيد الحميري. والغناء لمحمد نعجة الكوفي، مغن غير مشهور ولا ممن خدم الخلفاء وليس له خبر. ولحنه المختار ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر. وذكر حبش أن لمحمد نعجة فيه أيضاً خفيف رمل بالبنصر.