الأحوص وموسى شهوات

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمي قال: مدح موسى شهوات أبا بكر بن عبد العزيز بن مروان بقصيدة أحسن فيها وأجاد وقال فيها:

وكذاك الزمان يذهب بالنا

 

س وتبقى الديار والأثار

فقام الأحوص ودخل منزله وقال قصيدةً مدح فيها أبا بكر بن عبد العزيز أيضاً وأتى فيها بهذا البيت بعينه وخرج فأنشدها. فقال له موسى شهوات: ما رأيت يا أحوص مثلك ??! قلت قصيدة مدحت فيها الأمير فسرقت أجود بيتٍ فيها وجعلته في قصيدتك. فقال له الأحوص: ليس الأمر كما ذكرت، ولا البيت لي ولا لك، هو للبيد سرقناه جميعاً منه، إنما ذكر لبيدٌ قومه فقال:

فعفا آخر الزمان عليهـم

 

فعلى آخر الزمان الدبار

وكذاك الزمان يذهب بالنا

 

س وتبقى الرسوم والأثار

قال: فسكت موسى شهوات فلم يحر جواباً كأنما ألقمه حجراً.


حديث سلامة مع الأحوص وعبد الرحمن بن حسان وهو كما يرى أبو الفرج موضوع: ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي خبر الأحوص مع سلامة التي ذكرها في هذا الشعر وهو موضوع لا أشك فيه لأن شعره المنسوب إلى الأحوص شعر ساقطٌ سخيفٌ لا يشبه نمط الأحوص، والتوليد بين فيه يشهد على أنه محدث. والقصة أيضاً باطلةٌ لا أصل لها؛ ولكني ذكرته في موضعه على ما فيه من سوء العهدة. قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو محمد الجزري قال: كانت بالمدينة سلامة من أحسن الناس وجهاً وأتمهن عقلاً وأحسنهن حديثاً قد قرأت القرآن وروت الأشعار وقالت الشعر، وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص بن محمد يختلفان إليها فيرويانها الشعر ويناشدانها إياه. فعلقت الأحوص وصدت عن عبد الرحمن. فقال لها عبد الرحمن يعرض لها بما ظنه من ذلك:

أرى الإقبال منك على خليلي

 

ومالي في حديثكم نصـيب

فأجابته:

لأن الله علـقـه فـؤادي

 

فحاز الحب دونكم الحبيب

فقال الأحوص:

خليلي لا تلمها في هواهـا

 

ألذ العيش ما تهوى القلوب

قال: فأضرب عنها ابن حسان وخرج ممتدحاً ليزيد بن معاوية فأكرمه وأعطاه. فلما أراد الانصراف قال له: يا أمير المؤمنين، عندي نصيحة، قال: وما هي؟ جارية خلفتها بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم وأعقلهم ولا تصلح أن تكون إلا لأمير المؤمنين وفي سماره: فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه؛ فوقعت منه موقعاً عظيماً وفضلها على جميع من عنده. وقدم عبد الرحمن المدينة فمر بالأحوص وهو قاعد على باب داره وهو مهموم، فأراد أن يزيده إلى ما به فقال:

يا مبتلى بالحب مفـدوحـا

 

لاقى من الحب تبـاريحـا

ألجمه الحب فما ينـثـنـي

 

إلا بكأس الشوق مصبوحا

وصار ما يعجبه مغلـقـاً

 

عنه وما يكره مفتـوحـا

قد حازها من أصبحت عنده

 

ينال منها الشم والـريحـا

خليفة الله فسـل الـهـوى

 

وعز قلباً منك مجروحـا

فأمسك الأحوص عن جوابه. ثم أن شابين من بني أمية أرادا الوفادة إلى يزيد، فأتاهما الأحوص فسألهما أن يحملا له كتاباً ففعلا. فكتب إليها معهما:

سلام ذكرك ملصقٌ بلـسـانـي

 

وعلى هواك تعودني أحـزانـي

ما لي رأيتك في المنام مطـيعةً

 

وإذا انتبهت لججت في العصيان

أبداً محبك مـمـسـك بـفـؤاده

 

يخشى اللجاجة منك في الهجران

إن كنت عاتبةً فإنـي مـعـتـبٌ

 

بعد الإساءة فاقبلي إحـسـانـي

لا تقتلي رجلاً يراك لـمـا بـه

 

مثل الشراب لغلة الـظـمـآن

ولقد أقول لقاطنين من اهـلـنـا

 

كانا على خلـق مـن الإخـوان

يا صاحبي على فؤادي جـمـرٌة

 

وبرى الهوى جسمي كما تريان

أمرقيان إلى سـلامة أنـتـمـا

 

ما قد لقيت بها وتحـتـسـبـان

لا أستطيع الصبر عنهـا إنـهـا

 

من مهجتي نزلت لكل مـكـان

قال: ثم غلبه جزعه فخرج إلى يزيد ممتدحاً له. فلما قدم عليه قربه وأكرمه وبلغ لديه كل مبلغ. فدست إليه سلامة خادماً وأعطته مالاً على أن يدخله إليها. فأخبر الخادم يزيد بذلك؛ فقال: امض برسالتها. ففعل ما أمره به وأدخل الأحوص، وجلس يزيد بحيث يراهما فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها، وأمرت فألقي له كرسي فقعد عليه، وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق. فلم يزالا يتحدثان إلى السحر ويزيد يسمع كلامهما من غير أن تكون بينهما ريبة. حتى إذا هم بالخروج قال:

أمسى فؤادي في همٍ وبـلـبـال

 

من حب من لم أزل منه على بال

فقالت:

صحا المحبون بعد النأي إذ يئسوا

 

وقد يئست وما أصحو على حال

فقال:

من كان يسلو بيأسٍ عن أخي ثقةٍ

 

فعن سلامة ما أمسيت بالسالي

فقالت:

والله والله لا أنساك يا سـكـنـي

 

حتى يفارق مني الروح أوصالي

فقال:

والله ما خاب من أمسى وأنت له

 

يا قرة العين في أهلٍ وفي مال

ثم ودعها وخرج. فأخذه يزيد ودعا بها فقال: أخبراني عما كان جرى بينكما في ليلتكما واصدقاني. فأخبراه وأنشداه ما قالاه، فلم يخرما حرفاً ولا غيرا شيئاً مما سمعه. فقال له يزيد: أتحبها يا أحوص؟ قال: إي والله يا أمير المؤمنين.

حباً شديداً تليداً غير مـطـرفٍ

 

بين الجوانح مثل النار يضطرم

فقال لها: أتحبينه؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين.

حباً شديداً جرى كالروح في جسدي

 

فهل يفرق بين الروح والجـسـد

فقال يزيد: إنكما لتصفان حباً شديداً خذها يا أحوص فهي لك، ووصله بصلة سنيةٌ، وانصرف بها وبالجارية إلى الحجاز وهو من أقر الناس عيناً. مضى الحديث.


أصوات معبد المسماة مدن معبد وتسمى أيضاً حصون معبد مدن معبد أو حصونه: أخبرني ابن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه، قال حسين في خبره واللفظ له عن إسماعيل بن جامع عن يونس الكاتب قال: قال معبد وقد سمع رجلاً يقول: إن قتيبة بن مسلم فتح سبعة حصون أو سبع مدن لخراسان فيها سبعة حصون صعبة المرتقى والمسالك ولم يوصل إليها قط. فقال: والله لقد صنعت سبعة ألحان كل لحن منها أشد من فتح تلك الحصون. فسئل عنها فقال:

لعمري لئن شطت بعثمة دارها

هريرةً ودعها وإن لام لائم

رأيت عرابة الأوسي يسمو

كم بذاك الحجون من حي صدقِ

لو تعلمين الغيب أيقنت أنني

يا دار عبلة بالجواء تكلمي

ودع هريرة إن الركب مرتحل

ومن الناس من يروي مدن معبد:

تقطع من ظلامة الوصل أجمع

خمصانةٌ قلقٌ موشحها

يوم تبدي لنا قتيلة

مكان:

كم بذاك الحجون من حي صدق

لو تعلمين الغيب أيقنت أنني

يا دار عبلة بالجواء تكلمي

نسبة هذه الأصوات وأخبارها صوت

لعمري لئن شطت بعثمة دارها

 

لقد كدت من وشك الفراق أليح

أروح بهم ثم أغدو بـمـثـلـه

 

ويحسب أني في الثياب صحيح

عروضه من الطويل. شطت: بعدت. ووشك الفراق: دنوه وسرعته. وأليح: أشفق وأجزع. والشعر لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه. والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر من رواية يونس وإسحاق وعمرو وغيرهم. وفيه رمل يقال: إنه لابن سريج.