ذكر أوس بن حجر وشيء من أخباره

وقد اختلف في نسبه، فقال الأصمعي؛ فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي عن الرياشي عنه، هو أوس بن حجر بن مالك بن حزن بن عقيل بن خلف بن نمير. وقال ابن حبيب، فيما ذكره السكري عنه: هو أوس بن حجر من شعراء الجاهلية وفحولها . وذكر أبو عبيدة أنه من الطبقة الثالثة، وقرنه بالحطيئة نابغة بني جعدة .


في الشعر: فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا يونس عن أبي عمرو قال: كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة وزهير، فهو شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع .


أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا الأصمعي قال سمعت أبا عمرو يقول: كان أوس بن حجرٍ فحل الشعراء؛ فلما نشأ النابغة طأطأ منه. وأما الكلبي فإنه زعم أن من هذه الطبقة لبيد ابن ربيعة والشماخ بن ضرار. قال: وتميم إلى الآن مقيمة على تقديم أوس. قال: ومنهم من يقول بتقديم عدي؛ وأنشد لحارثة بن بدرٍ الغداني:

والشعراء كان مبيته ومظله

 

عند العبادي الذي لا يجهل

وقال يعقوب بن سليمان قال حماد: أدركت رجالاً من بني تميم لا يفضلون على عدي في الشعر أحداً .
أخبرني اليزيدي عن الرياشي عن الأصمعي قال: تميم تروى هذه القصيدة الحائية لعبيدٍ، وذلك غلط؛ ومن الناس من يخلطها بقصيدته التي على وزنها ورويها لتشابهما .


غنت فتاة أعرابية له في السحاب: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أبو سعيدٍ السكري قال حدثنا علي بن الصباح قال حدثني عبيد الله بن الحسين بن المسود بن وردان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج أعرابي مكفوف ومعه ابنة عم له لرعي غنم لهما. فقال الشيخ: أجد ريح النسيم قد دنا، فارفعي رأسك فانظري. فقالت: أراها كأنها ربرب معزى هزلي. قال: ارعي واحذري. ثم قال لها بعد ساعة: إني أجد ريح النسيم قد دنا، فارفعي رأسك فانظري. فقالت: أراها كأنها بغال دهم تجر جلالها. قال: ارعي واحذري. ثم مكث ساعة ثم قال: إني لأجد ريح النسيم قد دنا، فانظري. قالت: أراها كأنها بطن حمارٍ أصحر. فقال: ارعي واحذري. ثم مكث ساعة فقال: إني لأجد ريح النسيم، فما ترين؟ قالت: أراها كما قال الشاعر:

دانٍ مسفٍ فوق الأرض هيدبه

 

يكاد يدفعه من قال بـالـراح

كأنما بين أعـلاه وأسـفـلـه

 

ريط متشرة أو ضوء مصباح

فمن بمحفله كمن بنـجـوتـه

 

والمستكن كمن يمشي بقرواح

فقال: انجي لا أبا لك! فما انقضى كلامه حتى هطلت السماء عليهما .


البيت الثاني من هذه الأبيات ليس من رواية ابن حبيب ولا الأصمعي .


معنى قول الجارية: كأنها بطن حمار أصحر، تعني أنه أبيض فيه حمرة. والصحرة لون كذلك. وقوله: فمن بمحفله كمن بنجوته، يعني من هو بحيث احتفل السيل واحتفال كل شيء معظمه كمن في نجوته. وقد روي: بمحفشه ، وهما واحد، ومعناهما مجرى معظم السيل. يقول: فمن هو في هذا الموضع منه كمن بنجوته أي ناحية عنه سواءً لكثرة المطر. والقراح: الفضاء؛ يقال قرواح وقرياح. ويقال في معنى المحفش: حفشت الأودية إذا سالت، وتحشفت المرأة على ولدها إذا قامت عليه .


كان يسير ليلاً فصرعته ناقته، فأكرمه فضالة بن كلدة، فمدحه: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني علي بن أبي عامر السهمي المصري قال حدثني أبو يوسف الأصبهاني قال حدثني أبو محمد الباهلي عن الأصمعي، وذكر هذا الخبر أيضاً التوزي عن أبي عبيدة، فجمعت روايتيهما، قالا: كان أوس بن حجر عزلاً مغرماً بالنساء؛ فخرج في سفر، حتى إذا كان بأرض بني أسدٍ بين شرجٍ وناظرة ، فبينا هو يسير ظلاماً إذ جالت به ناقته فصرعته فاندقت فخذاه فبات مكانه؛ حتى إذا أصبح غدا جواري الحي يجتنين الكمأة وغيرها من نبات الرض والناس في ربيع. فبينا هن كذلك إذ بصرن بناقته تجول وقد علق زمامها في شجرة وأبصرنه ملقىً، ففزعن فهربن. فدعا بجارية منهن فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا حليمة بنت فضالة بن كلدة، وكانت أصغرهن؛ فأعطاها حجراً وقال لها: اذهبي إلى أبيك فقولي له: ابن هذا يقرئك السلام. فأخبرته فقال: يا بنية، لقد أتيت أباك بمدح طويل أو هجاء طويل. ثم احتمل هو وأهله حتى بنى عليه بيته حيث صرع وقال: والله لا أتحول أبداً حتى تبرأ؛ وكانت حليمة تقوم عليه حتى استقل. فقال أوس بن حجر في ذلك:

جدلت على ليلةٍ سـاهـره

 

بصحراء شرجٍ إلى ناظره

تزاد ليالي في طـولـهـا

 

فليست بطلقٍ ولا ساكـره

أنوء برجل بها ذهـنـهـا

 

وأعيت بها أختها الغابـرة

وقال في حليمة:

لعمرك ما ملت ثـواء ثـويهـا

 

حليمة إذ ألقى مراسي مقـعـد

ولكن تلقت باليدين ضمـانـتـي

 

وحل بشرجٍ مِ القبـائل عـودي

ولم تلهها تلك التكالـيف إنـهـا

 

كما شئت من أكرومةٍ وتخـرد

سأجزيك أو يجزيك عني مثـوب

 

وقصرك أن يثنى عليك وتحمدي

رثى فضالة بن كلدة حين مات: قالا: ثم مات فضالة بن كلدة، وكان يكنى أبا دليجة، فقال فيه أوس بن حجرٍ يرثيه:

يا عين لا بد من سكب وتهمال

 

على فضالة جل الرزء العالي

ويروى: عيني. العالي: الأمر العظيم الغالب. وهي طويلة جداً. وفيها مما يغنى فيه: صوت:

أبا دليجة من توصـي بـأرمـلةٍ

 

أم من لأشعث ذي طمرين ممحال

أبا دليجة من يكفي العـشـيرة إذ

 

أمسوا من الأمر في لبسٍ وبلبـال

لا زال مسك وريحـان لـه أرج

 

على صداك بصافي اللون سلسال

غنى فيه دحمان خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أن فيه رملاً بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أن فيه لابن عائشة رملاً بالبنصر، ولداود بن العباس ثاني ثقيل، ولابن جامع خفيف ثقيل .
ومن فاضل مراثيه إياه ونادرها قوله:

أيتها النفس أجملي جـزعـا

 

إن الذي تكرهين قد وقعـا

إن الذي جمع السماحة وال

 

نجدة والحزم والقوى جمعا

المخلف المتلف المرزأ لـم

 

يمتع بضعفٍ ولم يمت طبعا

أودى وهل تنفع الإشاحة من

 

شيء لمن قد يحاول البدعا

وهي قصيدة أيضاً يمدحه بها في حياته ويرثيه بعد وفاته. وله فيه قصائد غير هذه .
صوت:

رأيت زهيراً كلكـل خـالـدٍ

 

فأقبلت أسعى كالعجزل أبادر

فشلت يميني يوم أضرب خالداً

 

ويمنعه مني الحديد المظاهر

عروضه من الطويل. الشعر لورقاء بن زهير. والغناء لكردمٍ، خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق، وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد، وذكر إسحاق أنه ينسبه إلى معبد من لا يعلم، وروى عن أبيه سياط عن يونس أنه أخذه من كردمٍ وأعلمه أن الصنعة فيه له .