السلم الخماسي

يشكل السلم الخماسي القاسم المشترك بين الألحان الموسيقية الشعبية السائدة في أغلب المناطق الإفريقية من جهة، وبين الأنماط الموسيقية المغربية التي تشمل المناطق الصحراوية وأغاني أحواش والروايس في سوس ومرتفعات الأطلسين الصغير والكبير، ثم نوبة الرصد في الموسيقى الأندلسية، بالإضافة إلى أغاني الكناوي. وفيها تصطلح التقاليد الصحراوية في جنوب المغرب على تسمية هذا السلم بالأكحل. وتنعته الموسيقى الأندلسية بطبع الرصد الكناوي. إلا أنه يبقى في الممارسات الموسيقية عارياً من أي تسمية أو اصطلاح، الأمر الذي يعني إطلاق مصطلح ما، كالسلم أو المقام أو الطبع على طبيعة ألحان تلك الأنماط بقصد تقريب مفهومها إلى أذهان الذين نالوا نصيبا من الثقافة الموسيقية الغربية.

ما هو موقع هذا السلم "المنظومة" من مقامات وطبوع الموسيقى العربية الشرقية والمغربية وما هي خصوصياته ومميزاته الفنية؟

دأب منظرو الموسيقى العربية على تصنيف جملة المقامات الموسيقية العربية إلى ثلاث مجموعات هي:

1- مقامات تعتمد على توالي أجناس أو عقود ثلاثية أو رباعية أو خماسية. وهي في هذا تشترك مع الموسيقى الفارسية والتركية والإغريقية.

2- مقامات تعتمد السلم الخماسي وتلتقي فيه مع الموسيقى الإفريقية الزنجية وموسيقى الشرق الأقصى وغيرها.

3- مقامات أدمج فيها النوعان معا. وهي تتركز في الموسيقى الأندلسية بمنطقة المغرب العربي، وفي موسيقى الجزيرة العربية.

يتكون السلم الخماسي من خمسة أصوات مختلفة، انطلاقاً من جهة القرار وبمقارنته مع السلم السباعي الطبيعي المكتمل. ويلاحظ أنه أصغر منه بدرجتين اثنتين. غير أن غياب هاتين الدرجتين من السلم الخماسي لا يخلّف أي إحساس بنقص في الألحان الناهضة عليه.

ويختلف موقعا الفراغين في السلم الخماسي. فتارة يحتلان الدرجتين الرابعة والسابعة، كما هو الشأن في موسيقى الروايس وأحواش بالمغرب وفي موسيقى السودان جنوب مصر؛ وتارة أخرى يحتلان الدرجتين الثانية والسادسة كما هو شأن سلم باتي الكبير في أغاني الحبشة؛ وتارة يحتلان الدرجتين الثالثة والسادسة كما في أغاني كمناوة بالمغرب وفي نوبة الرصد الأندلسية؛ وأخرى يحتلان الدرجتين الثالثة والسابعة.

يتجلى من دراسة وتحليل ألحان الموسيقى المغربية الخاضعة لطبيعة السلم الخماسي أنها تبنت سلمين اثنين من بين النظومات الخماسية الشائعة في الدول الإفريقية. الأول هو السلم الخماسي الطبيعي الذي ينتج عن إسقاط الدرجتين الرابعة والسابعة من درجات السلم السباعي الطبيعي. وهو يعتبر من أشهر السلالم الخماسية وأوسعها تداولا. فهو بالإضافة إلى انتشاره في دول إفريقيا الشرقية كالسودان وإثيوبيا وبلاد النوبة وجنوب
مصر، كثير التداول في الصين واليابان، وفي البلاد الاسكتلندية. ومن نماذجه النشيد الوطني الاسكتلندي. وقد انتقل استعماله إلى القارة الأميركية مع زنوج إفريقيا. كذاك يستعمل في الكثير من أغاني الروايس بمنطقة سوس وفي حلقات أحواش بمرتفعات الأطلسين الكبير والصغير.

تعتبر الدرجات الأولى والثالثة والخامسة مرتكزات أساسية لهذا السلم الذي يتألف من أبعاد لا تخرج عن صنفين اثنين هما: الثانية الكبيرة، والثالثة الصغيرة، وبذلك ينتفي وجود نصف التون فيه إطلاقا.

وتقوم بعض الألحان الأمازيغية في سوس على سلم خماسي ملون، وهو الذي يعتري درجتيه الثالثة والخامسة علامة خفض فيدخله نصف التون من جهة، ويكتسي من جهة أخرى نكهة خاصة تجعله شبيهاً بسلم تيزيتا الصغير المستعمل في أثيوبيا وشرق
السودان.

والثاني هو السلم الخماسي الذي انتفت فيه الدرجتان الثالثة والسادسة، ويجري تداوله في أغاني كناوة وفي كثير من مستعملات الموسيقى الأندلسية التي تنهض على طبوع تحمل ملامح خماسية، أبرزها طبع الرصد.

يستقر هذا السلم في كل من الموسيقى الأندلسية وأغاني كناوة على نغمة "ري" مع إلغاء شبه قار للدرجة الثالثة "فا" والسادسة "سي"، فإذا عرضت الأولى في اللحن صعودا جاءت مرفوعة، وإذا عرضت نزولا جاءت طبيعية.

مجمل القول، إن ألحان الأغاني الكناوية خاصة تتميز بجنوحها إلى ركوب الطبقات الصوتية الحادة. وهو ما يبدو في الانتقالات المفاجئة التي يلجأ إليها المغنون، والتي يبلغ مداها الصوتي أبعاداً كبيرة يشق إحداثها على غير المتمرس. وتلك إحدى أبرز خصوصيات الغناء التي تقتضيها طبيعة الصياح في الأداء الصوتي للرصد الكناوي.

 



مصر
السودان