ذكر الأقيشر وأخباره

نسب الأقيشر واسمه ولقبه وكنيته: الأقيشر: لقب غلب عليه ، لأنه كان أحمر الوجه أقشر، واسمه المغيرة بن عبد الله بن معرض بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وكان يكنى أبا معرض، وقد ذكر ذلك في شعره في مواضع عدة، منها قوله:

فإن أبا معرضٍ إذا حـسـا

 

من الراح كأساً على المنبر

خطيب لبيب أبو معـرضٍ

 

فإن ليم في الخمر لم يصبر

وعمر عمراً طويلاً، فكان أقعد بني أسد نسباً، وما أخلقه بأن يكون ولد في الجاهلية ونشأ في أول الإسلام؛ لأن سماك بن مخرمة الأسدي صاحب مسجد سماكٍ بالكوفة بناه في أيام عمر، وكان عثمانياً، وأهل تلك المحلة إلى اليوم كذلك. فيروي أهل الكوفة أن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لم يصل فيه، وأهل الكوفة إلى اليوم يجتنبونه. وسماك الذي بناه هو سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث بن عمرو بن معرض بن عمرو بن أسدٍ، والأقيشر أقعد نسباً منه. وقال الأقيشر في ذكر مسجد سماكٍ شعراً .


أخبرني محمد بن الحسن الكندي الكوفي قال أخبرني الحسن بن عليل العنزي عن محمد بن معاوية وكنيته أبو عبد الله محمد بن معاوية قال: الأقيشر من رهط خريم بن فاتكٍ الأسدي. وخريم إنما نسب إلى جد أبيه فاتكٍ، وهو خريم بن الخرم بن شداد بن عمر بن فاتكٍ الأسدي، وفاتك بن قليب بن عمرو بن أسدٍ. والأقيشر هو المغيرة بن عبد الله بن معرض بن عمرو بن أسد .


قال في مسجد سماك بالكوفة شعراً ذم فيه بني دودان ثم ترضاهم ببيت: قال: وهو القائل لما بنى سماك بن مخرمة مسجده الذي بالكوفة، وهو أكبر مسجدٍ لبني أسدٍ، وهو في خطة بني نصر بن قعينٍ:

غضبت دودان من مسجدنـا

 

وبه يعرفـهـم كـل أحـد

 

لو هدمنا غـدوةً بـنـيانـه

 

لانمحت أسماؤهم طول الأبد

 

اسمهم فيه وهـم جـيرانـه

 

واسمه الدهر لعمرو بن أسد

كلما صلوا قسمـنـا أجـره

 

فلنا النصف على كل جسـد

           

فحلف بنو دودان ليضربنه. فأتاهم فقال: قد قلت بيتاً محوت به كل ما قلت. قالوا: وما هو يا فاسق؟ قال قلت:

وبنـو دودان حـي سـادة

 

حل بيت المجد فيهم والعدد

فتركوه .
كان خليعاً ماجناً مدمناً لشرب الخمر: أخبرني وكيع عن إسماعيل بن مجمع عن المدائني قال، وأخبرني أبو أيوب المديني عن محمد بن سلام قال: كان الأقيشر كوفياً خليعاً ماجناً مدمناً لشرب الخمر، وهو الذي يقول لنفسه:

فإن أبا معرضٍ إذ حـسـا

 

من الراح كأساً على المنبر

خطيب لبيب أبو معـرضٍ

 

فصار خليعاً على المكبـر

أحل الحرام أبو مـعـرضٍ

 

فإن ليم في الخمر لم يصبر

يجل اللئام ويلحى الـكـرام

 

وإن أقصروا عنه لم يقصر

اجتاز على مجلس لبني عبس فناداه أحدهم بلقبه وكان يغضب منه فهجاه: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني، وأخبرني عبد الوهاب ابن عبيد الصحاف الكوفي عن قعنب بن محرزٍ الباهلي عن المدائني: أن القيشر مر يريد الحيرة ، فاجتاز على مجلسٍ لبني عبسٍ، فناداه أحدهم: يا أقيشر، وكان يغضب منها، فزجره الأشياخ، ومضى الأقيشر ثم عاد إليه معه رجل وقال له: قف معي، فإذا أنشدت بيتاً فقل لي: ولم ذلك، ثم انصرف، وخذ هذين الدرهمين. فقال له: أنا أصير معك إلى حيث شئت يا أبا معرض ولا أرزؤك شيئاً، قال: فافعل. فأقبل به حتى أتى مجلس القوم، فوقف عليهم ثم تأملهم وقد عرف الشاب، فأقبل عليه وقال:

أتدعوني الأقيشر ذلك اسمي

 

وأدعوك ابن مطفئة السراج

فقال له الرجل: ولم ذاك؟ فقال:

تناجي خذنها باللـيل سـراً

 

ورب الناس يعلم ما تناجي

قال قعنب في خبره. فلقب ذلك الرجل ابن مطفئة السراج .


كتب أبو الضحاك التميمي شعراً يذمه فرد عليه وتكرر ذلك: وقال قعنب في خبره عن المدائني أخبرنا به اليزيدي عن الخزار عن المدائني في كتاب الجوابات، ولم يروه الباقون: كان الأقيشر يكتري بغلة أبي المضاء المكاري فيركبها إلى الخمارين بالحيرة. فركبها يوماً ومضى لحاجته، وعند أبي المضاء رجل من تميمٍ يكنى أبا الضحاك، فقال له: من هذا؟ قال: الأقيشر. فأخذ طبق الميزان وكتب فيه:

عجبت لشاعرٍ من حي سوءٍ

 

ضئيل الجسم مبطانٍ هجين

وقال لأبي المضاء: إذا جاء فأقرئه هذا. فلما جاء أقرأه. فقال له الأقيشر: ممن هو؟ قال: من بني تميم. فكتب الأقيشر تحت كتابه:

فلا أسداً أسب ولا تـمـيمـاً

 

وكيف يجوز سب الأكرمـين

ولكن التميمي حـال بـينـي

 

وبينك يا ابن مضرطة العجين

فهرب إلى الكوفة فلم يزد على هذا .
وقال قعنب في خبره عن المدائني: فجاء التميمي فقرأ ما كتب، فكتب تحته:

يأيها المبتغي حشاً لحـاجـتـه

 

وجه الأقيشر حش غير ممنوع

فلما قرأه قال: اللهم أني أستعديك عليه، وكتب تحته:

إني أتاني مقـال كـنـت آمـنة

 

فجاء من فاحشٍ في الناس خلوع

عبد العزيز أبو الضحاك كنيتـه

 

فيه من اللؤم وهي غير ممنوع

ولم تبت أمـه إلا مـطـاحـنةً

 

وأن تؤاجر في سوق المراضيع

ينساب ماء البرايا في استها سرباً

 

كأنما انساب في بعض البلالـيع

من ثم جاءت به والبظر حنكـه

 

كأنه في استها تمثـال يسـروع

فلما جاءه جزع ومشى إليه بقوم من بني تميم، فطلبوا أن يكف ففعل. وأما عبد الله بن خلفٍ فذكر عن أبي عمرو الشيباني أن الأقيشر قال هذا في مسكين .


والشعر الذي فيه الغناء يقوله الأقيشر في زكريا بن طلحة الذي يقال له الفياض، وكان مداحاً له .


سمع عبد الملك بن مروان شعراً له في طلحة الفياض فمدحه: أخبرني الحسن بن علي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال: غنت جارية عند عبد الملك ابن مروان بشعر الأقيشر:

قرب الله بالـسـلام وحـيا

 

زكريا بن طلحة الفـياض

 

معدن الضيف إن أناخوا إليه

 

بعد أين الطلائح الأنقـاض

 

ساهمات العيون خـوص رذايا

 

قد براها الكلال بـعـد إياض

زاده خـالـد ابـن عـم أبـيه

 

منصباً كان في العلا ذا انتفاض

فرع تيمٍ من تـيم مـرة حـقـاً

 

قد قضى ذاك لابن طلحة قاض

           

فقال عبد الملك للجارية: ويحك! لمن هذا؟ قالت: للأقيشر. قال: هذا المدح لا على طمعٍ ولا فرقٍ، وأشعر الناس الأقيشر .
لقيه الكميت فسمع من شعره وأثنى عليه: وذكر عبد الله بن خلفٍ أن أبا عمرو الشيباني أخبره الكميت بن زيد لقي الأقيشر في سفرةٍ ، فقال له: أين تقصد يا أبا معرض؟ فقال:

سألني الناس أين يقصد هـذا

 

قلت آتى في الدار قرماً سريا

وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء، فلم يزل الكميت يستعيده إياها مراراً، ثم قال: ما كذب من قال إنك أشعر الناس .
كان عنيناً فقال شعراً في ضد ذلك داعب به رجلاً من قيس: أخبرني عمي عن الكراني عن ابن سلام قال: كان الأقيشر عنيناً، وكان لا يأتي النساء، وكان كثيراً ما كان يصف ضد ذلك من نفسه. فجلس إليه يوماً رجل من قيس، فأنشده الأقيشر:

ولقد أروح بمشرفٍ ذي شعرةٍ

 

عسر المكرة ماؤه يتفـصـد

مرحٍ يطير من المراح لعابه

 

وتكاد جلدته بـه تـتـقـدد

ثم قال للرجل: أتبصرالشعر؟ قال نعم. قال: فما وصفت؟ قال: فرساً قال: أفكنت لو رأيته ركبته؟ قال: إي والله وأثني عطفه. فكشف عن أيره وقال: هذا وصفت، فقم فاركبه. فوثب الرجل من مجلسه وجعل يقول له: قبحك الله من جليسٍ! سائر اليوم .
دعاه عابس وهو في جنازة بنت زياد العصفري لغداء وشراب فقال شعراً: ونسخت من كتاب عبد الله بن خلفٍ: حدثني أبو عمرو الشيباني قال: ماتت بنت زيادٍ العصفري، فخرج الأقيشر في جنازتها، فلما دفنوها انصرف، فلقيه عابس مولى عائذ الله، فقال له: هل لك في غداء وطلاء أتيت به من طيزناباذ قال نعم. فذهب به إلى منزله فغداه وسقاه، فلما شرب قال:

فليت زياداً لا يزلن بـنـاتـه

 

يمتن وألقى كلما عشت عابساً

فذلك يوم غاب عنـي شـره

 

وأنجحت فيه بعد ما كنت آيسا

أخذه الشرط من حانة فتخلص منهم برشوة وقال شعراً: ونسخت من كتابه: حدثني أبو عمرو قال: شرب الأقيشر في بيت خمارة بالحيرة، فجاءه الشرط ليأخذوه، فتحرز منهم وأغلق بابه وقال: لست أشرب، فما سبيلكم علي! قالوا: قد رأينا العس في كفك وأنت تشرب. قال: إنما شربت من لبن لقحةٍ لصاحب الدار، فلم يبرحوا حتى أخذوا منه درهمين. فقال:

إنمـا لـقـحـتـنـا بـاطـية

 

فإذا ما مزجت كانت عـجـب

لبن أصـفـر صـافٍ لـونـه

 

ينزع الباسور من عجب الذنب

إنما نشـرب مـن أمـوالـنـا

 

فسلوا الشرطي ما هذا الغضب

سأل عبد الملك وقد بنى أسد عنه وقال إنه شاعرهم: أخبرني الحسن بن علي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال: دخل وفد بني أسدٍ على عبد الملك بن مروان، فقال: من شاعركم يا بني أسد؟ قالوا: إن فينا لشعراء ما يرضى قومهم أن يفضلوا عليهم أحداً. قال فما فعل الأقيشر؟ قالوا: مات. قال: لم يمت، ولكنه مشتغل بعشقه، وما أبعد أن يكون شاعركم إلا أنه يضيع نفسه. أليس هو القائل:

يأيها السائل عما مـضـى

 

من علم هذا الزمن الذاهب

إن كنت تبغي العلم أو أهله

 

أو شاهداً يخبر عن غائب

فاعتبر الأرض بأسمـائهـا

 

واعتبر الصاحب بالصاحب

سأل جاراً له طحاناً كان يقرض الناس فلم يعطه فقال فيه شعراً: وذكر عبد الله بن خلفٍ عن أبي عمرو الشيباني أن جاراً للأقشير طحاناً كان ينسئ الناس يكنى أبا عائشة. فأتاه الأقيشر فلم يعطه، فقال له:

يريد النساء ويأبى الرجال

 

فما لي وما لأبي عائشه

أدام له الله كد الرجـال

 

وأثكله ابنتـه عـائشـه

فأعطاه ما أراد واستعفاه من أن يزيد شيئاً .

تعرض له رجل من هجيم فهجاهم فاستكفوه فكف: سخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي بخطه: قال الهيثم بن عدي حدثني عطاف بن عاصم بن الحدثان قال: مر أعرابي من بني تميمٍ كان يهزأ بالأقشير، فقال له:

أبا معرضٍ كن أنت إن مت دافني

 

إلى جنب قبرٍ فيه شلو المضلـل

فعلي أن أنجو من النـار إنـهـا

 

تضرم للعبد اللئيم الـمـبـخـل

بذلك أوصاها الإلـه ولـم تـزل

 

تحش بأوصالٍ وتربٍ وجـنـدل

وأنت بحمد الله إن شئت مفلـتـي

 

بحزمك فاحزم يا أقيشر واعجل

فقال له: ممن أنت؟ قال: من بني تميمٍ ثم أحد بني الهجيم بن عمرو بن تميمٍ، فقال الأقشير:

تميم بن مرٍ كفكفوا عن تعمـدي

 

بذلٍ فإني لست بالـمـتـذلـل

أيهزأ بي العبد الهجيمي ضـلةً

 

ومثلي رمي ذا التدرأ المتضلل

بداهيةٍ دهياء لا يستطـيعـهـا

 

شماريخ من أركان سلمى ويدبل

وبالله لولا أن حلمـي زاجـري

 

تركت تميماً ضحكةً كل محفل

فكفوا رماكم ذو الجلال بخـزية

 

تصبحكم في كل مجمعٍ ومنزل

فأنتم لئام الناس لا تنـكـرونـه

 

وألامكم طراً حريث بن جنـدل

فصار إليه شيوخ من بني الهجيم واعتذروا إليه واستكفوه فكف.


شرب مع مقعد وأعمى وغناهم مغن فطربوا فقال هو شعراً: أخبرني الأخفش قال حدثني أبو الفياض بن أبي شراعة عن أبيه قال: شرب الأقيشر بالحيرة في بيتٍ فيه خياط مقعد ورجل أعمى، وعندهم مغن مطرب، فطرب الأقيشر، فسقاهم من شربه، فلما انتشوا وثب الأعمى يسعى في حوائجهم، وقفز الخياط المقعد يرقص على ظلعة ويجهد في ذلك كل جهدٍ. فقال الأقيشر:

ومقعدٍ قومٍ قد مشى من شرابنـا

 

وأعمى سقيناه ثلاثاً فـأبـصـرا

شراباً كريح العنبر الورد ريحـه

 

ومسحوق هندي من المسك أذفرا

من الفتيات الغر من أرض بابـلٍ

 

إذا شفها الحاني من الدن كبـرا

لها من زجاج الشام عنق غـريبة

 

تأنق فيهـا صـانـع وتـخـيرا

ذخائر فرعون التي جبـيت لـه

 

وكل يسمى بالعتيق مـشـهـرا

إذا ما رآها بعد إنقاء غسـلـهـا

 

تدور علينا صائم القوم أفـطـرا

كان صاحب سراب وندامى تفرق أصحابه فقال شعراً: أخبرنا علي بن سليمان قال حدثني أبي قال: كان الأقيشر صاحب شرابٍ وندامى، فأشخص الحجاج بعض ندمائه إلى بعض النواحي ، ومات بعضهم، ونسك بعضهم، وهرب بعضهم؛ فقال في ذلك:

غلب الصبر فاعترتني هموم

 

لفراق الثقات من إخوانـي

مات هذا وغاب هذا وهـذا

 

دائب في تلاوة الـقـرآن

ولقد كان قبل إظهاره النس

 

ك قديماً من أظرف الفتيان

شعر له في بغل أبي المضاء وكان يكتريه فيركبه إلى الحيرة: وأخبرني أبو الحسن الأسدي قال قال ابن الكلبي حدثني سلمة بن عبد سواع عن أبيه قال: كان الأقيشر لا يسأل أحداً أكثر من خمسة دراهم، يجعل درهمين في كراء بغل إلى الحيرة، ودرهمين للشراب، ودرهماً للطعام. وكان له جار يكنى أبا المضاء له بغل يكريه، وكان يعطيه درهمين ويأخذ بغله فيركبه إلى الحيرة، حتى يأتي بيت الخمار فينزل عنده ويربطه بلجامه وسرجه فيقال إنه أعطى ثمنه في الكراء ثم يجلس فيشرب حتى يمسي، ثم يركبه وينصرف. فقال في ذلك:

يا بغل بغل أبي المضاء تعلمـن

 

أني حلفت ولـلـيمـين نـذور

لتعسفن وإن كرهت مهـامـهـاً

 

فيما أحـب وكـل ذاك يسـير

بالرغم يا ولد الحمار قطعتـهـا

 

عمداً وأنت مذلل مـصـبـور

حتى تزور مسمـعـاً فـي داره

 

وترى المدامة بالأكـف تـدور

لا يرفعون بما يسوءك نـعـرةً

 

وإذا سخطت فخطب ذاك صغير

خدعته امرأة بأنها أم حنين الخمار وأخذت منه درهمين، فأخذ يهجو أم حنين حتى استرضاه حنين: قال: فأتى يوماً من الأيام بيت الخمار الذي كان يأتيه فلم يصادفه فجعل ينتظره، ودخلت الدار امرأة عبادية ، فقال لها: ما فعل فلان؟ قالت: مضى في حاجةٍ وانا امرأته، فما تريد؟ قال: نبيذاً. قالت: بكم؟ قال: بدرهمين. قالت: هلم درهميك وانتظرني. قال لا . قالت: فذلك إليك، ومضت وتبعها، فدخلت داراً لها بابان وخرجت من أحدهما وتركته. فلما طال جلوسه خرج إليه بعض أهل الدار، قالوا: ما يجلسك؟ فأخبرهم. فقالوا له: تلك امرأة محتالة يقال لها؟ أم حنينٍ من العباديين. فعلم أنه قد خدع، فانصرف إلى خماره فأخبره بالقصة وقال له: أنسئني اليوم فاسقني ففعل. وأنشأ الأقيشر يقول:

لم يغرر بذات خف سوانـا

 

بعد أخت العباد أم حنـين

وعدتنا بدرهمـين نـبـيذاً

 

أو طلاءً معجلاً غير دين

ثم ألوت بالدرهمين جميعـاً

 

يا لقومي لضيعة الدرهمين

وذكر هذا الخبر عبد الله بن خلفٍ عن أبي عمرو الشيباني وزاد فيه: أن الخمار كان يسمى بحنينٍ، وأن المرأة المحتالة قالت له: إنها أم حنينٍ الخمار الذي كان يعامله حتى أخذت الدرهمين ثم هربت منه، وذكر الأبيات الثلاثة التي تقدمت، وبعدها:

عاهدت زوجها وقد قال إني

 

سوف أغدو لحاجتي ولديني

فدعت كالحصان أبيض جلداً

 

وافر الأير مرسل الخصيتين

قال ما أجرذا هديت فقالـت

 

سوف أعطيك أجره مرتين

فأبدأ الآن بالسفاح فـلـمـا

 

سافحته أرضته بالأخـريين

تلها للجبين ثم امتـطـاهـا

 

عالم الأير أفحج الحالـبـين

بينما ذاك منهما وهي تحوي

 

ظهره بالبنان والمعصمـين

جاءها زوجها وقد شام فيهـا

 

ذا انتصابٍ موثق الأخدعين

فتأسـى وقـال ويل طـويل

 

لحنينٍ من عار أم حـنـين

قال: فجاء حنين الخمار فقال له: يا هذا ما أردت بهجائي وهجاء أمي ؟! قال: أخذت مني درهمين ولم تعطيني شراباً. قال: والله ما تعرف أمي ولا أخذت منك شيئاً قط، فانظر إلى أمي فإن كانت هي صاحبتك غرمت لك الدرهمين. قال: لا والله ما أعرف غير أم حنين، ما قالت لي إلا ذلك، ولا أهجو إلا أم حنينٍ وابنها، فإن كانت أمك إياها أعني. وإن كانت أم حنينٍ أخرى فإياها أعني. فقال: إذاً لا يفرق الناس بينهما. قال: فما علي إذاً أترى درهمي يضيعان! فقال له: هلم إذاً أغرمهما لك وأقم ما تحتاج إليه، لا بارك الله لك! ففعل .


استكتبته العريان بن الهيثم من ملحه ثم أرسل له خمسين درهماً فاستقلها وهجاه، ثم استرضاه أبوه الهيثم: قال عبد الله وحدثني أبو عمرو قال: كان العريان بن الهيثم النخعي صديقاً للأقيشر، فقال له: يا أقيشر إني أريد أن أمتد إلى الشام فأكتبني من ملحك فأكتبه. فخرج إلى الشام فأصاب مالاً، فبعث إلى الأقيشر بخمسين درهماً، ففعل وقال: هات. قال المولى: على أن تهجوه إذ وضع منك؟ قال نعم، فأعطاه خمسين درهماً، وقال الأقيشر:

وسألتني يوم الرحيل قصائداً

 

فملأتهن قصائداً وكـتـابـا

إني صدقتك إذ وجدتك صادقاً

 

وكذبتني فوجدتني كـذابـا

وفتحت باباً للخيانة عـامـداً

 

لما فتحت من الخيانة بابـا

وكان أبو العريان على الشرطة، فخافه الأقيشر من هجاء ابنه، وبلغ الهيثم هذه الأبيات فبعث إليه بخمسمائة درهم وسأله الكف عن ابنه وألا يشهره ، فأخذها وفعل .


خطب رجل من حضرموت امرأة من بني أسد وسأله عنها فهجاه: قال أبو عمرو: وخطب رجل من حضرموت امرأةً من بني أسدٍ، فأقبل يسأل عنها وعن حسبها وأمهاتها، حتى جاء الأقيشر فسأله عنها. فقال له: من أين أنت؟ قال: من حضرموت. فأنشأ يقول:

حضرموت فتشت أحسابنـا

 

وإلينا حضرموت تنتسـب

إخوة القرد وهم أعمامـه

 

برئت منكم إلى الله العرب

طلبت إليه عمته أن يصلي فقال اختاري إما الصلاة أو الوضوء: أخبرني الحسن بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال أبو طالب الشاعر حدثني رجل من بني أسدٍ قال: سمعت عمة الأقيشر تقول له يوماً: اتق الله وقم فصل، فقال: لا أصلي. فأكثرت عليه، فقال: قد أبرمتني، فاختاري خصلةً من خصلتين: إما أن أصلي ولا أتطهر، وإما أن أتطهر ولا أصلي. قالت: قبحك الله! فإن لم يكن غير هذا فصل بلا وضوء .


جاءه شرطي وهو يشرب فخافه وسقاه بأنبوب من ثقب الباب: قال أبو أيوب: وحدثت أنه شرب يوماً في بيت خمار بالحيرة، فجاء شرطي من شرط الأمير ليدخل عليه، فغلق الباب دونه. فناداه الشرطي اسقني نبيذاً وأنت آمن. فقال: والله ما آمنك، ولكن هذا ثقب في الباب فاجلس عنده وأنا أسقيك منه، ثم وضع له أنبوباً من قصبٍ في الثقب وصب فيه نبيذاً من داخل والشرطي يشرب من خارج الباب حتى سكر. فقال الأقيشر:

سأل الشرطـي أن نـسـقـيه

 

فسقيناه بأنبـوب الـقـصـب

إنما نشـرب مـن أمـوالـنـا

 

فسلوا الشرطي ما هذا الغضب

أعطاه قيس بن محمد مالاً ونجمه له فكرر ذلك مراراً فرده فهجاه: أخبرني عمي عن الكراني عن قعنب بن المحرز، وحدثنا محمد بن خلف عن أبي أيوب المديني عن قعنب بن الهيثم بن عدي قال: كان قيس بن محمد بن الأشعث ضرير البصر، فأتاه الأقيشر فسأله، فأمر قهرمانه فأعطاه ثلاثمائة درهم، فقال: لا أريدها جملةً، ولكن مر القهرمان أن يعطيني في كل يومٍ ثلاثة دراهم حتى تنفد. فكان يأخذها منه، فيجعل درهماً لطعامه، ودرهماً لشرابه، ودرهماً لدابة تحمله إلى بيوت الخمارين. فلما نفدت الدراهم أتاه الثانية فسأله فأعطاه وفعل مثل ذلك، وأتاه الثالثة فأعطاه وفعل مثل ذلك، وأتاه الرابعة فسأله. فقال له قيس: لا أبا لك! كأنك قد جعلت هذا خراجاً علينا. فانصرف وهو يقول:

ألم تر قيس الأكمه ابن مـحـمـد

 

يقول ولا تلقاه للـخـير يفـعـل

رأيتك أعمى العين والقلب ممسكـاً

 

وما خير أعمى العين والقلب يبخل

فلو صم تمت لعنة اللـه كـلـهـا

 

عليه وما فيه من الشر أفـضـل

فقال قيس: لو نجا أحد من الأقيشر لنجوت منه .


كان سكران فحكموه في الصحابة فقال شعراً: أخبرني أبو الحسن الأسدي عن العنزي عن محمد بن معاوية قال: اختصم قوم بالكوفة في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فقالوا: نجعل بيننا أول من يطلع علينا. فطلع الأقيشر عليهم وهو سكران. فقال بعضهم لبعض: انظروا من حكمنا. فقالوا: يا أبا معرضٍ قد حكمناك. قال: فيماذا؟ فأخبروه. فمكث ساعةً ثم أنشأ يقول:

إذا صليت خمساً كـل يومٍ

 

فإن الله يغفر لي فسوقي

ولم أشرك برب الناس شيئاً

 

فقد أمسكت بالحبل الوثيق

وهذا الحق ليس به خفـاء

 

ودعني من بنيات الطريق

أعطاه ابن رأس البغل مهر ابنة عم له فمدحه فاعترض عليه فأجابه: قال محمد بن معاوية: وتزوج الأقيشر ابنة عم له يقال لها الرباب، على أربعة آلاف درهم، ويقال على عشرة آلاف درهم، فأتى قومه فسألهم فلم يعطوه شيئاً؛ فأتى ابن رأس البغل وهو دهقان الصين وكان مجوسياً، فسأله فأعطاه الصداق. فقال الأقيشر:

كفاني المجوسي مهر الرباب

 

فدىً للمجوسي خالي وعـم

شهدت بأنك رطب المشـاش

 

وأن أباك الجواد الخـصـم

وأنك سيد أهل الـجـحـيم

 

إذا ما ترديت فيمن ظـلـم

تجاور قارون في قعـرهـا

 

وفرعون والمكتنى بالحكـم

ذهب إلى عكرمة بن ربعي فلم يعطه فهجاه: فقال له المجوسي: ويحك! سألت قومك فلم يعطوك وجئتني فأعطيتك، فجزيتني هذا القول ولم أفلت من شعرك وشرك! قال: أو ما ترضى أن جعلتك مع الملوك وفوق أبي جهلٍ! ثم جاء إلى عكرمة بن ربعي التميمي فلم يعطه، فقال فيه:

سألت ربيعة مـن شـرهـا

 

أباً ثم أماً فـقـالـوا لـمـه

فقلت لأعلـم مـن شـركـم

 

وأجعل بالسب فـيه سـمـه

فقالوا لعكرمة المـخـزيات

 

وماذا يرى الناس في عكرمه

فإن يك عبـداً زكـا مـالـه

 

فما غيرذا فيه من مكرمـه

شرب بما معه وبثيابه ثم جلس في تبن وحديث الخمار معه: قال ابن الكلبي: وشرب الأقيشر في حانة خمار حتى أنفد ما معه، ثم شرب بثيابه حتى غلقت فلم يبق عليه شيء، وجلس في تبنٍ إلى جانب البيت وإلى حلقه مستدفئاً به. فمر رجل به ينشد ضالةً، فقال: اللهم اردد عليه واحفظ علينا. فقال له الخمار: نخنت عينك! أي شيء يحفظ عليك ربك؟ قال: هذا التبن لا تأخذه فأموت من البرد. فضحك الخمار ورد عليه ثيابه وقال: اذهب فاطلب ما تشرب به، ولا تجئني بثيابك فإني لا أشتريها بعد ذلك .


لقيه هشام الشرطي وهو سكران فحاوره في سكره: قال ابن الكلبي: واجتاز الأقيشر برجلٍ يقال له هشام وكان على شرطة عمرو بن حريثٍ وهو سكران، فدعا به فقال له: أنت سكران؟ قال لا. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: أكلت سفرجلاً، ثم قال:

يقولون لي انكه شربت مدامةً

 

فقلت كذبتم بل أكلت سفرجلاً

فضحك منه ثم قال: فإن لم تكن سكران أخبرني كم تصلي في كل يوم. فقال:

يسائلني هشام عن صلاتـي

 

صلاة المسلمين فقلت خمس

صلاة العصر والأولى ثمان

 

مواترة فما فيهـن لـبـس

وعند مغيب قرن الشمس وتر

 

وشفع بعدها فيهن حـبـس

وغدوةً اثنتان معاً جـمـيعـاً

 

ولما تبد للـرائين شـمـس

وبعدها لوقتـهـمـا صـلاةً

 

لنسكٍ بالضحاء إذا نـبـس

أأحصيت الصلاة أيا هشامـاً

 

فذاك الـخـلاق جـبـس

تعود أن يلام فـلـيس يومـاً

 

بحامده من الأقـوام إنـس

قال: فضحك هشام وقال: بلى أخبرتنا يا أبا معرض، فانصرف راشداً .


استنشد قتيبة بن مسلم مرداس بن جذام شعره في قدامة بن جعدة: أخبرني محمد بن الحسن بن دريدٍ عن أبي عبيدة قال: قدم رجل من بني سلول على قتيبة بن مسلمٍ بكتاب عامله على الري وهو المعلى بن عمرو المحاربي، فرآه على الباب قدامة بن جعدة بن هبيرة المخزومي وكان صديقاً لقتيبة، فدخل عليه فقال له: ببابك ألأم العرب، سلولي رسول محاربي إلى باهلي. فتبسم قتيبة تبسماً فيه غيظ. وكان قدامة بن جعدة يتهم بشرب الخمر، وكان الأقيشر ينادمه. فقال قتيبة: ادعوا لي مرداس بن جذامٍ الأسدي فدعي. فقال له: أنشدني ما قال الأقيشر في قدامة بن جعدة وهو بالحيرة. فأنشده قوله :

رب ندمـانٍ كـريمٍ مـاجـد

 

سيد الجدين من فرعي مضر

قد سقيت الكأس حتى هرهـا

 

لم يخالط صفوها منه كـدر

قلت قم صل فصلى قـاعـداً

 

تتغشاه سمادير الـسـكـر

قرن الظهر مع العصر كما

 

تقرن الحقة بالحق الـذكـر

ترك الفجر فمـا يقـرؤهـا

 

وقرأ الكوثر من بين السور

قال: فتغير لون القرشي وخجل. فقال له قتيبة: هذه بتلك، والبادئ أظلم .


استنشده عبد الملك أبياته في الخمر وحاوره فيها: أخبرني الاخفش عن محمد بن الحسن بن الحرون قال حدثنا الكسروي عن الأصمعي قال: قال عبد الملك للأقيشر: أنشدني أبياتك في الخمر، فأنشده قوله:

تريك القذى من دونها وهي دونه

 

لوجه أخيها في الإناء قـطـوب

كميت إذا فضت وفي الكأس وردة

 

لها في عظام الشاربـين دبـيب

فقال له: أحسنت يا أبا معرضٍ! ولقد أجدت وصفها، وأظنك قد شربتها. فقال: والله يا أمير المؤمنين إنه ليريبني منك معرفتك بهذا .


قصة له مع بعض ندمائه في حانة: أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن ابن الكلبي عن رجلٍ من الأزد قال: كان الأقيشر يأتي إخواناً له يسألهم فيعطونه، فأتى رجلاً منهم فأمر له بخمسمائة درهم، فأخذها وتوجه إلى الحانة ودفعها إلى صاحبها وقال له: أقم لي ما أحتاج إليه ففعل ذلك، وانضم إليه رفقاء له، فلم يزل معهم حتى نفدت الدراهم، فأتاهم بعد إنفاقها بيومٍ ثم أتاهم من غدٍ فاحتملوه، فلما أتاهم في اليوم الثالث نظر إليه أصحابه من بعيدٍ فقالوا لصاحب الحانة: أصعدنا إلى غرفتك هذه وأعلم الأقيشر أنا لم نأت اليوم. فلما جاء الأقيشر أعلمه ما قالوه له. فعلم الأقيشر أنه لا فرج له عند صاحب الحانة إلا برهنٍ، فطرح إليه ثيابه وقال له: أقم لي ما أحتاج إليه ففعل. فلما أخذ فيه الشراب أنشأ يقول:

يا خليلي اسقياني كأسـاً

 

ثم كأساً حتى أخر نعاسا

 

إن في الغرفة التي فوق رأسي

 

لأناسـاً يخـادعـون أنـاسـا

يشربون المعتق الراح صرفـاً

 

ثم لا يرفعون بالـزور راسـا

           

فلما سمع أصحابه هذا الشعر فدوه بآبائهم وأمهاتهم ثم قالوا له: إما أن تصعد إلينا أو ننزل إليك، فصعد إليهم.


قصته مع عمه وبشر بن مروان حين مدح بشراً فوصله: أخبرني الحسن بن عليٍ عن ابن مهروية قال حدثني أبو مسلم المستملي عن المدائني قال: مدح الأقيشر بشر بن مروان ودخل إليه فأنشده القصيدة وعنده أيمن بن خزيم بن فاتكٍ الأسدي، فقال أيمن: هذا والله كلام حسن من جوفٍ خربٍ. فأجابه بالبيت المذكور. وقال أبو عمرو أيضاً في خبره: فلما صار الأقيشر إلى منزله بعث عمه فأخذ منه الألف الدرهم وقال: والله لا أخليك تفسدها وتشرب بها الخمر. قال: فتصنع بها ماذا؟ قال: أكسوك وأكسو عيالك وأعد لك قوت عامك. فتركه ودخل على بشر فقال له:

أبلغ أبا مروان أن عطـاءه

 

أزاغ به من ليس لي بعيال

قال: ومن ذلك؟ فأخبره الخبر. فأمر صاحب شرطته أن يحضر عمه وينتزع منه الألف الدرهم ويسلمها إليه، وقال: خذها ونحن نقوم لعيالك بما يصلحهم .
مدح خمارة بشعر داعر فسرت به: أخبرني هاشم بن محمد عن أبي غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: مر الأقيشر بخمارة بالحيرة يقال لها دومة، فنزل عندها فاشترى منها نبيذاً، ثم قال لها جودي لي الشراب حتى أجيد لك المدح ففعلت. فأنشأ يقول:

ألا يا دوم دام لك النعـيم

 

وأسمر ملء كفك مستقيم

شديد الأسر ينبض حالباه

 

يحم كأنه رجل سـقـيم

يرويه الشراب فيزدهـيه

 

وينفخ فيه شيطان رجيم

قال: فسرت به الخمارة وقالت: ما قيل في أحسن من هذا ولا أسر لي منه .


مدح فاتك بن فضالة حين وفد على عبد الملك: أخبرني أبو الحسن الأسدي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال: كان فاتك ابن فضالة بن شريكٍ الأسدي كريماً على بني أمية، وهو الوافد على عبد الملك بن مروان قبل أن ينهض إلى حرب ابن الزبير، فضمن له على أهل العراق طاعتهم وتسليم بلادهم إليه، وأن يسلموا مصعباً إذا لقيه ويتفرقوا عنه. وله يقول الأقيشر في هذه الوفادة:

وفد الوفود فكنت أفضل وافدٍ

 

يا فاتك بن فضالة بن شريك

تولى الكوفة رجل من بني تميم فانكسر المنبر من تحته فهجاهم: أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن السكري قال حدثني ابن حبيب قال: ولي الكوفة رجل من بني تميم يقال له مطر ؛ فلما علا المنبر انكسرت الدرجة من تحته فسقط عنها؛ فقال الأقيشر:

أبني تميمٍ ما لمنبر ملكـكـم

 

ما يستقر قراره يتمرمـر

إن المنابر أنكرت أستاهكـم

 

فادعوا خزيمة يستقر المنبر

سئل عن قريظة بن قرظة فتكاسل عن ذكر اسمه فهجاه فرد عليه: أخبرني محمد بن مزيدٍ عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال: مر رجل من محاربٍ يقال له قريظة بن يقظة بالأقيشر الأسدي وهو مجلسٍ من مجالس بني أسدٍ، فسلم على الأقيشر وكان به عارفاً. فقال له القوم: من هذا يا أبا معرض؟ وكان مخموراً، فقال:

ومن لي بأن أستطيع أن أذكر اسمه

 

وأعيا عقالاً أن يطيق لـه ذكـرا

قال فضحك القوم وقالوا: سبحان الله! أي شيء تقول؟ فقال: اسمه ونسبه أعظم من أن أقدر على ذكرهما في يومٍ، فإن شئتم سميته اليوم ونسبته غداً، وإن شئتم نسبته اليوم وسميته غداً. قالوا: هات اسمه اليوم. فقال: قريظة . فقال رجل منهم: ينبغي أن يكون ابن يقظة. فقال الأقيشر: صدقت والله وأصبت، ولقد أثقلت اسمه حين ذكرته أن أقول نعم. فبلغ قريظة قوله وكان شاعراً فقال:

لسانك من سكرٍ ثقيل عن التقى

 

ولكنه بالمخـزيات طـلـيق

وأنت حقيق يا أقيشر أن تـرى

 

كذاك إذا ما كنت غير مفـيق

تسف من الصهباء صرفاً تخالها

 

جنى النحل يهديه إليك صديق

فبلغ الأقيشر قول المحاربي وكان يكنى أبا الذيال، فأجابه فقال:

عدمت أبا الذيال من ذي نوالةٍ

 

له في بيوت العاهرات طريق

 

أبالخمر عيرت امرأً ليس مقلعاً

 

وذلك رأي لو علمـت وثـيق

 

سأشربها ما دمت حياً وإن أمت

 

ففي النفس منها زفرة وشهيق

           

سمع الرشيد من يتغنى بشعر له في توبته من الخمر فأعجب به: أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال: بلغني أن الرشيد سمع ليلةً رجلاً يغني:

إن كانت الخمر قد عزت وقد منعت

 

وحال من دونها الإسلام والحـرج

فقد أباكرها صرفـاً وأشـربـهـا

 

أشفي بها غلتي صرفاً وأمـتـزج

وقد تقوم على رأسـي مـغـنـية

 

لها إذا رجعت في صوتها غـنـج

وترفع الصوت أحياناً وتخفـضـه

 

كما يطن ذباب الروضة الـهـزج

قال: فوجه في أثر الصوت من جاءه بالرجل وهو يرعد، فقال: لا ترع فإنما أعجبني حسن صوتك. فقال: والله يا أمير المؤمنين ما تغنيت بهذا الشعر إلا وأنا قد تبت من شرب النبيذ، وهذا شعر يقوله الأقيشر في توبته من النبيذ. فقال له الرشيد: وما حملك على تركه؟ قال: خشية الله. وإني فيه يا أمير المؤمنين كما قال زيد بن ظبيان:

جاءوا بقاقزةٍ صـفـراء مـتـرعةٍ

 

هل بين ذي كبرةٍ والخمر من نسب

بئس الشراب شراباً حين تشـربـه

 

يوهي العظام وطوراً مفتر العصب

إني أخاف مليكـي أن يعـذبـنـي

 

وفي العشيرة أن يزري على حسبي

فقال له الرشيد: أنت وما اخترت أعلم، فأعد الصوت، فأعاده. وأمر بإحضار المغنين واستعاده، وأمرهم بأخذه عنه فأخذوه، ووصله وانصرف، وكان صوت الرشيد أياماً. هكذا ذكر إسماعيل بن يونس عن عمر بن شبة في هذا الخبر أن الأبيات للأقيشر، ووجدتها في شعر أبي محجنٍ الثففي له لما تاب من الشراب .


خرج لغزو الشام فباع حماره وأنفق ثمنه في الفجور ثم رجع مع الغازين: أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا أبو سعيدٍ عن محمد بن حبيب قال: كان القباع ، وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، قد أخرج الأقيشر مع قومه لقتال أهل الشام، ولم يكن عند الأقيشر فرس فخرج على حمارٍ، فلما عبر جسر سورا فوصل لقريةٍ يقال لها قنين توارى عند خمار نبطيٍ يبرز زوجته للفجور، فباع حماره وجعل ينفقه هناك ويشرب بثمنه ويفجر إلى أن قفل الجيش، وقال في ذلك:

خرجت من المصر الحواري أهلـه

 

بلا ندبةٍ فيها احتساب ولا جـعـل

إلى جيش أهل الشام أغزيت كارهـاً

 

سفاهاً بلا سيفٍ حـديد ولا نـبـل

ولكن بترسٍ لـيس فـيه حـمـالة

 

ورمحٍ ضعيف الزج متصدع النصل

حباني به ظلم القـبـاع ولـم أجـد

 

سوى أمره والسير شيئاً من الفعـل

فأزمعت أمري ثم أصبحـت غـازياً

 

وسلمت تسليم الغزاة على أهـلـي

وقلت لعلـي أن أرى ثَـمَّ راكـبـاً

 

على فرس أو ذا متاعٍ على بـغـل

جوادي حمار كان حيناً لـظـهـره

 

إكاف وإشناق المزادة والـحـبـل

وقد خان عينـيه بـياض وخـانـه

 

قوائم سوءٍ حين يزجر في الوحـل

إذا ما انتحى في الماء والوحل لم ترم

 

قوائمه حتى يؤخـر بـالـحـمـل

أنادي الرفاق بارك الـلـه فـيكـم

 

رويدكم حتى أجوز إلى الـسـهـل

فسرنا إلـى قـنـين يومـاً ولـيلةً

 

كأنا بغايا ما يسـرن إلـى بـعـل

إذا ما نزلنا لم نـجـد ظـل سـاحةٍ

 

سوى يابس الأنهار أو سعف النخل

مررنا على سوراء نسمع جسرهـا

 

يئط نقيضاً عن سفائنه الـفـضـل

فلما بدا جسر السراة وأعـرضـت

 

لنا سوق فراغ الحديث إلى شـغـل

نزلنا إلـى ظـل ظـلـيلٍ وبـاءةٍ

 

حلالٍ برغم القلطمان ومـا نـفـل

يشارطه من شـاء كـان بـدرهـمٍ

 

عروساً بما بين السبيئة والـنـسـل

فأتبعت رمح السوء سمية نصـلـه

 

وبعت حماري واسترحت من الثقل

تقول ظبـايا قـل قـلـيلاً ألا لـيا

 

فقلت لها إصوي فإني على رسـل

مهرت لها جرديقة فـتـركـتـهـا

 

بمرها كطرف العين شائلة الرجـل

مما يغنى فيه من شعره: ومما يغنى فيه من شعر الأقيشر: صوت:

لا أشربن أبداً راحاً مـسـارقةً

 

إلا مع الغر أبناء البـطـاريق

أفنى تلادي وما جمعت من نشبٍ

 

قرع القواقيز أفـواه الأبـاريق

الغناء لحنينٍ هزج بالبنصر عن عمرو. وفيه لعمر الوادي رمل بالبنصر عن الهشامي. وفيه ثقيل أول ينسب إلى حنينٍ وعمر وحكمٍ جميعاً. وهذا الغناء المذكور من قصيدة للأقيشر طويلةٍ، أولها:

إني يذكرني هنـداً وجـارتـهـا

 

بالطف صوت حمامات على نيق

صوت:

دعاني دعوةً والخيل تردي

 

فلا أدري أباسمي أم كناني

وكان إجابـتـي إياه أنـي

 

عطفت عليه خوار العنان

الشعر لابن الغريزة النهشلي. والغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى عن الهشامي. وقد جعل المغنون معه هذا البيت ولم أجده في قصيدته، ولا أدري أهو له أم لغيره:

ألا يا من لذا البرق اليماني

 

يلوح كأنه مصباح بـان