أخبار عمار ذي كبار ونسبه

هو عمار بن عمرو بن عبد الأكبر يلقب ذا كبار، همداني صليبة، كوفي، وجدت ذلك في كتاب محمد بن عبد الله الحزنبل.


وكان لين الشعر ماجناً خميراً معاقراً للشراب، وقد حد فيه مرات، وكان يقول شعراً ظريفاً يضحك من أكثره، شديد التهافت جم السخف، وله أشياء صالحة نذكر أجودها في هذا الموضع من أخباره ومنتخب أشعاره؛ وكان هو حماد الراوية ومطيع بن إياس يتنادمون ويجتمعون على شأنهم لا يفترقون، وكلهم كان متهماً بالزندقة.


وعمار ممن نشأ في دولة بني أمية، ولم أسمع له بخبر في الدولة العباسية، ولا كان مع شهوة الناس لشعره واستطابتهم إياه ينتجع أحداً ولا يبرح الكوفة لعشاء بصره وضعف نظره .


فأخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن هيثم بن عدي عن حماد الراوية، وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا أحمد بن الهيثم الفراسي قال: حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية، ولفظ الرجلين كالمتقارب قال: استقدمني هشام بن عبد الملك في خلافته، وأمر لي بصلة سنية وحملان لما دخلت عليه استنشدني قصيدة الأفوه الأودي:

لنا معاشر لم يبنوا لقـومـهـم

 

وإن بني قومهم ما أفسدوا عادوا

قال: فأنشدته إياها، ثم استنشدني قول أبي ذؤيب الهذلي:

أمن البنون وريبها تتوجع

فأنشدته إياها، ثم استنشدني قول عدي بن يزيد:

أرواح مودع أم بكور

فأنشدته إياها، فأمر لي بمنزل وجراية، وأقمت عنده شهراً، فسألني عن أشعار العرب وأيامها ومآثرها ومحاسن أخلاقها، وأنا أخبره وأنشده، ثم أمر لي بجائزة وخلعة وحملان، وردني إلى الكوفة، فعلمت أن أمره مقبل .


ثم استقدمني الوليد بن يزيد بعده، فما سألني عني شيء من الجد إلا مرة واحدة، ثم جعلت أنشده بعدها في ذلك النحو فلا يلتفت إليه، ولا يهش إلى شيء منه، حتى جرى ذكر عمار بن كبار فتشوقه وسأل عنه، وما ظننت أن شعر عمار شيء يراد أو يعبأ به . ثم قال لي: هل عندك شيء من شعره؟ فقلت: نعم أنا أحفظ قصيدة له، وكنت لكثرة عبثي به قد حفظتها، فأنشدته قصيدته التي يقول فيها:

حبذا أنـت يا سـلا

 

مة ألفـين حـبـذا

أشتهي منك منك من

 

ك مكاناً مجنـبـذا

مفعماً في قـبـالة

 

بين ركنـين ربـذا

مدغماً ذا منـاكـب

 

حسن القد محتـذى

رابـياً ذا مـحـسة

 

أخنساً قد تقنـفـذا

لم تر العين مثـلـه

 

في منام ولا كـذا

تامكاً كالسـنـام إذ

 

بذ عنـه مـقـذذا

ملء كفي ضجيعهـا

 

نال منها تـفـخـذا

لو تأملـتـه دهـش

 

ت وعاينت جهـبـذا

طيب العرف والمجس

 

ة واللمس هـربـذا

فأجا فـيه فـيه فـي

 

ه بأير كـمـثـل ذا

ليت أيري ولـيت ح

 

رك جميعاً تـآخـذا

فأخذ ذا بـشـعـر ذا

 

وأخذ ذا بقـعـر ذا

قال: فضحك الوليد حتى سقط على قفاه، وصفق بيديه ورجليه، وأمر بالشراب فأحضر، وأمرني بالإنشاد، فجعلت أنشده هذه الأبيات وأكررها عليه، وهو يشرب ويصفق حتى سكر، وأمر لي بحلتين وثلاثين ألف درهم، فقبضتها، ثم قال لي: ما فعل عمار؟ فقلت: حي كميت، قد عشي بصره، وضعف جسمه ولا حراك به. فأمر له بعشرة آلاف درهم، فقلت له: ألا أخبر أمير المؤمنين بشيء يفعله لا ضرر عليه فيه، وهو أحب لعمار من الدنيا بحذافيرها لو سيقت إليه؟ فقال: وما ذاك؟ قلت: إنه لا يزال ينصرف من الحانات وهو سكران، فترفعه الشرط، فيضرب الحد، فقد قطع بالسياط، وهو لا يدع الشراب ولا يكف عنه. فتكتب بألا يعرض له. فكتب إلى عامله بالعراق ألا يرفع إليه أحد من الحرس عماراً في سكر ولا غيره إلا ضرب الرافع له حدين وأطلق عماراً.


فأخذت المال وجئته به، وقلت له: ما ظننت أن الله يكسب أحداً بشعرك نقيراً ولا يسأل عنه عاقل، حتى كسبت بأوضع شيء قلته ثلاثين ألفاً، قال: عز علي فذلك لقلة شكرك يا بن الزانية ، فهات نصيبي منها، فقلت: لقد استغنيت عن ذلك بما خصصت به، ودفعت إليه العشرة درهم. فقال: والله لأنا أشد فرحاً بهذا من فرحي بالمال ، فجزيت خيراً من أخ وصديق؛ وقبض المال فلم يزل يشرب حتى مات، وبقيته عنده.


نسخت من كتاب الحزنبل المشتمل على شعر عمار وأخباره: أن عماراً ذا كبار كانت له امرأة يقال لها دومة بنت رباح، وكان يكنيها أم عمار وكانت قد تخلقت بخلقه في شرب الشراب والمجون السفه، حتى صارت تدخل الرجال عليها وتجمعهم على الفواحش، ثم حجت في إمارة يوسف بن عمر فقال لها عمار:

اتقي الله قد حججـت وتـوبـي

 

لا يكونن ما صنـعـت خـبـالا

ويك يا دوم لا تدومي على الخـم

 

ر ولا تدخلي علـيك الـرجـالا

إن بالمصر يوسفـاً فـاحـذريه

 

لا تصيري للعالـمـين نـكـالا

وثقيف إن تثـقـفـنـك بـحـد

 

لم يساو الإهاب مـنـك قـبـالا

قد مضى ما مضى وقد كان ما كا

 

ن وأودى الشباب منـك فـزالا

قال: فضربته دومة وخرقت ثيابه ، ونتفت لحيته، وقالت: أتجعلني غرضاً لشعرك؟ فطلقها واشترى جارية حسناء، فزادت في أذاه وضربه غيرة عليه، فشكاها إلى يوسف بن عمر، فوجه إليها بخدم من خدمه، وأمرهم بضربها وكسر نبيذها، وإغرامها ثياب عمار، ففعلوا ذلك، وبلغوا منها الرضا لعمار، فقال في ذلك عمار:

إن عرسـي لا هـدا

 

ها الله بنت لـربـاح

كل يوم تـفــزع ال

 

جلاس منها بالصياح

وربوخ حين تـؤتـى

 

وتهـيا لـلـنـكـاح

كلب دبـاغ عـقـور

 

هر من بعد نـبـاح

ولها لون كداجي اللي

 

ل من غير صـبـاح

ولسان صارم كالسـي

 

ف مشحوذ النواحـي

يقطع الصخر ويفري

 

ه كما تفري المساحي

عجل الله خـلاصـي

 

من يديها وسراحـي

تتعب الصاحب والجـا

 

ر وتبغي من تلاحي

زعمت أني بـخـيل

 

وقد أخنى بي سماحي

ورأت كفي صـفـراً

 

من تلادي ولقاحـي

كذبت بـنـت ربـاح

 

حين همت باطراحي

حاتم لـو كـان حـياً

 

عاش في ظل جناحي

ولقد أهلكت مـالـي

 

في ارتياحي وسماحي

ثم ما أبـقـيت شـيئاً

 

غير زادي وسلاحي

وكميت بين أشـطـا

 

ن جواد ذي مـراح

يسبق الخيل بتقـريب

 

وشـد كـالــرياح

ثم غارت وتـجـنـت

 

وأجدت في الصـياح

لابتياعي أملح النـس

 

وان في فيء الرماح

دمية المحراب حسنـاً

 

وحكت بيض الأداحي

هي أشهى لصدى الظ

 

مآن من برد القـراح

قلت: يا دومة بـينـي

 

إن في البين صلاحي

فأنـا الـيوم طـلـيق

 

من إساري ذو ارتياح

لست عمن ظفرت كف

 

ي بها اليوم بـصـاح

أنا مجـنـون بـريم م

 

طف الخصـر رداح

مشبع الدملج والخلخال

 

جوال الـوشـــاح

أن عمار بن عـمـرو

 

ذا كبار ذو امـتـداح

وهجاء سار في الـن

 

اس لا يمحوه ماحـي

أبداً مـا عـاش ذو رو

 

ح ونودي بالـفـلاح

قال: وكان لعمار جار يبيع الرؤوس يقال له غلام أبي داود، فطرق عماراً قوم كانوا يعاشرونه ويدعونه فقالوا: أطعمنا واسقنا، ولم يكن عنده شيء يومئذ، فبعث إلى صاحب الرءوس يسأله أن يوجه إليه بثلاثة أرؤس ليعطيه ثمنها إذا جاءه شيء، فلم يفعل، فباع قميصاً له واشترى للقوم ما يصلحهم وشربوا عنده، فلما أصبح القوم خرج إلى المحلة، وأهلها مجتمعون، فأنشأ يقول:

غلام لأبــــــي داو

 

د يدعى سالـق الـروس

وفي حجـرتـه قـمـل

 

كأمثـال الـجـوامـيس

فمن ذا يشـتـري الـرو

 

س وقد عشش في الروس

رءوس قـد أراحـــت

 

كرءوس في الـنـواويس

تحاكي أوجه الـمـوتـى

 

وريحاً كـالـكـرابـيس

ينقي القـمـل مـنـهـن

 

إذا بـاع بـتـدلـــيس

قال: فشاعت الأبيات في الناس، فلم يقرب أحد ذلك الرجل، ولا اشترى منه شيئاً، فقام من موضعه ذلك، وعطل حاونوته.
قال: وحضر عمار ذو كبار مع همذان لقبض عطائه، فقال له خالد بن عبد الله: ما كنت لأعطيك شيئاً. فقال: ولم أيها الأمير؟ قال: لأنك تنفق مالك في الخمور والفجور، فقال: هيهات ذلك، وهل بقي لي أرب في هذا وأنا الذي أقول:

أير عمار أصبـح ال

 

يوم رخواً قد انكسـر

ألـداء يرى بـــه

 

أم من الهم والضجر؟

أم بـه أخـذة فـقـد

 

تطلق الأخذة النشـر

فلئن كان قوس الـي

 

وم أو عضه الكبـر

فلقدماً قـضـى ونـا

 

ل من اللذة الوطـر

ولقد كنت منـعـظـاً

 

وأبداً قـائم الـذكـر

وأنا اليوم لـو أرى ال

 

حور عندي لما انتشر

ساقط رأسه عـلـى

 

خصيتـيه بـه زور

كلما سمته الـنـهـو

 

ض إلى كوة عثـر

قال: فضحك خالد، وأمر له بعطائه، فلما قبضه قضى منه دينه، وأصلح حاله، وعاد لشأنه، وقال:

أصبح اليوم أير عـمـا

 

ر قد قام واسـبـطـر

أخذ الرزق فاسـتـشـا

 

ط قياماً من البـطـر

فهو اليوم كالـشـظـا

 

ظ من النعظ والأشـر

يترك القرن فـي الـم

 

كر صريعاً وما فتـر

يشرع العود لـلـطـع

 

ان إذا انصاع ذو الخور

سلم نعم الضـجـيع أن

 

ت لنا مع الغيم والمطر

ليتني قـد لـقـيتـكـم

 

في خلاء من البـشـر

فنشـرنـا حـديثـنـا

 

عندكم كل منـتـشـر

خالـياً لـيلة الـتـمـا

 

م بسلمى إلى السحـر

فهي كالدرة الـنـقـي

 

ة والوجه كالـقـمـر

قال: وخرج عمار في بعض أسفاره، ومعه رجل يعرف بدندان، فلما بلغا إلى الفرات نزلا على قرية يقال لها ناباذ، وأراد العبور فلم يجد معبراً فقال له دندان: أنا أعبرك، فنزل معه ما توسطا الفرات خلى عنه، فبعد جهد ما نجا، فقال عمار في ذلك:

كاد دندن بأن يجـعـلـنـي

 

يوم ناباذ طعاماً للسـمـك

قلت: دندان أغثني فمضـى

 

وأنا أعلو وأهوي في الدرك

ولقد أوقعنـي فـي ورطة

 

شيبت رأسي وعاينت الملك

لين دندان بـكـفـي أسـد

 

أو قتيلاً ثاوياً فيمن هـلـك

أخبرني أبو الحسن الأسدي قال: حدثنا محمد بن صالح بن النطاح، عن أبي اليقظان قال:  

دخل عمار ذو كبار على خالد القسري بالكوفة، فلما مثل بين يديه صاح به: أيها الأمير :

أخلقت ريطتي وأودى القميص

 

وإزاري والبطن طاو خميص

قال: خالد: فنصنع ماذا؟ ما كل من أخلقت ثيابه كسوناه فقال:

وخلا منزلي فـلا شـيء فـيه

 

لست ممن يخشى عليه اللصوص

فقال له خالد: ذلك من سوء فعلك وشربك الخمر بما تعطاه، فقال:

واستحل الأمير حبس عطائي

 

خالد إن خالداً لـحـريص

فقال خالد وقد غضب: على ماذا ثكلتك أمك؟ قال:

ذو اجتهاد على العبادة والخي

 

ر ولكن في رزقنا تعويص

فقال: على ماذا تقبض العطاء ولا غناء فيك عن المسلمين؟ فقال:

رخص الله في الكتاب لذي العذ

 

ر وما عند خالد تـرخـيص

فقال: أولم نرخص لذي العذر أن يقيم ويبعث مكانه رسولاً؟ فقال:

كلف البائس الـفـقـير بـديلاً

 

هل له عنه معدل أو محـيص!

العليل الكبير ذا العرج الـظـا

 

لع أعشى بعينـه تـلـحـيص

يا أبا الهيثم المبـارك جـد لـي

 

بعطاء ما شانـه تـنـغـيص

وبرزقي فإننـا قـد رزحـنـا

 

من ضياع وللعيال بـصـيص

كبصيص الفرخين ضمهما العش

 

وغاذيهـمـا أسـير فـنـيص

قال: فدمعت عينا خالد، فأمر له بعطائه.
و هذه الأبيات من قصيدة يقول فيها:

وترى البيت مـقـشـعـراً قـواءً

 

من نـواحـيه دورق وأصـيص

وبـجـاد مـمـزق وخـــوان

 

ندرت رجله وأخـرى رهـيص

ولـقـد كـان ذا قـوائم مـلـس

 

تؤكل اللحم فوقـه والـخـبـيص

شطنت هكذا شـوارد بـالـمـص

 

ر وعني لم يلهـه الـتـربـيص

وتولـى فـي كـل بـحـر وبـر

 

همه العرس فيه والتحـصـيص

متعال عـلـي اخـر مـحـبـو

 

ر يغـاديه بـطة ومـصــوص

وشـواء مـلـهـــوج ورؤوس

 

وصيود قد حازها الـتـقـنـيص

ثم لابد يلتقـي الـوزن بـالـقـس

 

ط لدى الحشر فاحذروا أن يبوصوا

أكثروا الملك جانـياً واجـمـعـوه

 

سوف يودي بذلك الـتـنـقـيص

ونسخت من كتاب الحزنبل: أن عماراً وقف على عاصم بن عقيل بن جعدة بن هبيرة المخزومي فقال له:

عاصم يا بن عقـيل

 

أفسح العالم باعـا

وارث المجد قديماً

 

سامياً ينمي ارتفاعا

عن هبير وابنه جع

 

دة فاحتل التلاعـا

فقال له عاصم: أسمعت يا عمار فقل فقد أبلغت في الثناء ، فقال:

اكسني أصلحك الـل

 

ه قميصاً وصقاعـا

وأرحني مـن ثـياب

 

باليات تـتـداعـى

طال ترقيعي لها حت

 

ى لقد صارت رقاعا

كلها لا شيء فـيهـا

 

غير قمل تتساعـى

لم تزل تولي الذي ير

 

جوك براً واصطناعا

فنزع عاصم جبة كانت عليه، وأمر غلامه فجعل تحتها قميصاً ودفعها إليه، وأمر له بمائتي درهم.


فأما القصيدة الذالية، التي استحسنها الوليد، وسأل حمادا الراوية عنها فإنها كثيرة المرذول، ولكنها مضحكة طيبة من الشعر المرذول وفيها يقول:

أنت وجداً بها كمغض

 

ي جفون على القذى

لم يقل قائل من النـا

 

س قولاً كنـحـو ذا

تحت حر وصلـتـه

 

صار شعراً مهـذذا

قول عمار ذي كـبـا

 

ر فيا حسن ما احتذى

عللاني بـذكـرهـا

 

واسقياني مـحـذذا

تترك الأذن سـخـنةً

 

أرجواناً بهـا خـذا

ومن صالح شعره قوله:

شجا قلبي غـزال ذو

 

دلال واضح السنـه

أسيل الخد مربـوب

 

وفي منطقه غـنـه

ألا إن الغوانـي قـد

 

برى جسمي هواهنه

وقالوا: شفك الحـور

 

هوى قلت لهم: إنه

ولكني عـلـى ذاك

 

معنى بـأذاهـنـه

أراح الله عـمـاراً

 

من الدنيا ومنهـنـه

بعـيدات قـريبـات

 

فلا كان ولا كـنـه

أذهل مني العقل

 

والقلب شجاهـنـه

يمنـين الأبـاطـيل

 

ويجحدن الذي قلنه

وقوله أيضاً:

يا دوم دام صـلاحـكــم

 

وسقاك ربي صفوة الـديم

من كل دان مسبل هـطـل

 

متتابع سح مـن الـرهـم

ترد الوحوش إليه سـارعة

 

والطير أفواجاً من القحـم

قلقلت من وجد بكم كبـدي

 

وصدعت صدعاً غير ملتئم

وتركتني لعواذلي غرضـاً

 

كاللحم متركاً على الوضـم

برح الخفاء وقد علمت بـه

 

إني لحبك غير مكـتـتـم

أخفيته حتى وهى جـلـدي

 

وبرى فؤادي واستباح دمي

يا أحسن الثقلـين كـلـهـم

 

وأتم من يخطو على قـدم

يصبوا الحليم لحسن بهجتهـا

 

ويزيده ألـمـاً إلـى ألـم

تفتر عن سمطين من بـرد

 

متفلج عن حسن مبتـسـم

كالأقحوان لـغـب سـارية

 

جنح العشاء ينير في الظلم

حم اللثات يروق نـاظـره

 

ما عيب من روق ولا قصم

تؤمي بكف رطبة خضبـت

 

وأنامل ينطفن كالـغـنـم

وبمقلة حـوراء سـاجـية

 

وبحاجب كالنون بالـقـلـم

والجيد منها جيد مـغـزلة

 

تحنو إلى خشف بذي سلـم

وكدمية المحراب مـاثـلة

 

والفرع جثل النبت كالحمم

وكأن ريقتـهـا إذا رقـدت

 

راح يفوح بأطيب النـسـم

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن طالب الديناري قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: قال حماد الراوية: أرسل الوليد بن يزيد إلي بمائتي دينار: وأمر يوسف بن عمر بحملي ، على البريد، فقلت: يسألني عن مآثر طرفيه قريش أو ثقيف، فنظرت في كتابي ثقيف وقريش حتى حفظتهما، فلما قدمت عليه سألني عن أشعار بلي، فأنشدته منها ما حفظته، ثم قال لي: أنشدني في الشراب، وعنده قوم من وجوه أهل الشام. فأنشدته لعمار ذي كبار:

أصبح القوم قهوة

 

في أباريق تحتذى

من كميت مـدامة

 

حبذا تلك حـبـذا

تترك الأذن شربها

 

أرجواناً بها خـذا

فقال: أعدها، فأعدتها، خذوا آذان القوم، قال: فأتينا بالشراب فسقينا حتى ما درينا متى نقلنا، ثم حملنا فطرحنا في دار الضيفان، فما أيقظنا إلا حر الشمس وجعل شيخ من أهل الشام يشتمني ويقول: فعل الله بك وفعل، أنت صنعت بنا هذا.

شطت ولم تثب الرباب

 

ولعل للكلف النـواب

نعب الغراب فراعني

 

بالبين إذا نعب الغراب

عروضه من الضرب الثالث العروض الثالثة من الكامل.

والشعر: لعبد الله بم مصعب الزبيري، والغناء، لحكم الوادي، ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر، عن إسحاق.