نسب المتوكل الليثي وأخباره

نسبه: هو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزارٍ. من شعراء الإسلام، وهو من أهل الكوفة. كان في عصر معاوية وابنه يزيد، ومدحهما. ويكنى أبا جهمة. وقد اجتمع مع الأخطل وناشده عند قبيصة بن والقٍ، ويقال عند عكرمة بن ربعي الذي يقال له الفياض، فقدمه الأخطل .


وهذه القصيدة التي أولها الغناء قصيدة هجا بها عكرمة بن ربعي وخبره معه يذكر بعد .


أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي عن الزبير بن بكار عن عمه .


تناشد هو والأخطل الشعر: وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال: أخبرني هارون بن مسلم قال حدثني حفص بن عمر العمري عن لقيط بن بكير المحاربي قال: قدم الأخطل الكوفة فنزل على قبيصة بن والق، فقال المتوكل بن عبد الله الليثي لرجل من قومه: انطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره. فأتياه فقالا: أنشدنا يا أبا مالك. فقال: إني لخائر يومي هذا. فقال له المتوكل: أنشدنا أيها الرجل، فوالله لا تنشدني قصيدة إلا أنشدتك مثلها أو أشعر منها من شعري. قال: ومن أنت؟ قال: أنا المتوكل . قال: أنشدني ويحك من شعرك! فأنشده:

للغانيات بذي المجاز رسوم

 

فببطن مكة عهدهن قـديم

فبمنحر البدن المقلد من منًى

 

حلل تلوح كأنهن نـجـوم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله

 

عار عليك إذا فعلت عظيم

والهم إن لم تمضه لسبيلـه

 

داء تضمنه الضلوع مقـيم

غنى في هذه الأبيات سائب خائرٍ من رواية حمادٍ عن أبيه ولم يجنسه .
قال وأنشده أيضاً:

الشعر لب المرء يعرضه

 

والقول مثل مواقع النبل

منها المقصر عن رميته

 

ونزافذ يذهبن بالخصـل

قال وأنشده أيضاً:

إننا معشر خلقنـا صـدوراً

 

من يسوي الصدور بالأذناب

قال له الأخطل: ويحك يا متوكل ! لو نبحت الخمر في جوفك كنت أشعر الناس .


ما قاله في زوجته رهيمة حين طلبت الطلاق: قال الطوسي قال الأصمعي: كانت للمتوكل بن عبد الله الكناني امرأة يقال لها رهيمة ويقال أميمة وتكنى أم بكرٍ، فأقعدت، فسألته الطلاق، فقال: ليس هذا حين طلاق. فأبت عليه، فطلقها، ثم إنها برئت بعد الطلاق، فقال في ذلك:

طربت وشاقنـي يا ام بـكـرٍ

 

دعاء حمامةٍ تدعو حـمـامـا

فبت وبات همي لـي نـجـياً

 

أعزى عنك قلباً مستـهـامـا

إذا ذكرت لقلـبـك أم بـكـرٍ

 

يبيت كأنما اغتبق الـمـدامـا

خدلجة ترف غـروب فـيهـا

 

وتكسو المتن ذا خصلٍ سخاما

أبى قلبي فما يهوى سـواهـا

 

وإن كانت مودتهـا غـرامـا

ينام اللـيل كـل خـلـي هـمٍ

 

وتأبى العين مني أن تـنـامـا

أراعي التاليات مـن الـثـريا

 

ودمع العين منحدر سجـامـا

على حين ارعويت وكان رأسي

 

كأن على مفارقـه ثـغـامـا

سعى الواشون حتى أزعجوهـا

 

ورث الحبل فانجذم انجـذامـا

فلست بزائلٍ مـا دمـت حـياً

 

مسراً من تذكرهـا هـيامـا

ترجيها وقد شحطـت نـواهـا

 

ومنتك المنى عاماً فـعـامـا

خدلجة لـهـا كـفـل وثـير

 

ينوء بها إذا قـامـت قـيامـا

مخصرة ترى في الكشح منهـا

 

على تثقيل أسفلها انهضـامـا

إذا ابتسمت تلألأ ضـوء بـرق

 

تهلل في الـدجـنة ثـم دامـا

وإن قامـت تـأمـل رائياهـا

 

غمامة صيفٍ ولجت غمامـا

إذا تمشـي تـقـول دبـيب أيم

 

تعرج ساعةً ثم اسـتـقـامـا

وإن جلست فدمية بـيت عـيدٍ

 

تصان ولا ترى إلا لـمـامـا

فلو أشكو الذي أكشـو إلـيهـا

 

إلى حجرٍ لراجعني الكـلامـا

أحب دنوهـا وتـحـب نـأيي

 

وتعتام التنائي لي اعـتـيامـا

كأني مـن تـذكـر أم بـكـرٍ

 

جريح أسنةٍ يشكـو كـلامـا

تساقط أنفسا نفسي عـلـيهـا

 

إذا شحطت وتغتم اغتمـامـا

غشيت لها منازل مقـفـراتٍ

 

عفت إلا بالأياصر والثمـامـا

ونؤيا قـد تـهـدم جـانـبـاه

 

ومبناها بذي سـلـم خـيامـا

صليني واعلمـي أنـي كـريم

 

وأن حلاوتي خلطت عرامـا

وأني ذو مجامـحةٍ صـلـيب

 

خلقت لمن يماكسني لجـامـا

فلا وأبيك لا أنسـاك حـتـى

 

تجاوب هامتي في القبر هاما

شعر آخر له في امرأته يمدح فيه حوشبا الشيباني: والقصيدة التي فيها الغناء المذكور في أول خبر المتوكل يقولها أيضاً في امرأته هذه ويمدح فيها حوشبا الشيباني، ويقول فيها:

إذا وعدتك معروفـاً لـوتـه

 

وعجلت التجرم والمـطـالا

لها بشر نقي اللـون صـافٍ

 

ومتن حط فاعتدل اعـتـدالا

إذا تمشى تأود جـانـبـاهـا

 

وكاد الخصر ينخزل انخزالا

تنوء بها روادفـهـا إذا مـا

 

وشاحاها على المتنين جـالا

فإن تصبح أميمة قد تـولـت

 

وعاد الوصل صرماً واعتلالا

فقد تدنو النوى بعد اغتـراب

 

بها وتفرق الحي الـحـلالا

تعبس لي أميمة بعـد أنـس

 

فما أدري أسخـطـاً أم دلالا

أبيني لي فرب أخ مصـافٍ

 

رزئت وما أحب بـه بـدالا

أصرم مـنـك هـذا أم دلال

 

فقد عنى الـدلال إذاً وطـالا

أم استبدلت بي ومللت وصلي

 

فيوحي لي به ودعي المحالا

فلا وأبيك ما أهوى خـلـيلا

 

أقاتله على وصلـي قـتـالا

وكم من كاشـح يا أم بـكـرٍ

 

من البغضاء يأتكل ائتـكـالا

لبست على قـنـاعٍ مـن أذاه

 

ولولا الله كنت لـه نـكـالا

ومما يغنى به من هذه القصيدة قوله: صوت:

أنا الصقر الذي حدثت عنه

 

عتاق الطير تندخل اندخالا

رأيت الغانيات صدفن لمـا

 

رأين الشيب قد شمل القذالا

فلم يلووا إذا رحلوا ولكـن

 

تولت عيرهم بهم عجـالا

غنى فيه عمر الوادي خفيف رمل عن الهشامي. وذكر حبش أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى، وأحسبه مضافاً إلى لحنه الذي في أول القصيدة .


هجاه معن بن حمل فترفع عنه ثم هجاه واعتذر: وقال الطوسي قال أبو عمرو الشيباني: هجا معن بن حمل بن جعونة بن وهب، أحد بني لقيط بن يعمر المتوكل بن عبد الله الليثي؛ وبلغ ذلك المتوكل، فترفع عن أن يجيبه، ومكث معن سنين يهجوه والمتوكل معرض عنه. ثم هجاه بعد ذلك وهجا قومه من بني الديل هجاءً قذعاً استحيا منه وندم، ثم قال المتوكل لقومه يعتذر ويمدح يزيد بن معاوية:

خليلي عوجا اليوم وانتـظـرانـي

 

فإن الـهـوى والـهـم أم أبـان

هي الشمس يدنو لي قريباً بعيدهـا

 

أرى الشمس ما أسطيعها وتراني

نأت بعد قربٍ دارها وتـبـدلـت

 

بنا بدلا والـدهـر ذو حـدثـان

فهاج الهوى والشوق لي ذكر حرةٍ

 

من المرجحنات الثقال حـصـان

غنى هذه الأبيات ابن محرز من كتاب يونس ولم يجنسه :

سيعلم قومي أنني كنـت سـورةً

 

من المجد إن داعي المنون دعاني

ألا رب مسرورٍ بموتي لـو أتـى

 

وآخر لو أنعى له لـبـكـانـي

خليلي ما لام امرأً مثل نـفـسـه

 

إذا هي لامت فاربعا ودعـانـي

ندمت على شتمي العشيرة بعدمـا

 

تغنى بها غوري وحن يمـانـي

قلبت لهم ظهر المجن وليتـنـي

 

رجعت بفضلٍ من يدي ولسانـي

على أنني لم أرم في الشعر مسلما

 

ولم أهج من روى وهـجـانـي

هم بطروا الحلم الذي من سجيتي

 

فبدلت قـومـي شـدةً بـلـيان

ولو شئتم أولاد وهبٍ نـزعـتـم

 

ونحن جميع شمـلـنـا أخـوان

نهيتم أخاكم عن هجائي وقد مضى

 

له بعد حول كامـلٍ سـنـتـان

فلج ومـنـاه رجـال رأيتـهـم

 

إذا قارنوني يكرهون قـرانـي

وكنت امرأً يأبى لي الضيم أننـي

 

صروم إذا الأمر المهم عنـانـي

وصول صروم لا أقول لمـدبـر

 

هلم إذا ما اغتشني وعصـانـي

خليلي لو كنت امرأ بي سـقـطة

 

تضعضعت أو زلت بي القدمـان

أعيش على بغي العداة ورغمهـم

 

وآتي الذي أهوى على الشـنـآن

ولكنني ثبـت الـمـريرة حـازم

 

إذا صاح طلابي ملأت عنانـي

خليلي كم من كاشح قد رمـيتـه

 

بقافيةٍ مـشـهـورةٍ ورمـانـي

فكان كذات الحيض لم تبق ماءها

 

ولم تنق عنها غسـلـهـا لأوان

ثم إنه يقول فيها ليزيد بن معاوية:

أبا خالدٍ حنت إليك مطيتـي

 

على بعد منتاب وهول جنان

أبا خالد في الأرض نأي ومفسح

 

لذي مرة يرمى به الـرجـوان

فكيف ينام الليل حـر عـطـاؤه

 

ثلاث لرأس الحول أو مـائتـان

تناهت قلوصي بعد إسآدي السرى

 

إلى ملكٍ جزل العطاء هجـان

ترى الناس أفواجاً ينوبون بـابـه

 

لبكرٍ من الحاجات أو لـعـوان

معن أجابه مفتخراً: فأجابه معن بن حملٍ فقال:

ندمت كذاك العبد ينـدم بـعـدمـا

 

غلبت وسار الشعر كـل مـكـان

ولا قيت قرماً في أرومة مـاجـدٍ

 

كريماً عزيزاً دائم الـخـطـران

أنا الشاعر المعروف وجهي ونسبتي

 

أعف وتحمينـي يدي ولـسـانـي

وأغلب من هاجيت عفواً وأنتـمـي

 

إلى معشرٍ بيض الوجوه حـسـان

فهات إذاً يابن الأتان كصاحـب ال

 

ملوك أبـي، أسـيد كـمـهـان !

فهات كزيدٍ أو كسيحـان لا تـجـد

 

لهم كفواً أو يبـعـث الـثـقـلان

هو وعكرمة بن ربعي: أخبرني محمد بن الحسين بن دريد قال حدثنا العتبي عن العباس بن هشامٍ عن أبيه عن عوانة قال: أتى المتوكل الليثي عكرمة بن ربعي الذي يقال له الفياض، فامتدحه فحرمه، فقيل له: جاءك شاعر العرب فحرمته! فقال: ما عرفته. فأرسل إليه بأربعة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها وقال: حرمني على رؤوس الناس ويبعث إلي سراً .


نسيبه بحسناء وهو يعاني الرمد وهجاؤه عكرمة: فبينا المتوكل بالحيرة وقد رمد رمداً شديداً، فمر به قس فقال: ما لك؟ قال: رمدت. قال: أنا اعالجك. قال: فافعل. فذره ، فبينا القس عنده وهو مذرور العين مستلقٍ على ظهره، يفكر في هجاء عكرمة وذلك غير مطردٍ له ولا القول في معناه إذا أتاه غلام له فقال: بالباب امرأة تدعوك. فمسح عينيه وخرج إليها، فسفرت عن وجهها فإذا الشمس طالعةً حسناً، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: أمية. قال: فممن أنت؟ فلم تخبره. قال: فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنك شاعر فأحببت أن تنسب بي في شعرك. فقال: أسفري. ففعلت فكر طرفه في وجهها مصعداً ومصوباً، ثم تلثمت وولت عنه، فاطرد له القول الذي كان استصعب عليه في هجاء عكرمة وافتتحه بالنسيب فقال:

أجد اليوم جيرتك احتمـالا

 

وحث حداتهم بهم الجمالا

وفي الأظعان آنسة لعوب

 

ترى قتلي بغير دمٍ حلالا

أمية يوم دير القس ضنت

 

علينا أن تنولـنـا نـوالا

أبيني لي فرب أخٍ مصافٍ

 

رزئت وما أحب به بدالا

وقال فيها يهجو عكرمة:

أقلني يابن ربعي ثـنـائي

 

وهبها مدحة ذهبت ضلالا

وهبها مدحة لم تغن شـيئاً

 

وقولاً عاد أكثـره وبـالا

وجدنا العز من أولاد بكـرٍ

 

إلى الذهلين يرجع والفعالا

أعكرم كنت كالمبتـاع داراً

 

رأى بيع الندامة فآستقـالا

بنو شيبان أكرم آل بـكـرٍ

 

وأمتنهم إذا عقدوا حبـالا

رجال اعطيت أحلام عـادٍ

 

إذا نطقوا وأيديها الطـوالا

وتيم الله حي حـي صـدقٍ

 

ولكن الرحى تعلو الثفـالا

صوت:

سقى دمنتين لم نجد لهمـا أهـلا

 

بحقلٍ لكم يا عز قد رابني حقـلا

فيا عز إن واشٍ وشى بي عندكـم

 

فلا تكرميه أن تقولي له مهـلا

كما نحن لو واشٍ وشى بك عندنا

 

لقلنا تزحزح لا قريباً ولا سهـلا

ألم يأن يا قلب أن أترك الجهـلا

 

وأن يحدث الشيب الملم لي العقلا

على حين صار الرأس مني كأنما

 

علت فوقه ندافة العطب الغـزلا

عروضه من الطويل. الدمن. آثار الديار، واحدتها دمنة. والحقل: الأرض التي يزرع فيها. والعطب هو القطن .

الشعر لكثير كله إلا البيت الأول فإنه انتحله، وهو الأفوه الأودي. والغناء لابن سريج ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن الهشامي في الثلاثة الأبيات الأول متوالية. وذكر حبش أنه لمعبد. وفي الرابع والخامس والثاني والثالث لحنين ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه ثقيل أول بالبنصر؛ ذكر ابن المكي أنه لمعبد، وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي .