أخبار عقيل بن علفة

نسبه: عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، ويكنى أبا العملس وأبا الجرباء .


وأم عقيل بن علفة العوراء، وهي عمرة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة. وأمها زينب بنت حصن بن حذيفة. هذا قول خالد بن كلثوم والمدائني. وقال ابن الأعرابي: كانت عمرة العوراء أم عقيل بن علفة والبرصاء أم شبيب ابن البرصاء أختين، وهما ابنتا الحارث بن عوف. واسم البرصاء قرصافة، أمها بنت نجبة ابن ربيعة بن رياح بن مالك بن شمخ .


كان يعتد بنسبه وكانت قريش ترغب في مصاهرته: وعقيل شاعر مجيد مقل، من شعراء الدولة الأموية. وكان أعرج جافياً شديد الهوج والعجرفية والبذخ بنسبه في بني مرة، لا يرى أن له كفئاً. وهو في بيتٍ شرف في قومه من كلا طرفيه. وكانت قريش ترغب في مصاهرته. تزوج إليه خلفاؤها وأشرافها، منهم يزيد ابن عبد الملك، تزوج ابنته الجرباء، وكانت قبله عند ابن عم لعقيل يقال له مطيع بن قطعة ابن الحارث بن معاوية. وولدت ليزيد بنياً درج . وتزوج بنته عمرة سلمة بن عبد الله بن المغيرة، فولدت له يعقوب بن سلمة، وكان من أشراف قريش وجودائها. وتزوج أم عمرو بنته ثلاثة نفر من بني الحكم بن أبي العاص: يحيى والحارث وخالد .


خطب إليه والي المدينة إحدى بناته فأنكر عليه فضربه فقال شعراً: أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: دخل عليه عقيل بن علفة على عثمان بن حيان وهو يومئذ على المدينة، فقال له عثمان: زوجني ابنتك، فقال: أبكرةً من إبلي تعني؟ فقال له عثمان: ويلك! أمجنون أنت! قال: أي شيء قلت لي؟ قال: قلت لك: زوجني ابنتك، فقال: أفعل إن كنت عنيت بكرةً من إبلي. فأمر به فوجئت عنقه. فخرج وهو يقول:

كنا بني غيظ الرجال فأصبحت

 

بنو مالك غيظاً وصرنا كمالك

لحى الله دهراً ذعذع المال كله

 

وسود أشباه الإماء العـوارك

خطب إليه رجل من بني سلامان فكتفه وألقاه في قرية النمل: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: كان لعقيل ابن علفة جار من بني سلامان بن سعد، فخطب إليه ابنته، فغضب عقيل، وأخذ السلاماني فكتفه ، ودهن استه بشحم، وألقاه في قرية النمل، فأكلن خصييه حتى ورم جسده، ثم حله وقال: يخطب إلي عبد الملك فأرده، وتجترئ أنت علي !.


قال: ثم أجدبت مراعي بني مرة، فانتجع عقيل أرض جذام وقربهم عذرة. قال عقيل: فجاءني هني مثل البعرة، فخطب إلي ابنتي أم جعفر. فخرجت إلى أكمة قريبة من الحي، فجعلت أنبح كما ينبح الكلب، ثم تحملت وخرجت، فاتبعني جمع من حن بطن من عذرة فقالوا: اختر، إن شئت حبسناك، وإن شئت حدرناك وبعيرة من رأس الجبل، فإن سبقتها خلينا عنك. فأرسلوا بعيرةً فسبقتها، فخلوا سبيلي، فقلت لهم: ما طمعتم بهذا من أحد! قالوا: أردنا أن نضع منك حيث رغبت عنا. فقلت فيهم:

لقد هزئت حن بنا وتلاعـبـت

 

وما لعبت حن بذي حسب قبلي

رويداً بني حن تسيحوا وتأمنـوا

 

وتنتشر الأنعام في بلد سهـل

والله لأموتن قبل أن أضع كرائمي إلا في الأكفاء .


خرج إلى الشام مع أولاده ثم عادوا منها فقال شعراً أجازه ابنه وابنته فرمى ابنه بسهم فعقره: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن الضحاك عن أبيه قال: وجدت في كتاب بخط الضحاك قال: خرج عقيل بن علفة وابناه: علفة وجثامة، وابنته الجرباء حتى أتوا بنتاً له ناكحاً في بني مروان بالشام فآمت . ثم إنهم قفلوا بها حتى كانوا ببعض الطريق، فقال عقيل بن علفة:

قضت وطراً من دير سعدٍ وطالما

 

على عرض ناطحنه بالجماجـم

إذا هبطت أرضاً يموت غرابهـا

 

بها عطشاً أعطينهم بالـخـزائم

ثم قال: أنفذ يا علفة، فقال علفة:

فأصبحن بالموماة يحملن فتـيةً

 

نشاوى عن الإدلاج ميل العمائم

إذا علم غـادرنـه بـتـنـوفة

 

تذارعن بالأيدي لآخر طاسـم

ثم قال أنفذي يا جرباء، فقالت: وأنا آمنة؟ قال: نعم. فقالت:

كأن الكرى سقاهم صـرخـديةً

 

عقاراً تمشي في المطا والقوائم

فقال عقيل: شربتها ورب الكعبة! لولا الأمان لضربت بالسيف تحت قرطك، أما وجدت من الكلام غير هذا! فقال جثامة: وهل أساءت! إنما أجازت. وليس غيري وغيرك. فرماه عقيل بسهم فأصاب ساقه وأنفذ السهم ساقه والرحل، ثم شد على الجرباء فعقر ناقتها ثم حملها على ناقة جثامه وتركه عقيراً مع ناقة الجرباء. ثم قال: لولا أن تسبني بنو مرة ما ذقت الحياة. ثم خرج متوجهاً إلى أهله وقال: لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة، أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون لأقتلنك. فلما قدموا على أهل أبير وهم بنو القين ندم عقيل على فعله بجثامة، فقال لهم: هل لكم في جزور انكسرت؟ قالوا: نعم. قال: فالزموا أثر هذه الراحلة حتى تجدوا الجزور، فخرج القوم حتى انتهوا إلى جثامة فوجدوه قد أنزفه الدم، فاحتملوه وتقسموا الجزور، وأنزلوه عليهم، وعالجوه حتى برأ، وألحقوه بقومه.


ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد الله اليزيدي بخطه ولم أجده ذكر سماعه إياه من أحد قال: قرئ على علي بن محمد المدائني عن الطرماح بن خليل بن أبرد، فذكر مثل ما ذكره الزبير منه وزاد فيه: أن القوم احتملوا جثامة ليلحقوه بقومه؛ حتى إذا كانوا قريباً منهم تغنى جثامة:

أيعذر لاهينا ويلحين في الصبا

 

وما هن والفتيان إلا شقـائق

فقال له القوم: إنما أفلت من الجراحة التي جرحك أبوك آنفاً، وقد عاودت ما يكرهه، فأمسك عن هذا ونحوه إذا لقيته لا يلحقك منه شر وعر . فقال: إنما هي خطرة خطرت، والراكب إذا سار تغنى .


أصابه القولنج فنعتت له الحقنة فأبى فقال ابنه شعراً في ذلك: أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال: قدم عقيل بن علفة المدينة فنزل على ابن بنته يعقوب بن سلمة المخزومي، فمرض وأصابه القولنج ، فنعتت له الحقنة فأبى. وقدم ابنه عليه فبلغه ذلك، فقال:

لقد سرني واللـه وقـاك شـرهـا

 

نجاؤك منها حين جـاء يقـودهـا

كفى خـزيةً ألا تـزال مـجـبـياً

 

على شكوة توكى وفي استك عودها

شد على ابنه علفة بالسيف فحاد عنه فقال في ذلك شعراً: أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا علي بن محمد عن زيد بن عياش التغلبي والربيع بن ثميل قالا: غدا عقيل بن علفة على أفراس له عند بيوته فأطلقها ثم رجع، فإذا بنوه مع بناته وأمهم مجتمعون، فشد على عملس فحاد عنه، وتغنى علفة فقال:

قفي يابنة المري أسألك مـا الـذي

 

تريدين فيما كنت منيتـنـا قـبـل

نخبرك إن لم تنجزي الوعـد أنـنـا

 

ذوا خلة لم يبق بينهـمـا وصـل

فإن شئت كان الصرم ما هبت الصبا

 

وإن شئت لا يفنى التكارم والبـذل

فقال عقيل: يابن اللخناء ، متى منتك نفسك هذا! وشد عليه بالسيف وكان عملس أخاه لأمه فحال بينه وبينه، فشد على عملس بالسيف وترك علفة لا يلتفت إليه ، فرماه بسهم، فأصاب ركبته؛ فسقط عقلي وجعل يتمعك في دمه ويقول:

إن بني سربلونـي بـالـدم

 

من يلق أبطال الرجال يكلم

ومـن يكـن ذا أودٍ يقـوم

 

شنشنة أعرفها من أخـزم

قال المدائني: شنشنة أعرفها من أخزم، مثل ضربه. وأخزم: فحل كان لرجل من العرب، وكان منجباً، فضرب في إبل رجلٍ آخر ولم يعلم صاحبه فرأى بعد ذلك من نسله جملاً فقال: شنشنة أعرفها من أخزم .

عاتبه عمر بن عبد العزيز في شأن بناته فأجابه: أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني سليمان المدائني قال حدثني مصعب بن عبد الله قال: قال عمر بن عبد العزيز لعقيل بن علفة: إنك تخرج إلى أقاصي البلاد وتدع بناتك في الصحراء لا كالئ لهن، والناس ينسبونك إلى الغيرة، وتأبى أن تزوجهن إلا الأكفاء. قال: إني أستعين عليهن بخلتين تكلآنهن، وأستغني عن سواهما. قال: وما هما؟ قال: العري والجوع.

رماه ابنه عملس فأصاب ركبته، فغضب وخرج إلى الشام، وقال في ذلك شعراً: نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيدي: قال خالد بن كلثوم: لما رمى عملس بن عقيل أباه فأصاب ركبته غضب وأقسم ألا يساكن بنيه، فاحتمل وخرج إلى الشام، فلما استوى على ناقته المسماة بأطلال بكت ابنته جرباء وحنت ناقته، فقال:

ألم تريا أطلال حنـت وشـاقـهـا

 

تفرقنا يوم الحبيب علـى ظـهـر

وأسبل من جـربـاء دمـع كـأنـه

 

جمان أضاع السلك أجرته في سطر

لعمرك إني يوم أغذو عـمـلـسـا

 

لكالمتربي حتـفـه وهـو لا يدري

وإني لأسقيه غـبـوقـي وإنـنـي

 

لغرثان منهوك الذراعين والنـحـر

خرج ابنه علفة إلى الشام أيضاً وكتب إلى أبيه شعراً: قال: ومضى علفة أيضاً، فافتؤض بالشام وكتب إلى أبيه:

ألا أبلغا عني عـقـيلاً رسـالةً

 

فإنك من حربٍ عـلـي كـريم

أما تذكـر الأيام إذ أنـت واحـد

 

وإذ كل ذي قربى إلـيك ذمـيم

وإذ لا يقيك الناس شيئاً تخـافـه

 

بأنفسـهـم إلا الـذين تـضـيم

تناول شأو الأبعـدين ولـم يقـم

 

لشـأوك بـين الأقـربـين أديم

فأما إذا عضت بك الحرب عضةً

 

فإنك معطوف عـلـيك رحـيم

وأما إذا آنست أمـنـاً ورخـوةً

 

فإنك للقـربـى ألـد ظـلـوم

فلما سمع عقيل هذه الأبيات رضي عنه، وبعث إليه فقدم عليه .


سب عمر بن عبد العزيز ابن أخته فعاتبه في ذلك: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال حدثني ابن جعدبة قال: عاتب عمر بن عبد العزيز رجلاً من قريش، أمه أخت عقيل بن علفة فقال له: قبحك الله! أشبهت خالك في الجفاء. فبلغت عقيلاً فجاء حتى دخل على عمر فقال له: ما وجدت لابن عمك شيئاً تعيره به إلا خؤولتي! فقبح الله شركما خالاً. فقال له صخير بن أبي جهم العدوي وأمه قرشية: آمين يا أمير المؤمنين. فقبح الله شركما خالا وأنا معكما أيضاً .


قرأ شيئاً من القرآن فأخطأ فاعترض عليه عمر فأجابه: فقال له عمر: إنك لأعرابي جلف جافٍ، أما لو كنت تقدمت إليك لأدبتك. والله لا أراك تقرأ من كتاب الله شيئاً، قال: بلى، إني لأقرأ، قال: فاقرأ. فقرأ: " إذا زلزلت الأرض زلزالها " حتى بلغ إلى آخرها فقرأ فمن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره، فقال له عمر: ألم أقل لك إنك لا تحسن أن تقرأ؟ قال: أولم أقرأ؟ قال: لا، لأن الله جل وعز قدم الخير وأنك قدمت الشر. فقال عقيل:

خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه

 

كلا جانبي هرشى لهن طريق

فجعل القوم يضحكون من عجرفيته .


وروى هذا الخبر علي بن محمد المدائني، فذكر أنه كان بين عمر بن عبد العزيز وبين يعقوب بن سلمة وأخيه عبد الله كلام، فأغلظ يعقوب لعمر في الكلام فقال له عمر: اسكت فإنك ابن أعرابية جافيةٍ. فقال عقيل لعمر: لعن الله شر الثلاثة، مني ومنك ومنه! فغضب عمر، فقال له صخير بن أبي الجهم: آمين. فهو والله أيها الأمير شر الثلاثة. فقال عمر: والله إني لأراك لو سألته عن آية من كتاب الله ما قرأها. فقال: بلى والله إني لقارئ لآية وآياتٍ فقال، فقال: فاقرأ، فقرأ: إنا بعثنا نوحاً إلى قومه، فقال له عمر: قد أعلمتك أنك لا تحسن. ليس هكذا قال الله، قال: فكيف قال؟ قال: " إنا أرسلنا نوحاً " فقال: وما الفرق بين أرسلنا وبعثنا!

خذا أنف هرشى أو قفاها فإنه

 

كلا جانبي هرشى لهن طريق

دخل المسجد بخفين غليظين وجعل يضرب بهما فضحك الناس منه: أخبرني عبيد الله بن أحمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثني علي بن محمد المدائني عن عبد الله بن أسلم القرشي قال: قدم عقيل بن علفة المدينة، فدخل المسجد وعليه خفان غليظان، فجعل يضرب برجليه، فضحكوا منه فقال: ما يضحككم؟ فقال له يحيى بن الحكم وكانت ابنة عقيل تحته: يضحكون من خفيك وضربك برجليك وشدة جفائك، قال: لا، ولكن يضحكون من إمارتك؛ فإنها أعجب من خفي. فجعل يحيى يضحك .


خبره مع يحيى بن الحكم أمير المدينة وزواج ابنته: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثني عمي عن عبد الله بن مصعب قاضي المدينة قال: دخل عقيل بن علفة على يحيى بن الحكم، وهو يومئذ أمير المدينة. فقال له يحيى: أنكح ابن خالي يعني ابن أوفى فلانة ابنتك؟ فقال: إن ابن خالك ليرضى مني بدون ذلك، قال: وما هو؟ قال: أن أكف عنه سنن الخيل إذا غشيت سوامه . فقال يحيى لحرسيين بين يديه: أخرجاه، فأخرجاه، فلما ولى قال: أعيداه إلي، فأعاداه، فقال عقيل له: ما لك تكرني إكرار الناضح ؟ قال: أما والله إني لأكرك أعرج جافياً. فقال عقيل: كذلك قلت:

تعجبت إذ رأت رأسي تجلـلـه

 

من الروائع شيب ليس من كبر

ومن أديمٍ تولى بـعـد جـدتـه

 

والجفن يخلق فيه الصارم الذكر

فقال له يحيى: أنشدني قصيدتك هذه كلها. قال: ما انتهيت إلا إلى ما سمعت. فقال: أما والله إنك لتقول فتقصر، فقال: إنما يكفي من القلادة ما أحاط بالرقبة. فقال: فأنكحني أنا إحدى بناتك. قال: أما أنت فنعم. قال: أما والله لأملأنك مالاً وشرفاً. قال: أما الشرف فقد حملت ركائبي منه ما أطاقت، وكلفتها تجشم ما لم تطق، ولكن عليك بهذا المال فإن فيه صلاح الأيم ورضا الأبي. فزوجه ثم خرج فهداها إليه، فلما قدمت عليه بعث إليها يحيى مولاةً له لتنظر إليها، فجاءتها فجعلت تغمز عضدها. فرفعت يدها، فدقت أنفها. فرجعت إلى يحيى وقالت: بعثتني إلى أعرابيةٍ مجنونةٍ صنعت بي ما ترى! فنهض إليها يحيى، فقال لها: ما لك؟ قالت: ما أردت أن بعثت إلي أمة تنظر إلي! ما أردت بما فعلت إلا أن يكون نظرك إلي قبل كل ناظر، فإن رأيت حسناً كنت قد سبقت إلى بهجته، وإن رأيت قبيحاً كنت أحق من ستره. فسر بقولها وحظيت عنده .


وذكر المدائني هذا الخبر مثله، إلا أنه قال فيه: فإن كان ما تراه حسناً كنت أول من رآه، وإن كان قبيحاً كنت أول من واراه .


زواج يزيد بن عبد الملك من ابنته الجرباء: أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: خطب يزيد بن عبد الملك إلى عقيل بن علفة ابنته الجرباء، فقال له عقيل: قد زوجتكها، على أن لا يزفها إليك إعلاجك ؛ أكون أنا الذي أجيء بها إليك .


قال: ذلك لك. فتزوجها، ومكثوا ما شاء الله. ثم دخل الحاجب على يزيد فقال له: بالباب أعرابي على بعيرٍ، معه امرأة في هودج قال: أراه والله عقيلاً. قال: فجاء بها حتى أناخ بعيرها على بابه، ثم أخذ بيدها فأذعنت، فدخل بها على الخليفة فقال له: إن أنتما ودن بينكما، فبارك الله لكما، وإن كرهت شيئاً فضع يدها في يدي كما وضعت يدها في يدك ثم برئت ذمتك. فحملت الجرباء بغلام ففرح به يزيد ونحله وأعطاه .
موت ابنته وامتناعه عن أخذ ميراثها: ثم مات الصبي، فورثت أمه منه الثلث، ثم ماتت فورثها زوجها وأبوها فكتب إليه: إن ابنك وابنتك هلكا، وقد حسبت ميراثك منهما فوجدته عشرة آلاف دينارٍ، فهلم فاقبضه. فقال: إن مصيبتي بابني وابنتي تشغلني عن المال وطلبه، فلا حاجة لي في ميراثهما، وقد رأيت عندك فرساً سبقت عليه الناس، فأعطينه أجعله فحلاً لخيلي. وأبى أن يأخذ المال، فبعث إليه يزيد بالفرس .


قال لرجل من قريش بالرفاء والبنين فأنكر عليه ذلك: أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا الخراز عن المدائني عن إسحاق بن يحيى قال: رأيت رجلاً من قريش يقول له عقيل بن علفة: بالرفاء والبنين والطائر المحمود. فقلت له: يابن علفة؛ إنه يكره أن يقال هذا. فقال: يابن أخي، ما تريد إلى ما أحدث! إن هذا قول أخوالك في الجاهلية إلى اليوم لا يعرفون غيره. قال: فحدثت به الزهري فقال: إن عقيلاً كان من أجهل الناس. قال: وإنما قال لإسحاق بن يحيى بن طلحة: هذا قول أخوالك، لأن أم يحيى بن طلحة مرية.


خطب إليه رجل كثير المال مغموز في نسبه فقال فيه شعراً: قال المدائني وحدثني علي بن بشرٍ الجشمي قال قال الرميح: خطب إلى عقيلٍ رجل من بني مرة كثير المال، يغمز في نسبه، فقال:

لعمري لئن زوجت من أجل ماله

 

هجينا لقد حبت إلي الـدراهـم

أأنكح عبداً بعد يحـيى وخـالـدٍ

 

أولئك أكفاني الرجال الأكـارم

أبى لي أن أرضى الدنية أننـي

 

أمد عناناً لم تخنـه الـشـكـائم

خطب إليه رجل من بني مرة فطعن ناقته بالرمح فصرعته: نسخت من كتاب محمد بن العباس اليزيدي بخطه يأثره عن خالد بن كلثوم بغير إسناد متصل بينهما: أن رجلاً من بني مرة يقال له داود أقبل على ناقةٍ له، فخطب إلى عقيل بن علفة بعض بناته، فنظر إليه عقيل وإن السيف لا يناله فطعن ناقته بالرمح فسقطت وصرعته، وشد عليه عقيل فهرب، وثار عقيل إلى ناقته فنحرها، وأطعمها قومه وقال:

ألم تقل يا صاحب القـلـوص

 

داود الساج وذا الـقـمـيص

كانت عليه الأرض حيص بيص

 

حتى يلف عيصه بـعـيصـي

وكنت بالشبان ذا تقـمـيص

 

 

فقال داود فيه من أبيات:

أراه فتى جعل الحـلال بـبـيتـه

 

حراماً ويقري الضيف عضباً مهندا

فرت منه زوجته الأنمارية فردها إليه عامل فدك: وقال المدائني حدثني جوشن بن يزيد قال: لما تزوج عقيل بن علفة زوجته الأنمارية وقد كبر فرت منه، فلقيها جحاف. أحد بني قتال بن يربوع، فحملها إلى عامل فدك، وأصبح عقيل معها، فقال الأمير لعقيل: ما لهذه تستعدي عليك يا أبا الجرباء؟ فقال عقيل: كل ذكري، وذهب ذفري ، وتغايب نفري، فقال: خذ بيدها، فأخذها وانصرف، فولدت له بعد ذلك علفة الأصغر .


شعره يحرض بني سهم على بني جوشن: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال: لما نشبت الحرب بين بني جوشن وبين بني سهم بن مرة رهط عقيل بن علفة المري، وهو من بني غيظ بن مرة بن سهم بن مرة إخوتهم فاقتتلوا في أمر يهودي خمارٍ كان جاراً لهم، فقتلته بنو جوشنٍ من غطفان، وكانوا متقاربي المنازل وكان عقيل بن علفة بالشام غائباً عنها، فكتب إلى بني سهم يحرضهم .

فإما هـلـكـت ولـم آتـكـم

 

فأبلغ أماثـل سـهـمٍ رسـولا

بان التي سامـكـم قـومـكـم

 

لقد جعلوها علـيكـم عـدولا

هوان الحياة وضيم المـمـات

 

وكلاً أراه طـعـامـاً وبـيلا

فإن لم يكن غير أحـداهـمـا

 

فسيروا إلى الموت سيراً جميلاً

ولا تـقـعـدوا وبـكـم مـنة

 

كفى بالحوادث للمـرء غـولا

قال: فلما وردت الأبيات عليهم تكفل بالحرب الحصين بن الحمام المري أحد بني سهم، وقال: إلي كتب وبي نوة، خاطب أماثل سهم وأنا من أماثلهم. فأبلى في تلك الحروب بلاءً شديداً. وقال الحصين بن الحمام في ذلك من قصيدة طويلة له:

يطأن من القتلى ومن قصد القنا

 

خباراً فما ينهض إلا تقحـمـا

عليهن فتيان كساهم مـحـرق

 

وكان إذا يكسو أجاد وأكرمـا

صفائح بصرى أخلصتها قيونها

 

ومطرداً من نسج داود محكما

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجـد

 

لنفسي حياة مثل أن أتقـدمـا

نهب بنو جعفر إبلاً لجاره فردها إليه وقال شعراً في ذلك: وقال المدائني قال جراح بن عصام بن بجير: عدت بنو جعفر بن كلاب على جار لعقيل فأطردت إبله وضربوه، فغدا عقيل على جار لهم فضربه، وأخذ إبله فأطردها، فلم يردها حتى ردوا إبل جاره وقال في ذلك:

إن يشرق الكلبي فيكـم بـريقـه

 

بني جعفر يعجل لجاركم القتـل

فلا تحسبوا الإسلام غير بعـدكـم

 

رماح مواليكم فذاك بكم جـهـل

بني جعفر إن ترجعوا الحرب بيننا

 

ندنكم كما كنا ندينـكـم قـبـل

بدأتم بجاري فانثنيت بـجـاركـم

 

وما منهما إلا له عندنـا حـبـل

أسره بنو سلامان وأطلقه بنو القين: وذكر المدائني أيضاً: أن عقيلاً كان وحده في إبله، فمر به ناس من بني سلامان فأسروه، ومروا به في طريقه على ناس من بني القين، فانتزعوه منهم، وخلوا سبيله. فقال عقيل في ذلك:

أسعد هذيم إن سـعـداً أبـاكـم

 

أبى لا يوافي غاية القين من كلب

وجاء هذيم والركـاب مـنـاخة

 

فقيل تأخر يا هذيم على العجـب

فقال هذيم إن في العجب مركبي

 

ومركب آبائي وفي عجبها حسبي

قال: وسعد هذيم هم عذرة وسلامان والحارث وضبة .


مات ابنه علفة بالشام فرثاه: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو مسلم عن المدائني عن عبد الله الحميد بن أيوب بن محمد بن عميلة قال: مات علفة بن عقيل الأكبر بالشام، فنعاه مضرس بن سوادة لعقيل بأرض الجناب، فلم يصدقه وقال:

قبح الآله ولا أقبـح غـيره

 

ثفر الحمار مضرس بن سواد

تنعى امرأ لم يعل أمك مثله

 

كالسيف بين خضارمٍ أنجاد

ثم تحقق الخبر بعد ذلك، فقال يرثيه:

لعمري لقد جاءت قوافل خبـرت

 

بأمرٍ من الدنيا عـلـي ثـقـيل

وقالوا ألا تبكي لمصرع فـارس

 

نعته جنود الشام غـير ضـئيل

فأقسمت ألا أبكي على هلك هالك

 

أصاب سبيل الله خـير سـبـيل

كأن المنايا تبتغي فـي خـيارنـا

 

لها نسباً أو تـهـتـدي بـدلـيل

تحل المنايا حيث شاءت فإنـهـا

 

محللة بعد الفتى ابـن عـقـيل

فتىً كان مولاه يحـل بـربـوةٍ

 

محل الموالي بعده بـمـسـيل

حطم رجل من بني صرمة بيوته فأقبل ابنه عملس من الشام فانتقم له: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كان عقيل بن علفة قد أطرد بنيه، فتفرقوا في البلاد وبقي وحده. ثم إن رجلاً من بني صرمة، يقال له بجيل وكان كثير المال والماشية حطم بيوت عقيل بماشيته، ولم يكن قبل ذلك أحد يقرب من بيوت عقيل إلا لقي شراً. فطردت صافنة أمة له الماشية، فضربها بجيل بعصا كانت معه فشجها. فخرج إليه عقيل وحده وقد هرم يومئذ وكبرت سنه فزجره فضربه بجيل بعصاه، واحتقره، فجعل عقيل يصيح: يا علفة، يا عملس، يا فلان، يا فلان، بأسماء أولاده مستغيثاً بهم، وهو يحسبهم لهرمه أنهم معه. فقال له أرطأة بن سهية:

أكلت بنيك الضب حـتـى

 

وجدت مرارة الكلأ الوبيل

ولو كان الألى غابوا شهودا

 

منعت فناء بيتك من بجيل

وبلغ خبر عقيلٍ ابنه العملس وهو بالشام، فأقبل إلى أبيه حتى نزل إليه، ثم عمد إلى بجيل فضربه ضرباً مبرحاً، وعقر عدة من إبله وأوثقه بحبل، وجاء به يقوده حتى ألقاه بين يدي أبيه، ثم ركب راحلته، وعاد من وقته إلى الشام، لم يطعم لأبيه طعاماً، ولم يشرب شراباً .


خبر ابنه المقشعر مع أعرابي نزل: أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا ابن عائشة قال: نزل أعرابي على المقشعر بن عقيل بن علفة المري فشربا حتى سكرا وناما، فانتبه الأعرابي مروعاً في الليل وهو يهذي، فقال له المقتشعر: ما لك؟ قال: هذا ملك الموت يقبض روحي. فوثب ابن عقيل فقال: لا والله ولا كرامة ولا نعمة عينٍ له! أيقبض روحك وأنت ضيفي وجاري! فقال: بأبي أنتم وأمي! طال والله ما منعتم الضيم، وتلفف ونام .


تمت أخبار عقيل ولله الحمد والمنة .

 

قد مضت أخبار عقيلٍ فيما تقدم من الكتاب، ونذكرها هنا أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه، لأن المغنين خلطوا بعض شعر ببعض شعر عقيل في الغناء الماضي ذكره، ونعيد ها هنا من الغناء ما شعره لشبيبٍ خاصةً وهو: صوت من المائة المختارة:

سلا أم عمرو فيم أضحى أسيرها

 

تفادى الأسارى حوله وهو موثق

فلا هو مقتول ففي القتـل راحة

 

ولا منعم يوماً عليه فمطـلـق

ويروي:

ولا هو ممنون عليه فمطلق

الشعر لشبيب بن البرصاء، والغناء لدقاق جارية يحيى بن الربيع. رمل بالوسطى عن عمرو. وذكر حبش أن فيه رملاً آخر لطويس .