أخبار سويد بن كراع ونسبه

سويد بن كراع العكلي، أحد بني الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عكل. شاعر فارس مقدم من شعراء الدولة الأموية. وكان في آخر أيام جرير والفرزدق .


كان شاعراً محكماً، وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدم فيهم: وذكر محمد بن سلام في كتاب الطبقات فيما أخبرنا عنه أبو خليفة قال: كان سويد بن كراع شاعراً محكماً، وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدم فيهم، وعكل وضبة وعدي وتيم هم الرباب .
قال: وكان بعض بني عدي ضرب رجلاً من بني ضبة، ثم من بني السيد، وهم قوم نكد شرس ، وهم أخوال الفرزدق، فاجتمعوا حتى ألم أن يكون بينهم شر، فجاء رجل من بني عدي فأعطى يده رهينة لينظروا ما يصنع المضروب، فقال خالد بن علقمة بن الطيفان حليف بني عبد الله بن دارم:

أسالم إني لا إخالك سـالـمـا

 

أتيت بني السيد الغواة الأشائما

أسالم إن أفلت من شر هـذه

 

فوائل فراراً إنما كنت حالما

أسالم ما أعطى ابن مامة مثلها

 

ولا حاتم فيما بلا الناس حاتما

قال شعراً يرد به على خالد بن علقمة: فقال سويد بن كراع يجيبه عن ذلك:

أشاعر عبد الله إن كنـت لائمـا

 

فإني لما تأتي مـن الأمـر لائم

تحضض أفناء الرباب سـفـاهةً

 

وعرضك موفور وليلـك نـائم

وهل عجب أن تدرك السيد وترها

 

وتصبر للحق السـراة الأكـارم

رأيتك لم تمنع طهية حكـمـهـا

 

وأعطيت يربوعاً وأنفك راغـم

وأنت امرؤ لا تقبل النصح طائعا

 

ولكن متى تقهـر فـإنـك رائم

ووجدت هذا الخبر في رواية أبي عمرو الشيباني أتم منه ها هنا وأوضح فذكرته؛ قال: كان بين السيد بن مالك، من ضبة، وبين بني عدي بن عبد مناة ترامٍ على خبراء بالصمان يقال لها ذات الزجاج، فرمي عمرو بن حشفة أخو بني شييم فمات، ورمت بنو السيد رجلاً منهم يقال له مدلج بن صخر العدوي فمكث أياماً لم يمت، فمر رجل من بني عدي يقال له معللٍ على بني السيد وهو لا يعلم الخبر، فأخذوه فشدوه وثاقاً فأفلت منهم، ومشى بينهم عصمة بن أبير التيمي سفيراً، فقال لسالم بن فلان العدوي: لو رهنتهم نسفك فإن مات مدلج كان رجل برجلٍ، وإن لم يمت حملت دية صاحبهم، ففعل ذلك سالم على أن يكون عند أخثم بن حميري أخي بني شييم من بني السيد، فكان عنده. ثم إن بني السيد لما أبطأ عليهم موت مدلج أتوا أخثم لينتزعوا منه سالماً ويقتلوه، ففوض عليه أخثم بيته ثم قال: يا آل أمي وكانت أمه من بني عبد مناة بن بكر فمنعه عبد مناة. ثم إن بني عبد السيد قالوا لأخثم: إلى كم تمنع هذا الرجل! أما الدية فوالله لا نقبلها أبداً. فجعل لهم أجلاً إن لم يمت مدلج فيه دفع إليهم سالماً فقتلوه به. فلما كان قبل ذلك الأجل بيوم مات مدلج، فقتلوا سالماً، فقال في ذلك خالد بن علقمة أخو بني عبد الله بن دارم، وهو ابن الطيفان:

أسالم ما منتك نفسك بـعـدمـا

 

أتيت بني السيد الغواة الأشائما ؟

أسالم قد منتك نفـسـك أنـمـا

 

تكون ديات ثم ترجع سالـمـا

كذبت ولكن ثائر مـتـبـسـل

 

يلقيك مصقول الحديدة صارمـا

أسالم ما أعطى ابن مامة مثلهـا

 

ولا حاتم فيما بلا الناس حاتمـا

أسالم إن أفلت مـن شـر هـذه

 

فوائل فرارا إنما كنت حالـمـا

وقد أسلمت تيم عديا فأربـعـت

 

ودلت لأسباب المنية سـالـمـا

فأجابه سويد بن كراع بالأبيات التي ذكرها ابن سلام، وزاد فيها أبو عمرو:

دعوتكم إلى أمر النواكة دارمـا

 

فقد تركتكـم والـنـوكة دارم

وكنت كذات البو شرمت استهـا

 

فطابقت لما خرمتك الغـمـائم

فلو كنت مولى مسلت ما تجللت

 

به ضبع في ملتقى القوم واحم

ولم يدرك المقتول إلا مـجـره

 

وما أسأرت منه النسور القشاعم

عليك ابن عوف لا تدعه فإنمـا

 

كفاك موالينا الذي جر سـالـم

أتذكر أقواماً كفوك شـئونـهـم

 

وشأنك إلا تركه مـتـفـاقـم

قال: وقال سويد بن كراع في ذلك:

أرى آل يربوعٍ وأفـنـاه مـالـكٍ

 

أعضوك في الحرب الحديد المنقبا

هم رفعوا فأس اللجام فـأدركـت

 

لهاتك حتى لم تدع لك مشـربـا

فإن عدت عادوا بالتي ليس فوقهـا

 

من الشر إلا أن تبيت محـجـبـا

وتصبح تدرى الكعكبـية قـاعـدا

 

وينتف من ليتيك ما كان أزغـبـا

تدرى: تمشط بالمدرى كما يفعل بالنساء والكعكبية: مشطة معروفة

فهل سألوا فينا سواء الذي لهم

 

وهل نحن أعطينا سواه فتعجبا

ويروى:

فهل سألونا خصلة غير حقهم

وهو أجود .

استعدت بنو عبد الله سعيد بن عثمان عليه: قال: فاستعدت بنو عبد الله سعيد بن عثمان بن عفان على سويد بن كراع في هجائه إياهم، فطلبه ليضربه ويحبسه، فهرب منه، ولم يزل متوارياً حتى كلم فيه، فأمنه على ألا يعاود، فقال سويد بن كراع:

تقول ابنة العوفي ليلـى ألا تـرى

 

إلى ابن كراعٍ لا يزال مفـزعـا

مخافة هذين الأمـيرين سـهـدت

 

رقادي وغشتني بياضاً تفـرعـا

على غير جرم غير أن جار ظالم

 

علي فجهزت القصيد المفـرعـا

وقد هابني الأقوام لما رمـيتـهـم

 

بفاقرةٍ إن هـم أن يتـشـجـعـا

أبيت بأبواب القوافـي كـأنـمـا

 

أصادي بها سرباً من الوحش نزعا

أكالئها حتـى أعـرس بـعـدمـا

 

يكون سحير أو بعيد فأهـجـعـا

فجشمني خوف ابن عثمان ردهـاً

 

ورعيتها صيفاً جديداً أو مربـعـا

نهاني ابن عثمان الإمام وقد مضت

 

نوافذ لو تردي الصفا لتصـدعـا

عوارق ما يتركن لحماً بعظـمـه

 

ولا عظم لحم دون أن يتمـزعـا

أحقاً هداك الله أن جـار ظـالـم

 

فأنكر مظلوم بأن يؤخـذا مـعـا

وأنت ابن حكام أقاموا وقـومـوا

 

قروناً وأعطوا نائلاً غير أقطعـا

انتجع بقومه أرض بني تميم: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال: انتجع سويد بن كراع بقومه أرض بني تميم، فجاور بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، فأنزله بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن أنف الناقة بن قريع وأرعاه، ووصله وكساه. فلم يزل مقيماً فيهم حتى أحيا ، ثم ودعهم وأتى بغيضاً وهو في نادي قومه وقد مدحه فأنشده قوله .


قال حماد: ومن لا يعلم يروي هذه القصيدة للحطيئة لكثرة مدحه بغيضاً، وهي لسويد بن كراع:

ارتعت للـزور إذ حـيا وأرقـنـي

 

ولم يكن دانـياً مـنـا ولا صـددا

ودونه سبسب تنضى المـطـي بـه

 

حتى ترى العنس تلقي رحلها الأجدا

إذا ذكرت فاضت عبـرتـي درراً

 

وكاد مكتوم قلبي يصدع الـكـبـدا

وذاك مني هوى قد كان أضـمـره

 

فلبي فما ازداد من نقص ولا نفـدا

وقد أرانا وحال النـاس صـالـحة

 

نحتل مربـوعةً أدمـان أو بـردى

ليت الشباب وذاك العصر راجعنـا

 

فلم نزل كالـذي كـنـا بـه أبـدا

أيام أعلم كم أعمـلـت نـحـوكـم

 

من عرمسٍ عاقدٍ لم ترأمٍ الـولـدا

تصيخ عند السرى في البيد سامـيةً

 

سطعاء تنهض في ميتائها صعـدا

كأن رحلي على حمـشٍ قـوائمـه

 

برمل عرنان أمسى طـاويا وحـدا

هاجت عليه من الجـوزاء سـارية

 

وطفاء تحمل جوناً مردفاً نـضـدا

فألجـأتـه إلـى أرطـأة عـانـكةٍ

 

فيحاء ينهال منها ترب ما التـبـدا

تخال عطفيه من جول الـرذاذ بـه

 

منـظـمـاً بـيدي داريةٍ فــردا

حتى إذا ما انجلت عنـه دجـنـتـه

 

وكشف الصبح عنه الليل فاطـردا

غدا كذي التاج حـلـتـه أسـاورة

 

كأنما اجتاب في حر الضحى سنـدا

وهي طويلة اختصرتها، يقول فيها:

لا يبعد الله إذ ودعـت أرضـهـم

 

أخي بغيضاً ولكن غـيره بـعـدا

لا يبعد الله من يعطي الجزيل ومن

 

يحبو الخليل وما أكدى وما صلـدا

ومن تلاقيه بالمعروف معـتـرفـا

 

إذا اجرهد صفا المذموم أو صلـدا

لاقيته مفضلا تـنـدى أنـامـلـه

 

إن يعطيك اليوم لا يمنعك ذاك غدا

تجيء عفواً إذا جاءت عـطـيتـه

 

ولا تخالط تـرنـيقـاً ولا زهـدا

أولاه بالمفخر الأعلى وأعظـمـه

 

خلقاً وأوسعه خيراً ومـنـتـفـدا

إذا تكـلـف أقـوام صـنـائعـه

 

لاقوا ولم يظلموا من دونها صعدا

بحر إذا نكس الأقوام أو ضجـروا

 

لاقـيت خـير يديه دائمـاً رغـدا

لا يحسب المدح خدعا حين تمدحـه

 

ولا يرى البخل منهـاةً لـه أبـدا

إني لرافده ودي ومـنـصـرتـي

 

وحافظ غيبه إن غاب أو شـهـدا

صوت:

حنتني حانيات الدهر حتى

 

كأني خاتل يدنو لصـيد

قريب الخطو يحسب من رآني

 

ولست مقـيداً أنـي بـقـيد

عروضه من الوافر، الخاتل: الذي يتقتر للصيد وينحني حتى لا يرى. ويقال لكل من أراد خداع صيدٍ أو إنسانٍ: ختله، ورى أمره فلم يظهره. ومن رواه: كأني حابل فإنه يعني الذي ينصب حبالةً للصيد. الشعر لأبي الطمحان القيني. والغناء لإبراهيم ماخوري وهو خفيف الثقيل الثاني بالوسطى. وذكر ابن حبيب أن هذا الشعر للمسجاح بن سباع الضبي، فإن كان ذلك على ما قال فلأبي الطمحان مما يغنى فيه من شعره ولا يشك فيه أنه له قوله: صوت:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههـم

 

دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

الغناء لعريب ثاني ثقيل وخفيف رمل، وذكر ابن المعتز أن خفيف الرمل لها، وأن الثقيل الثاني لغيرها.