أخبار العجير السلولي ونسبه

هو - فيما ذكر محمد بن سلام - العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد الله بن سلول. ونسخت نسبه من نسخة عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب قال: هو العجير بن عبيد الله بن كعب عبيدة بن جابر بن عمر بن سلول بن مرة بن صعصعة، أخي عامر بن صعصعة، شاعر مقل إسلامي من شعراء الدولة الأموية. وجعله محمد بن سلام في طبقة أبي زبيد الطائي، وهي الخامسة من طبقات شعراء الإسلام.
أخبرني أبو خليفة في كتابه إلي قال: حدثنا محمد بن سلام الجمحي، قال: حدثنا أبو الغراف قال: كان العجير السلولي دل عبد الملك بن مروان على ماء يقال له مطلوب ، وكان لناس من خثعم، فأنشأ يقول:

لا نوم إلا غرار العين ساهـرة

 

إن لم أروع بغيظ أهل مطلوب

أن تشتموني فقد بدلت أيكتـكـم

 

ذرق الدجاج بحفان اليعاقـيب

وكنت أخبركم أن سوف يعمرها

 

بنو أمية وعداً غير مـكـذوب

قال: فركب رجل من خثعهم يقال أمية إلى عبد الملك حتى دخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين، إنما أراد العجير أن يصل إليك وهو شويعر سآل . وحربه عليه. فكتب إلى عامله بأن يشد يدي العجير إلى عنقه ثم يبعثه في الحديد. فبلغ العجير الجبر فركب في الليل حتى أتى عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين، أنا عندك فاحتبسني وابعث من يبصر الأرضين والضياع، فإن لم يكن الأمر على ما أخبرتك فلك دمي حل وبل، فبعث فاتخذ ذلك الماء، فهو اليوم من خيار ضياع بني أمية.

نافع الكناني يطلبه ليقيم الحد عليه

نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال: هجا العجير قوماً من بني حنيفة وشتمهم، فأقاموا عليه البينة عند نافع بن علقمة الكناني، فأمرهم بطلبه وإحضاره ليقيم عليه الحد وقال لهم: إن وجدتموه أنتم فأقيموا عليه الحد وليكن ذلك في ملأ يشهدون به لئلا يدعي عليكم تجاوز الحق. فهرب العجير منهم ليلاً حتى أتى نافع بن علقمة، فوقف له متنكراً حتى خرج من المسجد، ثم تعلق بثوبه وقال:

إليك سبقنا السوط والسجن، تحتنا

 

حيال يسامين الظلال ولـقـح

إلى نافع لا نرتجي ما أصابنـا

 

تحوم علينا السانحات وتبـرح

فإن أك مجلوداً فكن أنت جالدي

 

وإن أك مذبوحاً فكن أنت تذبح

فسأله عن المطر وكيف كان أثره، فقال له:

يا نافع يا أكرم البـريه

 

والله لا أكذبك العشية

إنا لقينا سـنة قـسـيَّه

 

ثم مطرنا مطرة روية

فنبت البقل ولا رعية

 

 

- يعني أن المواشي هلكت قبل نبات البقل- فقال له: آنج بنفسك فإني سأرضي خصومك، ثم بعث إليهم فسألهم الصفح عن حقهم وضمن لهم أن لا يعاود هجاءهم.


أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمر بن إبراهيم السعدي عن عباس بن عبد الصمد السعدي قال: قال هشام بن عبد الملك للعجير السلولي: أصدقت فيما قلته لابن عمك؟ قال نعم يا أمير المؤمنين، إلا أني قلت:

فتى قد قد السيف لا متضائل

 

ولا رهل لباتـه وبـآدلـه

هذا البيت يروى لأخت يزيد بن الطثرية ترثيه به

جميل إذا استقبلته مـن أمـامـه

 

وإن هو ولى أشعث الرأس جافله

طويل سطي الساعـدين عـذور

 

على الحي حتى تستقل مراجلـه

ترى جـارزيه يرعـدان ونـاره

 

عليها عداميل الهشيم وصامـلـه

يجران ثنياً خيرها عظـم جـاره

 

على عينه لم تعد عنها مشاغلـه

تركنا أبا الأضياف في كل شتـوه

 

بمر ومردى كل خصم يجـادلـه

مقيماً سلبناه دريسـي مـفـاضة

 

وأبيض هندياً طوالاً إلا حمائلـه

فقال هشام: هلك والله الرجل.
ونسخت من كتاب ابن حبيب قال ابن الأعرابي: اصطحب العجير وشاعر من خزاعة إلى المدينة فقصد الخزاعي الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام، وقصد العجير رجلاً من بني عامر بن صعصعة كان قد نال سلطاناً، فأعطى الحسن بن الحسن الخزاعي وكساه ولم يعط العامري العجير شيئاً، فقال العجير:

يا ليتني يوم حزمت القلـوص لـه

 

يممتها هاشمـياً غـير مـمـذوق

محض النجار من البيت الذي جعلت

 

فيه النبوة يجري غير مـسـبـوق

لا يمسك الخـير إلا ريث يسـألـه

 

ولا يلاطم عند اللحم في الـسـوق

فبلغت أبياته الحسن، فبعث إليه بصلة إلى محلة قومه وقال له: قد أتاك حظك وإن لم تتصد له.

العجير يشرب حتى ينتشي

فيأمر بنحر حمله ويقول شعراً

أخبرني أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا محمد بن الحسن بن دينار الأحوال قال: حدثني بعض الرواة أن العجير بن عبد الله السلولي مر بقوم يشربون فسقوه فلما انتشى قال: انحروا جملي وأطعمونا منه. فنحروا وجعلوا يطعمونه ويسقونه ويغنونه بشعر قال يومئذٍ، وهو:

عللاني إنما الدنـيا عـلـل

 

واسقياني عللاً بعد نـهـل

وانشلا ما اغبر من قدريكما

 

وأصبحاني أبعد الله الجمـل

أصحب الصاحب ما صاحبني

 

وأكف اللوم عنه والـعـذل

وإذا أتلـف شـيئاً لـم أقـل

 

أبداً يا صاح ما كان فـعـل

قال: فلما صحا سأل عن جمله فقيل له: نحرته البارحة. فجعل يبكي ويصيح: واغربتاه! وهم يضحكون منه. ثم وهبوا له بعيراً فارتحله وانصرف إلى أهله.


ندمه على ذلك بعد صحوه وارتحاله على بعير وهب له أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: حج العجير السلولي فنظر إلى امرأته وكان قد حج بها معه وهي تلحظ فتى من بعد وتكلمه فقال فيها:

أيا رب لا تغفر لعثمة ذنبـهـا

 

وإن لم يعاقبها العجير فعاقـب

أشارت وعقد الله بيني وبينـهـا

 

إلى راكب من دونه ألف راكب

حرام عليك الحج لا تقـربـنـه

 

إذا حان حج الملمسات التوائب

العجير يكل زواجه ابنته إلى خالها

ثم يطلقها من المولى بعد قدومه

وقال ابن الأعرابي: غاب العجير غيبة إلى الشآم، وجعل أمر ابنته إلى خالها، وأمره أن يزوجها بكفْ. فخطبها مولى لبني هلال كان ذا مال، فرغبت أمها فيه وأمرت خال الصبية الموصى إليه بأمرها أن يزوجها ففعل. فلاذت الجارية بأخيها الفرزدق بن العجير، وبرجال من قومها، وبابن عم لها يقال له قيل، فمنعوا جميعاً منها سوى ابن عمها القيل فإنه ساعد أمها على ما أردت، ومنع منها الفرزدق. فلما قدم العجير أخبر بما جرى ففسخ النكاح وخلع ابنته من المولى وقال:

ألا هل لبعجان الهلالي زاجـر

 

وبعجان مأدوم الطعام سـمـين

أليس أمير المؤمنين ابن عمهـا

 

وبالحنو آسـاد لـهـا وعـرين

وعاذت بحقوى عامر وابن عامر

 

ولله قد بـتـت عـلـي يمـين

تنالونها أو يخضب الأرض منكم

 

دم خرّ عنه حاجـب وجـبـين

وقال أيضاً في ذلك:

إذا ما أتيت الخاضبات أكـفـهـا

 

عليهن مقصور الحجال المـروق

فلا تدعون القيل إلا لـمـشـرب

 

رواء ولكن الشجاع الـفـرزدق

هو ابن لبيضاء الجبين نـجـبـية

 

تلقت بطهر لم يجيء وهو أحمق

تداعى إليه أكرم الحـي نـسـوة

 

أطفن بكسري بيتها حين تطلـق

فجاءت بعـريان الـيدين كـأنـه

 

من الطير باز ينفض الطل أزرق

قول العجير في رفيق

وقال ابن الأعرابي: كان للعجير رفيق يقال له أصبح، وكانا يصيبان الطريق، وفيه يقول العجير:

ومنخرق عن منكبـيه قـمـيصـه

 

وعن ساعديه، للأخـلاء وواصـل

إذا طال بالقوم المطـافـى تـنـوفة

 

وطول السرى ألفيته غـير نـاكـل

دعوت وقد دب الكرى في عظامـه

 

وفي رأسه حتى جرى في المفاصل

كما دب صافي الخمر في مخ شارب

 

يميل بعطفيه، عن الـلـب ذاهـل

فلبى ليثنينـي بـثـنـيي لـسـانـه

 

ثقيلين من نوم غلوب الـغـياطـل

فقلت له قم فارتحل ليس ها هـنـا

 

سوى وقفة الساري مناخ لـنـازل

فقام اهتزاز الرمح يسرو قمـيصـه

 

ويحسر عن عاري الذراعيين ناحـل

وقال ابن الأعرابي: كانت للعجير امرأة يقال لها أم خالد، فأسرع في ماله فأتلفه وكان جواداً، ثم جعل يدان حتى أثقل بالدين ومد يده إلى مالها، فمنعته منه وعاتبته على فعله، فقال في ذلك:

تقول وقد غالبـتـهـا أم خـالـد

 

على مالها أغرقت دينا فأقـصـر

أبي القصر من يأوي إذا الليل جنني

 

إلى ضوء ناري من فقير ومقتـر

أيا موقدي ناري ارفعاها لعلـهـا

 

تشب لمقو آخر اللـيل مـقـفـر

أمن راكب أمسى بظهر تـنـوفة

 

أواريك أم من جاري المتنـظـر

ولا قدر دون الـجـار إلا ذمـيمة

 

وهذا المقاسي ليلة ذات منـكـر

تكاد الصبا تبـتـزه مـن ثـيابـه

 

على الرجل إلا من قميص ومئزر

وماذا علينا أن يخالس ضـوءهـا

 

كريم ثناه شاحب المـتـحـسـر

- المتحسر: ما انكشف وتجرد من جسمه-

فيخبر عما قليل ولو خلـت

 

له القدر لم نعجب ولم نتخبر

صوت

سلي الطارق المعتريا أم مالـك

 

إذا ما أتاني بين قدري ومجزري

أأبسط وجهي أنه أول الـقـرى

 

وأبذل معروفي له دون منكرى

فلا قصر حتى يفرح الغيث من أوى

 

إلى جنب رحلي كل أشعث أغبـر

أقي العرض بالمال التلاد وما عسى

 

أخوك إذا ما ضيع العرض يشترى

يؤدي إلي النـيل قـنـيان مـاجـد

 

كريم ومالي سارحاً مال مـقـتـر

- القنيان : ما اقتنى من المال. إنه لبذله القرى كأنه موسر، وإذا سرح ماله علم أنه مقتر -

إذا مت يوماً فاحضري أم خالد

 

تراثك من طرف وسيف وأقدر

قال ابن حبيب: من الناس من يروي هذه الأبيات الأخيرة التي أولها:

سلي الطارق المعتر يا أم مالك

لعروة بن الورد، وهي للعجير.

العجير يفد على عبد الملك

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام بن محمد قال: وفد العجير السلولي- وسلول بنو مرة بن صعصعة- على عبد الملك بن مروان، فأقام ببابه شهراً لا يصل إليه لشغل عرض لعبد الملك، ثم وصل فلما مثل بين يديه أنشد:

ألا تلك أم الهبرزي تـبـينـت

 

عظامي ومنها ناحل وكـسـير

وقالت تضاءلت الغداة ومن يكن

 

فتى قبل عام الماء فهو كبـير

فقلت لها إن العجير تقـلـبـت

 

به أبطن أبلـينـه وظـهـور

فمنهن إدلاجي على كل كوكـب

 

له من عماني النجوم نـظـير

وقرعي بكفي باب ملك كأنمـا

 

به القوم يرجون الأذين نسـور

ويوم تبارى ألسن القوم فـيهـم

 

وللموت أرحاء بـهـن تـدور

لو أن الجبال الصم يسمعن وقعها

 

لعدن وقد بانت بهن فـطـور

فرحت جواداً والجواد مثـابـر

 

على جريه، ذو عـلة ويسـير

عطاء عبد الملك له لطول مقامه فقال له: يا عجير ما مدحت إلا نفسك، ولكنا نعطيك لطول مقامك. وأمر له بمائة من الإبل يعطاها من صدقات بني عامر، فكتب له بها.


أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا محمد بن سعد الكراني قال: حدثنا العمري عن العتبي قال: نظر أبي إلى فتى من بني العباس يسحب مطرف خز عليه وهو سكران- وكان فتى متهتكاً- فحرك رأسه ملياً ثم قال: لله در العجير السلولي حيث يقول:

وما لبس النـاس مـن حـلة

 

جديد ولا خـلـقـاً يرتـدى

كمثل المـروءة لـلابـسـين

 

فدعني من المطرف المستدى

فليس بغير فضـل الـكـريم

 

خلوقة أثـوابـه والـبـلـى

وليس يغير طـبـع الـلـئيم

 

مطارف خز رقاق السـدى

يجود الكريم على كـل حـال

 

ويكبو اللـئيم إذا مـا جـرى

قوله في ابنه الفرزدق

أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهروية قال: حدثني أبو القاسم اللهبي عن أبي عبيدة قال: كان العجير السلولي له ابن يقال له الفرزدق، وفيه يقول العجير:

ولقد وضعتك غير متـرك

 

من جابر في بيتها الضخم

واخترت أمك من نسائهـم

 

وأبوك كل عذور شـهـم

فلئن كذبت المنح من مائة

 

فلتقبلـن بـسـائغ وخـم

إن الندى والفضل غايتنـا

 

ونجاتنا وطريق من يحمي

أخبرني عمي قال: حدثنا الكراني قال: قال الحرمازي: وقف العجير السلولي لبعض الأمراء، وقد علق به غريم له من أهله فقال له:

أتيتك إن الباهلي يسوقـنـي

 

بدين ومطلوب الديون رقيق

ثلاثتنا إن يسر اللـه: فـائر

 

بأجر، ومعطى حقه، وعتيق

فأمر بقضاء دينه.

بنت عمه تختار العامري عليه

وقال ابن الأعرابي: كانت للعجير عم وكان يهواها وتهواه، فخطبها إلى أبيها فوعده وقاربه . ثم خطبها رجل من بني عامر موسر، فخيرها أبوها بينه وبين العجير، فختارت العامري ليساره، فقال العجير في ذلك:

ألما على دار لـزينـب قـد أتـى

 

لها بلوى ذي المرخ صيف ومربع

وقولا لها قد طالما لم تكـلـمـي

 

وراعاك بالعين الفؤاد الـمـروع

وقولا لها قال العجير وخصـنـي

 

إليك، وإرسال الخليلـين ينـفـع

أأنت التي استودعتك السر فانتحـى

 

لي الخون مراح من القوم أفـرغ

إذا مت كان الناس نصفين: شامت

 

ومئن بما قد كنت أسدي وأصنع

ومستلحم قد صكه القـوم صـكة

 

بعيد الموالي نيل ما كان يمنـع

رددت له ما أفرط القتل بالضحى

 

وبالأمس حتى اقتاله فهو أصلع

ولست بمولاه ولا بابـن عـمـه

 

ولكن متى ما أملك النفع أنفـع

قال ابن الأعرابي: كان العجير يتحدث إلى امرأة من بني عامر يقال لها جمل فألفها وعلقها. ثم انتجع أهلها نواحي نصيبين، فتتبعتها نفسه، فسار إليهم فيهم مجاوراً ، ثم رأوه منازلاً ملازماً محادثة تلك المرأة فنهوه عنها وقالوا: قد رأينا أمرك فإما أن انقطعت عنها أو ارتحلت عنّا، أو فأذن بحرب . فقال: ما بيني وبينها ما ينكر، وإنما كنت أتحدث إليها كما يتحدث الرجل الكريم إلى المرأة الحرة الكريمة، فأما الريبة فحاش لله منها. ثم عاود محادثتها، فانتهبوا ماله وطردوه. فأتى محمد بن مروان بن الحكم وهو يومئذٍ يتولى الجزيرة لأخيه عبد الملك بن مروان، فأتاه مستعدياً على بني عامر وعلى الذي أخذ ماله خصوصية ، وهو رجل من بني كلاب يقال له ابن الحسام، وأنشده قوله:

عفا يافع من أهله فـطـلـوب

 

وأقفر لو كان الـفـؤاد يثـوب

وقفت بها من بعد ما حل أهلهـا

 

نصيبين والراقي الدموع طبـيب

وقد لاح معروف القتير وقد بدت

 

بك اليوم من ريب الزمان ندوب

وسالمت روحات المطي وأحمدت

 

مناسم منها تشتكي وصـلـوب

وما القلب أم ما ذكره أم صبـية

 

أريكة منها مسكـن فـهـروب

حصان الحميا حرة حال دونـهـا

 

حليل لها شاكي السلاح غضوب

شموس، دنو الفرقدين اقترابهـا،

 

لغي مقاريف الرجال سـبـوب

أحقاً عباد الله أن لست نـاظـراً

 

إلى وجهها إلا عـلـيّ رقـيب

عدتني العدا عنها بعيد تسـاعـف

 

وما أرتجي منها إلـيّ قـريب

لقد أحسنت جمل لو أن تبيعـهـا

 

إذا ما أرادت أن تـثـيب يثـيب

تصدين حتى يذهب اليأس بالمنى

 

وحتى تكاد النفس عنك تطـيب

- هذا البيت يروي لابن الدمينة، وهو بشعره أشبه، ولا يشاكل أيضاً هذا المعنى ولا هو من طريقه، لأنه تشكى في سائر الشعر قومها دونها، وهذا بيت يصف فيه الصد منها، ولكن هكذا هو في رواية ابن الأعرابي-

وأنت المنى لو كنت تستأنفـينـنـا

 

بخير ولكن مـعـتـفـاك جـديب

أيؤكل مالي وابن مـروان شـاهـد

 

ولم يقض لي وابن الحسام قـريب

فتىً محض أطراف العروق مساور

 

جبال العلا طلق الـيدين وهـوب

فأمر محمد بن مروان بإحضار ابن الحسام الكلابي فأحضر، فحبسه حتى رد مال العجير، وأمر العجير بالانصراف إلى حيه وترك النزول على المرأة أو في قومها. قال: وقال العجير فيها أيضاً:

هاتيك جمل بأرض لا يقربـهـا

 

إلا هبل من العيدي معـتـقـد

ودونها معشر خزر عـيونـهـم

 

لو تخمد النار من حر لما خمدوا

عدوا علينا ذنوباً في زيارتـهـا

 

ليحجبوها وفي أخلاقهم نـكـد

وحال من دونها شكس خلائقـه

 

كأنه نمر في جـلـده الـربـد

فليس إلا عويل كلـمـا ذكـرت

 

أو زفرة طالما أنّت بها الكبـد

وتيمتني جمل فاستـمـر بـهـا

 

شحط من الدار لاأم ولا صـدد

قالوا غداة استقلت: ما لمقلـتـه

 

أمن قذى هملت أم عارها رمد

فقلت لا بل غدت سلمى لطيتهـا

 

فليتهم مثل وجدي بكرة وجـدوا

إن كان وصلك أبلى الدهر جدته

 

وكل شيء جديد هالـك نـفـد

فقد أراني ووجدي إذ تفارقنـي

 

يوماً كوجد عجوز درعها قـدد

تبكي على بطل حمّت منـيتـه

 

وكان واتر أعداء به ابـتـردوا

وقد خلا زمن لو تصرمين لـه

 

وصلي لأيقنت أني ميت كمـد

أزمان تعجبني جمل واكتـمـه

 

جملاً حياء، وما وجد كما أجـد

فقد برئت على أنـي إذا ذكـرت

 

ينهل دمعي وتحيا غـصة تـلـد

من عهد سلمى التي هام الفؤاد بها

 

أزمان أزمان سلمى طفـلة رؤد

قد قلت للكاشح المبدي عـدواتـه

 

قد طالما كان منك الغش والحسد

ألا تبين لي لا زلت تبغـضـنـي

 

حتّام أنت إذا ما ساعفت ضمـد

وصية عبد الملك لمؤدب ولده

أن يرويهم مثل قول العجير

وقال ابن حبيب: قال عبد الملك لمؤدب ولده: إذا رويتهم شعراً فلا تروهم إلا مثل قول العجير السلولي:

يبين الجار حين يبين عـنـي

 

ولم تأنس إلي كلاب جاري

وتظعن جارتي من جنب بيتي

 

ولم تستر بستر من جـداري

وتأمن أن أطالع حـين آتـي

 

عليها وهي واضعة الخمار

كذلك هدي أبـائي قـديمـاً

 

توارثه النجار عن النجـار

فهديي هديهم وهم افتلونـي

 

كما افتلي العتيق من المهار

وقال ابن حبيب أيضاً: نزل العجير بقوم فأكرموه وأطعموه وسقوه، فلما سكر قام إلى جمله فعقرة، وأخرج كبده وجب سنامه، فجعل يشوى ويأكل ويطعم ويغني:

عللاني إنما الدنـيا عـلـل

 

واسسقياني عللا بعد نهـل

وانشلا لي اللحم من قدريكما

 

واصبحاني أبعد الله الجمل

فلما أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به، فجعل يبكي ويصيح: واغربتاه! وهم يضحكون منه. ثم أعطوه جملاً وزودوه، فانصرف حتى لحق بقومه.


أخبرني عمي بهذا الخبر قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال: حدثني أبي عن عمه فقال فيه: مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذاً لهم فشرب معهم، وذكر باقي القصة نحواً مما ذكر ابن حبيب، ولم يقل فيها: - فلما أصبح جعل يبكي ويصيح: واغربتاه!- ولكنه قال: فلما أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان بعيره.


سليمان ويأمر له بثلاثين ألفاً أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا الله بن أبي سعد قال: حدثني الحكم بن موسى بن الحسين السلولي قال: حدثني أبي عن عمه قال: عرض العجير لسليمان بن عبد الله في الطواف، وعلى العجير بردان يساويان مائة وخمسين ديناراً، فانقطع شسع نعله فأخذها بيده، ثم هتف بسليمان فقال:

ودليت دلوي في دلاء كثيرة

 

إليك فكان الماء ريان معلما

فوقف سليمان ثم قال: الله دره ما أفصحه، والله ما رضي أن قال ريان حتى قال معلماً، والله إنه ليخيل إلي أنه العجير، وما رأيته قط إلا عند عبد الملك. فقيل له: هو العجير. فأرسل إليه: أن صر إلينا إذا حللنا. فصار إليه، فأمر له بثلاثين ألفاً وبصدقات قومه، فردها العجير عليهم ووهبها لهم.

رثاء العجير لابن عمه

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثني هرون بن موسى الفروي قال: كان ابن عم للعجير السلولي إذا سمع بأضياف عند العجير لم يدعهم حتى يأتي بجزور كوماء ، فيطعن في لبتها عند بيته، فيبيتون في شواء وقدير ، ثم مات قال العجير يرثيه:

تركنا أبا الأضياف في ليلة الصبا

 

بمر ومردي كل خصم يجادلـه

وأرعيه سمعي كلما ذكر الأسـى

 

وفي الصدر مني لوعة ما تزايله

وكنت أعير الدمع قبلك من بكى

 

فأنت على من مات بعدك شاغله

هكذا ذكر هرون بن موسى في هذا الخبر، والبيت الثالث من هذه البيات للشمردل بن شريك لا يشك فيه، من قصيدة له طويلة. فيه غناء قد ذكرته في أخباره.

صوت

فتاة كأن رضاب العبير

 

بفيها يعل به الزنجبيل

قتلت أباها على حبهـا

 

فتبخل إن بخلت أو تنيل

الشعر لخزيمة بن نهد، والغناء لطويس. خفيف رمل بالبنصر عن يحيى المكي.