أخبار ديك الجين ونسبه

ديك الجن لقبٌ غلب عليه، واسمه عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم. وكان جده تميم ممن أنعم الله عز وجل عليه بالإسلام من أهل مؤتة على يدي حبيب بن مسلمة الفهري، وكان شديد التشعب والعصبية على العرب، يقول: ما للعرب علينا فضل، جمعتنا وإياهم ولادة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأسلمنا كما أسلموا، ومن قتل منهم رجلاً منا قتل به، ولم نجد الله عز وجل فضلهم علينا، إذ جمعنا الدين.


وهو شاعرٌ مجيدٌ يذهب مذهب أبي تمام والشاميين في شعره. من شعراء الدولة العباسية. وكان من ساكني حمص، ولم يبرح نواحي الشأم، ولا وفد إلى العراق ولا إلى غيره منتجعاً بشعره، ولا متصدياً لأحد. وكان يتشيع تشيعاً حسناً، وله مراثٍ كثيرةٌ في الحسين بن علي عليهما السلام منها قوله:

ياعين لا للقضا ولا الكـتـب

 

بكا الرزايا سوى بكا الطرب

وهي مشهورة عند الخاص والعام، ويناح بها. وله عدة أشعار في هذا المعنى، وكانت له جاريةٌ يهواها، فاتهمها بغلامٍ له فقتلها، واستنفد شعره بعد ذلك في مراثيها.


قال أبو الفرج: ونسخت خبره في ذلك من كتاب محمد بن طاهر، أخبره بما فيه ابن أخ لديك الجن يقال له أبو وهب الحمصي قال: كان عمي خليعاً ماجناً معتكفاً على القصف واللهو، متلافاً لما ورث عن آبائه، واكتسب بشعره من أحمد وجعفر ابني علي الهاشميين، وكان له ابن عم يكنى أبا الطيب يعظه وينهاه عما يفعله، ويحول بينه وبين ما يؤثره ويركبه من لذاته وربما هجم عليه وعنده قومٌ من السفهاء والمجان وأهل الخلاعة، فيستخف بهم وبه. فلما كثر ذلك على عبد السلام قال فيه:

مولاتنا يا غلام مـبـتـكـره

 

فباكر الكأس لي بلا نـظـره

غدت على اللهو والمجون على

 

أن الفتاة الحيية الـخـفـره

لحبها لا عدمـتـهـا حـرقٌ

 

مطويةٌ في الحشا ومنتشـره

ما ذقت منها سوى مقبـلـهـا

 

وضم تلك الفروع منـحـدره

وانتهرتني فمـت مـن فـرقٍ

 

يا حسنها في الرضا ومنتهره

ثم انثنت سورة الخـمـار بـنـا

 

خلال تلك الغـدائر الـخـمـره

وليلةٍ أشرفـت بـكـلـكـلـهـا

 

علي كالطيسـان مـعـتـجـره

فتقت ديجـورهـا إلـى قـمـرٍ

 

أثوابه بالعفـاف مـسـتـتـره

عج عبرات المدام نـحـوي مـن

 

عشر وعشرين واثنتي عـشـره

قد ذكر النـاس عـن قـيامـهـم

 

ذكرى بعقلي ما أصبحت نكـره

معرفتي بالـصـواب مـعـرفةٌ

 

غراء إما عرفـتـم الـنـكـره

يا عجبا من أبي الخـبـيث ومـن

 

سروحه في البـقـائر الـدثـره

يحمل رأساً تنبو المـعـاول عـن

 

صفحته والجـلامـد الـوعـره

لو البغال الكمت ارتقـت سـنـداً

 

فيه لـمـدت قـوائمـاً خـدره

ولا المجـانـيق فـيه مـغـنـيةٌ

 

ألفٌ تسامى وألـف مـنـكـدره

انظر إلى موضع المقص من ال

 

هامة تلك الصفيحة الـعـجـره

فلو أخذتم لها المـطـارق حـر

 

انية صـنـعة الـيد الـخـبـره

إذاً لراحـت أكـف جـلـتـهـم

 

كلـيلةً والأداة مـنـكـســره

كم طرباتٍ أفـسـدتـهـن وكـم

 

صفوة عيشٍ غادرتـهـا كـدره

وكم إذا مـا رأوك يا مـلـك ال

 

موت لهم من أنامـلٍ خـصـره

وكم لهـم دعـوة عـلـيك وكـم

 

قذفة أم شنعـاء مـشـتـهـره

كريمةٍ لؤمك اسـتـخـف بـهـا

 

ونالها بـالـمـثـالـب الأشـره

قفوا على رحله تـروا عـجـبـاً

 

في الجهل يحكي طرائف البصره

يا كـل مـنـيٍ وكـل طـالـعةٍ

 

نحسٍ ويا كل سـاعةٍ عـسـره

سبحان من يمسك السماء على ال

 

أرض وفيها أخلاقـك الـقـذره

قال: وكان عبد السلام قد اشتهر بجاريةٍ نصرانيةٍ من أهل حمص هويها وتمادى به الأمر حتى غلبت عليه وذهبت به. فلما اشتهر بها دعاها إلى الإسلام ليتزوج بها، فأجابته لعلمها برغبته فيها، وأسلمت على يده، فتزوجها، وكان اسمها ورداً، ففي ذلك يقول:

انظر إلى شمس القصور وبدرها

 

وإلى خزاماها وبهجة زهرهـا

لم تبل عينك أبيضـاً فـي أسـودٍ

 

جمع الجمال كوجهها في شعرها

وردية الوجنات يختبر اسـمـهـا

 

من ريقها من لا يحيط بخبرهـا

وتمايلت فضحكت من أردافـهـا

 

عجباً ولكني بكيت لخصـرهـا

تسقيك كأس مدامةٍ من كـفـهـا

 

ورديةٍ ومدامة مـن ثـغـرهـا

قال: وكان قد أعسر واختلت حاله، فرحل إلى سلمية قاصداً لأحمد بن علي الهاشمي، فأقام عنده مدةً طويلة، وحمل ابن عمه بغضه إياه بعد مودته له وإشفاقه عليه بسبب هجائه له على أن أذاع على تلك المرأة التي تزوجها عبد السلام أنها تهوى غلاماً له، وقرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه، وشاع ذلك الخبر حتى أتى عبد السلام، فكتب إلى أحمد بن علي شعراً يستأذنه في الرجوع إلى حمص ويعلمه ما بلغه من خبر المرأة من قصيدة أولها:

إن ريب الزمان طال انتكاثه

 

كم رمتني بحادثٍ أحداثـه

يقول فيها:

ظبي إنسٍ قلبي مقيل ضحاه

 

وفؤادي بريره وكبـاثـه

وفيها يقول:

خيفةً أن يخون عهدي وأن يض

 

حي لغير حجوله ورعـاثـه

ومدح أحمد بعد هذا، وهي طويلة. فأذن له فعاد إلى حمص، وقدر ابن عمه وقت قدومه، فأرصد له قوماً يعلمونه بموافاته باب حمص. فلما وافاه خرج إليه مستقبلاً ومعنفاً على تمسكه بهذه المرأة بعدما شاع من ذكرها بالفساد، وأشار عليه بطلاقها، وأعلمه أنها قد أحدثت في مغيبه حادثةً لا يجمل به معها المقام عليها، ودس الرجل الذي رماها به، وقال له: إذا قدم عبد السلام ودخل منزله فقف على بابه كأنك لم تعلم بقدومه، وناد باسم ورد، فإذا قال: من أنت؟ فقل: أنا فلان. فلما نزل عبد السلام منزله وألقى ثيابه، سألها عن الخبر وأغلظ عليها، فأجابته جواب من لم يعرف من القصة شيئاً. فبينما هو في ذلك إذ قرع الرجل الباب فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان. فقال لها عبد السلام: يا زانية، زعمت أنك لا تعرفين من هذا الأمر شيئاً! ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها، وقال في ذلك:

ليتني لم أكن لعطفـك نـلـت

 

وإلى ذلك الوصال وصـلـت

فالذي مني اشتملـت عـلـيه

 

ألعار ما قد عليه اشتمـلـت

قال ذو الجهل قد حلمت ولا أع

 

لم أني حلمت حتى جهـلـت

لاثمٌ لي بجـهـلـه ولـمـاذا

 

أنا وحدي أحببت ثم قتـلـت

سوف آسى طول الحياة وأبكي

 

ك على ما فعلت لا ما فعلت

وقال فيها أيضاً:

لك نفسٌ مـواتـيه

 

والمنايا مـعـاديه

أيها القلب لا تعـد

 

لهوى البيض ثانيه

ليس برقٌ يكون أخ

 

لب من برق غانيه

خنت سري ولم أخن

 

ك فموتي علانـية

قال: وبلغ السلطان الخبر فطلبه، فخرج إلى دمشق فأقام بها أياماً. وكتب أحمد بن علي إلى أمير دمشق أن يؤمنه، وتحمل عليه بإخوانه حتى يستوهبوا جنايته فقدم حمص وبلغه الخبر على حقيقته وصحته، واستيقنه فندم، ومكث شهراً لا يستفيق من البكاء ولا يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه، وقال في ندمه على قتلها:

يا طلعةً طلع الحمام عـلـيهـا

 

وجنى لها ثمر الردى بـيديهـا

رويت من دمها الثرى ولطالمـا

 

روى الهوى شفتي من شفتيهـا

قد بات سيفي في مجال وشاحها

 

ومدامعي تجري على خـديهـا

فوحق نعليها وما وطىء الحصى

 

شيءٌ أعز علي من نعـلـيهـا

ما كان قتليها لأنـي لـم أكـن

 

أبكي إذا سقط الذباب علـيهـا

لكن ضننت على العيون بحسنها

 

وأنفت من نظر الحسود إليهـا

وهذه الأبيات تروى لغير ديك الجن.
أخبرني بها محمد بن زكريا الصحاف قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن منصور قال: كان من غطفان رجلٌ يقال له السليك بن مجمع، وكان من الفرسان، وكان مطلوباً في سائر القبائل بدماء قومٍ قتلهم، وكان يهوى ابنة عم له، وكان خطبها مدةً فمنعها أبوها، ثم زوجه إياها خوفاً منه، فدخل بها في دار أبيها ثم نقلها بعد أسبوع إلى عشيرته، فلقيه من بني فزارة ثلاثون فارساً كلهم يطلبه بذحلٍ، فحلقوا عليه، وقاتلهم وقتل منهم عدداً، وأثخن بالجراح آخرين، وأثخن هو حتى أيقن بالموت. فعاد إليها فقال: ما أسمح بك نفساً لهؤلاء، وإني أحب أن أقدمك قبلي. قالت: افعل، ولو لم تفعله أنت لفعلته أنا بعدك. فضربها بسيفه حتى قتلها، وأنشأ يقول:

يا طلعة طلع الحمام عليها

وذكر الأبيات المنسوبة إلى ديك الجن، ثم نزل إليها فتمرغ في دمها وتخضب به، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. وبلغ قومه خبره، فحملوه وابنة عمه فدفنوهما. قال: وحفظت فزارة عنه هذه الأبيات فنقلوها. قال: وبلغني أن قومه أدركوه وبه رمق، فسمعوه يردد هذه الأبيات، فنقلوها وحفظوها عنه، وبقي عندهم يوماً ثم مات.
وقال ديك الجن في هذه المقتولة:

أشفقت أن يرد الزمان بـغـدره

 

أو ابتلى بعد الوصال بهـجـره

قمرٌ أنا استخرجته من دجـنـه

 

لبليتي وجلـوتـه مـن خـدره

فقتلتـه ولـه عـلـي كـرامةٌ

 

ملء الحشى وله الفؤاد بأسـره

عهدي به ميتاً كأحـسـن نـائمٍ

 

والحزن يسفح عبريت في نحره

لو كان يدري الميت ماذا بعـده

 

بالحي حل بكى له في قـبـره

غصصٌ تكاد تفيظ منها نفـسـه

 

وتكاد تخرج قلبه من صـدره

وقال فيها أيضاً:

أساكن حفـرةٍ وقـرار لـحـد

 

مفارق خلةٍ من بـعـد عـهـد

أجبني إن قدرت على جـوابـي

 

بحق الود كيف ظللت بـعـدي

وأين حللت بعد حلول قـلـبـي

 

وأحشائي وأضلاعي وكـبـدي

أما والله لـو عـاينـت وجـدي

 

إذا استعبرت في الظلمات وحدي

وجد تنفـسـي وعـلا زفـيري

 

وفاضت عبرتي في صحن خدي

إذاً لعلمـت أنـي عـن قـريبٍ

 

ستحفر حفرتي ويشق لـحـدي

ويعذلني السفيه علـى بـكـائي

 

كأني مبتلًى بالـحـزن وحـدي

يقول قتلتها سـفـهـاً وجـهـلاً

 

وتبكيها بـكـاءً لـيس يجـدي

كصياد الطيور لـه انـتـحـابٌ

 

عليها وهو يذبـحـهـا بـحـد

وقال فيها أيضاً:

ما لامرىء بيد الدهر الـخـئون يد

 

ولا على جلد الدنـيا لـه جـلـد

طوبى لأحباب أقـوامٍ أصـابـهـم

 

من قبل أن عشقوا موتٌ فقد سعدوا

وحقـهـم إنـه حـقٌّ أضـن بـه

 

لأنفدن لهم دمعي كـمـا نـفـدوا

يا دهر إنك مسقـيٌ بـكـأسـهـم

 

وواردٌ ذلك الحوض الـذي وردوا

الخلق ماضون والأيام تتـبـعـهـم

 

نفنى جميعاً ويبقى الواحد الصمـد

وقال فيها:

أما آن للطـيف أن يأتـيا

 

وأن يطرق الوطن الدانيا

وإني لأحسب ريب الزما

 

ن يتركني جسداً بـالـيا

سأشكر ذلك لا نـاسـياً

 

جميل الصفاء ولا قالـيا

وقد كنت أنشره ضاحكـاً

 

فقد صرت أنشره باكـيا

وقال أيضاً:

قل لمن كان وجهه كضياء الش

 

مس في حسنه وبدرٍ مـنـير

كنت زين الأحياء إذ كنت فيهم

 

ثم قد صرت زين أهل القبور

بأبي أنت في الحياة وفي المـو

 

ت وتحت الثرى ويوم النشور

خنتني في المغيب والخون نكرٌ

 

وذميمٌ في سالفات الـدهـور

فشفاني سيفي وأسرع فـي ح

 

ز التراقي قطعاً وحز النحور

قال أبو الفرج: ونسخت من هذا الكتاب قال: كان ديك الجن يهوى غلاماً من أهل حمص يقال له بكر، وفيه يقول وقد جلسا يوماً يتحدثنان إلى أن غاب القمر:

دع البدر فليغرب فأنت لـنـا بـدر

 

إذا ما تجلى من محاسنك الفـجـر

إذا ما انقضى سحر الذين بـبـابـلٍ

 

فطرفك لي سحرٌ وريقك لي خمـر

ولو قيل لي قم فادع أحسن من تـرى

 

لصحت بأعلى الصوت يا بكر يا بكر

قال: وكان هذا الغلام يعرف ببكر بن دهمرد. قال: وكان شديد التمنع والتصون. فاحتال قومٌ من أهل حمص فأخرجوه إلى متنزه لهم يعرف بميماس، فأسكروه وفسقوا به جميعاً، وبلغ ديك الجن الخبر فقال فيه:

قل لهضيم الكشح مـياس

 

انتقض العهد من النـاس

يا طلعة الآس التي لم تمد

 

إلا أذلت قـضـب الآس

وثقت بالكأس وشرابـهـا

 

وحتف أمثالك في الكاس

وحال ميماس ويا بعدمـا

 

بين مغيثيك ومـيمـاس

تقطيع أنفاسك في أثرهـم

 

وملكهم قطع أنفـاسـي

لا بأس مولاي على أنهـا

 

نهاية المكروه والـبـاس

هي الليالي ولـهـا دولةٌ

 

ووحشة من بعد إينـاس

بينا أنافت وعلت بالفتـى

 

إذ قيل حطته على الراس

فاله ودع عنك أحاديثهـم

 

سيصبح الذاكر كالناسـي

وقال فيه أيضاً:

يا بكر ما فعلت بـك الأرطـال

 

يا دار ما فعـلـت بـك الأيام

في الدار بعد بقيةٌ نستـامـهـا

 

إذ ليس فيك بقـيةٌ تـسـتـام

عرم الزمان على الديار برغمهم

 

وعليك أيضاً للزمـان عـرام

شغل الزمان كراك في ديوانـه

 

فتفرغـت لـدواتـك الأقـلام

قال فيه أيضاً:

قولا لبكر بن دهمردٍ إذا اعتكـرت

 

عساكر الليل بين الطاس والجـام

ألم أقل لك إن البغـي مـهـلـكةٌ

 

والبغي والعجب إفسـادٌ لأقـوام

قد كنت تفرق من سهمٍ بـغـانـيةٍ

 

فصرت غير رميمٍ رقعة الرامي

وكنت تفزع من لمسٍ ومن قـبـلٍ

 

فقد ذللـت لإٍسـراجٍ وإلـجـام

إن تدم فخذاك من ركضٍ فربتمـا

 

أمسي وقلبي عليك الموجع الدامي

أخبرني أبو المعتصم عاصم بن محمد الشاعر بأنطاكية، وبها أنشدني قصيدة البحتري:

ملامك إنـه عـهـدٌ قـريب

 

ورزءٌ ما انقضت منه الندوب

وأنشدني لديك الجن يعزي جعفر بن علي الهاشمي:

نغفل والأيام لا تـغـفـل

 

ولا لنا من زمنٍ مـوئل

والدهر لا يسلم من صرفه

 

أعصم في القنة مستوعل

يتخذ الشعرى شعاراً لـه

 

كأنما الأفق له مـنـزل

كأنه بين شنـاظـيرهـا

 

بارقةٌ تكمن أو تمـثـل

ولا حبابٌ صلتان السـرى

 

أرقم لا يعرف ما يجهـل

نضناض فيفـاء يرى أنـه

 

بالرمل غانٍ وهو المرمل

يطلب من فاجئةٍ معـقـلاً

 

وهو لما يطلب لا يعقـل

والدهر لا يسلم من صرفه

 

مسربلٌ بالسرد مستبسـل

ولا عقنباة السلامى لـهـا

 

في كل أفقٍ علقٌ مهمـل

فتخاء في الجـو خـداريةٌ

 

كالغيم والغيم لها مثـقـل

آمن من كل لصرف الردى

 

أنزلها من جوها مـنـزل

والدهر لا يحجبه مـانـعٌ

 

يحجبه العامل والمنصـل

يصغي جديداه إلى حكمـه

 

ويفعل الدهر بما يفـعـل

كأنه من فـرط عـز بـه

 

أشوش إذ أقبل أو أقـبـل

الأقبل: الذي في عينه قبلٌ، وهو دون الحول.

في حسب أوفى له جحـفـلٌ

 

يقدمه مـن رأيه جـحـفـل

بينا على ذلـك إذ عـرشـت

 

في عرشه داهـيةٌ ضـئبـل

إن يك في العز له مشـقـصٌ

 

ماضٍ فقد تاح له مـقـتـل

جاد على قبـرك مـن مـيتٍ

 

بالروح ربٌ لـك لا يبـخـل

وحنت المزن علـى قـبـره

 

بعارضٍ نجوتـه مـحـفـل

غيثٌ ترى الأرض على وبلـه

 

تضـحـك إلا أنـه يهـمـل

يصل والأرض تصـلـي لـه

 

من صلواتٍ معـه تـسـأل

أنت أبا العباس عـبـاسـهـا

 

إذا استطار الحدث المعضـل

وانت ينـبـوع أفـانـينـهـا

 

إذا هم في سـنةٍ أمـحـلـوا

وأنت علام غـيوب الـنـثـا

 

يوماً إذا نـسـأل أو نـسـأل

نحن نعزيك ومنـك الـهـدى

 

مستخرجٌ والنور مستقـبـل

نقول بالعـقـل وأنـت الـذي

 

نأوي إلـيه وبـه نـعـقـل

نحـن فـداءٌ لـك مــن أمةٍ

 

والأرض والآخــر والأول

إذا غفا عـنـك وأودى بـهـا

 

ذا الدهر فهو المحسن المجمل

قال أبو المعتصم: ثم مات جعفر بن علي الهاشمي، فرثاه ديك الجن فقال:

على هذه كانـت تـدور الـنـوائب

 

وفي كل جمع للذهـاب مـذاهـب

نزلنا على حكـم الـزمـان وأمـره

 

وهل يقبل النصف الألد المشاغـب

وتضحك سن المرء والقلب موجـعٌ

 

ويرضى الفتى عن دهره وهو عاتب

ألا أيها الركـبـان والـرد واجـبٌ

 

قفوا حدثوناما تـقـول الـنـوادب

إلى أي فتيان الندى قـصـد الـردى

 

وأيهم نـابـت حـمـاه الـنـوائب

فيا لأبي العـبـاس كـم رد راغـبٌ

 

لفقدك ملهوفاً وكـم جـب غـارب

ويا لأبي العـبـاس إن مـنـاكـبـاً

 

تنوء بما حـمـلـهـا لـنـواكـب

فيا قبره جد كـل قـبـرٍ بـجـوده

 

ففـيك سـمـاءٌ ثـرةٌ وسـحـائب

فإنك لو تدري بما فـيك مـن عـلاً

 

علوت وباتت في ذراك الكـواكـب

أخاً كنت أبـكـيه دمـاً وهـو نـائمٌ

 

حذاراً وتغمى مقلتي وهـو غـائب

فمات ولا صبري على الأجر واقفٌ

 

ولا أنا في عمرٍ إلى اللـه راغـب

أأسعى لأحظى فيك بـالأجـر إنـه

 

لسعيٌ إذن مني لدى الـلـه خـائب

وما الإثم إلا الصبر عنـك وإنـمـا

 

عواقب حمدٍ أن تـذم الـعـواقـب

يقولون: مقدارٌ على المـرء واجـبٌ

 

فقلت: وإعوالٌ على المرء واجـب

هو القلب لمـا حـم يوم ابـن أمـه

 

وهي جانبٌ منه وأسـقـم جـانـب

ترشفـت أيامـي وهـن كـوالـحٌ

 

عليك وغالبت الردى وهو غـالـب

ودافعت في صدر الزمان ونـحـره

 

وأي يدٍ لي والـزمـان مـحـارب

وقلت له: خل الـجـواد لـقـومـه

 

وهأنذا فـازدد فـإنـا عـصـائب

فوالله إخلاصاً من القـول صـادقـاً

 

وإلا فحـبـي آل أحـمـد كـاذب

لو ان يدي كانت شفـاءك أو دمـي

 

دم القلب حتى يقضب القلب قاضب

لسلمت تسليم الرضا وتـخـذتـهـا

 

يداً للردى ما حـج الـلـه راكـب

فتًى كان مثل السيف من حيث جئتـه

 

لنائبةٍ نابـتـك فـهـو مـضـارب

فتًى همه حمدٌ على الدهر رابحٌ

 

وإن غاب عنه ماله فهو عازب

شمائل إن يشهد فهن مشـاهـد

 

عظامٌ وإن يرحل فهن كتـائب

بكاك أخٌ لم تـحـوه بـقـرابةٍ

 

بلى إن إخوان الصفاء أقـارب

وأظلمت الدنيا التي كانت جارها

 

كأنك للدنـيا أخٌ ومـنـاسـب

يبرد نيران المصـائب أنـنـي

 

أرى زمناً لم تبق فيه مصائب

         

قال أبو الفرج: ونسخت من كتاب محمد بن طاهر عن أبي طاهر: إن خطيب أهل حمص كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ثلاث مرات في خطبته، وكان أهل حمص كلهم من اليمن، لم يكن فيهم من مضر إلا ثلاثة أبيات، فتعصبوا على الإمام وعزلوه، فقال ديك الجن:

سمعوا الصلاة على النبي توالى

 

فتفرقوا شيعـاً وقـالـوا لا لا

ثم استمر على الصلاة إمامـهـم

 

فتحزبوا ورمى الرجال رجـالا

يا آل حمص توقعوا من عارهـا

 

خزياً يحل عـلـيكـم ووبـالا

شاهت وجوهكم وجوهاً طالمـا

 

رغمت معاطسها وساءت حـالا

أيا بنة عبد اللـه وابـنة مـالـكٍ

 

ويا بنة ذي البردين والفرس بارد

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي لـه

 

أكيلاً فإني لست آكلـه وحـدي

عروضه من الطويل. الشعر لقيس بن عاصم المنقري، والغناء لعلويه، ثقيلٌ أول بالوسطى.