خبر بديح في هذا الصوت وغيره

بديح مولى عبد الله بن جعفر، وكان يقال له بديح المليح. وله صنعة يسيرة وإنما كان يغني أغاني غيره مثل سائب خاثر، ونشيط، وطويس، وهذه الطبقة. وقد روى بديح الحديث عن عبد الله بن جعفر.


أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا أبو عاصم النبيل عن جويرية بن أسماء، عن عيسى بن عمر بن موسى، عن بديح مولى عبد الله بن جعفر قال: لما قدم يحيى بن الحكم المدينة دخل إليه عبد الله بن جعفر في جماعة فقال له يحيى: جئتني بأوباش من أوباش خبثة ؟ فقال عبد الله: سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وتسميها أنت خبثة ؟! أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: قال دواد بن جميل حدثني من سمع هذا الحديث من ابن العتبي يذكره عن أبيه قال: دخل عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان وهو يتأوه، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أدخلت عليك من يؤنسك بأحاديث العرب وفنون الأسمار؟ قال: لست صاحب هزل، والجد مع علتي أحجى بي. قال: وما علتك يا أمير المؤمنين؟ قال: هاج بي عرق النسا في ليلتي هذه، فبلغ مني. قال: فإن بديحا مولاي أرقى الناس منه. فوجه إليه عبد المك فلما مضر الرسول سقط في يدي ابن جعفر وقال: كذبة قبيحة عند خليفة. فما كان باسرع من أن طلع بديح فقال: كيف رقيتك من عرق النسا. قال: أرقى الخلق يا أمير المؤمنين. قال: فسري عن عبد اللهللأن بديحاً كان صاحب فكاهة يعرف بها؛ فمد رجله فتفل عليها ورقاها مراراً، فقال عبد المك: الله أكبر، وجدت والله خفا ، يا غلام ادع فلانة حتى تكتب الرقية، فإنا لا نأمن هيجها بالليل فلا نذعر بديحا. فلما جاءت الجارية قال بديح: يا أمير المؤمنين، أمراته الطلاق إن كتبتها حتى تجعل حبائي. فأمر له بأربعة آلاف درهم فلما صارالمال بين يديه قال: وامرأته الطلاق إن كتبتها أو يصير المال إلى منزلي. فأمر به فحمل إلى منزله، فلما أحرزه قال: ياأمير المؤمنين، امرأته الطلاق إن كنت قرأت على رجلك إلا أبيات نصيب:

ألا إن ليلى العامرية أصبحـت

 

على النأي مني ذنب غيري تنقم

وذكر الأبيات وزارد فيها:

وما زلت أستصفي لك الود أبتغي

 

محاسنة حتى كأنـي مـجـرم

قال: ويلك ما تقول؟ قال امرأته الطلاق إن كان رقاك إلا بما قال: فاكتمها علي. قال: وكيف ذاك وقد سارت بها البرد إلى أخيك بمصر؟! فطفق عبد المك ضاحكاً يفحص برجليه.
أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبه قال: حدثني الأصمعي عن المنتجع النبهاني، عن أبيه بهذا الخبر مثل الذي قبله. وزاد في الشعر:

فلا تصر ميني حين لالي مرجع

 

ورائي ولا لي عنكم متـقـدم

وقال فيه: فسكن ما كان يجده عبد الملك، وأمر لبديح بأربعة آلاف درهم، فقال ابن جعفر لبديح: ما سمعت هذا الغناء منك مذ ملكتك! فقال: هذا من نتف سائب خاثر.


أخبرني إسماعيل قال حدثنا عمر قال حدثني القاسم بن محمد بن عباد عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن نافع-أراه نافع الخير مولى ابن جعفر- بهذا الخبر مثله، وزارد فيه أن بديحا رفع صوته يغنيه به لما قال له أن يكتب الرقية. وزاد فيه: فجعل عبد المك يقول: مهلاً يابديح. فقال: إنما رقيتك كما علمت يا امير المؤمنين.


أخبرني إسماعيل قال حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أبو سلمة الغفاري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال: كان ابن جعفر يحب أن يسمع عبد الملك غناء بديح، فدخل إليه يوماً فشكا إليه عبد الملك ركبته فقال له ابن جعفر: يا أمير المؤمنين، إن لي مولى كانت أمه بربرية، وكنت ترقى من هذه العلة، وقد أخذ ذلك عنها. قال: فادع به. فدعي بديح، فجعل يتفل على ركبة عبد المك ويهمهم، ثم قال: قم يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك.


فقام عبد الملك لايجد شيئاً، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين مولاك لابد له من صلة. قال: حتى تكتب رقيته ثم أمر جاريةً له فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: ليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم. قال: كيف تكون ويلك رقية ليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: فاكتبيها على مافيها. فأملى عليها:

ديار سليمى بين عيقة فالمـهـدي

 

سقيت، وإن لم تنطقي، سبل الرعد

ثم قال له ابن جعفر: لو سمعته منه. قال: أو يجيد؟ قال:نعم. قال: هات. فما برح والله حتى أفرغها في مسامعه.
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال حدثني عمي عبيد الله قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ قال:كنا عند أبي نعيم الفضل بن دكين فجاءه رجل فقال: يا أبا نعيم، إن الناس يزعمون أنك رافضي. قال: فأطرق ساعةً ثم رقع رأسه وهو يبكي وقال: يا هذا أصبحت فيكم كما قال نصيب:

وما زال بي الكتمان حتى كأنني

 

نرجع جواب السائلي عنك أعجم

لأسلم من قول الوشاة وتسلمـي

 

سلمت وهل حي من الناس يسلم

ياغراب البين أسمعـت فـقـل

 

إنما تنطق شـيئاً قـد فـعـل

إن للخـير ولـلـشـر مـدى

 

لكـلا ذينـك وقـت وأجــل

كل بـؤس ونــعـــيم زائل

 

وبنات الدهر يلعـبـن بـكـل

والعطيات خـسـاس بـينـهـم

 

وسواء قبـر مـثـر ومـقـل

الشعر لعبد الله بن الزبعري السهمي، يقوله في غزاة أحد، وهو يومئذ مشرك. والغناء لابن سريج خفيف ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو على مذهب إسحاق. وفيه لحن لابن مسجح من رواية حماد عن ابيه في كتاب ابن مسجح.