أخبار الحسين بن مطير ونسبه

هو الحسين بن مطير بن مكمل، مولى لبني أسد بن خزيمة، ثم لبني سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد. وكان جده مكمل عبداً، فاعتقه مولاه. وقيل بل كاتبه، فسعى في مكاتبته حتى أداها وآعتق. وهو من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية، شاعر متقدم في القصيد والرجز، فصيح، قد مدح بني أمية وبني العباس.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، عن محمد بن داود بن الجراح، عن محمد بن الحسن بن الحرون: أنه كان من ساكني زبالة ، وكان زيه وكلامه يشبه مذاهب الأعراب وأهل البادية. وذلك بين في شعره.


ومما يدل على إدراكه دولة بني أمية، ومدحه إياهم، ما أخبرنا به يحيى بن علي بن يحيى إجازة، قال: أخبرني أبي، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، عن مرون بن أبي حفصة، قال: دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثقفي، والحسين بن مطير الأسدي، في عدة من الشعراء، على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها ، وإذا رجل كلما أنشد ساعر شعراً، وقف الوليد على بيت بيت منه، وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعراء. فقالت: من هذا؟ قالوا: هذا حماد الراوية. فلما وقفت بين يدي الوليد لأنشده، قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحانة. فتهانف الشيخ، ثم قال: يا بن أخير، أنا رجل أكلم العامة، وأتكلم بكلامها، فهل تروي من أشعار العرب شيئاً؟ فذهب عني الشعر كله، إلا شعر ابن مقبل فقلت: نعم، لابن مقبل. فأنشدته:

سل الدار من جنبي حبر فـواهـبٍ

 

إلى ما رأى هضب القليب المضيح

ثم جزت. فقال: قف. ماذا يقول؟ فلم أدر ما يقول. فقال: يا بن أخير، أنا أعلم الناس بكلام العرب، يقال: تراءى الموضعان: إذا تقابلا.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، والحسن بن علي، ويحيى بن علي، قالوا: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي، قال: حدثني أبي: أن الحسين بن مطير وفد على معن بن زائدة لما ولي اليمن وقد مدحه، فلما دخل عليه انشده:

أتيتك إذ لم يبق غيرك جـابـر

 

ولا واهب يعطي اللها والرغائبا

فقال له معن: يا أخا بني أسد، ليس هذا يمدح، إنما المدح قول نهار بن توسعة أخي بني تيم الله بن ثعلبة، في مسمع بن مالك.

قلدته عرا الأمور نـزار

 

قبل أن تهلك السراة البحو

قال: وأول هذا الشعر:

اظعني من هراة قد مر فيهـا

 

حجج مذ سكنتهـا وشـهـور

اظعني نحو مسمـع تـجـديه

 

نعم ذو المثنى ونعم المـزور

سوف يكفيك إن نبت بك أرض

 

بخراسان أو جفـاك أمـيرر

من بني الحسن عامل بن بريح

 

لا قليل الندى ولا مـنـزور

والذي يفزع الـكـمـاة إلـيه

 

حين تدمى من الطعان النحور

فاصطنع يا بن مالك آل بكـرٍ

 

واجبر العظم إنه مكـسـور

فغدا إليه بأرجوزته التي مدحه بها، وأولها:

حديث ريا حبذا إدلالـهـا

تسأل عن حالي وما سؤالها

عن امرىء قد شفه خيالها

وهيشفاء النفس لو تنا لهـا

سل سيوفاً محدثاً صقالهـا

صاب على أعدائه وبالهـا

وعند معن ذي الندى أمثالها

فاستحسنها وأجزل صلته.


أخبرني ابن عمار ويحيى بن علي، قالا: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني أبو المثنى أحمد بن يعقوب بن أخت أبي بكرٍ الأصم قال: كنا في مجلس الأصمعي، فأنشده رجل لدعبل بن علي:

أين الشباب وأية سلكا

فاستحسنا قوله :

لا تعجبي يا سلم من رجـلٍ

 

ضحك المشيب برأسه فبكى

فقال الأصمعي: هذا أخذه من قول الحسين بن مطير:

أين أهل القباب بـالـدهـنـاء

 

أين جيراننا علـى الأحـسـاء

فارقونا والأرض ملـبـسة نـو

 

ر الأقاحـي يجـاد بـالأنـواء

كل يوم بـأقـحـوان جـــديد

 

تضحك الأرض من بكاء السماء

أخبرني يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثني محمد بن القاسم الدينوري، قال: حدثني محمد بن عمران الضبي، قال: قال المهدي للمفضل الضبي: أسهرتني البارحة أبيات الحسين بن مطير الأسدي. قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: قوله:

وقد تغدر الدنيا فيضحي فقيرهـا

 

غنياً ويغنى بعد بؤسٍ فقـيرهـا

فلا تقرب الأمر الحـرام فـإنـه

 

حلاوته تفنى ويبقى مـريرهـا

وكم قد رأينا من تـغـير عـيشة

 

وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها

فقال له المفضل: مثل هذا فليسهرك يا أمير المؤمنين.


وقد أخبرني بهذا الخبر عمي رحمه الله أتم من هذا، قال: نسخت من كتاب المفضل بن سلمة: قال أبو عكرمة الضبي: قال المفضل الضبي: كنت يوماً جالساً على بابي وأنا محتاج إلى درهم، وعلي عشرة آلاف درهم ، إذ جاءني رسول المهدي، فقال: أجب أمير المؤمنين. فقالت: ما بعث إلي في هذا الوقت إلا لسعاية ساع. وتخوفته، لخروجي- كان - مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، فدخلت منزلي، فتطهرت وليست ثوبين نظيفين، وصرت إليه. فلما مثلت بين يديه سلمت ، فرد علي، وأمرني بالجلوس. فلما سكن جأشي، قال لي: يا مفضل، أي بيت قالته العرب أفخر؟ فتشككت ساعة، ثم قلت: بيت الخنساء. وكان مستلقياً فاستوى جالساً، ثم قال: وأي بيت هو؟ قلت قولها:

وإن صخرا لتأتم الهداة به

 

كأنه علم في رأسه نار

فأومأ إلى إسحاق بن بزيع ، ثم قال: قد قلت له ذلك فأباه. فقلت: الصواب ما قاله أمير المؤمنين. ثم قال: حدثني يا مفضل. قلت: أي الحديث أعجب إلى أمير المؤمنين؟ قال: حديث النساء. حتى انتصف النهار، ثم قال لي: يا مفضل، أسهرني البارحة بيتا ابن مطير، وأنشد البيتين المذكورين في الخبر الاول. ثم قال: ألهذين ثالث يا مفضل؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فقال: وما هو؟ فأنشدته قوله:

وكم قد رأينا من تغـير عـيشةٍ

 

وأخرى صفا بعد ادرار غديرها

وكان المهدي رقيقاً فاستعبر، ثم قال: يا مفضل، كيف حالك؟ قلت: كيف يكون حال من هو مأخوذ بعشرة آلاف درهم؟ فأمر لي بثلاثين ألف درهم، وقال: اقض دينك، وأصلح شأنك، فقبضتها وانصرفت.


أخبرني يحيى بن علي، عن علي بن يحيى إجازة وحدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم عن عبد الله بن أبي سعد ، قال: حدثني إسحاق بن عيسى بن موسى بن مجمع، أحد بني سواربن الحارث الأسدي، قال: أخبرني جدي موسى بن مجمع، قال: قال الحسين بن مطير في المهدي قصيدته التي يقول فيها:

إليك أمير المؤمنين تـعـفـت

 

بنا البيد هوجاء النجاء خبـوب

ولو لم يكن قدامها ما تقاذفـت

 

جبال بها مغبـرة وسـهـوب

فتى هو من غير التخلق ماجـد

 

ومن غير تأديب الرجال أديب

علا خلقه خلق الرجال وخلقـه

 

إذ ضاق أخلاق الرجال رحيب

إذا شاهد الفؤاد سار أمامـهـم

 

جريء على ما يتقون وثـوب

وإن غاب عنهم شاهدتهم مهابةً

 

بها يقهر الأعداء حين يغـيب

يعف ويستحي إذا كان خـالـياً

 

كما عف واستحيا بحيث رقيب

فلما أنشدها المهدي أمر له بسبعين ألف درهم وحصان جواد.

وكان الحسين من الثعلبية ، وتلك داره بها. قال ابن أبي سعد: وأرانيها الشيخ.

أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد عن إسحق بن عيسى، قال: دخل الحسين بن مطير على المهدي، فأنشده قوله:

لو يعبد الناس يا مهدي أفضـلـهـم

 

ما كان في الناس إلا أنت معبـود

أضحت يمينك من جودٍ مـصـورة

 

لا بل يمينك منها صـور الـجـود

لو أن من نوره مثـقـال خـردلة

 

في السود طرا إذن لا بيضت السود

فأمر له لكل بيت بألف درهم.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثني أبي، قال: خرج المهدي يوماً، فلقيه الحسين بن مطير، فأنشده قوله:

أضحت يمينك من جود مصورة

 

لا بل يمينك منها صور الجود

فقال: كذبت يا فاسق، وهل تركت من شعرك موضعاً لأحد، بعد قولك في معن بن زائدة حيث تقول:

ألما بمعنٍ ثم قـولا لـقـبـره

 

سقيت الغوادي مربعاً ثم مربعا

أخرجوه عني، فأخرجوه.
وتمام الأبيات:

أيا قبر معن كـنـت أول حـفـرةٍ

 

من الأرض خطت للمكارم مضجعا

أيا قبر معنٍ كـيف واريت جـوده

 

وقد كان منه البر والبحر متـرعـا

بلى قد وسـعـت الـجـود مـيت

 

ولو كان حياً ضقت حتى تصدعـا

فتى عيش في معروفه بعد مـوتـه

 

كما كان بعد السيل مجراه ممرعـا

أبى ذكر معن أن تموت فـعـالـه

 

وإن كان قد لاقى حماما ومصرعا

أخبرني أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال: حدثني ابن مهرويه قال: حدثني علي بن عبيد الكوفي قال: حدثني الحسين بن أبي الخصيب الكاتب عن أحمد بن يوسف الكاتب، قال: كنت أنا وعبد الله بن طاهر عند المأمون وهو مستلق على قفاه، فقال لعبد الله بن ظاهر: يا أبا العباس، من أشعر من قال الشعر في خلافة بني هاشم؟ قال: أمير المؤمنين أعلم بهذا وأعلى عيناً. فقال له: على ذلك فقل، وتكلم أنت أيضاً يا أحمد بن يوسف. فقال عبد الله بن طاهر: أشعرهم الذي يقول:

أيا قبر معـن كـنـت أول خـطة

 

من الأرض خطت للمكارم مضجعا

فقال أحمد بن سوف: بل أشعرهم الذي يقول:

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي

 

متـأخـر عـنـه ولا مـتـقـدم

فقال: أبيت يا احمد إلا غزلاً! أين أنتم عن الذي يقول:

يا شقيق النفس من حكم

 

نمت عن ليلي ولم أنم

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أبو خليفة عن التوزي، قال: قلت لأبي عبيدة: ما تقول في شعر الحسين بن مطير؟ فقال: والله لوددت أن الشعراء قاربته في قوله:

مخصرة الأوساط زانت عقودها

 

بأحسن مما زينتها عقـودهـا

فصفر تراقيها، وحمر أكفـهـا

 

وسود نواصيها، وبيض خدودها

أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: أنشدنا محمد بن يزيد للحسين بن مطير، قال: كان سبب قوله هذه الأبيات أن والياً ولي المدينة، فدخل عليه الحسين بن مطير، فقيل له: هذا من أشعر الناس. فأراد أن يختبره، وقد كانت سحابة مكفهرة نشأت، وتتابع منها الرعد والبرق، وجاءت بمطر جود. فقال له: صف هذه السحابة. فقال:

مستضحك بلوامعٍ مستعـبـر

 

بمدامعٍ لم تمرهـا الأقـذاء

فله بلا حزن ولا بـمـسـرة

 

ضحك يراوح بينه وبـكـاء

كثرت لكثرة ودقه أطـبـاؤه

 

فإذا تحلب فاضت الأطـبـاء

وكأن بارقه حريق تلـتـقـي

 

ريح عليه وعـرفـج وألاء

لو كان من لجج السواحل ماؤه

 

لم يبق في لجج السواحل ماء

إذا مـا أم عـبــد الـــل

 

ه لـم تـحـلـل بــواديه

ولـم تـمـس قـرياً هــي

 

ج الـحــزن دواعـــيه

غزال راعـه الـقـنـــا

 

ً تـحـمـيه صـياصــيه

ومـا ذكـرى حـبـيبــاًو

 

قلــيل مـــا أواتـــيه

كذى الخـمـر تـمـنـاهـا

 

وقـد أنـزف سـاقـــيه

عرفت الربـع بـالإكـلـي

 

ل عـفـتـه سـوافـــيه

بجـو نـاعـم الـحـــوذا

 

ن مـلـتــف روابـــيه

الشعر مختلط، بعضه للنعمان بن بشير الأنصاري، وبعضه ليزيد بن معاوية، فالذي للنعمان بن بشير منه الثلاثة الأبيات الأول والبيت الخير، وباقيها ليزيد بن معاوية . ورواه من لا يوثق به وبروايته لنوفل بن أسد بن عبد العزى. فأما من ذكر أنه للنعمان بن بشير فأبو عمرو الشيباني؛ وجدت ذلك عنه في كتابه، وخالد بن كلثوم، نسخته من كتاب أبي سعيد السكري في مجمنوع شعر النعمان. وتمام الأبيات للنعمان بن بشير بعد الأربعة الأبيات التي نسبتها إليه، فإنها متوالية ، قال:

فبحت اليوم بالأمر ال

 

لذي قد كنت تخفـيه

فإن أكتـمـه يومـاً

 

فإني سـوف أبـديه

ومـا زلـت أفـديه

 

وأدنـيه وأرقــيه

وأسعى في هـواه أ

 

بداً حتـى ألا قـيه

فبات الريم منـي ح

 

ذراً زلت مراقـبة

والغناء لمعبد: خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وذكره إسحاق في خفيف الرمل بالسبابة في مجرى البنصر، ولم ينسبه إلى احد. وفيه للغريض ثقيل أول بالوسطى، عن الهشامي وحنين.