أخبار محمد بن بشير الخارجي ونسبه

هو ممحمد بن بشير بن عبد الله بن عقيل بن أسعد بن حبيب بن سنان بن عوف بن بكر بن يشكر بن عدوان الخارجي، من بني خارجة بن عوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال لعدوان وفهم: ابنا جديلة، نسبا إلى أمهما جديلة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، ويكنى محمد بن بشير أبا سليمان؛ شاعر فصيح حجازي مطبوع، من شعراء الدولة الأموية. وكان منقطعاً إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي، أحد بني أسد بن عبد العزى، وهو جد ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن، لأمهم هند بنت أبي عبيدة بن زمعة القرشي؛ ولدت لعبد الله محمداً وإبراهيم وموسى. وكانت لمحمد بن بشير فيه مدائح ومراثٍ مختارة، وهي عيون شعره، وكان يبدو في أكثر زمانه، ويقيم في بوادي المدينة، ولا يكاد يحضر مع الناس.


أخبرني بقطعة من أخباره الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني مصعب الزبيري. قال أحمد: وحدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي وعمي مصعب. وحدثني بقطعة أخرى منها عيسى بن الحسن الوراق، عن الزبير، عن سليمان بن عياش. وقد ذكرت كل ذلك في مواضعه.


قال ابن أبي خيثمة في روايته عن مصعب وعن الزبير، عن سليمان بن عياش: كان الخارجي، واسمه محمد بن بشير بن عبد الله بن عقيل بن سعد بن حبيب بن سنان بن عدي بن عوف بن بكر، شاعراً فصيحاً، ويكنى أبا سليمان. فقدم البصرة في طلب ميراث له بها، فخطب عائشة بنت يحيى بن يعمر الخارجية؛ من خارجة عدوان. فأبت أن تتزوجه إلا أن يقيم معها بالبصرة، ويترك الحجاز، ويكون أمرها في الفرقة إليها، فأبى أن يفعل، وقال في ذلك:

أرق الحزين وعاده سهده

 

لطوارق الهم التي تـرده

وذكرت من لانت له كبدي

 

فأبى فليس تلين لي كبده

ونأى فليس بنـازل بـلـدي

 

أبدا، وليس بمصلحي بلـده

فصدعت حين أبى مـودتـه

 

صدع الزجـاجة دائم أبـده

وعرفت أن الطير قد صدقت

 

يوم الكدانة شر ما تـعـده

فاصبر فإن لكـل ذي أجـل

 

يوماً يجيء فينقضي عـدده

ماذا تعاتب من زمـانـك إذ

 

ظعن الحبيب وحل بي كمده

قالا: وخاطب أباها يحيى بن يعمر في ذلك، فقال له: إنها امرأة برزة عاقلة، لا يفتات على مثلها بأمرها، وما عندها عنك من رغبة، ولكنها امرأة في خلقها شدة، ولها غيرة، وقد بلغني أن لك زوجتين، وما أراها تصبر على أن تكون ثالثة لهما؛ فانظر في امرك، وشاور فيه: فإما أن أقمت بالبصرة معها، فعفت لك عن صاحبتيك، إذ لا مجاورة بينهما وبينها ولا عشرة، وإن شئت فارقتهما وأخرجها معك. فصار إلى رحله مغموماً. وشاور ابن عم له يقال له وراد بن عمرو في ذلك، فقال له: إن في يحيى بن يعمر لرغبة، لثروته وكثرة ماله، وما ذكرته من جمال ابنته، وما نحب أن تفارق زوجتيك- وكانت إحداهما ابنة عمه، والأخرى من أشجع- فتقيم معها السنة بالبصرة، ونمضي نحن ، فإن رغبت فيها تمسكت بها، وأقمت بمكانك، وإن رغبت في العود إلى بلدك، كتبت إلينا فجئناك، حتى تنصرف معنا إلى بلدك.


ففكر ليله أجمع في ذلك، ثم غدا عازماً على الرجوع إلى الحجاز، وقال:

لئن أقمت بحيث الفيض فـي رجـب

 

حتى أهل به مـن قـابـلٍ رجـبـا

وراح في السفر وراد فهـيجـنـي

 

إن الغـريب إذا هـيجـتـه طـرا

إن الغريب يهيج الحزن صـبـوتـه

 

إذا المصاحب حـياه وقـد ركـبـا

قد قلت أمس لـوارد وصـاحـبـه

 

عوجا على الخارجي اليوم واحتسبـا

أبـلـغـا أم سـعـد أن عـانـيهـا

 

أعيا على شفعاء الناس فاجتـنـبـا

لما رأيت نجي القوم قـلـت لـهـم

 

هل يعدون نجي القوم مـا كـتـبـا

وقلت إني متى أجلب شفـاعـتـكـم

 

أندم وإن أشق الغي ما اجـتـلـبـا

وإن مثلي متى يسمع مقـالـتـكـم

 

ويعرف العين يندم قبـل أن يجـبـا

إني وما كبر الحجاج تحـمـلـهـم

 

بزل المطايا بجنبي نخلةٍ عـصـبـا

وما أهل به الداعـي ومـا وقـفـت

 

عليا ربيعة ترمى بالحصى الحصبـا

جهداً لمن ظن أني سوف أظعنـهـا

 

عن ربع غانية أخرى لقـد كـذبـا

أأبتغي الحسن في أخرى وأتركـهـا

 

فذاك حين تركت الدين والحـسـبـا

وما انقضى الهم من سعدى وما علقت

 

مني الجائل حتى رمتهـا حـقـبـا

وما خلوت بها يوماً فتـعـجـبـنـي

 

إلا غدا أكثر اليومين لي عـجـبـا

بل أيها السائلـي مـالـيس يدركـه

 

مهلاً فإنك قد كلفـتـنـي تـعـبـا

كم من شفيع أتاني وهو يحسب لـي

 

حسباً فأقصره من دون ما حسـبـا

فإن يكن لهـواهـا أو قـرابـتـهـا

 

حب قديم فمـا غـابـا ولا ذهـبـا

هما علي: فإن أرضيتـهـا رضـيا

 

عني وإن غضبت في باطل غضبـا

كائن ذهبت فردانـي بـكـيدهـمـا

 

عما طلبت وجاءاها بمـا طـلـبـا

وفد ذهبت فلم أصـبـح بـمـنـزلة

 

إلا أنازع من أسبـابـهـا سـبـبـا

ولمها خلةً لو كـنـت مـسـجـحة

 

أو كنت ترجع من عصريك ما ذهبا

أنت الظعينة لا تر مى بـرمـتـهـا

 

ولا يفجعها ابن العم ما اصطحـبـا

اخبرني عيسى بن الحسن، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي قال: قدم أعراب من بني سليم أقحمتهم السنة إلى الروحاء، فخطب إلى بعضهم رجل من الموالي من أهل الوحاء، فزوجه. فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة، وواليها يومئذٍ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة، فاستعداه الخارجي على المولى. فأرسل إبراهيم إليه وإلى النفر السلميين، وفرق بين المولى وزوجته، وضربه مائتي سوط، وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه. فقال محمد بن بشير في ذلك:

شهدت غداة خصم بني سلـيم

 

وجوهاً من قضائك غير سود

قضيت بسنة وحكمت عـدلا

 

ولم ترث الحكومة من بعـيد

إذا غمز القنا وجدت لعمري

 

قناتك حين تغمز خير عـود

إذا عض الثقاف بها اشمأزت

 

أبي النفس بائنة الصـعـود

حمى حدبا لحوم بنـات قـوم

 

وهم تحت التراب أبو الوليد

وفي المئتين للمولى نـكـال

 

وفي سلب الحواجب والخدود

إذا كا فأتهم ببنات كـسـرى

 

فهل يجد الموالي من مـزيد

فأي الحق أنصف للمـوالـي

 

من اصهار العبيد إلى العبيد

حدثني عمي ، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: كان للخارجي عبد، وكان يتلطف له ويخدمه، حتى أعتقه وأعطاه مالاً، فعمل به، وربح فيه. ثم احتاج الخارجي بعد ذلك إلى معونة أو قرض في نائبة لحقته، فبعث إلى مولاه في ذلك، وقد كان المولى أثرى واتسعت حاله، فحلف له أنه لا يملك شيئاً، فقال الخارجي في ذلك:

يسعى لك المولى ذليلاً مدقعـا

 

ويخذلك المولى إذا اشتد كاهله

فأمسك عليك العبد أول وهـلةٍ

 

ولا تنفلت من راحتيك حبائله

وقال أيضاً:

إذا افتقر المولى سعى لك جاهدا

 

لترض وإن نال الغنى عنك أدبرا

حدثني عيسى بن الحسين ، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي، قال: كان محمد بن بشير الخارجي بين زوجتين له، فوجه غنماً إلى سحابة وقعت برجفان،وهو جبل يطل على مضيق يليل، فشقت غيبتها عليه. فقال لزوجتيه: لو تحولتما إلى غنمنا.


فقالتا له: بل تذهب، فتطلع إليها، وتصرفها إلى موضع قريب، حتى نوافيك فيه. فمضى وزودتاه وطبين، وقالتا له: اجمع لنا اللبن، ووعدتاه موضعاً من رجفان، يقال له ذو القشع. فانطلق، فصرف غنمه إلى ذلك الموضع، ثم انتظرهما، فأبطأتا عليه. وخالفته سحابة إليهما، فأقامتا، وقالتا: يبلغ إلى غنمه ثم يأتينا. فجعل يصعد في الجبل وينزل يتبصرهما فلا يراهما. فبينما هو كذلك إذ أبصر امرأتين قد نزلنا ، فقال: أنزل فأتحدث إليهما، فإذا هو بامرأة مسنة، ومعها بنت لها شاية، فأعجبته، فقال لها: أتزوجينني ابنتك هذه؟ قالت: إن كنت كفؤاً. فانتسب لها، فقالت: أعرف النسب ولا أعرف الوجه، ولكن يأتي أبوها. فجاء أبوها فعرفه، فأخبرته امرأته بما طلب. فقال: نعم وزوجه إياها. فساق إليها قطعة من غنمه، ثم بنى بها، وانتظر، فلم ير زوجتيه تقدمان عليه، فارتحل إليهما بزوجته وبقية غنمه. فلما طلع عليهما وقف، فأخذ بيدها، ثم أنشأ يقول:

كأني موف لـلـهـلال عـشـية

 

بأسفل ذات القشع منتظر القطـر

وأنتن تلبسن الـجـديدة بـعـدمـا

 

طردت بطي الوطبفي البلق والعفر

فكان الذي قلتـن أعـدد بـضـاعة

 

لنناهد بيضاء الترائب والـنـحـر

كأن سموط الدر منهـا مـعـلـق

 

بجيداء في ضالٍ بوجرة أو سـدر

تكون بلاغا ثم لسـت بـمـخـبـر

 

إذا وديت لي ما وددتن من أمـري

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني مصعب، قال: حدثني أحمد بن زهير؛ وحثني الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش، قالا: كان محمد بن بشير يتحدث إلى امرأة من مزنية، وكان قومها قد جاوروهم، ثم جاء الربيع، وأخصبت بلاد مزينة، فارتحلوا، فقال محمد بن بشير:

لو بينت لك قبل يوم فـراقـهـا

 

أن التفرق من عشـية أو غـد

لشكوت إذ علق الفـؤاد بـهـائم

 

علقٍ حبائل هـائم لـم يعـهـد

وتبرجت لك فاستبتك بـواضـح

 

صلت وأسود في النصيف معقد

بيضاء خالصة البياض كأنـهـا

 

قمر توسط ليل صيف مـبـرد

مرسومة بالحسن ذات حـواسـد

 

إن الجمال مظنة لـلـحـسـد

لم يطغها سرف الشباب ولم تضع

 

عنها معاهدة النصيح المـرشـد

خود إذا كثر الكـلام تـعـوذت

 

بحمى الحياء وإن تكلم تقـصـد

وكأن طعم سلامفة مـشـمـولةٍ

 

تنصب في إثر السواك الأغـيد

وترى مدانعها ترقـرق مـقـلة

 

حوراء ترغب عن سواد الإثمـد

ماذا إذا برزت غداة رحيلـهـا

 

م الحسن تحت رقاق تلك الأبرد

ولدت بأسعد أنجم فمـحـلـهـا

 

ومسيرها أبدا بطلق الأسـعـد

لله يسعدهـا ويسـقـي دارهـا

 

خضل الرباب سرى ولما يرعد

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني الزبير قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: صحب محمد بن بشير من قضاعة إلى مكة ، وكانت فيهم امرأة جميلة، فكان يسايرها ويحادثها. ثم خطبها إلى نفسها ، فقالت: لا سبيل إلى ذلك، لأنك لست لي بعشير ، ولا جاري في بلدي، ولا أنا ممن تطمعه رغبة عن بلده ووطنه. فلم يزل يحادثها ويسايرها حتى انفض الحج، ففرق بينهما نزوعهما إلى أوطانهما، فقال الخارجي في ذلك:

أستغفر الله ربي من مـخـدرة

 

يوماً بدا لي منها الكشح والكتـد

من رفقة صاحبونا في نـدائهـم

 

كل حرام فما ذموا ولا حمـدوا

حتى إذا البدن كانت في مناحرها

 

يعلو المناسم منها مزبد جـسـد

وحلق القوم واعتموا عمائمهـم

 

واحتل كل حرام رأسـه لـبـد

أقبلت أسألها ما بال رفقـتـهـا

 

وما أبالي أغاب القوم أم شهدوا

فقربت لي واحلولت مقالتـهـا

 

وعوقتني وقالت بعض ما تجـد

أني ينال حجازي بـحـاجـتـه

 

إحدى بني القين أدنى دارها برد

أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا سليمان بن عياش، قال: خطب محمد بن بشير امرأة من قومه، فقالت له: طلق امرأتك حتى أتزوجك. فأبى وانصرف عنها، وقال في ذلك:

أأطلب الحسن في أخرى وأتركها

 

فذاك حين تركت الدين والحسبا

هي الظعينة لا يرمى برمتـهـا

 

ولا يفجعها ابن العم ما اصطحبا

فما خلوت بها يوما فتعجبـنـي

 

إلا غدا أكثر اليومين لي عجبـا

حدثني عيى قال: حدثنا الزبير، قال: بلغني عن صالح بن قدمة بن إبراهيم أن محمد بن حاطب الجمحي، يروي شيئاً من أخبار الخارجي وأشعاره، فأرسلت إليه مولى من موالينا يقال له محمد بن يحيى، كان من الكتاب، وسألته أن يكتب لي ما عنده، فكان فيما كتب لنا، قال: زعم الخارجي، واسمه محمد بن بشير، وكنيته أبو سليمان، وهو رجل من عدوان، وكان يسكن الروحاء قال: بينا نحن بالروحاء في عام جدب قليل الأمطار، ومعنا سليمان بن الحصين وابن أخته ، وإذا بقطار ضخمكثير الثقل يهوي، قادم من المدينة، حتى نزلوا بجانب الروحاء الغربي، بيننا وبينهم الوادي، وإذا هم من الأنصار، وفيهم سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. فلبثنا أياماً، ثم إذا بسليمان بن الحصين يقول لي: أرسل إلي النساء يقلن: أما لكم في الحديث حاجة؟ فقلت لهن: فكيف برجا لكن؟ قلن: بلغنا أن لكم صاحباً يعرف بالخارجي، صاحب صيد، فإن أتاهم فحدثهم عن الصيد انطلقوا معه، وخلوتم فتحدثتم. قال: فقلت لسليمان: بئس لعمر الله ما أردت مني، أأذهب إلى القوم فأغرهم، وآثم وأتعب وتنالون أنتم حاجتكم دوني؟ ما هذا لي يرأي.


قال لي سليمان: فأنظرني إذن، أرسل إلى النساء وأخبرهن بقولك. فأرسل إليهن فأخبرهن بما قلت. فقلن: قل له احتل لنا عليهم هذه المرة بما قلنا لك، وعلينا أن نحتال لك المرة الأخرى.


قال الخارجي: فخرجت حتى أتيت القوم فحدثتهم، وذكرت لهم الصيد، فطارت إليه أنفسهم. فخرجت بهم، وأخذت لهم كلاباً وشباكاً، وتزودنا لثلاث. وانطلقت أحدثهم وألهييهم، فحدثتهم بالصدق حتى نفد. ثم حدثتهم بما يشبه الصدق حتى نفذ . ثم صرحت لهم بمحض الكذب حتى مضت ثلاث، وجعلتلا أحدثهم حديثاً إلا قالوا: صدقت. وغبت بهم ثلاثاً ما أعلم أنا عاينا صيداً، فقلت في ذلك:

إني لأعجب مني كيف أفكهـهـم

 

أم كيف أخدع قوماً ما بهم حمق !

أظل في البيد أهيهم وأخبـرهـم

 

أخبار قوم وما كانوا وما خلقـوا

ولو صدقت لقلت القوم قد قدمـوا

 

حين انطلقنا وآتي ساعة انطلقـوا

أم كيف تحرم أيد لم تخـن أحـدا

 

شيئاً وتظفر أيديهم وقد سـرقـوا

ونرتمي اليوم حتى لا يكـون لـه

 

شمس ويرمون حتى يبرق الأفق

يرمون أحور مخضوبا بغـير دم

 

دفعا وأنت وشاحا صيدك العلق

تسعى بكلبين تبغـيه وصـيدهـم

 

صيد يرجى قليلاً ثم يعـتـنـق

ما زلت أحدوهم حتى جعلتـهـم

 

في أصل محنية ما إن بها طرق

ولو تركتهم فيها لـمـزقـهـم

 

شيخا مزينة إن قالا انعقوا نعقوا

إن كنتم أبداً جاري صـديقـكـم

 

والدهر مختلف ألوانـه طـرق

فمتعوني فـإنـي لا أرى أحـدا

 

إلا له أجل في الموت مستبـق

قال سليمان بن عياش: ومات سليمان بن الحصين هذا، وكان خليلاً للخارجي، مصافياً له، وصديقاًمخلصاً، فجزع عليه، وحزن حزناً شديداً، فقال يرثيه:

يأيها المتـمـنـي أن يكـون فـتـىً

 

مثل ابن ليلى لقد خلى لك الـسـبـلا

إن ترحل العيس كي تسعى مسـاعـيه

 

يشفق عليك وتعمل دون ما عـمـلا

لو سرت في الناس أقصاهم وأقربهـم

 

في شقة الأرض حتى تحسر إلابـلا

تبغي فتى فوق ظهر الأرض ما وجدوا

 

مثل الذي غيبوا في بطنـهـا رجـلا

اعدد ثلاث خصال قـد عـرفـن لـه

 

هل سب من أحد أو سب أو بـخـلا

قال سليمان بن عياش:لما ات عبد العزيز بن مروان، ونعي إلى أخيه عبد الملك، تمثل بأبيات الخارجي هذه، وجعل يرددها وبكي.


أخبرني عيسى، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني عمي عن أبيه؛ قال: قال الرشيد يوماً لجلسائه: أنشدوني شعراً حسناً في امرأة خفرة كريمة، فأنشدوا فأكثروا وأنا ساكت، فقال لي: إيه بابن مصعب، أما أنك لو شئت لكفيتنا سائر اليوم؛ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، لقد أحسن محمد بن بشير الخارجي حيث يقول:

بيضاء خالصة البياض كأنـهـا

 

قمر توسط جنح لـيلـمـبـرد

موسومة بالحسن ذات حـواسـد

 

إن الحسان مظنة لـلـحـسـد

وترى مدامعها ترقرق مـقـلة

 

حوراء ترغب عن سواد الإثمـد

خود إذا كثر الكـلام تـعـوذت

 

بحمى الحياء وإن تكلم تقـصـد

لم يطغها شرف الشباب ولم تضع

 

منها معاهدة النصيح المـرشـد

وتبرجت لك فاستبتك بـواضـح

 

صلت وأسود في النصيف معقد

وكأن طعم سلافة مـشـمـولة

 

بالريق في أثر السواك الأغـيد

فقال الرشيد: هذا والله الشعر، لا ما أنشد تمونيه سائر اليوم! ثم أمر مؤدب ابنيه محمد المين وعبد الله المأمون،فرواهما الأبيات.


أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عياش قال: كان محمد بن بشير الخارجي يتحدث إلى عبدة بنت حسان المنزنية، ويقيل عندها أحياناً، وربما بات عندها ضيفاً، لإعجابه بحديثها، فنهاها قومها عنه، وقالوا: ما مبيت رجل بامرأة أيم؟ فجاءها ذات يوم، فلم تدخله خباءها، وقالت له: قد نهاني قومي عنك، وكان قد أمس، فمنعته المبيت، وقالت: لا تبت عندنا ، فيظن بي وبك شر ، فانصرف وقال فيها:

ظللت لدى أطنابهـا وكـأنـنـي

 

أسير معنى في مخلخلـه كـبـل

أخير إما جلـسة عـنـد دارهـا

 

وإما مراح لا قريب ولا سـهـل

فإنك لو أكرمت ضيفك لـم يعـب

 

عليك الذي تأتين حمو ولا بـعـل

وقد كان ينميها إلى ذروة الـعـلا

 

أب لا تخطاه المطية والـرحـل

فهل أنـت إلا جـنة عـبـقـرية

 

يخالط من خالطت من حبكم خبل

وهل أنت إلا نبعه كان أصـلـهـا

 

نضاراً فلم يفضحك فرع ولا أصل

صددت أمرأ عن ظل بيتك مـالـه

 

بواديك لو لا كم صديق ولا أهـل

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: خرج محمد وسليمان ابنا عبيد الله بن الحصين الأسلميان، حتى أتيا امرأة من الأنصار، من بني ساعدة فبرزت لهما، وتحدثا عندها، وقالا لها: هل لك في صاحب لنا ظريف شاعر؟ فقالت: من هو؟ قالا: محمد بن بشير الخارجي. قالت: لا حاجة بي إلى لقائه، ولا تجيئاني بنه معكما، فإنكما إن أتيتما به لم آذن لكما . فجاءا به معهما، وأخبراه بما قالت لهما، وأجلساه في بعض الطرق، وتقدما إليها، فخرجت إليهما، وجاءهما الخارجي بعد خروجها إليهما، فرحبا به، وسلما عليه، فقالت لهما: من هذا؟ قالا: هذا الخارجي الذي كنا نخبرك عنه. فقالت: والله ما أرى فيه من خير، وما أشبهه إلا بعبدنا أبي الجون. فاستحيا الخارجي، وجلس هنيهة، ثم قام من عندها وعلقها قلبه، فقال فيها:

ألا قد رابنـي ويريب غـيري

 

عشية حكمها حـيف مـريب

وأصبحت المودة عنـد لـيلـى

 

منازل ليس لي فيها نـصـيب

ذهبت وقد بدا لي ذاك منـهـا

 

لأهجوها فيغلبني الـنـسـيب

وأنسى غيظ نفسي إن قلـبـي

 

لمـن واددت فـيئتـه قـريب

فلا قلب مـصـر كـل ذنـب

 

ولا راض بغير رضا، غضوب

فدعها لست صاحبهـا وراجـع

 

حديثك إن شأنكمـا عـجـيب

قال: وبلغ الأشجعية زوجة محمد بن بشير ما قالته له الأنصارية، فعيرته بذلك، وكانت إذا أرادت غيظه كنته أبا الجون، فقال في ذلك:

وأيدي الهدايا ما رأيت مـعـاتـبـا

 

من الناس إلا الساعـدية أجـمـل

وقد أخطأتني يوم بطحاء مـنـعـم

 

لها كفف يصطاد فيهـا وأحـبـل

وقد قال أهلي خير كسب كسبـتـه

 

أبو الجون فاكسب مقلها حين ترحل

فإن بات إيضاعي بأمـر مـسـرة

 

لكن فما تسخطن في العيش أطول

أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: اجتمع محمد بن بشير الخارجي وسائب بن ذكوان راوية كثير بمكة، فوافقا نسوة من بني غفار يتحدثن، فجلسا إليهن، وتحدثنا معهن حتى تفرقن، وبقيت واحدة منهن تحدث الخارجي، وتستنشده شعره حتى أصبحوا؛ فقال لهم رجل مر بهم: أما تبرحون عن هذا الشعر وأنتم حرم، ولا تدعون إنشاده وقول الزور في المسجد! فقالت المرأة: كذبت لعمر الله، ما قول الشعر بزور، ولا السلام والحديث حرام على حرم ولا محل. فانصرف الرجل، وقال فيها الخارجي:

أما لك أن تزور وأنت خـلـو

 

صحيح القلب أخت بني غفار؟

فما برحت تعيرك مقلـتـيهـا

 

فتعطيك المنية في استـتـار

وتسهو في حديث القوم حتـى

 

يبين بعض ذلك مـا تـوارى

فمت يا قلب ما بك من دفـاع

 

فينجيك الـدفـاع ولا فـرار

فلم أر طالباً بدم كـمـثـلـي

 

أود وحسن مطلـوب بـثـار

إذا ذكروا بثأري قلت سـقـيا

 

لثأري ذي الخواتم والـسـوار

وما عرفت دمي فتبوء مـنـه

 

برهن في حبالي أو ضمـار

وقد زعم العـواذل أن يومـي

 

ويومك بالمحصب ذي الجمار

من الإغباء ثم زعـمـت أن لا

 

وقلت لدى التنازع والتـمـار

كذبتم ما السلام بـقـول زور

 

وما اليوم الحرام بـيوم ثـار

ولا تسليمنـا حـرمـا بـإثـم

 

ولا الحب الكريم لنا بـعـار

فإن لم نلقكم فسقى الـغـوادي

 

بلادك والرويات الـسـواري

قال سليمان: وفي هذه المرأة يقول الخارجي وقد رحلوا عن مكة، فودعها وتفرقوا:

يا أحسن الناس لولا أن نائلـهـا

قدما لمن يبتغي ميسورها عسر

وإنما دلها سحر تـصـيد بـه

وإنما قلبهاللمشتكـي حـجـر

هل تذكرين كما لمأنس عهدكـم

وقد يدوم لعهد الخلة الـذكـر

قولي وركبك قد مالت عمائمهم

وقد سقاهم بكأس الشقوة السفر

يا ليت أني بأثوابي وراحلـتـي

عبد لأهلك هذا العام مؤتجـر

فقد أطلت اعلا لا دون حاجتنـا

بالحج أمس فهذا الحل والسفر

ما بال رأيك إذ عهدي وعهدكم

إلفان ليس لنا في الود مزدجر

فكـان حـظـك مـنـهـا نـظــرةً طـــرفـــت

إنـسـان عـينـك حـتـى مـا بـهـا نـــظـــر

أكـنـت أبـخـل مـن كــانـــت مـــواعـــده

دينـال إلـى أجـلٍ يرجـــى وينـــتـــظـــر

وقـد نـظـرت ومـا ألــفـــيت مـــن أحـــد

يعـتـاده الـشـوق إلا بـــدؤه الـــنـــظـــر

أبـقـت شـجـى لـك لا ينـــســـى وقـــادحة

في أسـود الـقـلـب لـم يشـعـر بـهــا أخـــر

جنـية أولـهــا جـــن يعـــلـــمـــهـــا

رمـي الـقـلـوب بـقـوس مــال هـــا وتـــر

تجـلـو بـقـادمـتــي ورقـــاء عـــن بـــرد

حمـر الـمـفـاغـر فـي أطـرافـهـــا أشـــر

خود مـبـتـلة ريا مـــعـــاصـــمـــهـــا

قدر الـثـياب فـــلا طـــول ولا قـــصـــر

إذ مـجـاسـدهـا اغـتـالـت فـواضــلـــهـــا

منـهـاروادف فــعـــمـــات ومـــؤتـــزر

إن هـبـت الـريح حـنـت فـي وشــائحـــهـــا

كمـا يجـاذب عــود الـــقـــينة الـــوتـــر

بيضـاء تـعـشـو بـهـا الأبـصــار إن بـــرزت

في الـحـج لـيلة إحـدى عـشـرة الـقـــمـــر

ألا رسـول إذا بــانـــت يبـــلـــغـــهـــا

عنـا وإن لـم تـؤلـف بـينــنـــا الـــمـــرر

أنى بآية وجد قد ظفرت بهمني ولم يك في وجدي بكم ظفر

 

قتيل يوم تلاقينا وأن دمي

عنـهـا وعـمـن أجـارت مــن دمـــي هـــرد

تقـضـين فـي ولا أقـضـي عـلــيك كـــمـــا

يقـضـي الـمـلـيك عـلـى الـمـمـلـوك يقـسـر

إن كـان ذا قـــدراً يعـــطـــيك نـــافـــلة

منـا ويحـرمـنـا، مـا أنـصـــف الـــقـــدر

           

أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: كان الخارجي قدم البصرة، فتزوج بها امرأة من عدوان، كانت موسرة، فأقام عندها بالبصرة مدة، ثم توخم البصرة، فطالبها بأن ترحل معه إلى الحجاز، فقالت: ما أنا بتاركة مالي وضيعتي ههنا تذهب وتضيع، وأمضى معك إلى بلد الجدب والفقر والضيق، فإما أن أقمت ها هنا أو طلقتني. فطلقها وخرج إلى الحجاز، ثم ندم وتذكرها، فقال:

دامت لعينك عبـرة وسـجـوم

 

وثوت بقلبك زفرة وهـمـوم

طيف لزينب ما يزال مؤرقـي

 

بعد الهـدو فـمـا يكـاد يريم

وإذا تعرض في المنام خيالهـا

 

نكأ الفؤاد خيالها المـحـلـوم

أجعلت ذنبك ذنبه وظلـمـتـه

 

عند التحاكم والمـدل ظـلـوم

ولئن تجنبت الـذنـوب فـإنـه

 

ذو الداء يعذر والصحيح يلـوم

ولقد أراك غداة بنت وعهدكـم

 

في الوصل لا حرج ولا مذموم

أضحت تحكمك التجارب والنهي

 

عنه، ويكلفه بك الـتـحـكـيم

برأ الألى علقوا الحبائل قبـلـه

 

فنجوا وأصبح في الوثاق يهـيم

ولقد أردت الصبر عنك فعاقني

 

علق بقلبي من هـواك قـديم

ضعفت معاهد حبهن مع الصبا

 

ومع الشباب فبن وهو مـقـيم

يبقى على حدث الزمان وريبـه

 

وعلى جفـائك إنـه لـكـريم

وجنيت حين صححت وهو بدائه

 

شتان ذاك مصحـح وسـقـيم

وأديته زمنا فعاذ بـحـلـمـه

 

إن المحب عن الحبيب حـلـيم

وأديته زمنا فعاذ بـحـمـلـه

 

إن المحب عن الحبيب حـلـيم

وزعمت أنك تبخلـين وشـفـه

 

شوق إليك، وإن بخلـت، ألـيم

غنى في هذه الأبيات الدرامي خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي؛ وفيه لعريب خفيف ثقيل مطلق، وهو الذي يغني الآن، ويتعارفه الناس.


أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي، قال: كان الخارجي منقطعاً إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وكان يكفيه مؤونته، ويفضل عليه، ويعطيه في كل سنة ما يكفيه ويغنيه، ويغني قومه وعياله، من البر والتمر والكسوة في الشتاء والصيف، ويقطعه القطعة بعد القطعة من إبله وغنمه، وكان منقطعاً إليه وإلى زيد بن الحسن، وابنه الحسن بن زيد، وكلهم به بر، وإليه محسن. فمات أبو عبيدة، وكان ينزل الفرش من ملل، وكان الخارجي ينزل الروحاء، فقال يرثيه:

ألا أيها الناعي ابـن زينـب غـدوة

 

نعيت الندى دارت علـيه الـدوائر

لعمري لقد أمسى قرى الضيف عاتما

 

بذي الفرش لما غيبتك المـقـابـر

إذا سوفـوا نـادوا صـداك ودونـه

 

صفيح وخوار من الـتـرب مـائر

ينادون من أمسى تـقـطـع دونـه

 

من البعد أنفاس الصدور الزوافـر

فقومي اضربي عينيك ياهند لن ترى

 

أباً مثله تسمو إليه الـمـفـاخـر

         

قال: الزبير: فحدثني سليمان بن عياش، قال: كانت هند بنت أبي عبيدة عند الله بن حسن بن حسن، فلما مات أبوها جزعت عليه جزعاً شديداً، ووجدت وجداً عظيماً، فكلم عبد الله بن الحسن محمد بن بشير الخارجي ان يدخل إليها، فيعزيها ويليها عن أبيها، فدخل إليها معه. فلما نظر إليها صاح بأعلى صوته:

قومي اضربي عينيك يا هند لن تري

 

أبا مثله تسمو إليه الـمـفـاخـر

وكنت إذا فاخرت أسـمـيت والـدا

 

يزين كمـا زان الـيدين الأسـاور

فإن تعوليه يشـف يومـاً عـويلـه

 

غليلك أو يعذرك بالـنـوح عـاذر

وتحزنك ليلات طوال وقد مضـت

 

بذي الفرش ليلات تسر قـصـائر

فلقاه رب يغفـر الـذنـب رحـمة

 

إذ بليت يوم الحسـاب الـسـرائر

إذا ما ابن زاد الركب لم يمس لـيلة

 

قفا صفرٍ لم يقرب الفـرش زائر

لقد عـلـم الأقـوام أن بـنـاتـه

 

صوادق إذ يند بـنـه وقـواصـر

قال: فقامت هند، فصكت وجهها وعينيها، وصاحت بويلها وحربها، والخارجي يبكي معها، حتى لقيا جهدا، فقال له عبد الله بن الحسن: ألهذا دعوتك ويحك؟ فقال له: أفظننت أني أعزيها عن أبي عبيدة؟ والله ما يسليني عنه أحد؛ ولا لي عنه ولا عن فقده صبر، فكيف يسليها عنه من ليس يسلو بعده ! أخبرني عيسى، قال: حدثني الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: وعد رجل محمد بن بشير الخارجي بقلوص، فمطله، فقال فيه يذمه، ويمدح زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام:

لعـلـك والـــمـــوعـــود حـــق وفـــاؤه

 

بدا لـك فـي تـلـك الــقـــلـــوص بـــداء

فإن الـــذي ألـــقـــى إذا قـــال قــــائل

 

من الـنـاس: هـل أحـسـسـتـهـا لـعــنـــاء

يقـول الـذي بـيدي الـشــمـــات وقـــولـــه

 

علــي وإشـــمـــات الـــعـــدو ســـواء

دعوت وقد أخلفتني الوعد دعوةبزيد فلم يضلل هناك دعاء

 

 

بأبيض مثل البدر عظم حقه

 

رجـال مـن آل الـمـصـطـفــى ونـــســـاء

فبلغت الأبيات زيد بن الحسن، فبعث إليه يقلوص من خيار إبله، فقال يمدحه:

إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة

 

نفس جدبها واخضر بالنبت عودها

وزيد ربيع الناس في كل شـتـوة

 

إذا أخلفت أنواؤها ورعـودهـا

حمول لأشنـاق الـديات كـأنـه

 

سراج الدجى إذ قارنته سعودهـا

أخبرني عيسى، قال: حدثني الزبير، قال: حدثني سليمان بن عياش، قال: نظر الخارجي إلى نعش سليمان بن الحصين وقد أخرج، فهتف بهم، فقال:

ألم تروا أن فتـى سـيداً

 

راح على نعش بني مالك

لا أنفس العيش لمن بعـده

 

وانفس الهلك على الهالك

وقال فيه أيضاً:

ألا أيها الـبـاكـي أخـاه وإنـمـا

 

تفـرق يوم الـفـدفـد الأخـوان

أخي يوم أحجار الثمـام بـكـيتـه

 

ولو حم يومي قبلـه لـبـكـانـي

تداعت به أيامه فـآخـتـر مـنـه

 

وأبقين لي شجـوا بـكـل زمـان

فليت الذي ينعى سـلـيمـان غـوة

 

بكى عند قبري مثلها ونـعـانـي

فلو قسمت في الجن وغلإنس لوعتي

 

عليه بكى من حرهـا الـثـقـلان

ولو كانـت الأيام تـطـلـب فـدية

 

إليه وصرف الدهـر مـا لأوانـي

أخبرني عيسى، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا سليمان بن عياش، قال: خرج محمد بن بشير يرمي من فوقها، فنزلت قدمه عنها، فصاح حتى سقط على الأرض، وأحدث في ثيابه، فقال الخارجي في ذلك:

حرق يا صـــفـــاة فــــــي ذراك

 

بالـنـار إن لـم تـمـنـــعـــي أرواك

تعلمي أن بدذي الأراكأيتها الأورى ذوي عراك

 

 

قوماً أعدوا شبك الشباك

 

يبـغـون ضـبـعـا قـتـلــت أبـــاك

نعـم مـلـوي الـحـــيد الـــمـــداك

 

إذ صـوت الـجـالـب فــي أخـــراك

ولـم يقـل مـنـتـــصـــحـــا: إياك

 

بين مـقـاطـيهـا ركــبـــت فـــاك

فعـدت والـطـعـن عـلـــى كـــلاك

 

مثـل الأضـاحـي بـيد الـنـــســـاك

يرمـي بـالأكـتـاف عــلـــى الأوراك

 

كمـا أطـحـت الـعـبـد عـن صـفـاك

أما السيالي فلن ينـسـاك

 

لو يرتميك الناس ما رماك

 

           

أخبرني عيسى، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا سليمان بن عياش، قال: كانت عند الخارجي بنت عم له، فهجاه بعض قرابتها، فأجابه الخارجي، فغضبت زوجته، وقالت: هجوت قرابتي. فقال الخارجي في ذلك:

أما ما أقول لـهـم فـعـابـت

 

علي وقد هجيت فما تـعـيب

فرمت وقد بدا لي ذاك منـهـا

 

لأهجوها فيمنعني الـنـسـيب

قلا ثلب بـيصـر كـل ذنـب

 

ولا ارض بغير رضا، غضوب

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: وحدثني الزبير عن سليمان بن عياش، قالا: تزوج الخارجي جارية من بني ليث شابة، وقد أسن وأسنت زوجته العدوانية. فضربت دونه حجاباً، وتوارت عنه، ودعت نسوة من عشيرتها، فجلسن عندها، يلهون ويتغنين ويضربن بالدفوف، وعرف ذلك محمد فقال:

لئن عانس قد شاب ما بين قرنـهـا

 

إلى كعبها وأبيض عنها شبابـهـا

صبت في طلاب اللهو يوماً وعلقت

 

حجاباً لقد كانت يسيراً حجابـهـا

لقد متعت بالعيش حتى تشعـبـت

 

من اللهو إذا لا ينكر اللهو بابـهـا

فبيني برغم ثم ظللـي فـربـمـا

 

ثرى الرغم منها حيث يثوي نقابها

لبيضاء لم تنسب لجـد يعـيبـهـا

 

هجانٍ ولم تنبح لئيمـاً كـلابـهـا

تأود في الممشى كأن قنـاعـهـا

 

على ظبية أدماء طاب شبـابـهـا

مهفهفة الأعطاف خفاقة الحشـى

 

جميل محياها قلـيلٍ عـتـابـهـا

إذا ما دعت بابني نزار وقارعـت

 

ذوي المجد لم يردد عليها انتسابهـا

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمي عن الضحاك بن عثمان، قال: لما ولي إبراهيم بن هشام الحريمين، دخل إليه محمد بن بشير الخارجي، وكان له قبل ذلك صديقاً. فاعرض عنه، ولم يظهر له بشاشة ولا أنساً. ثم عاوده فاستأذنه في الإنشاد، فأعرض عنه، وأخرجه الحاجب من داره، وكان إبراهيم بن هشام تياهاً، شديد الذهاب بنفسه، فوقف له يوم الجمعة على طريقه إلى المسجد، فلما حاذاه صاح به:

يابن الهشامين طرا حزت مجدهما

 

وما تخونـه نـقـض وإمـرار

لا تشمتن بـي الأعـداء إنـهـم

 

بيني وبينك سـمـاع ونـظـار

وإن شكري إن ردوا بغيظـهـم

 

في ذمة اللـه إعـلان وإسـرار

فاكرر بنائلك المحمود من سـعة

 

علي إنك بالمـعـروف كـرار

فقال لحاجبه: قل له يرجع إلي إذا عدت. فرجع، فأدخله إليه، وقضى دينه، وكساه ووصله، وعاد إلى ما عهده منه.
أخبرني الحسن قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني مصعب عن أبيه قال: عثر بعروة بن أذينة حماره عند ثنية العويقل ، فقال عروة:

ليت العويقل مسدود وأصبح من

 

فوق الثنية فـيه ردم يأجـوج

فتستريح ذوو الحاجات من غلظ

 

ويسلك السهل يمشي كل منتوج

فقال محمد بن بشير الخارجي يرد عليه:

سبحان ربك تب مـمـا أتـيت بـه

 

ما يسدد الله يصبح وهو مـرتـوج

وهل يسد ولـلـحـجـاج فـيه إذا

 

ما أصعدوا فيه تكبير وتـلـجـيج

ما زال منـذ أذل الـلـه مـوطـئه

 

ومنذ آذن أن البـيت مـحـجـوج

تهدي له الوفد وفد اللـه مـطـربة

 

كأنه شطب بالـقـد مـنـسـوج

خل الطـريق إلـيهـا إن زائرهـا

 

والساكنين بهـا الـشـم الأبـالـيج

لا يسدد الله نقباً كان يسـلـكـه ال

 

بيض البهاليل والعوج العنـاجـيج

لو سده اللـه يومـاً ثـم عـج لـه

 

من يسلك النقب أمسى وهو مفروج

أخبرني الحسن قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا مصعب، قال: كان للخارجي أخ يقال له بشار بن بشير، وكان يجلس أعداءه، ويعاشر من يعلم أنه مباين له. وفيه يقول:

وإني قد نصحت فلم تصدق

 

بنصحي واعتددت فما تبالي

وإني قد بدا لي أن نصحـي

 

لغيبك واعتدادي في ضلال

فكم هذا أذودك عن قطاعي

 

كتذويد المحلاة الـنـهـال

فلا تبغ الذنوب علي واقصـد

 

لأمرك من قطاع أو وصـال

فسوف أرى خلالك من تصافي

 

إذا فارقتني وترى خـلالـي

وإن جزاء عهـدك إذ تـولـى

 

بأن أغضي وأسكت لا أبالـي

أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا سليمان بن عياش، قال: كان الخارجي معجباً بزوجته سعدى، وكانت من أسوأ الناس خلقاً، وأشده على عشير ، فكان يلقى منه عنتاً. فغاضبها يوماً لقول آذته به، ةاعتزلها، وانتثقل إلى زوجته الأخرى، فأقام عندها ثلاثاً. ثم اشتاق إلى سعدى، وتذكرها، وبدا له في الرجوع إلى بيتها، فتحول إليها، وقال:

أرني إذا غالبت بالصبر حـبـهـا

 

أبى الصبر ما ألقى بسعدى فأغلب

وقد علمت عند التعـاتـب أنـنـا

 

إذا ظلمتنا أو ظلمنا سنـعـتـب

وإني وإن لم أجن ذنباً سأبـتـغـي

 

رضاها وأعفو ذنبها حين تذنـب

وإني وإن أنبـت فـيهـا يزيدنـي

 

بها عجباً من كان فـيهـا يؤنـب

أخبرني عيسى قال: حدثنا الزبير قال: حدثنا سليمان بن عياش قال: كان بشار بن بشير أخو محمد بن بشير يعاديه، ويجالس أعداءه . فقال الخارجي فيه:

كفاني الذي ضيعت مني وإنـمـا

 

يضيع الحقوق ظالماً من أضاعها

صنيعة من ولاك سوء صنيعـهـا

 

وولى سواك أحجرها واصطناعها

أبى لك كسب الخير رأي مقصـر

 

ونفس أضاق الله بالخير باعاهـا

إذا هي حثته على الخـير مـرةً

 

عصاها وإن همت بشر أطاعهـا

فلولا رجال كاشحـون يسـرهـم

 

أذاك، وقربى لا أحب انقطاعهـا

إذاً بان زلت بـك الـنـعـل زلةً

 

فراق خلال لا تطيق ارتجاعهـا

وأني متى أحمل على ذاك أطلـع

 

عليك عيوباً لا أحب اطلاعـهـا

فإن تـك أحـلام تـرد إخـاءنـا

 

علينا فمن هذا يرد سمـاعـهـا

سأنهاك نهياً مجمـلاً وقـصـائدا

 

نواصح تشفى من شئونٍ صاعهـا

ومن يجتلب نحوي القصائد يجتلب

 

قراه ويتبع من يحب اتبـاعـهـا

إذا ما الفتى ذو اللب حلت قصـائد

 

إليه فيخل للقوافـي ربـاعـهـا

أخبرني عيسى بن الوراق قال: حدثنا الزبير قال: حدثنا سيمان بن عياش قال: لما دفن زيد بن حسن وانصرف الناس عن قبره، جاء محمد بن بشير إلى الحسن بن زيد، وعنده بنو هاشم ووجوه قريش يغرونه، فأخذ بعضادتي الباب، وقال:

أعيني جوداً بالـدمـوع وأسـعـدا

 

بني رحم ما كـان زيد يهـينـهـا

ولا زيد إلا أن يجـود بـعـبــرة

 

على القبر شاكي نكبة يستكينـهـا

وما كنت تلقى وجـه زيد بـبـلـدة

 

من الأرض إلا وجه زيد يزينـهـا

لعمر أبي الناعي لعمت مـصـيبة

 

على الناس واختصت قصيا رصينها

وأنـي لـنـا أمـثـال زيد وجـده

 

مبلغ آيات الـهـدى وأمـينـهـا

وكان حليفيه السـمـاحة والـنـدى

 

فقد فارق الدنيا نداهـا ولـينـهـا

غدت غدوة ترمي لؤي بن غـالـب

 

يجعد الثرى فوة امرىء ما يشينهـا

أغر بطاحي بكـت مـن فـراقـه

 

عكاظ فبطحاء الصفا فحجونـهـا

فقل للتي يعلو على الناس صوتهـا

 

ألا لا أعان الله مـن لا يعـينـهـا

وأرملةٍ تبكي وقد شـق جـيبـهـا

 

عليه فآبت وهي شعث قرونـهـا

ولو فقهت ما يفقه الناس أصبحـت

 

خواشع أعلام الفـلاة وعـينـهـا

نعاه لنا الناعي فظلـنـا كـأنـنـا

 

نرى الأرض فيها آية حان حينهـا

وزالت بنا أقـدامـنـا وقـلـبـت

 

ظهور روابيها بنا وبـطـونـهـا

وآب ذوو الألباب مـنـا كـأنـمـا

 

يرون شمالا فارقتهـا يمـينـهـا

سقى الله سقيا رحمةٍ ترب حـفـرة

 

مقيم على زيدٍ ثراهـا وطـينـهـا

قال: قما رؤي يوم كان أكثر باكياً من يومئذٍ .


أخبرني محمد بن المرزبان قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فاس قال: حدثني العمري عن لقيط، قال: كان محمد بن بشير الخارجي من أهل المدينة، وكانت له بنت عم سرية جميلة، قد خطبها غير واحد من سروات قريش، فلم ترضه. فقال لأبيه: زوجنيها. فقال له: كيف أزوجكها وقد رد عمك عنها أشراف قريش فذهب إلى عمه فخطبها إليه، فوعده بذلك، وقرب منه،. فمضى محمد إلى أبيه فأخبره، فقال له: ما أراه يفعل. ثم عاوده، فزوجه إياها. فغضب الجارية، وقالت له: خطبني إليك أشراف قريش فرددتهم، وزوجتني هذا الغلام الفقير؟ فقال لها: هو ابن عمك، وأولى الناس بك. فلما بنى لها جعلت تستخف به وتستخدمه، وتبعثه في غنمها مرة، وإلى نخلها أخرى. فلما رأى ذلك من فعلها قال شعراً، ثم خلا في بيت يترنم به ويسمعها. وهو:

تثاقلت أن كنت ابن عم نكـحـتـه

 

فملت وقد يشفى ذوو الرأي بالعذل

فإنك إلا تتركي بعـض مـا أرى

 

تنازعك أخرى كالقرينة في الحبل

تلزك ما اسطاعت إذا كان قسمهـا

 

كقسمك حقا في التلاد وفي البعل

متى تحمليها منك يومـا لـحـالة

 

فتتبعها تحملك منها على مـثـل

قال: فصلحت، ولم ير منها بعد ما سمعت شيئاً يكرهه.

علام هجرت ولم تهجري

 

ومثلك في الهجر لم يعذر

قطعت حبالك من شـادنٍ

 

أغن قطوف الخطا أحور

السعر لسديف مولى بني هاشم: والغناء لأبي العبيس بن حمدون. خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى.