أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه

هو كعب بن مالك بن أبي كعب. واسم أبي كعب: عمرو بن القين بن كعب بن سواد. وقيل: القين بن سواد (هكذا قال ابن الكلبي) بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث.


وكان كعب بن مالك من شعراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدودين، وهو بدري عقبي. وأبوه مالك بن أبي كعب بن القين شارع، وله في حروب الأوس والخزرج، التي كانت بينهم قبل الإسلام آثار وذكر. وعمه قيس بن أبي كعب شهد بدراً، وهو شارع أيضاً، وهو الذي حالف جهينة على الأوس. وخبره في ذلك يذكر في موضعه، يعد أخبار كعب وأبيه.


ولكعب بن مالك أصل عريق ، وفرع طويل في الشعر: ابنه عبد الرحمن شاعر، وابن ابنه بشير بن عبد الرحمن شارع ، والزبير بين خارجة بن عبد الله بن كعب شاعر، ومعن بن عمرو بن عبد الله بن كعب شاعر، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أبو الخطاب شارع، ومعن بن وهب بن كعب شارع، وكلهم مجيد مقدم.


وعمر كعب بن مالك، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً كثيراً، وكل بني كعي بن مالك قد روى عنه الحديث.


فما رواه ابن ابنه بشير عن أبيه عنه: حدثني أحمد بن الجعد قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أحمد بن عبد الملك قال: حدثنا عتاب بن سلمة عن إسحاق بن راشد عن الزهري قال: كان بشير بن عبد الرحمن بن كعب يحدث عن أبيه: أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده، لكأنما تنضحونهم بالنبل بما تقولون من الشعر. ومما رواه عنه ابنه عبد الله: أخبرني أحمد بن الجعد قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال: حدثنا عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن مسلم، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن ابيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، ثم يرجع الناس إلى أهاليهم وهم يبصرون مواقع النبل حين يرمون.


ومما رواه ابنه محمد: أخبرني أحمد بن الجعد قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن سابق قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن محمد بن كعب، عن أبيه، أنه حدثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق، فنادى: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب.


ويقال: كان كعب بن مالك عثمانياً، وهو أحد من قعد عن علي بن أبي طالب عليه السلام، فلم يشهد معه حروبه، وخاطبه في أمر عثمان وقتلته خطاباً نذكره بعد هذا في أخباره، ثم اعتزله. وله مراث في عثمان بن عف6ان رحمه الله، وتحريض لأنصار على نصرته قبل قتله، وتأنيب لهم على خدلانه بعد ذلك، منها قوله:

فلو حلتم من دونه لم يزل لـكـم

 

يد الدهر عز لا يبوخ ولا يسري

ولم تقعدوا والدار كاب دخانهـا

 

يحرق فيها بالسعير وبالجـمـر

فلم أر يوماً كان أكثـر ضـيعةً

 

وأقرب منه للغوابة والنـكـر

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال: كان كعب بن مالك الأنصاري أحد من عاون عثمان على المصريين، وشهر سلاحه، فلما ناشد عثمان الناس أن يغمدوا سيوفهم انصرف، ولم ير أن الأمر يخلص إليه، ولا يجري القوم إلى قتله؛ فلما قتل وقف كعب نب مالك على مجلس الأنصار، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشدهم:

من مبلغ الأنصار عـنـي آيةً

 

رسلا تقص عليهم التـبـيانـا

أن قد فعلتم فعـلة مـذكـورة

 

كست الفضوح وأبدت الشانأنا

بقعودكم في دوركم وأميركـم

 

تخشى ضواحي داره النيرانـا

بينا يرجي دفعكـم عـن داره

 

ملثت حريقاً كابـيا ودخـانـا

حتى إذا خلصوا إلى أبـوابـه

 

دخلوا عليه صائماً عطشـانـا

يعلون قلته السـيوف وأنـتـم

 

متلبثون مكانكـم رضـوانـا

الله يعلم أنـنـي لـم أرضـه

 

لكم صنيعاً يوم ذاك وشـانـا

يا لهف نفسي إذ يقول: ألا أرى

 

نفراً من الأنصار لي أعوانـا

والله لو شهد ابن قيس ثـابـت

 

ومعاشر كانوا لـه إخـوانـا

يعني ثابت بن قيس بن شماس.

وأبو دجانة وابن أرقم ثـابـت

 

وأخو المشاهد من بني عجلانا

أبو دجانة: سماك بن خرشة. وابن أرقم: ثابت البلوي. وأخو المشاهد من بني عجلان: معن بن عدي، عقبي.

ورفاعة العمري وابن معاذهم

 

وأخو معاوي لم يخف خذلانا

رفاعة: ابن عبد المنذر العمري. وابن معاذ: سعد بن معاذ. وأخو معاوية: المنذر بن عمرو الساعدي، عقبى بدري.

قوم يرون الحق نصر أميرهـم

 

ويرون طاعة أمـره إيمـانـا

إن يتركوا فوضى يروا في دينهم

 

أمراً يضيق عنهم الـبـلـدانـا

فليعلين الـلـه كـعـب ولـيه

 

وليجعـلـن عـدوه الـدلانـا

إني رأيت محـمـدا إخـتـاره

 

صهراً وكان يعده خلـصـانـا

محض الضرائب ماجداً أعرقـه

 

من خير خندق منصباً وكـانـا

عرفت له عليا معـد كـلـهـا

 

بعد النبي الملك والسلـطـانـا

من معشر لا يغدرون بجارهـم

 

كانوا بمكة يرتعـون زمـانـا

يعطون سائلهم يأمن جـارهـم

 

فيهم ويردون الكماة طـعـانـا

فلو انكم مع نصركم لنـبـكـم

 

يوم اللقاء نصرتم عثـمـانـا!

أنسبتم عهد الـنـبـي إلـيكـم

 

ولقـد ألـظ ووكـد الأيمـانـا

قال: فجعل القوم يبكون، وستغفرون الله عز وجل.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وحبيب بن نصر المهلبي قاللا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا أبو عامر، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: رجز راجز من قريش برسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:

لم يغـذهـا مـد ولا نـصــيف

 

ولا تـمـيرات ولا تـجـــيف

لكن غذاها الـلـبـن الـحـريف

 

والمخض والقارص من الصريف

قال: فاحتفظت الأنصار حيث ذكر المد والتمر، فقالوا لكعب بن مالك: انزل، فنزل، فقال:

لم يغذها مد ولا نـصـيف

 

لكن غذاها الحنظل النقيف

ومذقة كطرة الـخـنـيف

 

تبيت بين الزرب والكنيف

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اركبا.


أخبرني الجوهري والمهلي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن محمد، عن محمد بن سيرين، في حديث طويل قال: كان يهجوهم يعني قريشاً، ثلاثة نفر من الأنصار يجيبونهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. وكان حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم، بالوقائع والأيام والماثر، ويعيرانهم بالمثالب، وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر، ونسبهم إليه، ويعلم أن ليس فيهم شيء شر من الكفر، فكانوا في ذلك الزمان أشد شيء عليهم قول حسان وكعب، وأهون شيء عليهم قول ابن رواحة، فلما أسلموا وفقهو الإسلام، كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة.


أخبرني الجوهير والمهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا عبد الله بن بكرٍ السهمي قال: حدثني حاتم بن أبي صغيرة قال: حدثنا سماك بن حرب قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: إن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك فقام ابن رواحة، فقال: يا رسول الله ائذن لي فيه. فقال له. أنت الذي تقول: فثبت الله؟ قال: نعم يا رسول الله، انا الذي أقول:

فثبت الله ما أعطاك مـن حـسـنٍ

 

تثبيت موسى، ونصراً كالذي نصرا

فقال: وأنت فعل الله بك مثل ذلك. قال: فوثب كعب بن مالك فقال: يا رسول الله ، ائذن لي فيه. فقال: أنت الذي تقول: همت؟ قال: نعم يا رسول الله، أنا الذي أقول:

همت سخينة أن تغالب ربها

 

وليغلبن مغالب الـغـلاب

فقال: أما إن الله لم ينسى لك ذلك.


أخبرني الجوهري والمهلي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا عبد الله بن يحيى مولى ثقيف قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا مجالد، عن الشعبي قال: لما انهزم المشركون يوم الأحزاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المشركين لن يغزوكم بعد اليوم، ولكنكم تغزونهم، وتسمعون منهم أذى ويهجونكم، فمن يحمي أعراض المسلمين؟ فقام عبد الله بن رواحة، فقال: أنا فقال: إنك لحسن الشعر. ثم قام كعب فقال: أنا. فقال: وإنك لحسن الشعر.


أخبرني الجوهري والمهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني محمد بن منصور قال: حدثني سعيد بن عامر قال: حدثني جويرية بن أسماء قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن، وأمرت حساناً فشفى واشتفى.


أخبرني الجوهري والمهلبي قالا: حدثنا عمر بن سبة قال: حدثني أحمد بن عيسى قال: حدثني عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث: أن يحيى بن سعيد حدثه عن عبد الله بن أنيس عن أمه، وهي بنت كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على كعب وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشد، فلما رآه انقبض، فقال: ما كنتم فيه؟ فقال كعب: كنت أنشد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانشد، فأنشد، حتى أتى على قوله

مقاتلنا عن جذمنا كل فخمةٍ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل عن جذمنا، ولكن قل: مقاتلنا عن ديننا.


قال أبو زيد: وحدثني سعيد بن عامر قال: حدثنا أبو عون عن ابن سيرين قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بباب كعب بن مالك، فخرج فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيه، فأنشده ، ثم قال: إيه فأنشده، ثم قال: إيه فأنشده( ثلاث مرات). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهذا أشد عليهم من مواقع النبل.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور الربعي، وذكر أنه إسناد شآم، هكذا قال، قال ابن عمار في الخبر، وذكر حديثاً فيه طول، لحسان بن ثابت، والنعمان بن بشير، وكعب بن مالك، فذكرت ما كان لكعب فيه، قال: لما بويع لعلي بن أبي طالب عليه السلام، بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير-وكانوا عثمانية- أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشأم خير من المدينة. واتصل بهم أن ذلك قد بلغه، فدخلوا عليه، فقال له كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين؛ أخبرنا عن عثمان: اقتل ظالماً، فنقول بقولك؟ أم قتل مظلوماً، فنقول بقولنا، وكلك إلى الشبهة فيه، فالعجب من تيقننا وشكك، وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته نعرفه، ثم قال:

كيف يديه ثـم أغـلـق بـابـه

 

وأيقن أن اللـه لـيس يغـافـل

وقال لمن في داره: لا تقاتلـوا

 

عفا الله عن كل امرىء لم يقاتل

فكيف رأيت الله صب عليهم ال

 

عداوة والبغضاء بعد التواصـل

وكيف رأيت الخير أدبر عنهـم

 

وولى كإدبار النعام الجـوافـل

فقال لهم علي عليه السلام: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأساتم الجزع وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، ولا تعذرنا به. فقال علي عليه السلام: أتردون علي بني ظهراني المسلمين، بلا بينة صادقة، ولا حجة واضحة؟ اخرجوا عني، ولا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم، فساروا حتى أتوا معاوية، فقال لهم: لكم الولاية والكفاية. فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار، وكعب بن مالك ألف دينار، وولى النعمان بن بشير حمص، ثم نقله إلى الكوفة بعد.


أخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن الحارث، قال: حدثنا المدائني عن عبد الأعلى القرشي قال: قال معاوية يوماً لجلسائه: أخبروني بأشجع بيت وصف به رجل قومه. فقال له روح بن زنباع: قول كعب بن مالك:

نصل السيوف إذا قصرن بخطونا

 

قدماً ولحقها إذا لـم تـلـحـق

فقال له معاوية: صدقت.
وأما أبوه مالك بن أبي كعب، أبو كعب بن مالك، فإني أذكر قبل أخباره شيئاً مما يغنى فيه من شعره، فمن ذلك قوله:

لعمر أبيها لا تقول حـلـيلـتـي:

 

ألا فر عني مالك بن أبي كعـب

وهم يضربون الكبش يبرق بيضـه

 

ترى حوله الأبطار في حلقٍ شهب

الشعر لمالك بن أبي كعب. والغناء لمالك، ثقيل أول بالبنصر، عن يونس والهشامي. وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى، جميعاً عن الهشامي. وزعم ابن المكي أن خفيف الثقيل هو لحن مالك.


وهذا الشعر يقوله مالك بن أبي كعب في حرب كانت بينه وبين رجل من بني ظفر، يقال له يرذع بن عدي.


وكان السبب فيما ذكره جعفر العاصمي عن عيينة بن المنهال، ونسخته من كتاب أعطانيه علي بن سليمان الأخفش: أن رجلاً من طبىء قدم يثرببإبل له بيعها، فنزل في جوار برذع بن عدي أخي بني ظفر، فباع إبله، واقتضى أثمانها، وكان مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة، اشترى منه جملاً، فجعله ناضحاً، فمطله مالك بن أبي كعب بثمن جمله، وحضر شخوص الطائي، فشكا ذلك إلى برذع، فمشى معه إلى منزل مالك، ليكلمه أن يوفيه ثمن جمله، أو يرده عليه، فلم يجدا مالكاً في منزله، ووجدا الجمل باركاً بالفناء، فبعثه برذع، وقال للطائي: انطلق بجملك، ثم خرجا مسرعين حتى دخلا في دار النبيت، فامنا، فارتحل الطائي بالجمل إلى بلاده، وبلغ مالكاً ما صنع برذع، فكره أن ينشب بين قومه وبين النبيت حرب، فكف وقد أغضبه ذلك، وجعل يسفه برذعاً في جراءته عليه وما صنع، فقال برذع بن عدي في ذلك:

أمن شحط دار من لبابة تـجـزع

 

وصرف النوى مما يشت ويجمع

وليس بهـا إلا ثـلاث كـأنـهـا

 

مسفعة أو قـد عـلاهـن أيدع

قد اقتربت لوكان في قرب دارها

 

جداء ولكن قد تضن وتـمـنـع

وكان لها بالمنحنـى وجـنـوبـه

 

مصيف ومشتى قبل ذاك ومربع

أتاني وعيد الخزرجي كـأنـنـي

 

ذليل له عند اليهودي مـضـرع

متى تلقني لا تلق نـهـزة واجـد

 

وتعلم أني في الهـزاهـز أروع

معي سمحة صفراء من فرع نبعةٍ

 

ولين إذا مس الضريبة يقـطـع

ومطرد لـدن إذا هـزمـتـنـه

 

متين كخرص الذابلات وأهـزع

فلا وإلهي لا يقول مـجـاوري:

 

ألا إنني قد خانني الـيوم بـرذع

وأحفظ جاري أن أخاتل عـرسـه

 

ومولاي بالنكـراء لا أتـطـلـع

وأجعل مالي دون عرضـي إنـه

 

على الوجد والإعدام عرض ممنع

وأصبر نفسي في الكـريهة إنـه

 

لذي كل نفس مستقر ومصـرع

وإني بحمد الله لا ثـوب فـاجـر

 

لبست ولا من خـزيةٍ أتـقـنـع

فأجابه مالك بن أبي كعب، فقال:

هل للفؤاد لدى سنباء تـنـويل

 

أم لا نوال فإعراض وتحـيل

إن النساء كأشجار نبتن مـعـا

 

منهن مر وبعض المر مأكول

إن النساء ولو صورن من ذهب

 

فيهن من هفوات الجهل تخبيل

الغناء لسليم، هزج بالوسطى عن الهشامي وبذل.

إنك إن تنه إحداهن عن خـلـق

 

فإنه واجب لا بـد مـفـعـول

ونعجةٍ من نعاج الرمـل خـاذلةٍ

 

كأن مأقيها بالحسن مـكـحـول

ودعتها في مقامي ثم قلت لهـا:

 

حياك ربك إني عنك مشـغـول

وليلةٍ من جمادى قد شربت بهـا

 

والزق بيني وبين الشرج معدول

ومرجحن على عمد دلفـت بـه

 

كأنه رجل في الصف مقـتـول

ولا أهاب إذا ما الحرب حرشهاال

 

أبطال واضطربت فيها البهالـيل

أمضي أمامهم والموت مكتـنـع

 

قدماً إذا ما كبا فيها التـنـابـيل

علي فضفاضة كالنهى سـابـغة

 

وصارم مثل لون الملح مصقول

ولدنه في يدي صفراء تعلبـهـا

 

بعامل كثهاب النار مـوصـول

إني من الخزرج الغر الذين هـم

 

أهل المكارم لا يلفى لهم جـيل

في الحرب أنهك منهم للعـدو إذا

 

شبت وأعظم نبلاً إن هم سيلـوا

أشبهت من والدي عزاً ومكـرمةً

 

ويرذع مدغم في الأوس مجهول

نبئته يدعـي عـزاً ويوعـدنـي

 

نوكاً وعندي له بالسيف تنـكـيل

قال: ثم إن مالك بن كعب خرج يوماً لبعض حاجته، فبينا هو يمشي وحده، إذ لقيه برذع ومعه رجلان من بني ظفر، فلما رأوا مالكاً أقبلوا نحوه، فبدرهم مالك إلى مكان من الحرة كثير الحجارة مشرف، فقام عليه، وأخذ في يده أحجاراً، وأقبلوا حتى دنوا منه، فشاتموه وراموه بالحجارة؛ وجعل مالك يلتفت إلى الكريق الذي جاء منه، كأنه يستبطىء ناساً، فلما رآه برذع وصاحباه يكثر الالتفات، ظنوا أنه ينتظر ناساً كانوا معه، وخشوا أن يأتوهم على تلك الحال، فانصرفوا عنه، فقال مالك بن أبي كعب في ذلك:

لعمر أبيها لا تقول حـلـيلـتـي:

 

ألا فر عني مالك بن أبي كعـب

أقاتل حتى لا أرى لي مـقـاتـلا

 

وأنجو إذا غم الجبان من الكـرب

أبى لي أن أعطى الصغار ظلامةً

 

جدودي زآبائي الكرام أولو السلب

هم يضربون الكبش يبرق بيضـه

 

ترى حوله الأبطال في حلق شهب

وهم أورثوني مجدهم وفعـالـهـم

 

فأقسم لا يزري بهم أبداً عقـبـي

ويروى: لا يخزيهم.

وأرعى لجاري ما حـييت ذمـامـه

 

وأعرف ما حق الرفيق على الصحب

ولا أسمع الـنـدمـان شـيئاً يريبـه

 

إذا الكأس دارت بالمدام على الشرب

إذا ما اعترى بعض الندامى لـحـاجةٍ

 

فقولي له: أهلاً وسهلاً وفي الرحب

إذا أنفذوا الزق الـروي وصـرعـوا

 

نشاوى فلم أنقع بقولهم: حـسـبـي

بعثت إلى حانوتها فـاسـتـبـأتـهـا

 

بغير مكاس في الوام ولا غـصـب

وقلت: اشربوا ريا هـنـيئاً فـإنـهـا

 

كماء القليب في اليسارة والـقـرب

يطاف عليهم بالسـديف وعـنـدهـم

 

قيان يلهين المزاهـر بـالـضـرب

فإن يصبروا لي الدهر أصبرهم بهـا

 

ويرحب لهم باعي ويغزر لهم شربي

وكان أبي في المحل يطعم ضـيفـه

 

ويروي نداماه ويصبر في الـحـرب

ويمـنـع مـولاه ويدرك تـبـلــه

 

ولو كان ذاك التبل في مركب صعب

إذا ما منعت المال منـكـم لـثـروةٍ

 

فلا يهنني مالي ولا ينم لي كسـبـي

وقد روي أن الشعر المنسوب إلى مالك بن أبي كعب، لرجل من مراد، يقال له مالك بن أبي كعب، وذكر له خبر في ذلك.
أخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان. قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، عن عبد الله بن عباس، عن مجالد عن الشعبي، قال: كان رجل من مراد يكنى أبا كعب، وكان له ابن يدعى مالكاً، وبنت يقال لها طريفة، فزوج ابنه مالكاً امرأة من أرحب، فلم تزل معه حتى مات أبو كعب، فقالت الأرحبية لمالك: إني قد استقت إلى أهلي ووطني، ونحن هاهنا في جدب وضيق عيش، فلو ارتحلت بأهلك وبي، فنزلت على أهلي، لكان عيشنا أرغد، وشملنا أجمع؛ فأطاعها، وارتحل بها وبأمه وبأخته إلى بلاد أرحب، فمر بحي كان بينهم وبين أبيه ثأر، فعرفوا فرسه، فخرجوا إليه، وأحدقوا به، وقالوا له: استسلم وسلم الظعينة. فقال: أما وسيفي بيدي وفرسي تحتي فلا، وقاتلهم حتى صرع، فقال وهو يجود بنفسه:

لعمر أبيها لا تقول حلـيلـتـي

 

ألا فر عني مالك بن أبي كعب

وذكر باقي الأبيات التي تقدم ذكرها قبل هذا الخبر.
قال مؤلف هذا الكتاب: وأحسب هذا الخبر مصنوعاً، وأن الصحيح هو الأول.

خيرت أمرين ضاع الحزم بينهما

 

إما الضياع وإما فتـنة عـمـم

فقد هممت مراراً أن أساجلهـم

 

كأس المنية لولا الله والـرحـم

الشعر لعيسى بن موسى الهاشمي، والغناء لمتيم الهاشمية، خفيف رمل، من روايتي ابن المعتز والهشامي.