أخبرني الجوهري عن ابن مهروية، عن أبيه قال: قيل لعثمان بن دراج: اتعرف بستان فلان؟ قال: إي والله، وإنه للجنة الحاضرة في الدنيا. قيل له: فلم لا تدخل إليه، فتأكل من ثماره، تحت أشجاره، وتسبح في أنهاره؟ قال: لأن فيه كلباً لا يتمضمض إلا بدماء عراقيب الرجال.
أخبرني الجوهري قال: حدثنا ابن مهرويه قال: حدثنا عبد الرحيم بن احمد بن زيد الحراني قال: كان عثمان بن دراج يلزم سعيد بن عبد الكريم الخطابي، أحد ولد زيد بن الخطاب، فقال له: ويحك! إني أبخل بأدبك وعلمك، وأصونك وأضن بك عما أنت فيه من التطفيل، ولي وظيفة راتبة في كل يوم، فالزمني وكن مدعواً أصلح لك مما تفعل. فقال: رحمك الله أين يذهب بك؛ فأين لذة الجديد، وطيب التنقل كل يوم من مكان إلى مكان؟ وأين نيلك ووظيفتك من احتفال الأعراس؟ وأين ألوانك من ألوان الوليمة؟ قال: فأما إذ أبيت ذاك، فإذا ضاقت عليك المذاهب فإني فيئة لك. قال: أما هذا فنعم.
فبينا هو عنده ذات يوم إذ أتت الخطابي مولاة له، فقالت له: جعلت فداك. زوجت ابنتي من ابن عم لها، ومنزلي بين قوم طفيليين، لا آمنهم أن يهجموا علي، فيأكلوا ما صنعت، ويبقى من دعوت، فوجه معي بمن يمنعهم. فقال: نعم، هذا أبو سعيد، قم معها يا أبا سعيد. فقال: مري بين يدي، وقام وهو يقول:
ضجت تميم أن تقتل عامر |
|
يوم النسار فأعتبوا بالصليم |
قال: وقال الخطابي هذا لابن دراج: كيف تصنع بأهل العرس إذا لم يدخلوك؟ قال: أنوح على بابهم، فيتطيرون بذلك، فيدخلوني.
قال: وقال له رجل: ما هذه الصفرة في لونك؟ قال: من الفترة بين القصفين، ومن خوفي كل يوم من نفادالطعام قبل أن أشبع.
أخبرني أحمد قال: حدثنا ابن مهرويه، عن عبد الرحيم بن أحمد: أن ابن دراج صار إلى باب علي بن زيد، أيام كان يكتي للعباس بن المأمون، فحجبه الحاجب، وقال: ليس هذا وقتك، قد رأيت القواد يحجبون، فكيف يؤذن لك أنت؟ قال: ليست سبيلي سبيلهم، لأنه يحب أن يراني، ويكره أن يراهم، فلم يأذن له. فبيناهما على ذلك إذ خرج علي بن زيد، فقال: ما منعك يا أبا سعيد أن تدخل؟ فقال: منعني هذا البغيض. فالتفت إلى الحاجب، فقال: بلغ بك بغضك أن تحجب هذا؟ ثم قال: يا أبا سعيد، ما أهديت إلي من النوادر؟ قال: مرت بي جنازة ومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكيه تقول: بك يذهبون ألى بيت لا فرش فيه ولا وطاء، ولا ضيافة ولا عطاء؛ ولا خبز فيه ولا ماء. فقال لي ابني: يا أبة إلى بيتنا والله يذهبون بهذه الجنازة. فقلت له: وكيف ويلك! قال: لأن هذه صفة بيتنا. فضجك علي وقال: قد أمرت لك بثلاثة مئة درهم.
قال: قد وفر الله عليك نصفها على أن أتغدى معك. قال: وكان عثمان مع تطفيله أشره الناس، فقال: هي عليك موفرة كلها، وتتغدى معنا.
وعثمان ابن دراج الذي يقول:
لذة التطفيل دومي |
|
وأقيمي لا تريمي |
أنت تشفين غليلي |
|
وتسلين همومي |
عود إلى الرقاشي: أخبرني محمد بن الحسن دريد قال: حدثنا العكلي قال: دخل الرقاشي على بعض أمراء الصدقة، فقال له: قد أصبح خضابك قانياً. قال: لأني أمسيت له معانيا.
قال: وكيف تفعله؟ قال: انعم الحناء عجناً، وأجعل ماء سخنا، وأروي شعري قبله دهنا، فإن با قنا ، وإن لم يفعل أغنى.
من لعين رأت خيالاً مطيفـا |
|
واقفاً هكذا علينا وقـوفـا |
طارقاً موهناً ألـم فـحـيا |
|
ثم ولى فهاج قلباً ضعيفـا |
ليت نفسي وليت أنفس قومي |
|
يا يزيد الندى تقيك الحتوفـا |
عتكي مـهـلـبـي كـريم |
|
حاتمي قد نال فرعاً منيفـا |
عروضه من الخفيف، والشعر لربيعة الرقي يمدح يزيد بن حاتم المهلبي، والغناء لعبد الرحيم الرف ، خفيف رملٍ بالوسطى، عن عمرو.