أخبار نائلة بنت الفرافصة ونسبها

هي نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو، وقيل: ابن عفر بن ثعلبة، وقيل: عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب الكلبية، زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه، تقوله لأخيها لما نقلها إلى عثمان.


أخبرني بخبره وخبرها أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثتا عبد الله بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، عن أبيه قال: تزوج سعيد بن العاص وهو على الكوفة هند بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، فبلغ ذلك عثمان، فكتب إليه.


بسم الله الرحمن الرحيم.


أما بعد، فإنه قد بلغني أنك تزوجت امرأة من كلب، فاكتب إلي بنسبها وجمالها.


فكتب إليه: أما بعد، فإن نسبها أنها بنت الفرافصة بن الأحرص. وجمالها أنها بيضاء مديدة القامة. فكتب إليه: إن كانت لها أخت فزوجنيها.


فبعث سعيد إلى الفرافصة، يخطب إحدى بناته على عثمان. فأمر الفرافصة ابنه ضبا، فزوجها إياه. وكان ضب مسلماً، وكان الفرافصة نصرانياً، فلما أرادوا حملها إليه، قال لها أبوها: يا بنية، إنك تقدمين على نساء من نساء قريش، هن أقدر على الطيب منك، فاحفظي عني خصلتين، تكحلي، وتطيبي بالماء، حتى يكون ريحك ريح شن أصابه مطر.


فلما حملت كرهت الغربة، وحزنت لفراق أهلها، فأنشأت تقول:

ألست ترى يا ضب باللـه أنـنـي

 

مصاحبة نحو الـمـدينة أركـبـا

إذا قطعوا حزنا تخب ركـابـهـم

 

كما زعزعت ريح يراعاً مثقـبـا

لقد كان في أبناء حصن بن ضمضم

 

لك الويل ما يغني الخباء المطنبـا

فلما قدمت على عثمان رضي الله عنه، قعد على سريره، ووضع لها سريراً حياله، فجلست عليه، فوضع عثمان قلنسيته، فبدا الصلع، فقال: يا بنة الفرافصة، لا يهولنك ما ترين من صلعي، فإن وراءه ما تحبين. فسكتت. فقال: إما أن تقومي إلي، وإما أن أقوم إليك. فقالت: أما ما ذكرت من الصلع، فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع. وأما قولك: إما أن تقومي إلي، وإما أن أقوم إليك، فوالله ما تجشمت من جنبات السماوة أبعد مما بيني وبينك، بل أقوم إليك. فقامت، فجلست إلى جنبه، فمسح رأسها، ودعا لها بالبركة، ثم قال لها: اطرحي عنك رداءك، فطرحته، ثم قال لها: اطرحي خمارك، فطرحته، ثم قال لها: انزعي درعك، فنزعته، ثم قال: حلي إزارك. فقالت: ذاك إليك. فحل إزارها، فكانت من أحظى نسائه عنده.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا علي بن محمد بن عيسى بن يزيد، عن عبد الواحد بن عمير، عن أبي الجراح مولى أم حبيبة، قال: كنت مع عثمان رضي الله عنه في الدار، فما شعرت وقد خرج محمد بن أبي بكر، ونحن نقول: هم في الصلح، إذ أنا بالناس قد دخلوا من الخوخة، ونزلوا بأمراس الحبال من سور الدار، معهم السيوف، فرميت بسيفي، وجلست عليه، وسمعت صياحهم، فكأني أنظر إلى مصحف في يد عثمان، وإلى حمرة أديمه، فنشرت نائلة بنت الفرافصة شعرها، فقال لها عثمان: خذي خمارك، فلعمري لدخولهم علي أعظم من حرمة شعرك.


وأهوى رجل إليه رضي الله عنه بالسيف، فاتقته نائلة بيدها، فقطع إصبعين من أصابعها، ثم قتلوه، وخرجوا يكبرون، ومر بي محمد بن أبي بكر، فقال: مالك يا عبد أم حبيبة؟ ومضى فخرجت.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شمة قال: حدثنا عبد الله بن حكيم الطائي، عن خالد بن سعيد، عن أبيه قال: لما قتل عثمان رحمة الله عليه، قالت نائلة بنت الفرافصة:

ألا إن خير الناس بـعـد ثـلاثة

 

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

ومالي لا أبكي وتبكي قرابـتـي

 

وقد غيبت عنا فضول أبي عمرو

هكذا في هذه الرواية. وقد قيل إن هذين البيتين للوليد بن عقبة.


أخبرني أحمد قال: حدثني عمر قال: حدثنا علي بن محمد، عن أبي مخنف، عن نمير بن وعلة، عن الشعبي مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية: أن نائلة بنت الفرافصة كتبت إلى معاية بن أبي سفيان، وبعثت بقميص عثمان مع النعمان بن بشير، أو عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة: من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد، فإني أذكركم بالله الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ النعمة، وأنشدكم بالله، وأذكركم حقه وحق خليفته الذي لم تنصروه، وبعزمة الله عليكم، فإنه عز وجل يقول: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله". وإن أمير المؤمنين بغي عليه، ولو لم يكن له عليكم حق ألا حق الولاية، ثم أتي إليه بما أتي، لحق على كل مسلم يرجو أيام الله أن ينصره، لقدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب داعي الله، وصدق كتابه، والله أعلم به إذ انتجبه، فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة.


وإني أقص عليكم خبره، لأني كنت مشاهدة أمره كله، حتى أفضي إليه: وإن أهل المدينة حصروه في داره، يحرسنه ليلهم ونهارهم. قيام على أبوابه بسلاحهم، يمنعونه كل شيء قدروا عليه، حتى منعوه الماء، يحضرونه الأذى، ويقولون له الإفك. فمكث هو ومن معه خمسين ليلة، وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر، وكان علي مع المحرضين من أهل المدينة، ولم يقاتل مع أمير المؤمنين، ولم ينصره، ولم يأمر بالعدل الذي أمر الله تبارك وتعالى به. فظلت تقاتل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل، وطوائف من مزينة وجهينة، وأنباط يثرب، ولا أرى سائرهم، ولكني سميت لكم الذين كانوا أشد الناس عليه في أول أمره وآخره. ثم إنه رمي بالنبل والحجارة، فقتل ممن كان في الدار ثلاثة نفر، فأتوه يصرخون إليه، ليأذن لهم في القتال، فنهاهم عنه، وأمرهم أن يردوا عليهم نبلهم، فردوها إليهم، فلم يزدهم ذلك على القتال إلا جراءة، وفي الأمر إلا إغراء. ثم أحرقوا باب الدار، فجاءه ثلاثة نفر من أصحابه، فقالوا: إن في المسجد ناساً يريدون أن يأخذوا أمر الناس بالعدل، فاخرج إلى المسجد حتى يأتوك، فانطلق فجلس فيه ساعة، وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية، وما أرى أحداً يعدل، فدخل الدار، وقد كان نفر من قريش على عامتهم السلاح، فلبس درعه، وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست درعاً، فوثب عليه القوم، فكلمهم ابن الزبير، وأخذ عليهم ميثاقاً في صحيفة، بعث بها إلى عثمان: إن عليكم عهد الله وميثاقه ألا تعروه بشيء، فكلموه وتحرجوا، فوضع السلاح، فلم يكن إلا وضعه، حتى دخل عليه القوم يقدمهم ابن أبي بكر، حتى أخذوا بلحيته، ودعوه باللقب. فقال: أنا عبد الله وخليفته، فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه وقد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون قطع رأسه، ليذهبوا به، فأتتني بنت شيبة بن ربيعة، فألقت نفسها معي عليه، فوطئنا وطئاً شديداً، وعرينا من ثيابنا، وحرمة أمير المؤمنين أعظم. فقتلوه رحمة الله عليه في بيته، وعلى فراشه. وقد أرسلت إليكم بثوبه، وعليه دمه، وإنه والله لئن كان أثم من قتله، لما يسلم من خذله. فانظروا أين أنتم من الله جل وعز، فإنا نشكي ما مسنا إليه، ونستنصر وليه وصالح عباده. ورحمة الله على عثمان، ولعن الله من قتله، وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة، وشفى منهم الصدور.


فحلف رجال من أهل الشام ألا يطأوا النساء حتى يقتلوا قتلته، أو تذهب أرواحهم.

فيا راكباً إما عرضت فبلـغـن

 

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

أبا كرب والأيهمين كلـيهـمـا

 

وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا

وتضحك مني شيخة عبشـمـية

 

كأن لم ترا قبلي أسيراً يمانـيا

أقول وقد شدوا لساني بنـسـعة

 

أمعشر تيم أطلقوا عن لسانـيا

الشعر لعبد يغوث بن صلاءة الحارثي. والغناء لإسحاق، ثقيل أول.