أخبار ذات الخال

أخبرني بخبرها الحسين بن يحيى قال: حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدثني أبي: أن جدي كان يتعشق جارية لقرين، المكنى بأبي الخطاب النخاس، وكان يقول فيها الشعر ويغني فيه، فشهرها بشعره وغنائه، وبلغ الرشيد خبرها، فاشتراها بسبعين ألف درهم. فقال لها ذات يوم: أسألك عن شيء، فإن صدقتني وإلا صدقني غيرك وكذبتك. قالت له: بل أصدقك. قال: هل كان بينك وبين إبراهيم الموصلي شيء قط، وأنا أحلفه أن يصدقني. قال: فتلكأت ساعة، ثم قالت: نعم، مرة واحدة. فأبغضها وقال يوماً في مجلسه: أيكم لا يبالي أن يكون كشخاناً، حتى أهب له ذات الخال. فبدر حمويه الوصيف، فقال: أنا. فوهبها له، وفيها يقول إبراهيم:

أتحسب ذات الخال راجـية ربـا

 

وقد فتنت قلباً يهيم بـهـا حـبـا

وما عذرها نفسي فداها ولم تـدع

 

على أعظمي لحماً ولم تبق لي لبّا

الشعر والغناء لإبراهيم، خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى.


وذكر أحمد بن أبي طاهر: أن الرشيد اشتراها بسبعين ألف درهم، وذكر قصة حمويه كما ذكرها حماد، وقال في خبره: فاشتاقها الرشيد يوماً بعد ما وهبها لحمويه، فقال له: ويلك يا حمويه، وهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، مر فيها بأمرك. قال: نحن عندك غداً. فمضى فاستعد لذلك، واستأجر لها من بعض الجوهريين بدنة وعقوداً ثمنها اثنا عشر ألف دينار. فأخرجها إلى الرشيد وهو عليها، فلما رآها أنكره. وقال: ويلك يا حمويه! ومن أين لك هذا وما وليتك عملاً تكسب فيه مثله، ولا وصل إليك مني هذا القدر! فصدقه عن أمره، فبعث الرشيد إلى أصحاب الجوهر فأحضرهم، واشترى الجوهر منهم، ووهبه لها، ثم حلف ألا تسأله يومه ذلك شيئاً إلا أعطاها، ولا حاجة إلا قضاها، فسألته أن يولي حمويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك، وكتب له عهده به، وشرط على ولي العهد بعده أن يتمها له إن لم تتم في حياته.


حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني محمد بن عبد الله العاصمي قال: حدثني أحمد بن عبد الله طماس، عن عبد الله وإبراهيم ابني العباس الصولي قالا: كانت للرشيد جارية تعرف بذات الخال، فدعته يوماً، فوعدها أن يصير إليها، وخرج يريدها، فاعترضته جارية، فسألته أن يدخل إليها، فدخل وأقام عندها، فشق ذلك على ذات الخال، وقالت: والله لأطلبن له شيئاً أغيظه به، وكانت أحسن الناس وجهاً، ولها خال على خدها لم ير الناس أحن منه في موضعه، فدعت بمقراض، فقصت الخال الذي كان في خدها، وبلغ ذلك الرشيد، فشق عليه، وبلغ منه، فخرج من موضعه، وقال للفضل بن الربيع: انظر من بالباب من الشعراء، فقال: الساعة رأيت العباس بن الأحنف. فقال: أدخله. فأدخله، فعرفه الرشيد القصة وقال: اعمل في هذا شيئاً، على معنى رسمه له، فقال:

تخلصت ممن لم يكن ذا حفـيظة

 

وملت إلى من لا يغـيره حـال

فإن كان قطع الخال لما تطلعت

 

إلى غيرها نفسي فقد ظلم الخال

غناه إبراهيم. فنهض الرشيد إلى ذات الخال مسرعاً مسترضيا لها، وجعل هذين البيتين سبباً، وأمر للعباس بألفي دينار، وأمر إبراهيم الموصلي فغناه في هذا الشعر.


أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني محمد بن الفضل قال: كان محمد بن موسى المنجم يعجبه التقسيم في الشعر، ويشغف بجيد الأشعار، فكان مما يعجبه قول نصيب:

أبا بعل ليلى كيف تجمع سلمـهـا

 

وحربي وفيما بيننا شبت الحـرب

لها مثل ذنبي اليوم إن كنت مذنبـاً

 

ولا ذنب لي إن كان ليس لها ذنب

عروضه من الطويل. والشعر لنصيب، ويروى للمجنون، ويروى لكعب بن مالك الخثعمي. والغناء لمالك، ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو.


قال: وكان محمد بن موسى ينشد كثيراً للعباس بن الأحنف:

ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى

 

عشير الذي ألقى فيلتئم الشـعـب

إذا رضيت لم يهنني ذلك الرضـا

 

لعلمي به أن سوف يتبعه العتـب

وأبكي إذا ما أذنبت خوف صدهـا

 

وأسألها مرضاتها ولها الـذنـب

وصالكم صرم وحبـكـم قـلـى

 

وعطفكم صد وسلمكـم حـرب

ويقول: ما أحسن ما قسم، حتى جعل بإزاء كل شيء ضده، والله إن هذا لأحسن من تقسيمات إقليدس. الغناء في هذه الأبيات الأربعة لإبراهيم الموصلي، ثاني ثقيل بالوسطى، عن الهشامي.


وكانت ذات الخال إحدى الثلاث الجواري اللواتي كان الرشيد يهواهن، ويقول الشعر فيهن، وهن سحر، وضياء، وخنث، وفيهن يقول الرشيد:

إن سحراً وضياء وخنث

 

هن سحر وضياء وخنث

أخذت سحر ولا ذنب لها

 

ثلثي قلبي وترباها الثلث

حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أحمد بن محمد الأسدي قال: حدثنا احمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي قال: حدثني محمد بن إسماعيل بن صبيح قال: وجه الرشيد إلى جاريته سحر لتصير إليه، فاعتلت عليه ذلك اليوم بعلة، ثم جاءته من الغد، فقال الرشيد:

أيا مــن رد ودي أم

 

س لا أعطيكه اليوما

ولا والله لا أعـطـي

 

ك إلا الصد واللومـا

وإن كان بقلبـي مـن

 

ك حب يمنع النومـا

أيا من سمته الوصـل

 

فأغلى المهر والسوما

قال: وفيهن يقول، وقد قيل أن العباس بن الأحنف قالها على لسانه:

ملك الثلاث الآنسات عنانـي

 

وحللن من قلبي بكل مكـان

ما لي تطاوعني البرية كلهـا

 

وأطيعهن وهن في عصياني

ما ذاك إلا أن سلطان الهوى

 

وبه عززن أعز من سلطاني

غنته عريب خفيف ثقيل الأول بالوسطى.


وروى أحمد بن أبي طاهر عن إسحاق فال: وجه الرشيد إلى ذات الخال ليلة وقد مضى شطر الليل، فحضرت، فأخرج إلي جارية كأنها المهاة، فأجلسها في حجره، ثم قال: غنني، فغنته:

جئن من الروم وقـالـيقـلا

 

يرفلن في المرط ولين الملا

مقرطقات بصنوف الحلـى

 

يا حبذا البيض وتلك الحلـى

فاستحسنه وشرب عليه، ثم استؤذن للفضل بن الربيع، فأذن له، فلما دخل قال: ما وراءك في هذا الوقت؟ قال: كل خير يا أمير المؤمنين، ولكن حرى الساعة لي سبب لم يجز لي كتمانه أمير المؤمنين. قال: وما ذاك؟ قال: أخرج إلي في هذا الوقت ثلاث جوار لي: مكية، ومدينية، وعراقية. فقبضت المدينية على ذكري، فلما أنعظت وثبت المكية فقعدت عليه، فقالت لها المدينية: ما هذا التعدي؟ ألم تعلمي أن مالكاً حدثنا عن الزهري عن عبد الله بن ظالم، عن سعيد بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" فقالت الأخرى: أو لم تعلمي أن سفيان حدثنا، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيد لمن صاده لا لمن أثاره". فدفعتهما العراقية عنه، ووثبت عليه، وقالت: هدا لي، وفي يدي حتى تصطلحا. فضحك الرشيد، وأمره لحملهن إليه، ففعل، وحظين عنده، وفيهن يقول:

ملك الثلاث الآنسات عناني

 

وحللن من قلبي بكل مكان

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا الغلابي قال: حدثني مهدي بن سابق قال: حججنا مع الرشيد آخر حجة، فكان الناس يتناشدون له في جواريه:

ثلاث قد حللن حمى فـؤادي

 

ويعطين الرغائب من ودادي

نظمت قلوبهن بخيط قلبـي

 

فهن قرابتي حتى التنـادي

لمن يك حل من قلب محـلاً

 

فهن مع النواظر والسـواد

ومما قاله إبراهيم وغيره في ذات الخال وغنى فيه:

أذات الخال أقصيت

 

محباً بكـم صـبـاً

فلا أنسى حياتي مـا

 

عبدت الدهر لي رباً

وقد قلت أنيلـينـي

 

فقالت أفرق الذنبـا

الشعر والغناء لإبراهيم، هزج بالوسطى عن عمرو. ومنها:

أذات الخال قـد طـال

 

بمن أسقمته الـوجـع

وليس إلى سواكم في ال

 

لذي يلقى لـه فـزع

أما يمنـعـك الإسـلا

 

م من قتلي ولا الورع

وما ينفـك لـي فـيك

 

هوى تغـتـره خـدع

الشعر والغناء لإبراهيم، هزج بالوسطى، عن عمرو. ومنها:

ثعلب يا هذا الكثير العـبـث

 

بالله لما قلت لي عن خنـث

عن ظبية تميس في مشيتهـا

 

أحسن من أبصرته في شعث

فقال: قالت قل له أنت امرؤ

 

موكل فيما ترى بالعـبـث

والله لولا خصلة أرقـبـهـا

 

لقل في الدنيا لما بي لبثـي

الشعر لإبراهيم، وله فيه لحنان: أحدهما ثقيل الأول، عن أبي العنبس. والآخر هزج بالبنصر عن عمرو. وفيه لعريب ثقيل أول آخر. وذكر حبش أن فيه لابن جامع هزجاً آخر بالوسطى.


وذكر هارون بن الزيات أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه: أن ثعلباً هذا، كان مملوكاً لإبراهيم، فقال هذه الأبيات في خنث جارية جزء بن مغول الموصلي، وكانت مغنية محسنه، وخاطب ثعلباً فيها مستخبراً له.


وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه: أنه قال في خنث جارية جزء بن مغول الموصلي، وخاطب في شعره غلاماً يقال له ثعلب، وكانت خنث مغنية محسنة، وكانت تعرف بذات الخال.

ثعلب يا هذا الكثير الخبث

 

بالله إلا قلت لي عن خنث

وذكر الأبيات. قال: وقال له أيضاً:

أبد لذات الخـال يا ثـعـلـب

 

قول امرئ في الحب لا يكذب

إني أقول الحق فاستـيقـنـي

 

كل امرئ في حبه يلـعـب

الشعر والغناء لإبراهيم، له فيه لحنان: رمل وخفيف ثقيل، عن ابن المكي. ومنها:

جزى الله خيراً من كلفت بـحـبـه

 

وليس به إلا المموه مـن حـبـي

وقالوا: قلوب العاشـقـين رقـيقة

 

فما بال ذات الخال قاسية القلـب؟

وقالوا لها هذا محبك مـعـرضـاً

 

فقالت: أرى إعراضه أيسر الخطب

فما هـو إلا نـظـرة بـتـبـسـم

 

فتنشسب رجلاه ويسقط للجـنـب

ومنها:

إن لم يكن حب ذات الخال عناني

 

إذن فحولت في مسك ابن زيدان

فإن هذي يمين ما حلفـت بـهـا

 

إلا على الحق في سري وإعلاني

الشعر والغناء لإبراهيم، هزج بالبنصر. ومنها:

لقد أخلو بذات الـخـا

 

ل والحراس قد هجعوا

فمن يبصر أبا الخطا

 

ب يطلبها ويتـبـع

ألا لم تر محزونـا

 

تسنم صبره الجزع

وقارعني ففزت بها

 

وحازتها لي القرع

غناه إبراهيم، من رواية بذل عنه، ولم تذكر طريقته.
قال علي بن محمد الهشامي: حدثني جدي، يعني ابن حمدون، قال: حدثني مخارق قال: كنت عند إبراهيم الموصلي ومعي ابن زيدان صاحب البرامكة، وإبراهيم يلاعبه بالشطرنج، فدخل علينا إسحاق، فقال له أبوه: ما أفدت اليوم؟ فقال: أعظم فائدة. سألني رجل ما أفخم كلمة في الفم؟ فقلت: لا إله إلا الله. فقال له أبوه إبراهيم: أخطأت. هلا قلت: دنيا ودينا. فأخذ ابن زيدان الشاه، فضرب به رأس إبراهيم، وقال له: يا زنديق، أتكفر بحضرتي؟ فأمر إبراهيم غلمانه فضربوا ابن زيدان ضرباً شديداً، فانصرف من ساعته إلى جعفر بن يحيى، فحدثه بخبره. قال: وعلم إبراهيم أنه قد أخطأ وجنى، فركب إلى الفضل بن يحيى، فاستجار به، فاستوهبه الفضل من جعفر، فوهبه له، فانصرف وهو يقول:

إن لم يكن حب ذات الخال عنانـي

 

إذا فحولت في مسـك ابـن زيدان

فإن هذي يمين ما حلـفـت بـهـا

 

إلا على الصدق في سري وإعلاني

قال: وله في هذين البيتين صنعة، وهي هزج. منها:

من يرحم محـزونـا

 

بذات الخال مفتونـا

أبى فيها فما يسـلـو

 

وكل الناس يسلونـا

فقد أودى به السقـم

 

وقد أصبح مجنونـا

فإن دام علـى هـذا

 

ثوى في اللحد مدفونا

الشعر والغناء لإبراهيم، خفيف ثقيل، عن الهشامي. ومنها:

لذات الخال أرقنـي

 

خيال بات يلثمـنـي

بكى وجرى له دمـع

 

لما بالقلب من حزن

فلا أنساه أو أنـسـى

 

إذا أدرجت في كفني

الشعر والغناء لإبراهيم، خفيف رمل بالوسطى، عن الهشامي. ومنها:

هل علمت اليوم يا عـا

 

صم يا خـير خـدين

أن ذات الخال تـأتـي

 

ني على رغم قـرين

لا تلمنـي إن ذات ال

 

خال دنـياي ودينـي

وإلى حفص خلـيلـي

 

ووزيري وأمـينــي

بحت لا أكتمـه شـي

 

ئاً من الداء الـدفـين

إن بي من حب ذات ال

 

خال شيئاً كالجـنـون

فيه لإبراهيم هزج بالوسطى، عن ابن المكي. ومنها:

تقول ذات الـخـال

 

لي: يا خلي البـال

فقلت: حاشاك من أن

 

يكون حالك حالـي

أعرضت عني لمـا

 

أوقعتني في الحبال

إن الخلي هو الغـا

 

فل الذي لا يبالـي

لإبراهيم من كتابه عن حبش فيه لحن. وذكر ابن المكي أنه رمل. ومنها:

أما تعلـم ذات الـخـا

 

ل فوق الشفة العـلـيا

بأني لست أهوى غـي

 

رها شيئاً من الـدنـيا

وأني عن جمـيع الـن

 

اس إلا عنهم أعـمـى

وأني لو سـقـيت الـد

 

هر من ريقك لا أروى

الشعر والغناء لإبراهيم، رمل بالوسطى، عن عمرو وابن المكي وغيرهما. وقد روى أما تعلم يا ذا الخال، وهذا هو الصحيح. ومنها:

يا ليت شعري كيف ذات الخال

 

أم أين تحسب حالها من حالي

هل أنسين منها وضمت مـرة

 

رأسي إليها ثم قالت: مالـي

ألزلة أقصيتني نفسي الـفـدا

 

لك أم أطعت مقالة الـعـذال

والله ما استحسنت شيئاً مونقـا

 

ألتذه إلا خطـرت بـبـالـي

الشعر والغناء لإبراهيم، وله فيه لحنان: هزج بالأصابع كلها، عن ابن المكي، وثقيل أول بالوسطى، عن حبش. ومنها:

يا ليت شعري والنساء غـوادر

 

خلف العدات وفاؤهن قـلـيل

هل وصل ذات الخال يوماً عائد

 

فتزول لوعاتي وحر غليلـي

أم قد تناست عهدنا وأحالـهـا

 

عن ذاك ملك حال دون خليل

الشعر والغناء لإبراهيم من كتابه، ثقيل أول بالبنصر، عن إسحاق بن إبراهيم، وابن المكي والهشامي. انقضت أخبارها.

إن من غره النساء بشـيء

 

بعد هند لجاهل مـغـرور

حلوة القول واللسـان ومـر

 

كل شيء أجن منها الضمير

كل أنثى وإن بدا لك منها

 

آية الحب حبها خيتعور

الشعر لحجر بن عمرو آكل المرار. والغناء لحنين، ثاني ثقيل بالبنصر، عن الهشامي. وفيه لنبيه ثقيل أول بالوسطى، عن حبش. وفيه رمل له.