ذكر أخبار أبي دواد الإيلدي ونسبه

هو فيما ذكر يعقوب بن السكيت: جارية بن الحجاج. وكان الحجاج يلقب حمران بن بحر بن عصام بن منبه بن حذاقة بن زهير بن إياد بن نزار بن معد. وقال ابن حبيب هو جارية بن الحجاج أحد بني برد بن دعمي بن إياد بن نزار. شاعر قديم من شعراء الجاهلية، وكان وصافاً للخيل، وأكثر أشعاره في وصفها، وله في غير وصفها تصرف بين مدح وفخر وغير ذلك، إلا أن شعره في وصف الفرس كثر.


أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، قال: حدثني الهيثم بن عدي وابن الكلبي، عن أبيه، والشر قي: أن أبا دواد الإيادي مدح الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، فأعطاه عطاياً كثيرة، ثم مات ابن لأبي دواد وهو في جواره فوداه، فمدحه أبو دواد، فحلف له الحارث أنه لا يموت له ولد إلا وداه، ولا يذهب له مال إلا أخلفه، فضربت العرب المثل بجار أبي دواد، وفيه يقول قيس بن زهير:

أطوف ما أطوف ثم آوي

 

إلى جار كجار أبي دواد

هذه رواية هؤلاء؛ وأبو عبيدة يخالف ذلك.


أخبرني ابن دريد قال: أخبرني أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: جاور أبو دواد الإيادي كعب بن مامة الإيادي، فكان إذا هلك له بعير أو شاة أخلفها، وفيه يقول طرفة يمدح عمرو بن هند:

جارٌ كجار الحذاقي الذي انتصفا

وكان لأبي دواد ابن يقال له دواد شاعر، وهو الذي يقول يرثي أباه:

فبات فينا وأمسى تحـت هـائرة

 

ما بعد يومك من ممسىً وإصباح

لا يدفع السـقـم إلا أن نـفـديه

 

ولو ملكنا مسكنا السقم بالـراح

أخبرني عمي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني علي بن الصباح قال: أخبرنا أبو المنذر، عن أبيه قال: تزوج أبو دواد امرأة من قومه، فولدت له دواداً ثم ماتت، ثم تزوج أخرى، فأولعت بدواد، وأمرت أباه أن يجفوه ويبعده، وكان يحبها، فلما أكثرت عليه قالت: أخرجه عني، فخرج به وقد أردفه خلفه، إلى أن انتهى إلى أرض جرداء ليس فيها شيء، فألقى سوطه متعمداً، وقال: أي دواد، انزل فناولني سوطي. فنزل، فدفع بعيره وناداه:

أدواد إن الأمر أصبح ما ترى

 

فانظر دواد لأي أرض تعمد؟

فقال له دواد: على رسلك. فوقف له فناداه:

وبأي ظنك أن أقيم ببلـدةٍ

 

جرداء ليس بغيرها متلدد

فرجع إليه وقال له: أنت والله ابني حقاً، ثم رده إلى منزله، وطلق امرأته.


أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن أبي عمرو الشيباني قال: كانت لأبي دواد امرأة يقال لها أم حبتر، وفيها يقول:

في ثلاثين ذعذعتها حقـوقٌ

 

أصبحت أم حبتر تشكونـي

زعمت لي بأنني أفسد المـا

 

ل وأزويه عن قضاء ديوني

املت أن أكون عبد المالـي

 

وتهنا بنافع المـال دونـي

وهي طويلة. قال: ولها يقول وقد عاتبته على سماحته بماله فلم يعتبها ، فصرمته:

حاولت حين صرمتنـي

 

والمرء يعجز لا محاله

والدهر يلعب بالفـتـى

 

والدهر أروغ من ثعاله

والمرء يكسـب مـالـه

 

والشح يورثه الكـلالـه

والعبد يقرع بالـعـصـا

 

والحر تكفيه المقـالـه

والسكت خير للـفـتـى

 

فالحين من بعض المقاله

أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال: حدثني أبي عن إسحاق، عن الأصمعي قال: ثلاثة كانوا يصفون الخيل، لا يقاربهم أحد: طفيل، وأبو دواد، والجعدي. فأما أبو دواد فإنه كان على خيل المنذر بن النعمان بن المنذر . وأما طفيل فإنه كان يركبها وهو أغرل إلى أن كبر. وأما الجعدي فإنه سمع ذكرها من أشعار الشعراء ، فأخذ عنهم.


أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثني أبو حاتم، عن أبي عبيدة قال: دواد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام، وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعدي.


أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، عن ابن الأعرابي قال: لم يصف أحد قط الخيل إلا احتاج إلى أبي دواد، ولا وصف الخمر إلا أحتاج إلى أوس بن حجر، ولا وصف أحد نعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة، ولا اعتذر أحد في شعره إلا أحتاج إلى النابغة الذبياني. أخبرني عمي قال: حدثني جعفر بن محمد العاصمي قال: حدثنا عيينة بن المنهال قال: حدثنا شداد بن عبيد الله قال: حدثني عبيد الله بن الحر العنزي القاضي، عن أبي عرادة قال: كان علي صلوات الله عليه يفطر الناس في شهر رمضان، فإذا فرغ من العشاء تكلم، فأقل وأوجز، فأبلغ. فاختصم الناس ليلة حتى ارتفعت أصواتهم في أشعر الناس، فقال علي عليه السلام لأبي الأسود الدؤلي: قل يا أبا الأسود. فقال أبو الأسود، وكان يتعصب لأبي دواد الإيادي: أشعرهم الذي يقول:

ولقد أغتدي يدافع ركـنـي

 

أحوذيٌ ذو ميعة إضـريج

مخلط مزيل مكرٌ مـفـرٌ

 

منفح مطرح سبوحٌ خروج

سلهب شرجبٌ كأن رماحـاً

 

حملته وفي السراة دمـوج

وكان لأبي الأسود رأي في أبي دواد، فأقبل علي على الناس، فقال: كل شعرائكم محسن، ولو جمعهم زمان واحد، وغاية واحدة، ومذهب واحد في القول، لعلمنا أيهم أسبق إلى ذلك، وكلهم قد أصاب الذي أراد، وأحسن فيه، وإن يكن أحد فضلهم، فالذي لم يقل رغبة ولا رهبة امرؤ القيس بن حجر، فإنه كان أصحهم بادرة، وأجودهم نادرة.


أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى، عن أبيه عن إسحاق، عن الأصمعي قال: كانت الرواة لا تروي شعر أبي دواد ولا عدي بن زيد، لمخالفتها مذاهب الشعراء، قال: وكان أبو داود على خيل المنذر بن ماء السماء فأكثر وصفه للخيل.


أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني ابن أبي الهيذام قال: اسم أبي دواد الإيادي جويرية بن الحجاج. وكانت له ناقة يقال لها الزباء، فكانت بنو إياد يتبركون بها. فلما أصابتهم السنة تفرقوا ثلاث فرق، فرقة سلكت في البحر فهلكت، وفرقة قصدت اليمن فسلمت، وفرقة قصدت أرض بكر بن وائل، فنزلوا على الحارث بن همّام.


وكان السبب في ذلك أنهم أرسلوا الزباء، وقالوا إنها ناقة ميمونة، فخلوها، فحيث توجهت فاتبعوها. وكذلك كانوا يفعلون إذا أرادوا نجعة. فخرجت تخوض العرب، حتى بركت بفناء الحارث بن همام، وكان أكرم الناس جواراً، وهو جار أبي دواد المضروب به المثل. فقال أبو دواد يمدح الحارث، ويذكر ناقته الزباء:

فإلى ابن همام بن مرة أصعدت

 

ظعن الخليط بهم فقلّ زيالهـا

أنعمت نعمة ماجـد ذي مـنة

 

نصبت عليه من العلا أظلالها

وجعلنا دون الولي فأصبحـت

 

زباء منقطعا إليك عقـالـهـا

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدثنا يحى بن سعيد قال: كانت إياد تفخر على العرب، تقول: منا أجود الناس كعب بن مامة، ومنا أشعر الناس أبو دواد، ومنا أنكح الناس ابن ألغز .


أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال: حدثني القحذمي قال: كان ابن ألغز أَيِّرا، فكان إذا أنعظ احتكت الفصال بأيره، قال: وكان في إياد امرأة تستصغر أيور الرجال، فجامعها ابن ألغز، فقالت: يا معشر إياد، أبالرُّكب تجامعون النساء؟ قال: فضرب بيده على أليتها وقال: ما هذا؟ فقالت وهي لا تعقل ما تقول: هذا القمر. فضرب العرب بها المثل: "أريها استها وتريني القمر". وأنشد وقد كان الحجاج منع من لحوم البقر خوفاً من قلّة العمارة في السواد، فقيل فيه:

شكونا إليه خراب السـواد

 

فحرّم فينا لحوم البـقـر

فكنا كمن قال من قبلـنـا

 

أريها استها وتريني القمر

أخبرني عمي عن الكراني، عن العمري، عن الهيثم بن عدي بنحوه.
وأخبرني عمي قال: حدثنا محمد بن سعد الكراني قال: حدثني العمريّ عن لقيط قال: أخبرني التوزي عن أبي عبيدة قال: كان الحطيئة عند سعيد بن العاص ليلة، فتذاكروا الشعراء، وفضوا بعضهم على بعض وهو ساكت، فقال له: يا أبا مليكة ما تقول؟ فقال: ما ذكرتم والله أشعر الشعراء، ولا أنشدتم أجود الشعر. فقالوا: فمن أشعر الناس؟ فقال الذي يقول:

لا أعدُّ الإقتار عدما ولكن

 

فقد من قد رزئته الإعدام

والشعر لأبي دواد الإيادي. قالوا: ثم من؟ قال: ثم عبيد بن الأبرص. قالوا: ثم من؟ قال: كفاكم والله بي إذا أخذتني رغبة أو رهبة، ثم عويت في إثر القوافي عواء الفصيل في إثر أمه. أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حذثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، قال: حدثني عمي، وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعيّ، عن أبي عمرو بن العلاء، عن هجّاس بن مرير الإيادي، عن أبيه، وكان قد أدرك الجاهلية، قال: بينا أبو دواد وزوجته وابنه وابنته على ربوة، وإياد إذ ذاك بالسواد، إذ خرج ثور من أجمة، فقال أبو دواد:

وبدت له أذن توجّس حرّة وأحمّ وارد

 

وقوائم عوج لها

 

من خـلـفـهــا زمـــع زوائد

كمقاعد الرّقباء للضرباء أيديهم نواهد

 

 

ثم قال: أنفذي يا أم دواد، فقالت:

وبدت له أذن توجّس حرّة وأحمّ مولق

 

وقوائم عوج لها

 

من خـلـفـهـا زمـع مـعـلّـق

كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم تألّـق

 

 

ثم قال: أنفذ يا دواد. فقال:

وبدت له أذن توجس حرة وأحم مرهف

 

وقوائم عوج لها

 

من خـلـفـهـا زمـع مـلـفّــف

كمقاعد الرقباء للضرباء أيديهم تلقّـف

 

 

ثم قال: أنفذي يا دوادة. قالت: وما أقول مع من أخطأ. قالوا: ومن أين أخطأناه؟ قالت: جعلتم له قرناً واحداً، وله قرنان. قالوا: فقولي. قالت:

وبدت له أذن توجّس حرّة وأحم مرهف

وقوائم عوج لهامن خلفها زمع ثمان

كمقاعد الرقباء للضّرباء أيديهم دوان

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرني عمي عن العباس بن هشام، عن أبيه قال: كان أبو دواد الإيادي الشاعر جاراً للمنذر بن ماء السماء. وإن أبا دواد نازع رجلاً بالحيرة من بهراء، يقال له رقبة بن عامر بن كعب بن عمرو، فقال له رقبة: صالحني وحالفني. فقال أبو دواد: فمن أين تعيش إياد إذاً، فوالله لولا ما تصيب من بهراء لهلكت، وانصرفا على تلك الحال.


ثم إن أبا دواد أخرج بنين له ثلاثة في تجارة إلى الشام، فبلغ ذلك رقبة البهراني، فبعث إلى قومه فأخبرهم بما قاله له أبو دواد عند المنذر، وأخبرهم أن القوم ولدُ أبي دواد، فخرجوا إلى الشام، فلقوهم فقتلوهم. وبعثوا برؤوسهم إلى رقبة، فلما أتته الرؤوس صنع طعاماً كثيراً، ثم أتى المنذر، فقال له: قد اصطنعت لك طعاماً كثيراً، فأنا أحب أن تتغدّى عندي، فأتاه المنذر وأبو دواد معه، فبينا الجفان ترفع وتوضع، إذ جاءته جفنة عليها بعض رؤوس بني أبي دواد، فوثب وقال: أبيت اللعن! إني جارك، وقد ترى ما صنع بي، وكان رقبة أيضا جاراً للمنذر. فوقع المنذر منهما في سوءة، وأمر برقبة فحبس، وقال لأبي دواد: أما يرضيك توجيهي بكتيبتي الشهباء والدوسر إليهم؟ قال: بلى. قال: قد فعلت. فوجه إليهم بالكتيبتين.


فلما بلغ ذلك رقبة قال لامرأته: ويحك! الحقي بقومك فأنذريهم. فعمدت إلى بعض إبل زوجها فركبته، ثم خرجت حتى أتت قومها، فلما قربت منهم تعرت من ثيابها، وصاحت وقالت: أنا النذير العريان. فأرسلتها مثلاً. فعرف القوم ما تريد، فصعدوا إلى أعالي الشأم، وأقبلت الكتيبتان فلم تصيبا منهم أحداً، فقال المنذر لأبي دواد: قد رأيت ما كان منهم، وأنا أدي كل ابن لك بمئتي بعير، فأمر له بست مئة بعير، فرضي بذلك، فقال فيه قيس بن زهير العبسي:

سأفعل ما بدا لي ثم آوي

 

إلى جار كجار أبي دواد

وهذا شعر لأبي تمام فيه غناء:

وركب كأطراف الأسنة عرسوا

 

على مثلها والليل داج غياهبه

لأمرعليهم أن تـتـم صـدوره

 

وليس عليهم أن تتم عواقـبـه

الشعر لأبي تمام الطائي. والغناء للقاسم بن زرزور، ثاني ثقيل بالوسطى في مجرى البنصر. وفيه لجعفر بن رفعة خفيف ثقيل.
أخبرني: إبراهيم بن القاسم بن زرزور عن أبيه، وحدثني المظفر بن كيغلغ عن القاسم أيضاً: أن المكتفي بالله أخرج إليهم هذين البيتين بالرقة في رقعة، وهو أمير، وأمر أن يصنع فيهما لحن. فصنع القاسم هذا اللحن، وصنع جعفر خفيف الثقيل.