ذكر شريح ونسبه وخبره

هو فيما أخبرني به الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا أبو سعيد، عن هشام بن السائب. وأخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح، كلاهما اتفق في الرواية لنسبه:

نسبه

أنه شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندي. قال هشام في خبره خاصة: وليس بالكوفة من بني الرائش غيرهم، وسائرهم من هجر وحضرموت.


وقد اختلف الرواة بعد هذا في نسبه؛ فقال بعضهم: شريح بن هانىء - وهذا غلط - ذاك شريح بن هانىء الحارثي، واعتل من قال هذا بخبر روي عن مجالد، عن الشعبي، أنه قرأ كتاباً من عمر إلى شريح: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى شريح بن هانىء. وقد يجوز أن يكون كتب عمر رضي الله عنه هذا الكتاب إلى شريح بن هانىء الحارثي، وقرأه الشعبي، وكلا هذين الرجلين معروف، والفرق بينهما النسب والقضاء؛ فإن شريح بن هانىء لم يقض، وشريح بن الحارث قد قضى لعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وقيل: شريح بن عبد الله، وشريح بن شراحيل، والصحيح ابن الحارث. وابنه أعلم به.


وقد أخبرنا وكيع، قال: حدثنا أحمد بن عمر بن بكير، قال: حدثني أبي عن الهيثم بن عدي، عن أبي ليلى: أن خاتم شريح كان نقشه شريح بن الحارث. وقيل: إنه من أولاد الفرس الذين قدموا اليمن مع سيف بن ذي يزن، وعداده في كندة، وقد روى عنه شيبة بذلك. أخبرنا وكيع، قال: حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي، قال: حدثنا عبدان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن ابن أبي السفر، عن الشعبي، قال: جاء أعرابي إلى شريح، فقال: ممن أنت؟ قال: أنا من الذين أنعم الله عليهم، وعدادي في كندة.


قال وكيع: وقيل: إنما خرج إلى المدينة ثم إلى العراق؛ لأن أمه تزوجت بعد أبيه فاستحيا.

سنه

وقد اختلف أيضاً في سنه؛ فقيل: مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة وعشر، وقيل: أقل من ذلك وأكثر.


فممن ذكر أنه عمر مائة وعشرين سنة أشعث بن سوار، روى ذلك يحيى بن معين، عن المحاربي، عن أشعث، وأبو سعيد الجعفي، روى ذلك عنه أبو إبراهيم الزهري. وممن قال أقل من ذلك أبو نعيم.


أخبرنا الحسن بن علي، عن الحارث، عن ابن سعد، عن أبي نعيم، قال: بلغ شريح مائة وثمانين سنة.

سنة وفاته

قال الحارث: وأخبرني ابن سعد، عن الواقدي، عن أبي سبرة، عن عيسى، عن الشعبي، قال: توفي شريح في سنة ثمانين، أو تسع وسبعين.


قال أبو سعيد : وقال إبراهيم: في سنة ست وسبعين. وقال أبو إبراهيم الزهري، عن أبي سعيد الجعفي: إن شريحاً مات في زمن عبد الملك بن مروان.


أخبرني وكيع، قال: حدثنا الكراني، عن سهل، عن الأصمعي، قال: ولد لشريح وهو ابن مائة سنة.


وروى إسماعيل بن أبان الوراق، عن علي بن صالح، قال: قيل لشريح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ابن ست ومائة، قضيت منها ستين سنة.

عمر يستقضيه

وأخبرني وكيع بخبر عمر حين استقصاه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت سياراً قال: سمعت الشعبي يقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ من رجل فرساً على سوم، فحمل عليه رجلاً، فعطب الفرس، فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلاً، فقال له الرجل: اجعل بيني وبينك شريحاً العراقي. فقال: يا أمير المؤمنين! أخذته صحيحاً سليماً على سوم، فعليك أن ترده كما أخذته. قال: فأعجبه ما قال، وبعث به قاضياً، ثم قال: "ما وجدته في كتاب الله فلا تسأل عنه أحداً، وما لم تستبن في كتاب الله فالزم السنة، فإن لم يكن في السنة، فاجتهد رأيك".


أخبرني وكيع، قال: أخبرني عبد الله بن الحسن، عن النميري، عن حاتم بن قبيصة المهلبي، عن شيخ من كنانة، قال: قال عمر لشريح، حين استقضاه: "لا تشار ولا تضار، ولا تشتر ولا تبع". فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين:

إن القضـاة إن أرادوا عـدلاً

 

وفصلوا بين الخصوم فصـلا

وزحزحوا بالحكم منهم جهـلاً

 

كانوا كمثل الغيث صاب محلا

وله أخبار في قضايا كثيرة يطول ذكرها، وفيها ما لا يستغنى عن ذكره، منها محاكمة أمير المؤمنين علي إليه في الدرع.

قضي بين علي وبين يهودي

حدثني به عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أخت داهر بن نوح بالأهواز، قال: حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، قال: حدثني حكيم بن حزام، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، قال: عرف علي درعاً مع يهودي، فقال: يا يهودي، درعي سقطت مني يوم كذا وكذا، فقال اليهودي: ما أدري ما تقول! درعي وفي يدي، بيني وبينك قاضي المسلمين.


فانطلقا إلى شريح، فلما رآه شريح قام له عن مجلسه، فقال له علي: اجلس. فجلس شريح، ثم قال: إن خصمي لو كان مسلماً لجلست معه بين يديك، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تساؤوهم في المجلس، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشيعوا جنائزهم، واضطروهم إلى أضيق الطرق، وإن سبوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم فاقتلوهم. ثم قال: درعي عرفتها مع هذا اليهودي.


فقال شريح لليهودي: ما تقول؟ قال: درعي وفي يدي.


قال شريح: صدقت والله يا أمير المؤمنين، إنها لدرعك كما قلت، ولكن لابد من شاهد؛ فدعا قنبراً فشهد له، ودعا الحسن بن علي، فشهد له، فقال: أما شهادة مولاك فقد قبلتها، وأما شهادة ابنك لك فلا. فقال علي: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.


قال: اللهم نعم، قال: أفلا تجيز شهادة أحد سيدي شباب أهل الجنة! والله لتخرجن إلى بانقيا فلتقضين بين أهلها أربعين يوماً. ثم سلم الدرع إلى اليهودي.


 فقال اليهودي: أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه، فقضى عليه، فرضي به، صدقت إنها لدرعك، سقطت منك يوم كذا وكذا عن جمل أورق فالتقطتها، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال علي: هذه الدرع لك، وهذه الفرس لك، وفرض له في تسعمائة، فلم يزل معه حتى قتل يوم صفين.

خبر زينب بنت حدير وتزويج شريح إياها

شريح يصح الشعبي بأن يتزوج من نساء بني تميم أخبرني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب ، قال: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، وأبو محمد رجل ثقة، قال: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قال: قال لي شريح: يا شعبي، عليكم بنساء بني تميم، فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة وتجاهها جارية رؤد - يعني التي قد بلغت - ولها ذؤابة على ظهرها جالسة على وسادة، فاستسقيت، فقالت لي: أي الشرب أعجب إليك: النبيذ، أم اللبن، أم الماء؟ قلت: أي ذلك يتيسر عليكم، قالت: اسقوا الرجل لبناً؛ فإني أخاله غريباً.


فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني، فقلت: من هذه؟ قالت: ابنتي، قالت: وممن؟ قالت: زينب بنت حدير، إحدى نساء بني تميم، ثم إحدى نساء بني حنظلة، ثم إحدى نساء بني طهية، قلت: أفارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة، قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم إن كنت كفياً، ولها عم فاقصده.


فانصرفت فامتنعت من القائلة، فأرسلت إلى إخواني القراء الأشراف: مسروق بن الأجدع، والمسيب بن نجبة، وسليمان بن صرد الخزاعي، وخالد بن عرفطة العذري، وعروة بن المغيرة بن شعبة، وأبي بردة بن أبي موسى، فوافيت معهم صلاة العصر، فإذا عمها جالس، فقال: يا أبا أمية، حاجتك؟ قلت: إليك، قال: وما هي؟ قلت: ذكرت لي بنت أخيك زينب بنت حدير، قال: ما بها عنك رغبة، ولا بك عنها مقصر، وإنك لنهزة.


فتكلمت فحمد الله جل ذكره، وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت حاجتي، فرد الرجل علي وزوجني، وبارك القوم لي، ثم نهضنا.


فما بلغت منزلي حتى ندمت، فقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها فهممت بطلاقها، ثم قلت: أجمعها إلي، فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها.


فأقمت أياماً، ثم أقبل نساؤها يهادينها، فلما أجلست في البيت أخذت بناصيتها فبركت، وأخلى لي البيت، فقلت: يا هذه، إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي ركعتين وتصلي ركعتين، ويسألا الله خير ليلتهما، ويتعوذا بالله من شرها. فقمت أصلي ثم التفت، فإذا هي خلفي فصليت، ثم التفت فإذا هي على فراشها، فممدت يدي، فقالت لي: على رسلك، فقلت: إحدى الدواهي منيت بها، فقالت: إن الحمد لله أحمده وأستعينه إني امرأة غريبة، ولا والله ما سرت مسيراً قط أشد علي منه، وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك، فحدثني بما تحب فآتيه، وما تكره فأنزجر عنه. فقلت: الحمد لله وصلى الله على محمد، قدمت خير مقدم، قدمت على أهل دار زوجك سيد رجالهم، وأنت سيدة نسائهم، أحب كذا وأكره كذا.


قالت: أخبرني عن أختانك أتحب أن يزوروك؟ فقلت: إني رجل قاض، وما أحب أن تملوني.


أم زينب تسأله عن ابنتها فيثني عليها قال: فبت بأنعم ليلة، وأقمت عندها ثلاثاً، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوماً إلا هو أفضل من الذي قبله، حتى إذا كان عند رأس الحول دخلت منزلي، فإذا عجوز تأمر وتنهى، قلت: يا زينب، من هذه؟ فقالت: أمي فلانة. قلت: حياك الله بالسلام، قالت: أبا أمية كيف أنت وحالك؟ قلت: بخير أحمد الله، قالت: أبا أمية؛ كيف زوجك؟ قلت: كخير امرأة، قالت: إن المرأة لا ترى في حال أسوأ خلقاً منها في حالين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلاماً؛ فإن رابك منها ريب فالسوط؛ فإن الرجال والله ما حازت إلى بيوتها شراً من الورهاء المتدللة.


قتل: أشهد أنها ابنتك، قد كفيتنا الرياضة، وأحسنت الأدب.


قال: فكانت في كل حول تأتينا فتذكر هذا، ثم تنصرف.


يعالج زينب من لسعة عقرب  قال شريح: فما غضبت عليها قط إلا مرة كنت لها ظالماً فيها؛ وذاك أني كنت أمام قومي فسمعت الإقامة، وقد ركعت ركعتي الفجر، فأبصرت عقرباً، فعجلت عن قتلها، فأكفأت عليها الإنياء، فلما كنت عند الباب قلت: يا زينب لا تحركي الإناء حتى أجيء، فعجلت فحركت الإناء فضربتها العقرب، فجئت فإذا هي تلوى. فقتل: ما لك؟ قالت: لسعتني العقرب. فلو رأيتني يا شعبي وأنا أعرك أصبعها بالماء والملح، وأقرأ عليها لامعوذتين وفاتحة الكتاب.

كان له جار يضرب امرأته فقال ً

وكان لي يا شعبي جار يقال له ميسرة بن عرير من الحي، فكان لا يزال يضرب امرأته، فقلت:

رأيت رجالاً يضربون نساءهم

 

فشلت يميني يوم أضرب زينبا

يا شعبي، فوددت أني قاسمتها عيشي.
ومما يغنى فيه من الأشعار التي قالها شريح في امرأته زينب:

رأيت رجالاً يضربون نساءهـم

 

فشلت يميني يوم أضرب زينبا

أأضربها في غير جرم أتت به

 

إلي، فما عذري إذا كنت مذنبا!

فتاة تزين الحلي إن هي حليت

 

كأن بفيها المسك خالط محلبـا

والغناء ليونس الكاتب من كتابه غير مجنس.

صوت

أمن رسم دار مربع ومصـيف

 

لعينك من ماء الشؤون وكـيف

تذكرت فيها الجهل حتى تبادرت

 

دموعي وأصحابي علي وقوف

عروضه من مصرع الطويل. الشعر للحطيئة من قصيدة يمدح بها سعيد بن العاص لما ولى الكوفة لعثمان. والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو.