أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم، عن خالد بن سعيد، عن أبيه، قال: لقيني إياس بن الحطيئة، فقال لي: يا أبا عثمان، مات أبي، وفي كسر بيته عشرون ألفاً أعطاه إياه أبوك، وقال فيه خمس قصائد، فذهب والله ما أعطيتمونا وبقي ما أعطيناكم، فقلت: صدقت والله.
قال أبو زيد: فمما قال فيه قوله:
أمن رسم دار مـربـع ومـصـيف |
|
لعينك من مـاء الـشـؤون وكـيف |
إليك سعيد الخير جبت مـهـامـهـا |
|
يقـابـلـنـي آل بـهـا وتـنـوف |
ولولا أصيل اللب غـض شـبـابـه |
|
كريم لأيام الـمـنـون عـــروف |
إذا هم بالأعـداء لـم يثـن هـمـه |
|
كعاب علـيهـا لـؤلـؤ وشـنـوف |
حصان لها في البـيت زي وبـهـجة |
|
ومشي كما تمشي القطاة قـطـوف |
ولو شاء وارى الشمس من دون وجهه |
|
حجاب ومطوي الـسـراة مـنـيف |
أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي، عن خالد بن سعيد بن العاص، عن أبيه، قال: كان سعيد بن العاص في المدينة زمن معاوية، وكان يعشي الناس، فإذا فرغ من العشاء قال الآذن: أجيزوا إلا من كان من أهل سمره. قال: فدخل الحطيئة فتعشى مع الناس، ثم أقبل فقال الآذن: أجيزوا، حتى انتهى إلى الحطيئة، فقال: أجز، فأبى، فأعاد عليه فأبى، فلما رأى سعيد إباءه قال: دعه، وأخذ في الشعر والحطيئة مطرق لا ينطق، فقال الحطيئة: والله ما أصبتم جيد الشعر، ولا شاعر الشعراء. قال سعيد: من أشعر العرب يا هذا؟ فقال: الذي يقول:
لا أعد الإقتار عدماً ولـكـن |
|
فقد من قد رزئته الإعـدام |
من رجال من الأقارب بانوا |
|
من جذام هم الرؤوس الكرام |
سلط الموت والمنون عليهـم |
|
فلهم في صوى المقابر هام |
وكذاكم سبـيل كـل أنـاس |
|
سوف حقا تبـلـيهـم الأيام |
قال: ويحك! من يقول هذا الشعر؟ قال: أبو داود الإيادي، قال: أو ترويه؟ قال: نعم، قال: فأنشدنيه، فأنشده الشعر كله، قال: ومن الثاني؟ قال: الذي يقول :
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض |
|
عف وقـد يخـدع الأريب |
قال: ومن يقول هذا؟ قال: عبيد، قال: أو ترويه؟ قال: نعم، فأنشدنيه، فأنشده، ثم قال له: ثم من؟ قال: والله لحسبك بي عند رهبة أو رغبة، إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى، ثم رفعت عقيرتي بالشعر، ثم عويت على أثر القوافي عواء الفيصل الصادر عن الماء.
قال: ومن أنت؟ قال: الحطيئة، قال: ويحك! قد علمت تشوقنا إلى مجلسك، وأنت تكتمنا نفسك منذ اللية! قال: نعم لمكان هذين الكلبين عندك، وكان عنده كعب بن جعيل، وأخوه. وكان عنده سويد بن مشنوء النهدي، حليف بني عدي بن جناب الكلبيين، فأنشده الحطيئة قوله :
ألست بجاعلي كابني جعيل |
|
هداك الله أو كابني جنـاب |
أدب فلا اقدر أن تـرانـي |
|
ودونك بالمدينة ألف بـاب |
وأحبس بالعراء المحل بيتي |
|
ودونك عازب ضخم الذباب |
العازب: الكلأ الذي لم يرع، وقد التف نبته.
فقال له سعيد: لعمر الله لأنت أشعر عندي منهم، فأنشدني، فأنشده :
سعيد وما يفعل سعيد فـإنـه |
|
نجيب فلاه في الرباط نجيب |
سعيد فلا يغررك قلة لحمـه |
|
تخدد عنه اللحم فهو صليب |
ويروى: خفة لحمه.
إذا غاب عنا غاب عنا ربيعنـا |
|
ونسقى الغمام الغر حين يؤوب |
فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره |
|
إذا الريح هبت والمكان جديب |
فأمر له بعشرة آلاف درهم، ثم عاد فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
أمن رسم دار مربع ومصيف |
يقول فيها:
إذا هم بالأعداء لم يئن عزمه |
|
كعاب عليها لؤلؤ وشنـوف |
فأعطاه عشر آلاف أخرى.
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة بهذا الحديث نحو ما رواه خالد بن سعيد، وزاد فيه: فانتهى الشرط إلى الحطيئة فرأوه أعرابياً قبيح الوجه، كبير السن، سيىء الحال، رث الهيئة، فأرادوا أن يقيموه، فأبى أن يقوم، وحانت من سعيد التفاتة، فقال: دعوا الرجل، وباقي الخبر مثله.
قال أبو عبيدة في هذا الخبر: وأخبرني رجل من بني كنانة، قال: أقبل الحطيئة في ركب من بني عبس، حتى قدم المدينة، فأقام مدة، ثم قال له من في رفقته: إنا قد أرذينا وأخلينا، فلو تقدمت إلى رجل شريف من أهل هذه القرية فقرانا وحملنا. فأتى خالد بن سعيد بن العاص، فسأله فاعتذر إليه، وقال: ما عندي شيء فلم يعد عليه الكلام، وخرج من عنده، فارتاب به خالد، فبعث يسأل عنه، فأخبر أنه الحطيئة، فرده. فأقبل الحطيئة، فقعد لا يتكلم، فأراد خالد أن يستفتحه الكلام، فقال: من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه |
|
يفره ومن لا يتق الـشـتـم يشـتـم |
فقال خالد لبعض جلسائه: هذه بعض عقاربه، وأمر بكسوة وحملان، فخرج بذلك من عنده.
حبذا ليلتي بتـل بـونـى |
|
حين نسقى شرابنا ونغنى |
إذ رأينا جوارياً عطـرات |
|
وغناء وقرقفاً فنـزلـنـا |
ما لهم لا يبارك الله فيهـم |
|
إذ يسألون: ويحنا ما فعلنا! |
عروضه الضرب الأول من الخفيف. الشعر لمالك بن أسماء بن خارجة، والغناء لحنين، رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق.