ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر وخبره وقصة بنت الجودي

نسبه

عبد الرحمن بن أبي بكر، واسم أبي بكر رضي الله عنه عبد الله - وكان اسمه في الجاهلية عتيقاً، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله - بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.


وكان اسم عبد الرحمن عبد العزى، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.


وأمه وأم عائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة.


هذا قول الزبير، وعمه.


وحكى إبراهيم بن موسى أنها بنت عويمر بن عتاب بن دهمان بن الحارث بن غنم.


وروى عن محمد بن عبد الرحمن المرواني أنها بنت عامر بن عويمر بن أذينة بن سبيع بن الحارث بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة. له صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم

 

ولعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يهاجر مع أبيه صغراً عن ذلك، فبقي بمكانه؛ ثم خرج قبل الفتح مع فتية من قريش. وقيل: بل كان إسلامه في يوم الفتح وإسلام معاوية بن أبي سفيان في وقت واحد غير مدفوع. انتهى.


أخبرني الطوسي وحرمي بن أبي العلاء، قالا: حدثنا الزبير، قال: حدثني إبراهيم بن حمزة، عن سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان: أن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح، قال: وأحسبه قال: إن معاوية كان معهم .

موقفه من أخذ البيعة ليزيد بن معاوية

قال الزبير: وحدثني عمي مصعب قال: وقف محكم اليمامة على ثلمة فحماها فلم يجز عليه أحد، فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله - وكان أحد الرماة - فدخل المسلمون من تلك الثلمة، وهو المخاطب لمروان يوم دعا إلى بيعة يزيد، والقائل: إنما تريدون أن تجعلوها كسروية أو هرقلية، كلما هلك كسرى أو هرقل ملك كسرى أو هرقل، فقال مروان: أيها الناس، هذا الذي قال لوالديه: أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي، فصاحت به عائشة: ألعبد الرحمن تقول هذا؟ كذبت والله، ما هو به، ولو شئت أن أسمي من أنزلت فيه لسميته، ولكن أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك، وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة الله.


حدثنا بذلك أحمد بن الجعد، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وهب بن جرير، عن جويرية بن أسماء، وفي غير رواية: أن عائشة قالت له: يا مروان؛ أفينا تتأول القرآن، وإلينا تسوق اللعن؟ والله لأقومن يوم الجمعة بك مقاماً تود أني لم أقمه. فأرسل إليها بعد ذلك وترضاها واستعفاها، وحلف ألا يصلي بالناس أو تؤمنه، ففعلت.

شعره في ليلى بنت الجودي

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وأخبرني الطوسي، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا محمد بن الضحاك، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: استهيم عبد الرحمن بن أبي بكر بليلى بنت الجودي بن عدي بن عمرو بن أبي عمرو الغساني، فقال فيها :

تذكرت ليلى والسماوة دونهـا

 

وما لابنة الجودي ليلى وماليا

وأنى تعاطي قلبـه حـارثـية

 

تحل ببصرى أو تحل الجوابيا

وكيف يلاقيها، بلى، ولعلـهـا

 

إذا الناس حجوا قابلاً أن تلاقيا

قال أبو زيد: وقال فيها:

يابتة الجودي قلبي كئيب

 

مستهام عندها ما ينـيب

جاورت أخوالها حي عك

 

فلعلك من فؤادي نصيب

وقد ذكرنا باقي الأبيات فيما تقدم.
قال الزبير في خبره: وكان قدم في تجارة، فرآها هناك على طنفسة حولها ولائد، فأعجبته.


وقال أبو زيد في خبره: فقال له عمر: ما لك ولها يا عبد الرحمن! فقال: والله ما رأيتها قط إلا ليلة في بيت المقدس في جوار ونساء يتهادين، فإذا عثرت إحداهن قالت: يابنة الجودي، فإذا حلفت إحداهن حلفت بابنة الجودي.

عمر يأمر بأن تكون له إذا فتحت دمشق

فكتب عمر إلى صاحب الثغر الذي هي به: إذا فتح الله عليكم دمشق فقد غنمت عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي. فلما فتح الله عليهم غنموه إياها.


قالت عائشة: فكنت أكلمه فيما يصنع بها، فيقول: يا أخية، دعيني، فوالله لكأني أرشف من ثناياها حب الرمان. ثم ملها وهانت عليه، فكنت أكلمه فيما يسيء إليها كما كنت أكلمه في الإحسان إليها، فكان إحسانه أن ردها إلى أهلها.
يردها إلى أهلها قال الشيخ في خبره: فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضت ليلى فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها؛ فجهزها إلى أهلها.

ليلى بنت ملك دمشق

قال الزبير: وحدثني عبد الله بن نافع الصائغ: عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر بنت الجودي، حين فتح دمشق، وكانت بنت ملك دمشق.

روايتان أخريان في أمر عبد الرحمن مع ليلى

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الصلت بن مسعود، قال: حدثنا محمد بن شيرويه، عن سليمان بن صالح، قال: قرأت على عبد الله بن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة بنت مصعب، عن عروة بن الزبير، قال: كانت ليلى بنت الجودي بنت ملك من ملوك الشام، فشبب بها عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان قد رآها فيما تقدم بالشام، فلما فتح الله عز وجل على المسلمين، وقتلوا أباها أصابوها، فقال المسلمون لأبي بكر: يا خليفة رسول الله! أعط هذه الجارية عبد الرحمن، فقد سلمناها له، قال أبو بكر: أكلكم على هذا؟ قالوا: نعم، فأعطاه إياها، وكان لها بساط في بلدها لا تذهب إلى الكنيف ولا إلى الحاجة إلا بسط لها، ورمي بين يديها برمانتين من ذهب تتلهى بهما في طريقها. فكان عبد الرحمن إذا خرج من عندها، ثم رجع إليها رأى في عينيها أثر البكاء، فيقول: ما يبكيك؟ اختاري خصالاً أيها شئت فعلت بك: إما أن أعتقك وأنكحك، فتقول: لا أشتهيه، وإن شئت رددتك على قومك، قالت: ولا أريد، وإن أحببت رددتك على المسلمين، قالت: لا أريد، قال: فأخبريني ما يبكيك؟ قالت: أبكي الملك من يوم البؤس.


أخبرني أحمد، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثني هارون بن إبراهيم بن معروف، قال: حدثني حمزة بن ربيعة، عن العلاء بن هارون، عن عبد الله بن عون ، عن يحيى بن يحيى الغساني: أن عبد الرحمن قدم على يعلى بن منبه، وهو على اليمن، فوجدها في السبي، فسأله أن يدفعها إليه.

شعر آخر له في ليلى

أخبرني أحمد، قال: حدثنا عمر، قال: كتب إلي محمد بن زياد بن عبيد الله يذكر أن عبد الرحمن قال فيها:

فإما تصبحي بعد اقـتـراب

 

بسلع أو ثـنـيات الـوداع

فلم ألفظك من شبع ولـكـن

 

لأقضي حاجة النفس الشعاع

كأن جوانح الأضلاع منـي

 

بعيد النوم مبطـنة الـيراع

عائشة ترثيه

أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عبد الله بن لاحق، عن أبي مليكة، قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه بالحبشي - جبل من مكة على أميال - فحمل فدفن بمكة، فقدمت عائشة فوقفت على قبره، ثم قالت :

وكنا كندماني جـذيمة حـقـبة

 

من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فلما تفرقنا كأنـي ومـالـكـاً

 

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت، ولو شهدتك لزرتك .

صوت

أماوي إن الـمـال غـاد ورائح

 

ويبقى من المال الأحاديث والذكر

وقد علم الأقوام لو أن حـاتـمـاً

 

أراد ثراء المال أمسى له وفـر

أماوي إن يصبح صداي بقـفـرة

 

من الأرض لا ماء لدي ولا خمر

تري أن ما أنفقت لم يك ضائري

 

وأن يدي مما بخلت به صـفـر

عروضه من الطويل.
الثراء: الكثرة في المال، وفي عدد القوم أيضاً. والوفر: الغنى، ووفور المال. والصدى ها هنا: كان أهل الجاهلية يذكرون أن طائراً يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه، فإذا قتل أقبل يصوت على قبره، حتى يدرك بثأره. والصفر: الخالي. والصدى: العطش، والصدى: ما يجيب إذا صوت في المكان الخالي. وصدأ الحديد مهموز.

الشعر لحاتم الطائي. والغناء لإسحاق، رمل بالسبابة في مجرى البنصر. وذكر الهشامي أن فيه ثقيلاً أول، ولمالك خفيفاً، وذكر حبش أن فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى، وذكر عمرو بن بانة أن فيه لابن جامع خفيف رمل بالوسطى.