ذكر مقتل الزبير وخبره

الزبير وعلي بن أبي طالب

حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز عن ابن شبة قالا: حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي عن قتادة قال: سار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وصاروا من الفرضة يريدونه فالتقوا عند قصر عبيد الله بن زياد يوم الخميس النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرسٍ وعليه سلاحه فقيل لعلي: هذا الزبير فقال: أما والله إنه أحرى الرجلين إن ذكر بالله أن يذكره وخرج طلحة وخرج علي غليهما فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال لهما: لعمري لقد أعددتما خيلاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتقيا الله ولا تكونا " كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً " ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما فهل من حدثٍ أحل لكما دمي فقال له طلحة: ألبت الناس على عثمان فقال: يا طلحة أتطلبني بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله في بني غنم فنظر إلي وضحك وضحكت إليه فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال: مه ليس بمزهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال: اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا والله لا أقاتلك أبداً.


وانصرف علي إلى أصحابه وقال: أما الزبير فقد أعطى الله عهداً ألا يقاتلني. قال: ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن مذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا قالت: وما تريد أن تصنع قال: أدعهم وأذهب فقال له ابنه عبد الله: أجمعت بين هذين الغارين حتى إذا حدد بعضهم لبعض اردت أن تذهب وتتركهم أخشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتيةٌ أنجاد. فأحفظه فقال: إني حلفت ألا أقاتله: قال: كفر عن يمينك وقاتله فدعا غلاماً له يدعى مكحولاً فأعتقه فقال عبد الرحمن بن سليمان التيمي:

لم ار كاليوم أخا إخوان أعجب من مكفر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن وقال بعض شعرائهم:

يعتق مكحولاً لصون دينه كفارةً لله عن يمينه

والنكث قد لاح على جبينه حدثني ابن عمار والجوهري قال: حدثنا ابن شبة عن علي بن محمد النوفلي عن الهذلي عن قتادة قال: وقف الزبير على مسجد بني مجاشع فسال عن عياض بن حماد فقال له النعمان بن زمام: هو بوادي السباع فمضى يريده.


حدثني ابن عمار والجوهري عن عمر قال: حدثني المدائني عن أبي مخنف عمن حدثه عن الشعبي قال: خرج النعمان مع الزبير حتى بلغ النجيب ثم رجع.


قال: وحدثنا عن مسلمة بن محارب عن عوف وعن أبي اليقظان قالا: مر الزبير ببني حماد فدعوه إلى أنفسهم فقال: اكفوني خيركم وشركم فوالله ما كفوه خيرهم وشرهم. ومضى ابن فرتنى إلى الأحنف وهو بعرق سويقه فقال: هذا الزبير قد مر فقال الأحنف: ما أصنع به! جمع بين غارين من المسلمين فقتل بعضهم بعضاً ثم مر يريد أن يلحق بأهله. فقام عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع بن كعب أحد بني عوف - ويقال نفيع بن عمير - فلحقوه بالعرق فقتل قبل أن ينتهي إلى عياض قتله عمرو بن جرموز.


حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي الكوفي وجعفر بن محمد بن الحسن العلوي الحسني والعباس بن علي بن العباس وأبو عبيد الصيرفي قالوا: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين قال: حدثني ابن عباس قال: قال لي علي: ائت الزبيرفقل له: يقول لك علي بن أبي طالب نشدتك الله ألست قد بايعتني طائعاً غير مكره. فما الذي أحدثت فاستحللت به قتالي وقال أحمد بن يحيى في حديثه: قل لهما: إن أخاكما يقرأ عليكما السلام ويقول: هل نقمتما علي جوراً في حكم أو استئثاراً بفيء فقالا: لا ولا واحدةً منهما ولكن الخوف وشدة الطمع.


وقال محمد بن خلف في خبره: فقال الزبير: مع الخوف شدة المطامع فأتيت علياً فأخبرته بما قال الزبير فدعا بالبغلة فركبها وركبت معه فدنوا حتى اختلفت أعناق دابتيهما فسمعت علياً يقول: نشدتك الله يا زبيرن أتعلم أني كنت أنا وأنت في سقيفة بني فلان تعالجني وأعالجك فمر بي - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فقال: كأنك تحبه! فقلت: وما يمنعني! قال: أما إنه ليقاتلنك وهو لك ظالم. فقال الزبير: اللهم نعم ذكرتني ما نسيت وولى راجعاً. ونادى منادي علي: ألا لا تقاتلوا القوم حتى يستشهدوا منكم رجلاً فما لبث أن أتي برجل يتشحط في دمه فقال علي: اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد. وأمر الناس فشدوا عليهم وأمر الصراخ حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أيوب المخزومي عن سعيد بن محمد الجرمي عن أبي الأحوص عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش ولا أحسبه إلا قال: كنت قاعداً عند علي فأتاه آتٍ فقال: هذا ابن جرموز قاتل الزبير بن العوام يستأذن على الباب قال: ليدخلن قاتل ابن صفية النار إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن لكل نبي حواري وإن حواري الزبير ".


أخبرني الطوسي وحرمي عن الزبير عن علي بن صالح عن سالم بن عبد الله بن عروة عن أبيه: أن عمراً أو عويمر بن جرموز قاتل الزبير أتى مصعباً حتى وضع يده في يده فقذفه في السجن وكتب إلى عبد الله بن الزبير يذكر له أمره فكتب إليه عبد الله: بئس ما صنعت أظننت أني أقتل أعرابياً من بني تميم بالزبير! خل سبيله فخلاه.

عاتكة ترثي الزبير

أخبرني الطوسي والحرمي عن الزبير عن عمه قال: قتل الزبير وهو ابن سبعٍ وستين سنة أو ست وستين سنة فقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه:

غدر ابن جرموزٍ بفارس بهمةٍ يوم اللقاء وكان غير معرد

شلت يمينك إن قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المستشهد

إن الزبير لذو بلاءٍ صادقٍ سمحٌ سجيته كريم المـشـهـد

كم غمرةٍ قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يابن فقع الـقـردد

فاذهب فما ظفرت يداك بمثله فيمن مضى ممن يروح ويغتدي

وكانت عاتكة قبل الزبير عند عمر وقبل عمر عند عبد الله بن أبي بكر.

عبد الله بن أبي بكر وعاتكة

أخبرني بخبرها محمد بن خلف وكيع عن أحمد بن عمرو بن بكر قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الهيثم بن عدي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأخبرنا وكيع قال: حدثني إسماعيل بن مجمع عن المدائني.


وأخبرني الطوسي والحرمي قالا: حدثنا الزبير عن عمه عن أبيه وأخبرني اليزيدي عن الخليل بن أسد عن عمرو بن سعيد عن الوليد بن هشام بن يحيى الغساني.


وأخبرني الجوهري عن ابن شبة قال: حدثنا محمد بن موسى الهذلي وكل واحد منهم يزيد في الرواية وينقص منها وقد جمعت رواياتهم قالوا: تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت امرأة لها جمالٌ وكمالٌ وتمامٌ في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها وكانت قد غلبته على رأيه فمر عليه أبو بكر أبوه وهو في علية يناغيها في يوم جمعة وأبو بكر متوجه إلى الجمعة ثم رجع وهو يناغيها فقال: يا عبد الله أجمعت قال: أو صلى الناس قال: نعم: قال: وقد كانت شغلته عن سوق وتجارة كان فيها - فقال له أبو بكر: قد شغلتك عاتكة عن المعاش والتجارة وقد ألهتك عن فرائض الصلاة طلقها فطلقها تطليقة وتحولت إلى ناحية فبينا أبو بكر يصلي على سطح له في الليل إذ سمعه وهو يقول:

أعاتك لا أنساك ما ذر شارقٌ وما ناح قمري الحمام المطـوق

أعاتك قلبي كل يوم وليلة لديك بما تخفي النفـوس مـعـلـق

لها خلقٌ جزلٌ ورأيٌ ومنطقٌ وخلقٌ مصونٌ في حياءٍ ومصدق

فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير شيء تطلـق

فسمع أبو بكر قوله فأشرف عليه وقد رق له فقال: يا عبد الله راجع عاتكة فقال: أشهدك أني قد راجعتها. وأشرف على غلام له يقال له أيمن فقال له: يا أيمن أنت حر لوجه الله تعالى أشهدك أني قد راجعت عاتكة ثم خرج إليها يجري إلى مؤخر الدار وهو يقول:

كذلك أمر الله غادٍ ورائحٌ على الناس فيه ألـفةٌ وتـبـاين

وما زال قلبي للتفرق طائراً وقلبي لما قد قرب الله ساكـن

ليهنك أني لا أرى فيك سخطةً وأنك قد تمت عليك المحاسن

فإنك ممن زين الله وجهه وليس لوجهٍ زانه الـلـه شـائن

قال: وأعطاها حديقةً له حين راجعها على ألا تتزوج بعده فلما مات من السهم الذي أصابه بالطائف أنشأت تقول:

فلله عيناً من رأى مثله فتى أكر وأحمى في الهـياج وأصـبـرا

إذا شرعت فيه الأسنة خاضها إلى الموت حتى يرتك الرمح أحمرا

فأقسمت لا تنفك عيني سخينةً عليك ولا ينفك جـلـدي أغـبـرا

مدى الدهر ما غنت حمامة أيكةٍ وما طرد الليل الصباح المنـورا

عمر بن الخطاب وعاتكة

فخطبها عمر بن الخطاب فقالت: قد أعطاني حديقة على ألا أتزوج بعده قال: فاستفتي فاستفتت علي بن أبي طالب فقال: ردي الحديقة على أهله وتزوجي. فتزوجت عمر فسرح عمر إلى عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن ابي طالب - يعني دعاهم - لما بنى بها فقال له علي: إن لي إلى عاتكة حاجةً أريد أن أذكرها إياها فقل لها تستتر حتى أكلمها فقال لها عمر: استتري يا عاتكة فإن ابن أبي طالب يريد أن يكلمك فأخذت عليها مرطها فلم يظهر منها إلا ما بدا من براجمها فقال: يا عاتكة:

فأقسمت لا تنفك عيني سخينةً عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فقال له عمر: ما أردت إلى هذا فقال: وما أرادت إلى أن تقول ما لا تفعل وقد قال الله تعالى: " كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " وهذا شيء كان في نفسي أحببت والله أن يخرج. فقال عمر: ما حسن الله فهو حسنٌ فما قتل عمر قالت ترثيه:

عين جودي بعبرةٍ ونحيب لا تملي على الإمـام الـنـجـيب

فجعتنا المنون بالفارس المع لم يوم اليهـاج والـتـلـبـيب

عصمة الله والمعين على الده ر غياث المنتاب والمحـروب

قل لأهل الضراء والبؤس موتوا قد سقته المنون كأس شعوب

وقالت ترثيه أيضاً: صوت

يا ليلةً حبست علي نجومها فسهرتها والشامتون هجود

قد كان يسهرني حذارك مرةً فاليوم حق لعيني التسهيد

أبكي أمير المؤمنين ودونه للزائرين صفائحٌ وصعـيد

غنى فيه طويس خفيف رمل عن حماد والهشامي. الزبير بن العوام وعاتكة

فلما انقضت عدتها خطبها الزبير بن العوام فتزوجها فلما ملكها قال: يا عاتكة لا تخرجي إلى المسجد وكانت امرأة عجزاء بادنة.. فقالت: يابن العوام أتريد أن أدع لغيرتك مصلى صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فيه قال: فإني لا أمنعك فلما سمع النداء لصلاة الصبح توضأ وخرج فقام لها في سقيفة بني ساعدة فلما مرت به ضرب بيده على عجيزتها فقالت: مالك قطع الله يدك! ورجعت فلما رجع من المسجد قال: يا عاتكة ما لي لم أرك في مصلاك قالت: يرحمك الله أبا عبد الله فسد الناس بعدك الصلاة اليوم في القيطون أفضل منها في البيت وفي البيت أفضل منها في الحجرة. فلما قتل عنها الزبير بوادي السباع رثته فقالت:

يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشاً رعش اللسان ولا اليد

هبلتك أمك إن قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمـد

الحسين بن علي وعاتكة

فلما انقضت عدتها تزوجها الحسين بن علي فكانت أول من رفع خده من التراب وقالت ترثيه:

وحسيناً فلا نسيت حسيناً أقـصـدتـه أسـنة الأعـداء

غادروه بكربلاء صريعاً جادت المزن في ذرى كربلاء

ثم تأيمت بعده فكان عبد الله بن عمر يقول: من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة. ويقال: إن مروان خطبها بعد الحسين فامتنعت عليه وقالت: ما كنت لأتخذ حماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الخليل بن أسد قال: حدثني العمري قال: حدثنا أسامة بن زيد عن القاسم بن محمد قال: لم يزل السهم الذي أصاب عبد الله بن أبي بكر عند أبي بكر حتى قدم وفد ثقيف فأخرجه إليهم فقال: من يعرف هذا منكم فقال سعيد بن عبيد من بني علاج: هذا سهمي وأنا بريته وأنا رشته وأنا عقبته وأنا رميت به يوم الطائف فقال أبو بكر: فهذا السهم الذي قتل عبد الله والحمد لله الذي أكرمه بيدك ولم يهنك بيده.

طويس يغني شعراً لعاتكة

أخبرني اليزيدي عن الزبيرن عن أحمد بن عبيد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير قال: لما قتل الزبير وخلت عاتكة بنت زيد خطبها علي بن أبي طالب فقالت له: إني لأضن بك على القتل يابن عم رسول الله.


أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال: حدثني أبي قال: بينا فتية من قريش ببطن محس يتذاكرون الأحاديث ويتناشدون الأشعار إذ أقبل طويس وعليه قميص قوهي وحبرة قد ارتدى بها وهو يخطر في مشيته فسلم ثم جلس فقال له القوم: يا أبا عبد الله غننا شعراً مليحاً له حديث ظريف فغناهم بشعر عاتكة بنت زيد ترثي عمر بن الخطاب:

منع الرقاد فعاد عيني عيد مما تضمن قلبي المعمود

الأبيات. فقال القوم: لمن هذه الأبيات يا طويس قال لأجمل خلق الله وأشأمهم فقالوا: بأنفسنا أنت من هذه قال: هي والله من لا يجهل نسبها ولا يدفع شرفها تزوجت بابن خليفة نبي الله وثنت بخليفة خليفة نبي الله وثلثت بحواري نبي الله وربعت بابن بنت رسول الله وكلا قتلت.


قالوا جميعاً: جعلنا فداك إن أمر هذه لعجيب بآبائنا أنت من هذه قال: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل. فقالوا: نعم هي على ما وصفت قوموا بنا لا يدرك مجلسنا شؤمها. قال طويس: إن شؤمها قد مات معها قالوا: أنت والله أعلم منا.

صوت

يا دنانير قد تنكر عقلي وتحيرت بين وعدٍ ومـطـل

شغفي شافعي إليك وإلا فاقتليني إن كنت تهوين قتلي

الشعر والغناء لعقيد مولى صالح بن الرشد خفيف ثقيل وفيه لعريب رمل بالوسطى وهذا الشعر يقوله في دنانير مولاة البرامكة وكان خطبها فلم تحبه وقيل: بل قاله أحد اليزيدين ونحله إياه.