ذكر أشعب وأخباره

نسبه

هو أشعب بن جبير، واسمه شعيب، وكنيته أبو العلاء، كان يقال لأمه: أم الخلندج، وقيل: بل أم جميل، وهي مولاة أسماء بنت أبي بكر واسمها حميدة . وكان أبوه خرج مع المختار بن أبي عبيدة ، وأسره مصعب فضرب عنقه صبراً، وقال: تخرج علي وأنت مولاي؟ ونشأ أشعب بالمدينة في دور آل أبي طالب، وتولت تربيته وكفلته عائشة بنت عثمان بن عفان.
وحكي عنه أنه حكى عن أمه أنها كانت تغري بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها زنت فحلقت وطيف بها، وكانت تنادي على نفسها: من رآني فلا يزنين ، فقالت لها امرأة كانت تطلع عليها: يا فاعلة، نهانا الله عز وجل عنه فعصيناه، أو نطيعك وأنت مجلودة محلوقة راكبة على جمل!.

أمه كانت مستظرفة من زوجات النبي

وذكر رضوان بن أحمد الصيدلاني فيما أجاز لي روايته عنه، عن يوسف بن الداية، عن إبراهيم بن المهدي: أن عبيدة بن أشعث أخبره -وقد سأله عن أولهم وأصلهم- أن أباه وجده كانا موليي عثمان، وأن أمه كانت مولاة لأبي سفيان بن حرب، وأن ميمونة أم المؤمنين أخذتها معها لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تدخل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيستظرفنها، ثم إنها فارقت ذلك وصارت تنقل أحاديث بعضهن إلى بعض وتغري بينهن، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليها فماتت. وذكروا أنه كان مع عثمان -رضي الله عنه- في الدار، فلما حصر جرد مماليكه السيوف ليقاتلوا، فقال لهم عثمان: من أغمد سيفه فهو حر، قال أشعب: فلما وقعت والله في أذني كنت أول من أغمد سيفه، فأعتقت.

سن أشعب

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إسحاق الموصلي، قال: حدثني الفضل بن الربيع، قال: كان أشعب عند أبي سنة أربع وخمسين ومائة، ثم خرج إلى المدينة فلم يلبث أن جاء نعيه. وهو أشعب بن جبير، وكان أبوه مولى لآل الزبير، فخرج مع المختار، فقتله مصعب صبراً مع من قتل.


أخبرني الجوهري، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل اليزيدي، قال: حدثني التوزي، عن الأصمعي، قال: قال أشعث: نشأت أنا وأبو الزناد في حجر عائشة بنت عثمان، فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغنا هذه المنزلة.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا عبيد الله بن الحسن والي المأمون على المدينة، قال: حدثني محمد بن عثمان بن عفان قال: قلت لأشعب: لي إليك حاجة، فحلف بالطلاق لابنة وردان : لا سألته حاجة إلا قضاها، فقلت له: أخبرني عن سنك، فاشتد ذلك عليه حتى ظننت أنه سيطلق، فقلت له: على رسلك، وحلفت له إني لا أذكر سنه ما دام حياً، فقال لي: أما إذ فعلت فقد هونت علي، أنا والله حيث حصر جدك عثمان بن عفان، أسعى في الدار ألتقط السهام، قال الزبير : وأدركه أبي.


أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني محمد بن عبد الله اليعقوبي، عن الهيثم بن عدي، قال: قال أشعب: كنت ألتقط السهام من دار عثمان يوم حوصر، وكنت في شبيبتي ألحق الحمر الوحشية عدواً.

أمه يطاف بها بعد أن بغت

أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الجهم أبو مسلم وأحمد بن إسماعيل، قالا: أخبرنا المدائني، قال: كان أشعب الطامع -واسمه شعيب- مولى لآل الزبير من قبل أبيه، وكانت أمه مولاة لعائشة بنت عثمان بن عفان؛ وكانت بغت فضربت وحلقت وطيف بها وهي تنادي: من رآني فلا يزنين، فأشرفت عليها امرأة فقالت: يا فاعلة، نهانا الله عز وجل عن الزنا فعصيناه، ولسنا ندعه لقولك وأنت محلوقة مضروبة يطاف بك.


أخبرني أحمد، قال: حدثنا أحمد بن مهرويه، قال: كتب إلي ابن أبي خيثمة يخبرني أن مصعب بن عبد الله أخبره، قال: اسم أشعب شعيب، ويكنى أبا العلاء، ولكن الناس قالوا أشعب فبقيت عليه، وهو شعيب بن جبير مولى آل الزبير، وهم يزعمون اليوم أنهم من العرب، فزعم أشعب أن أمه كانت تغري بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهم، وامرأة أشعب بنت وردان، ووردان الذي بنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم حين بنى عمر بن عبد العزيز المسجد.

كان أشعب حسن الصوت بالقرآن

أخبرني أحمد قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: وكتب إلي ابن أبي خيثمة يخبرني أن مصعب بن عبد الله أخبره، قال: كان أشعب من القراء للقرآن، وكان قد نسك وغزا، وكان حسن الصوت بالقرآن، وربما صلى بهم القيام.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد القاسم، قال: حدثني أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: كان أشعب مع ملاحته ونوادره يغني أصواتاً فيجيدها، وفيه يقول عبد الله بن مصعب الزبيري: صوت

إذا تمـززت صـراحـية

 

كمثل ريح المسك أو أطيب

ثم تغنى لي بـأهـزاجـه

 

زيد أخو الأنصار أو أشعب

حسبت أني ملك جـالـس

 

حفت به الأملاك والموكب

وما أبالـي وإلـه الـورى

 

أشرق العالم أم غـربـوا

غنى في هذه الأبيات زيد الأنصاري خفيف رمل بالبنصر.


وقد روى أشعب الحديث عن جماعة من الصحابة: أخبرني عمي، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد أن الربيع بن ثعلب حدثهم، قال: حدثني أبو البحتري: حدثني أشعب، عن عبد الله بن جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو دعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إلي كراع لقبلت).

أشعب وسالم بن عبد الله

قال ابن أبي سعد، وروي عن محمد بن عباد بن موسى، عن عتاب بن إبراهيم ، عن أشعب الطامع -قال عتاب: وإنما حملت هذا الحديث عنه لأنه عليه- قال: دخلت إلى سالم بن عبد الله بستاناً له فأشرف علي وقال: يا أشعب، ويلك لا تسأل، فإني سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليأتين أقوام يوم القيامة ما في وجوههم مزعة لحم ، قد أخلقوها بالمسألة).


ويروى عن يزيد بن موهب الرملي ، عن عثمان بن محمد، عن أشعب، عن عبد الله بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه.


أخبرني أحمد، قال: حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني الأصمعي، عن أشعب، قال: استنشدني ابن لسالم بن عبد الله بن عمر غناء الركبان بحضرة أبيه سالم فأنشدته، ورأس أبيه سالم في بت فلم ينكر ذلك.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني أبو مسلم، عن عبد الرحمن بن الحكم ، عن المدائني، قال: دفعت عائشة بنت عثمان في البزازين فقالت له بعد حول: أوجهت لشيء؟ قال: نعم، تعلمت نصف العمل وبقي نصفه، قالت: وما تعلمت؟ قال: تعلمت النشر وبقي الطي.

أشعب يدعو الله أن يذهب عنه الحرص

ثم يستقيل ربه

قال المدائني: وقال أشعب: تعلقت بأستار الكعبة فقلت: اللهم أذهب عني الحرص والطلب إلى الناس، فمررت بالقرشيين وغيرهم فلم يعطني أحد شيئاً، فجئت إلى أمي فقال: ما لك قد جئت خائباً؟ فأخبرتها، فقالت: لا والله لا تدخل حتى ترجع فتستقيل ربك، فرجعت فقلت: يا رب أقلني، ثم رجعت، فلم أمر بمجلس لقريش وغيرهم إلا أعطوني ووهب لي غلام، فجئت إلى أمي بحمار موقر من كل شيء، فقالت: ما هذا الغلام؟ فخفت أن أخبرها بالقصة فتموت فرحاً، فقلت: وهبوا لي، قالت: أي شيء؟ قلت: غين، قالت: أي شيء غين؟ قلت: لام، قالت: وأي شيء لام؟ قلت: ألف، قالت: وأي شيء ألف؟ قلت: ميم، قالت: وأي شيء ميم؟ قلت: غلام. فغشي عليها. ولو لم أقطع الحروف لماتت الفاسقة فرحاً.


أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني العباس بن ميمون، قال: سمعت الأصمعي، يقول: سمعت أشعب يقول : سمعت الناس يموجون في أمر عثمان. قال الأصمعي: ثم أدرك المهدي.

صفته

أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني يحيى بن الحسن بن عبد الخالق بن سعيد الربيع ، قال: حدثني عند بن حمدان الأرقمي المخزومي، قال: أخبرني أبي، قال: كان أشعب أزرق أحول أكشف أقرع .


قال: وسمعت الأرقمي يقول: كان أشعب يقول: كنت أسقي الماء في فتنة عثمان بن عفان. والله أعلم.

أشعب والدينار

أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا عيسى بن موسى، قال: حدثنا الأصمعي، قال: أصاب أشعب ديناراً بالمدينة، فاشترى به قطيفة، ثم خرج إلى قباء يعرفها، ثم أقبل علي فيما أحسب -شك أبو يحيى- فقال: أتراها تعرف.
قال أحمد: وحدثناه أبو محمد بن سعد، قال: حدثني أحمد بن معاوية بن بكر، قال: حدثني الواقدي، قال: كنت مع أشعب نريد المصلى، فوجد ديناراً، فقال لي: يا بن واقد، قلت: ما تشاء؟ قال: وجدت ديناراً فما أصنع به؟ قال: قلت: عرفه، قال: أم العلاء إذا طالق، قال: قلت: فما تصنع به إذاً؟ قال: أشتري به قطيفة أعرفها.


قال: وحدثني محمد بن القاسم، قال: وحدثنيه محمد بن عثمان الكريزي، عن الأصمعي: أن أشعب وجد ديناراً فتخرج من أخذه دون أن يعرفه، فاشترى به قطيفة، ثم قام على باب المسجد الجامع فقال: من يتعرف الوبدة ؟ أخبرني أحمد الجوهري، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: سألت العنزي، فقال: الوبد من كل شيء: الخلق؛ وبد الثوب وومد إذا أخلق.

أشعب يطرب الناس بغنائه

أخبرنا أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا عيسى بن موسى، قال: حدثنا الأصمعي، قال: رأيت أشعب يغني وكأنه صوته صوت بلبل.


أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن عبد الله في رفقة فيها ألف محمل، وكان ثم قاص يقص عليهم، فجئت فأخذت في أغنية من الرقيق، فتركوه وأقبلوا إلي، فجاء يشكوني إلى سالم فقال: إن هذا صرف وجوه الناس عني، قال: وأتيت سالماً -وأحسبه قال- والقاسم، فسألتهما بوجه الله العظيم، فأعطياني، وكانا يبغضانني أو أجدهما يبغضني في الله، قال: قلنا: لا تجعل هذا في الحديث، قال: بلى. حدثنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: وحدثناه قعنب بن محرز الباهلي، قال: أخبرنا الأصمعي، عن أشعب، قال: قدم علينا قاص كوفي يقص في رفقته، وفيها ألف بعير، فخرجنا وأحرمنا من الشجرة بالتلبية، فأقبل الناس إلي وتركوه. قال: ابن أم حميد، فجاء إلي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فقال: إن مولاك هذا قد ضيق علي معيشتي.

أشعب وزياد بن عبد الله الحارثي

أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن الجهم، عن المدائني، قال: تغدى أشعب مع زياد بن عبد الله الحارثي، فجاءوا بمضيرة ، فقال أشعب لخباز: ضعها بين يدي، فوضعها بين يديه، فقال زياد: من يصلي بأهل السجن؟ قال: ليس لهم إمام، قال: أدخلوا أشعب يصلي بهم، قال أشعب: أو غير ذلك أصلح الله الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف ألا آكل مضيرة أبداً.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: قعنب بن المحرز، قال: حدثنا الأصمعي، قال: ولى المنصور زياد بن عبد الله الحارثي مكة والمدينة، قال أشعب: فلقيته بالجحفة فسلمت عليه، قال: فحضر الغداء، وأهدي إليه جدي فطبخه مضيرة، وحشيت القبة قال: فأكلت أكلاً أتملح به، وأنا أعرف صاحبي، ثم أتي بالقبة، فشققتها، فصاح الطباخ: إنا لله! شق القبة، قال: فانقطعت، فلما فرغت قال: يا أشعب! هذا رمضان قد حضر، ولا بد أن تصلي بأهل السجن، قلت: والله ما أحفظ من كتاب الله إلا ما أقيم به صلاتي، قال: لا بد منه، قال: قلت: أو لا آكل جدياً مضيرة؟ قال: وما أصنع به وهو في بطنك؟ قال: قلت: الطريق بعيد أريد أن أرجع إلى المدينة، قال: يا غلام، هات ريشة ذنب ديك -قال أشعب: والجحفة أطول بلاد الله ريشة ذنب ديك- قال: فأدخلت في حلقي فتقيأت ما أكلت، ثم قال لي: ما رأيك؟ قال: قلت: لا أقيم ببلدة يصاح فيها: شق القبة، قال: لك وظيفة على السلطان وأكره أن أكسرها عليك، فقل ولا تشطط قال: قلت: نصف درهم كراء حمار يبلغني المدينة، قال: أنصفت وأعطانيه.

من طرائف أشعب

أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرني أبو مسلم، عن المدائني، قال: أتي أشعب بفالوذجة عند بعض الولادة، فأكل منها، فقيل له: كيف تراها يا أشعب؟ قال: امرأته طالق إن لم تكن عملت قبل أن يوحي الله عز وجل إلى النحل.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثنا عبد الله بن شعيب الزبيري ، عن عمه. قال أبو بكر: وحدثني ابن أبي سعد، قال: حدثني عبد الله بن شعيب وهو أتم من هذا وأكثر كلاماً، قال: جاء أشعب إلى أبي بكر بن يحيى من آل الزبير، فشكا إليه، فأمر له بصاع من تمر، وكانت حال أشعب رثة، فقال له أبو بكر بن يحيى: ويحك يا أشعب! أنت في سنك وشهرتك تجيء في هذه الحال فتضع نفسك فتعطى مثل هذا؟ اذهب فادخل الحمام فاخضب لحيتك، قال أشعب: ففعلت، ثم جئته فألبسني ثياب صوف له وقال: اذهب الآن فاطلب، قال: فذهبت إلى هشام بن الوليد صاحب البغلة من آل أبي ربيعة، وكان رجلاً شريفاً موسراً، فشكا إليه فأمر له بعشرين ديناراً، فقبضها أشعب وخرج إلى المسجد، وطفق كلما جلس في حلقة يقول: أبو بكر بن يحيى، جزاه الله عني خيراً، أعرف الناس بمسألة، فعل بي وفعل، فيقص قصته، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: يا عدو نفسه! فضحتني في الناس، أفكان هذا جزائي!.


أخبرنا أحمد، قال: قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرني محمد بن الحسين بن عبد الحميد، قال: حدثني شيخ أنه نظر إلى أشعب بموضع يقال له الفرع يبكي وقد خضب بالحناء، فقالوا: يا شيخ ما يبكيك؟ قال: لغربة هذا الجناح، وكان على دار واحدة ليس بالفرع غيره.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدثني أبي، قال: نظرت إلى أشعب يسلم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم قال: وهو يدعو ويتضرع، قال: فأدمت نظري إليه، فكلما أدمت النظر إليه كلح وبث أصابعه في يده بحذائي حتى هربت فسألت عنه فقالوا: هذا أشعب.


أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عجلان الفهري، قال: إن أشعب مر برش قد رش من الليل في بعض نواحي المدينة فقال: كأن هذا الرش كساء برنكاني فلما توسطه قال: أظنني والله قد صدقت، وجلس يلمس الأرض. أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا بعض المدنيين، قال: كان لأشعب خرق في بابه، فينام ويخرج يده من الخرق ويطمع أن يجيء إنسان فيطرح في يده شيئاً؛ من الطمع.


أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قال: صلى أشعب يوماً إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان، وكان مروان عظيم الخلق والعجيزة، فأفلتت منه ريح عند نهوضه، لها صوت، فانصرف أشعب من الصلاة، فوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الريح، فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب فقال له: الدية، فقال: دية ماذا؟ فقال: دية الضرطة التي تحملتها عنك، والله وإلا شهرتك، فلم يدعه حتى أخذ منه شيئاً صالحاً.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثني إبراهيم بن الجنيد، قال: حدثني سوار بن عبد الله ، قال: حدثني مهدي بن سليمان المنقري مولى لهم، عن أشعب، قال: دخلت على القاسم بن محمد وكان يبغضني في الله وأحبه فيه، فقال: ما أدخلك علي؟ اخرج عني، فقلت: أسألك بالله لما جددت عذقاً، قال: يا غلام، جد له عذقاً، فإنه سأل بمسألة لا يفلح من ردها أبداً.


أخبرنا أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا الرياشي، قال: حدثني أبو سلمة أيوب بن عمر، عن المحرزي، وهو أيوب بن عباية أبو سليمان، قال: كان لأشعب علي في كل سنة دينار، قال: فأتاني يوماً ببطحان فقال: عجل لي ذلك الدينار، ثم قال: لقد رأيتني أخرج من بيتي فلا أرجع شهراً مما آخذ من هذا وهذا وهذا.

بين أشعب وابنه

أخبرنا أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أبي يحكي عن بعض المدنيين، قال: كبر أشعب فمله الناس وبرد عندهم، ونشأ ابنه فتغنى وبكى وأندر ، فاشتهى الناس ذلك، فأخصب وأجدب أبوه، فدعاه يوماً وجلس هو وعجوزه، وجاء ابنه وامرأته فقال له: بلغني أنك قد تغنيت وأندرت وحظيت ، وأن الناس قد مالوا إليك فهلم حتى أخايرك ، قال: نعم، فتغنى أشعب فإذا هو قد انقطع وأرعد، وتغنى ابنه فإذا هو حسن الصوت مطرب، وانكسر أشعب ثم أندر فكان الأمر كذلك، ثم خطبا فكان الأمر كذلك، فاحترق أشعب فقام فألقي ثيابه، ثم قال: نعم، فمن أين لك مثل خلقي؟ من لك بمثل حديثي؟ قال: وانكسر الفتى، فنعرت العجوز ومن معها.

حديثه عن وفاة بنت الحسين بن علي

أخبرني أحمد، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدثني علي بن الحسين بن هارون، قال: حدثني محمد بن عباد بن موسى، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر بن سليمان وكان جارنا هنا، قال: دخلت على جعفر بن سليمان وعند أشعب يحدثه قال: كانت بنت حسين بن علي عند عائشة بنت عثمان تربيها حتى صارت امرأة، وحج الخليفة فلم يبق في المدينة خلق من قريش إلا وافى الخليفة إلا من لا يصلح لشيء، فماتت بنت حسين بن علي، فأرسلت عائشة إلى محمد بن عمرو بن حزم وهو والي المدينة، وكان عفيفاً حديداً عظيم اللحية، له جارية موكلة بلحيته إذا ائتزر لا يأتزر عليها، وكان إذا جلس للناس جمعها ثم أدخلها تحت فخذه. فأرسلت عائشة: يا أخي قد ترى ما دخل علي من الصيبة بابنتي، وغيبة أهلي وأهلها، وأنت الوالي، فأما ما يكفي النساء من النساء فأنا أكفيكه بيدي وعيني، وأما ما يكفي الرجال من الرجال فاكفنيه، مر بالأسواق أن ترفع، وأمر بتجويد عمل نعشها، ولا يحملها إلا الفقهاء الألباء من قريش بالوقار والسكينة، وقم على قبرها ولا يدخله إلا قرابتها من ذوي الحجا والفضل، فأتى ابن حزم رسولها حين تغدى ودخل ليقيل، فدخل عليه فأبلغه رسالتها، فقال ابن حزم لرسولها: أقرئ ابنة المظلوم السلام وأخبرها أني قد سمعت الواعية وأردت الركوب إليها فأمسكت عن الركوب حتى أبرد، ثم أصلي، ثم أنفذ كل ما أمرت به. وأمر حاجبه وصاحب شرطته برفع الأسواق، ودعا الحرس وقال: خذوا السياط حتى تحولوا بين الناس وبين النعش إلا ذوي قرابتها بالسكينة والوقار، ثم نام وانتبه وأسرج له، واجتمع كل من كان بالمدينة، وأتى باب عائشة حين أخرج النعش، فلما رأى الناس النعش التقفوه، فلم يملك ابن حزم ولا الحرس منه شيئاً، وجعل ابن حزم يركض خلف النعش ويصيح بالناس من السفلة والغوغاء: اربعوا أي ارفقوا فلم يسمعوا، حتى بلغ بالنعش القبر، فصلى عليها، ثم وقف على القبر فنادى: من ها هنا من قريش؟ فلم يحضره إلا مروان بن أبان بن عثمان، وكان رجلاً عظيم البطن بادناً لا يستطيع أن ينثني من بطنه، سخيف العقل، فطلع وعليه سبعة قمص، كأنها درج، بعضها اقصر من بعض ورداء عدني يثمن ألف درهم، فسلم وقال له ابن حزم: أنت لعمري قريبها، ولكن القبر ضيق لا يسعك، فقال: أصلح الله الأمير إنما تضيق الأخلاق. قال ابن حزم: إنا لله، ما ظننت أن هذا هكذا كما أرى، فأمر أربعة فأخذوا بضبعه حتى أدخلوه في القبر، ثم أتى خراء الزنج، وهو عثمان بن عمرو بن عثمان فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، ثم قال: واسيدتاه وابنت أختاه! فقال ابن حزم: تالله لقد كان يبلغني عن هذا أنه مخنث، فلم أكن أرى أنه بلغ هذا كله، دلوه فإنه عورة هو والله أحق بالدفن منها، فلما أدخلا قال مروان لخراء الزنج: تنح إليك شيئاً فقال له خراء الزنج: الحمد لله رب العالمين، جاء الكلب الإنسي يطرد الكلب الوحشي، فقال لهما ابن حزم: اسكتا قبحكما الله وعليكما اللعنة، أيكما الإنسي من الوحشي، والله لئن لم تسكتا لآمرن بكما تدفنان، ثم جاء خال للجارية من الحاطبيين وهو ناقة من مرض لو أخذ بعوضة لم يضبطها فقال: أنا خالها وأمي سودة وأمها حفصة، ثم رمى بنفسه في القبر، فأصاب ترقوة خراء الزنج فصاح: أوه ألح الله الأمير دق والله عرقوبي، فقال ابن حزم: دق الله عرقوبك، وترقوتك اسكت ويلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: ويحكم إني خبرت أن الجارية بادن، ومروان لا يقدر أن ينثني من بطنه، وخراء الزنج مخنث لا يعقل سنة ولا دفناً، وهذا الحاطبي لو أخذ عصفوراً لم يضبطه لضعفه، فمن يدفن هذه الجارية؟ والله ما أمرتني بهذا بنت المظلوم، فقال له جلساؤه: لا والله ما بالمدينة خلق من قريش، ولو كان في هؤلاء خير لما بقوا، فقال: من هاهنا من مواليهم؟ فإذا أبو هانئ الأعمى وهو ظئر لها، فقال ابن حزم: من أنت رحمك الله؟ فادفن هؤلاء الأحياء، حتى يدلى عليك الموتى ثم أقبل على أصحابه فقال: إنا لله -وهذا أيضاً أعمى لا يبصر، فنادوا: من ها هنا من مواليهم فإذا برجل يزيدي يقال له أبو موسى قد جاء، فقال له ابن حزم: من أنت أيضاً؟ قال: أنا أبو موسى صالمين، وأنا بن السميط سميطين والسعيد سعيدين، والحمد لله رب العالمين، فقال ابن حزم: والله العظيم لتكونن لهم خامساً، رحمك الله يا بنت رسول الله، فما اجتمع على جيفة خنزير ولا كلب ما اجتمع على جثتك فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأظنه سقط رجل آخر . أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني اليعقوبي محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبو بكر الزلال الزبيري، قال: حدثني من رأى أشعب وقد علق رأس كلبه وهو يضربه ويقول له: تنبح الهدية وتبصبص للضيف.

أرضع أشعب جدياً لبن زوجته

أخبرنا أحمد، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن محمد الزبيري أبو الطاهر، قال: حدثني يحيى بن محمد بن أبي قتيلة، قال: إذا أشعب جدياً بلبن زوجته وغيرها حتى بلغ الغاية، قال: ومن مبالغته في ذلك أن قال لزوجته: أي ابنة وردان، إن أحب أن ترضعيه لبنك. قال: ففعلت، قال: ثم جاء به إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال: بالله إنه لابني، قد رضع بلبن زوجتي وقد حبوتك به، ولم أر أحداً يستأهله سواك، قال: فنظر إسماعيل إلى فتنة من الفتن فأمر به فذبح وسمط، فأقبل عليه أشعب، فقال: المكافأة، فقال: ما عندي والله اليوم شيء، ونحن من تعرف، وذلك غير فائت لك، فلما يئس منه قام من عنده فدخل على أبيه جعفر بن محمد، ثم اندفع يشهق حتى التقت أضلاعه، ثم قال: أخلني، قال: ما معنا أحد يسمع لا عين عليك، قال: وثب ابنك إسماعيل على ابني فذبحه وأنا أنظر إليه، قال: فارتاع جعفر وصاح: ويلك! وفيم؟ وتريد ماذا؟ قال: أما ما أريد فوالله ما لي إسماعيل حيلة ولا يسمع هذا سامع أبداً بعدك. فجزاه خيراً وأدخله منزله، وأخرج إليته مائتي دينار وقال له: خذ هذه ولك عندما ما تحب، قال: وخرج إلى إسماعيل لا يبصر ما يطأ عليه، فإذا به مترسل في مجلسه، فلما رأى وجه أبيه نكره، وقام إليه، فقال: يا إسماعيل أو فعلتها بأشعب؟ قتلت ولده، قال: فاستضحك وقال: جاءني بجدي من صفته كذا، وخبره الخبر، فأخبره أبوه ما كان منه وصار إليه. قال: فكان جعفر يقول لأشعب: رعبتني رعبك الله فيقول: روعة ابنك والله إياي في الجدي أكبر من روعتك أنت في المائتي دينار.

حزن أشعب لوفاة خالد بن عبد الله

أخبرنا أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن إسحاق المسيبي ، قال: حدثني عمير بن عبد الله بن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة -قال: وعمير لقب واسمه عبد الرحمن- عن أشعب، قال: أتيت خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ليلة أسأله، فقال لي: أنت على طريقة لا أعطي على مثلها، قلت: بلى جعلت فداءك، فقال: قم فإن قدر شيء فسيكون، قال: فقمت، فإني لفي بعض سكك المدينة، قال: كم عيالك؟ فأخبرته قال: قد أمرت أن أجري عليك وعلى عيالك ما كنت حياً، قال: من أمرك؟ قال: لا أخبرك ما كانت هذه فوق هذه، يريد السماء، وأشار إليها قال: قلت: إن هذا معروف يشكر، قال: الذي أمرني لم يرد شكرك، وهو يتمنى ألا يصل مثلك. قال: فمكثت آخذ ذلك إلى أن توفي خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، قال: فشهدته قريش وحفل له الناس قال: فشهدته فلقيني ذلك الرجل فقال: يا أشعب انتف رأسك ولحيتك، هذا والله صاحبك الذي كان يجري عليك ما كنت أعطيك، وكان والله يتنمى مباعدة مثلك، قال: فحمله والله الكرم إذ سألته أن فعل بك ما فعل، قال عمير: قال أشعب: فعملت بنفسي والله حينئذ ما حل وحرم.

أشعب في المسجد

أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: كان أشعب يوماً في المسجد يدعو وقد قبض وجهه فصيره كالصبرة المجموعة، فرآه عامر بن عبد الله بن الزبير فحصبه وناداه: يا أشعب، إذا تناجى ربك فناجه بوجه طلق، قال: فأرخى لحيه حتى وقع على زوره، قال: فأعرض عنه عامر وقال: ولا كل هذا.

جزء أشعب لحيته

أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثني الزبير، قال: حدثني مصعب، قال: جز أشعب لحيته فبعث إليه نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: ألم أقل لك إن البطال أملح ما يكون إذا طالت لحيته فلا تجزز لحيتك.

طرائف من طمعه وبخله

أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو الحسن المدائني، قال: وقف أشعب على امرأة تعمل طبق خوص فقال: لتكبريه فقالت: لم؟ أتريد أن تشتريه؟ قال: لا، ولكن عسى أن يشتريه إنسان فيهدي إلي فيه ، فيكون كبيراً خير من أن يكون صغيراً. أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى قال: أخبرنا المدائني، قال: قالت صديقة أشعب لأشعب: هب لي خاتمك أذكرك به، قال: اذكريني أني منعتك إياه؛ فهو أحب إلي.


أخبرني أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرنا أبو مسلم قال: أخبرنا المدائني، قال: قال أشعب مرة للصبيان: هذا عمرو بن عثمان يقسم مالاً، فمضوا، فلما أبطؤوا عنه اتبعهم؛ يحسب أن الأمر قد صار حقاً كما قال.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا المدائني، قال: دعا زياد بن عبد الله أشعب فتغدى معه، فضرب بيده إلى جدي بين يديه، وكان زياد أحد البخلاء بالطعام، فغاظه ذلك، فقال لخدمه: أخبروني عن أهل السجن ألهم إمام يصلي بهم؟ وكان أشعب من القراء لكتاب الله تعالى، قالوا: لا، قال: فأدخلوا أشعب فصيروه إماماً لهم، قال أشعب: أو غير ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف لك -أصلحك الله- ألا أذوق جدياً أبداً، فخلاه.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: رأيت أشعب بالمدينة يقلب مالاً كثيراً فقلت له: ويحك ما هذا الحرص! ولعلك أن تكون أيسر ممن تطلب من ، قال: إن قد مهرب في هذه المسألة، فأنا أكره أن أدعها فتنفلت مني.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما رأيت اثنين يتساران قط إلا كنت أراهما يأمران لي بشيء.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: قال أشعب لأمه: رأيتك في النوم مطلية بعسل وأنا مطلي بعذرة، فقالت: يا فاسق هذا عملك الخبيث كساكه الله عز وجل، قال: إن في الرؤيا شيئاً آخر، قالت: ما هو؟ قال: رأيتني ألطعك وأنت تلطعيني ، قالت: لعنك الله يا فاسق.


أخبرنا أحمد، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: كان أشعب يتحدث إلى امرأة بالمدينة حتى عرف ذلك، فقالت لها جاراتها يوماً: لو سألته شيئاً فإنه موسر، فلما جاء قالت: إن جاراتي ليقلن لي: ما يصلك بشيء، فخرج نافراً من منزلها، فلم يقربها شهرين، ثم إنه جاء ذات يوم فجلس على الباب، فأخرجت إليه قدحاً ملآن ماءً، فقالت: اشرب هذا من الفزع، فقال: اشربيه أنت من الطمع.


أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم وأحمد بن يحيى -واللفظ لأحمد- قال: أخبرنا المدائني عن جهم بن خلف، قال: حدثني رجل قال: قلت لأشعب: لو تحدثت عندي العشية؟ فقال: أكره أن يجيء ثقيل، قال: قلت: ليس غيرك وغيري، قال: فإذا صليت الظهر فأنا عندك، فضلى وجاء، فلما وضعت الجارية الطعام إذا بصديق لي يدق الباب، فقال: ألا ترى قد صرت إلى ما أكره؟ قال: قلت: إن عندي فيه عشر خصال، قال: فما هي؟ قال: أولها أنه لا يأكل ولا يشرب، قال: التسع الخصال لك، أدخله. قال أبو مسلم :إن كرهت واحدة منها لم أدخله.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: دخل أشعب يوماً على الحسين بن علي وعند أعرابي قبيح المنظر مختلف الخلقة، فسبح أشعب حين رآه، وقال للحسين عليه السلام: بأبي أنت وأمي، أتأذن لي أن أسلح عليه؟ فقال الأعرابي: ما شئت، ومع الأعرابي قوس وكنانة، ففوق له سهماً وقال: والله لئن فعلت لتكونن آخر سلحة سلحتها، قال أشعب للحسين: جعلت فداءك، قد أخذني القولنج .


أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: ذكر أشعب بالمدينة رجلاً قبيح الاسم، فقيل له: يا أبا العلاء، أتعرف فلاناً؟ قال: ليس هذا من الأسماء التي عرضت على آدم.


وجدت في بعض الكتب، عن أحمد بن الحارث الخراز ، عن المدائني، قال: توضأ أشعب فغسل رجله اليسرى وترك اليمنى فقيل له: لم تركت غسل اليمنى؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمتي غر محجلون من آثار الوضوء، وأنا أحب أن أكون أغر محلاً مطلق اليمنى).


وأخبرت بهذا الإسناد قال: سمع أشعب حبي المدينية تقول: اللهم لا تمتني حتى تغفر لي ذنوبي، فقال لها: يا فاسقة أنت لم تسألي الله المغفرة إنما سألته عمر الأبد، يريد أنه لا يغفر لها أبداً.


أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا المدائني، عن فليح بن سليمان، قال: ساوم أشعب رجلاً بقوس عربية فقال الرجل: لا أنقصها عن دينار، قال أشعب: أعتق ما أملك لو أنها إذا رمي بها طائر في جو السماء وقع مشوياً بين رغيفين ما أخذتها بدينار.


أخبرنا أحمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: أهدى رجل من بني عامر بن لؤي إلى إسماعيل الأعرج بن جعفر بن محمد فالوذجة، وأشعب حاضر، قال: كل يا أشعب، فلما أكل منها قال: كيف تجدها يا أشعب؟ قال: أنا بريء من الله ورسوله إن لم تكن عملت قبل أن يوحي الله عز وجل إلى النحل، أي ليس فيها من الحلاوة شيء.


أخبرنا أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرنا المدائني، قال: سأل سالم بن عبد الله أشعب عن طعمه، قال: قلت لصبياني مرة: هذا سالم قد فتح باب صدقة عمر ، فانطلقوا يعطكم تمراً، فمضوا، فلما أبطؤوا ظننت أن الأمر كما قلت فاتبعتهم.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: أخبرني المدائني، قال: بينا أشعب يوماً يتغدى إذ دخلت جارة له، ومع أشهب امرأته تأكل، فدعاها لتتغدى، فجاءت الجارة فأخذت العرقوب بما عليه -قال: وأهل المدينة يسمونه عرقوب رب البيت- قال: فقام أشعب فخرج ثم عاد فدق الباب، فقالت له امرأته: يا سخين العين ما لك! قال: أدخل؟ قالت: أتستأذن أنت، وأنت رب البيت؟ قال: لو كنت رب البيت ما كانت العرقوب بين يدي هذه.

أشعب يبكي نفسه

أخبرني بعض أصحابنا، قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني مصعب، قال: قال لي ابن كليب: حدثت مرة أشعب بملحة فبكى، فقلت: ما يبكيك؟ قال: أنا بمنزلة شجرة الموز إذا نشأت ابنتها قطعت، وقد نشأت أنت في موالي وأنا الآن أموت، فإنما أبكي على نفسي.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: كان أشعب الطمع يغني وله أصوات قد حكيت عنه، وكان ابنه عبيدة يغنيها، فمن أصواته هذه:

أروني من يقوم لكم مقامـي

 

إذا ما الأمر جل عن الخطاب

إلى من تفزعون إذا حثـوتـم

 

بأيديكم علي مـن الـتـراب

أشعب وسكينة بنت الحسين أخبرني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا شعيب بن عبيدة بن أشعب، عن أبيه، عن جده، قال: كانت سكينة بنت الحسين بن علي عليهم السلام عند زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان قال: وقد كانت أحلفته ألا يمنعها سفراً ولا مدخلاً ولا مخرجاً فقالت: اخرج بنا إلى حمران من ناحية عسفان، فخرج بها فأقامت، ثم قالت له: اذهب بنا نعتمر، فدخل بها مكة، فأتاني آت، فقال: تقول لك ديباجة الحرم -وهي امرأة من ولد عتاب بن أسيد-: لك عشرون ديناراً إن جئتني بزيد بن عمرو الليلة في الأبطح، قال أشعب: وأنا أعرف سكينة وأعلم ما هي، ثم غلب علي طباع السوء والشره، فقلت لزيد فيما بيني وبينه: إن ديباجة الحرم أرسلت إلي بكيت وكيت، فقال: عدها الله بالأبطح ، فأرسلت إليها فواعدتها الأبطح وإذا الديباجة قد افترشت بساطاً في الأبطح وطرحت النمارق، ووضعت حشايا وعليها أنماط، فجلست عليها، فلما طلع زيد قامت إليه، فتلقته وسلمت عليه، ثم رجعت إلى مجلسها، فلم ننشب أن سمعنا شحيج بلغة سكينة، فلما استبانها زيد قام فأخذ بركابها، واختبأت ناحية، فقامت الديباجة إلى سكينة فتلقتها وقبلت بين عينيها، وأجلستها على الفراش، وجلست هي على بعض النمارق، فقالت سكينة: أشعب والله صاحب هذا الأمر، ولست لأبي إن لم يأت يصيح صياح الهرة لن يقوم لي بشيء أبداً، فطلعت على أربع أصيح صياح الهرة ، ثم دعت جارية معه مجمر كبير فحفنت منه وأكثرت، وصبت في حجر الديباجة، وحفنت لمن معها فصبته في حجورهن وركبت وركب زيد وأنا معهم، فلما صارت إلى منزلها قالت لي: يا أشعب أفعلتها؟ قلت: جعلت فداءك، إنما جعلت لي عشرين ديناراً، وقد عرفت طمعي وشرهي، والله لو جعلت لي العشرين ديناراً على قتل أبوي لقتلتهما، قال: فأمرت بالرحيل إلى الطائف، فأقامت بالطائف وحوطت من ورائها بحيطان ومنعت زيداً أن يدخل عليها. قال: ثم قالت لي يوماً: قد أثمنا في زيد وفعلنا ما لا يحل لنا، ثم أمرت بالرحيل إلى المدينة، وأذنت لزيد فجاءها.


قال الزبير: وحدثني عبد الله بن محمد بن أبي سلمة قال: جاء أشعب إلى مجلس أصحابنا فجلس فيه، فمرت جارية لأحدهم بحزمة عراجين من صدقة عمر، فقال له أشعب: فديتك، أنا محتاج إلى حطب فمر لي بهذه الحزمة، قال: لا، ولكن أعطيك نصفها على أن تحدثني بحديث ديباجة الحرم، فكشف أشعب ثوبه عن استه واستوفز وجعل يخنس ويقول: إن لهذا زماناً ، وجعلت خصيتاه تخطان الأرض، ثم قال: أعطاني والله فلان في حديث ديباجة الحرم عشرين ديناراً، وأعطاني فلان كذا ، وأعطاني فلان كذا، حتى عد أموالاً، وأنت الآن تطلبها مني بنصف حزمة عراجين! ثم قام فانصرف.
وفي ديباجة الحرم يقول عمر بن أبي ربيعة: صوت

ذهبت ولم تلمم بديباجة الـحـرم

 

وقد كنت منها في عناء وفي سقم

جننت بها لما سمعت بـذكـرهـا

 

وقد كنت مجنوناً بجاراتها القـدم

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما لهوي

 

فكن حجراً بالحزن من حرة أصم

غناه مالك بن أبي السمح من رواية يونس عن حبيش .


قال الزبير: وحدثني شعيب بن عبيدة، عن أبيه، قال: دخل رجل من قريش على سكينة بنت الحسين عليهما السلام، قال: فإذا أنا بأشعب متفحج جالس تحت السرير، فلما رآني جعل يقرقر مثل الدجاجة فجعلت أنظر إليه وأعجب، فقالت: ما لك تنظر إلى هذا؟ قلت: إنه لعجب، قالت: إنه لخبيث، قد أفسد علينا أمورنا بغباوته، فحضنته بيض دجاج، ثم أقسمت أنه لا يقوم عنه حتى ينفق . وهذا الخبر عندنا مشروح، ولكن هذا ما سمعناه، ونسخته على الشرح من أخبار إبراهيم بن المهدي التي رواها عنه يوسف بن إبراهيم، وقد ذكر في أخبار سكينة.


وروى عن أحمد بن الحسن البزاز: وجدت بخط ابن الوشاء، عن أبي الوشاء، عن الكديمي، عن أبي عاضم قال: قيل لأشعب الطامع: أرأيت أحداً قط أطمع منك، قال: نعم كلباً يتبعني أربعة أميال على مضغ العلك .


أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، وعمي عبد العزيز بن أحمد ، وحبيب بن نصر المهلبي، قالوا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني مصعب، عن عثمان بن المنذر، عن عبد الله بن أبي بشر بن عثمان بن المغيرة، قال: سمعت جلبة شديدة مقبلة من البلاط، وأسرعت فإذا جماعة مقبلة، وإذا امرأة قد فرعتهم طولاً، وإذا أشعب بين أيديهم بكفه دف وهو يغني به ويرقص ويحرف استه ويحركها ويقول:

ألا حي التي خجـرت

 

قبيل الصبح فاختمرت

يقال بعينهـا رمـد

 

ولا والله ما رمدت

فإذا تجاوز في الرقص الجماعة رجع إليهم حتى يخالطهم ويستقبل المرأة فيغني في وجهها وهي تبسم وتقول: حسبك الآن، فسألت عنها، فقالوا: هذه جارية صريم المغنية استلحقها صريم عند موته، واعترف بأنها بنته، فحاكمت ورثته إلى السطان، فقامت لها البينة فألحقها به وأعطاها الميراث منه، وكانت أحسن خلق الله غناءً، كان يضرب بها المثل في الحجاز فيقال: أحسن من غناء الصريمية.


أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا الدمشقي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: وحدثني أبي، قال: اجتازت جنازة الصريمية بأشعب وهو جالس في قوم من قريش فبكى عليها ثم قال: ذهب اليوم الغناء كله، وعلى أنها الزانية كانت -لا رحمها الله- شر خلق الله، فقيل: يا أشعب ليس بين بكائك عليها ولعنك إياها فصل في كلامك، قال: نعم، كنا نجيئها الفاجرة بكبش، فيطبخ لنا في دارها ثم لا تعشينا -يشهد الله- إلا بسلق.

أشعب والغاضري

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا مصعب: بلغ أشعب أن الغاضري قد أخذ في مثل مذهبه ونوادره، وأن جماعة قد استطابوه، فرقبه حتى علم أنه في مجلس من مجالس قريش يحادثهم ويضحكهم فصار إليه، ثم قال له: قد بلغني أنك قد نحوت نحوي وشغلت عني من كان يألفني فإن كنت مثلي فافعل كما أفعل، ثم غضن وجهه وعرضه وشنجه حتى صار عرضه أكثر من كوله، وصار في هيئة لم يعرفه أحد بها، ثم أرسل وجهه وقال له: افعل هكذا وطول وجهه حتى كاد ذقنه يجوز صدره، وصار كأنه وجه الناظر في سيفه، ثم نزع ثيابه وتحادب فصار في ظهره حدبة كسنام البعير، وصار طوله مقدار شبر أو أكثر، ثم نزع سراويله وجعل يمد جلد خصييه حتى حك بهما الأرض، ثم خلاهما من يده ومشى وجعل يخنس وهما يخطان الأرض، ثم قام فتطاول وتمدد وتمطى حتى صار أطول ما يكون من الرجال، فضحك والله القوم حتى أغمي عليهم وقطع الغاضري فما تلكم بنادرة، ولا زاد على أن يقول: يا أبا العلاء لا أعاود ما تكره، إنما أنا تلميذك وخريجك، ثم انصرف أشعب وتركه.

من أخلاق أمه

أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، عن إبراهيم بن المهدي، عن عبيدة بن أشعب، عن أبيه: أنه كان مولده في سنة تسع من الهجرة، وأنا أباه كان من مماليك عثمان، وأن أمه كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن إلى بعض، فتلقي بينهن الشر، فتأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فدعا الله عز وجل عليها فأماتها، وعمر ابنها أشعب حتى هلك في أيام المهدي.

كان من المعتزلة

وكان في أشعب خلال، منها أنه كان أطيب أهل زمانه عشرة وأكثرهم نادرة، ومنها: أنه كان أحسن الناس أداء لغناء سمعه، ومنها: أنه أقوم أهل دهره بحجج المعتزلة وكان امرأ منهم.

أشعب وعبد الله بن عمر

قال إبراهيم بن المهدي فحدثني عبيدة بن أشعب، عن أبيه، قال: بلغني أن عبد الله بن عمر كان في مال له يتصدق بثمرته، فركبت ناضحاً ووافيته في ماله، فقلت: يا بن أمير المؤمنين ويا بن الفارق أوقر لي بعيري هذا تمراً، فقال لي: أمن المهاجرين أنت؟ قلت: اللهم لا، قال: فمن الأنصار أنت؟ فقلت: اللهم لا، قال: أفمن التابعين بإحسان؟ فقلت: أرجو، فقال: إلى أن يحقق رجاؤك، قال: أفمن أبناء السبيل أنت؟ قلت: لا، قال: فعلام أوقر لك بعيرك تمراً؟ قلت: لأني سائل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أتاك سائل على فرس فلا ترده)، فقال: لو شئنا أن نقول لك: إنه قال: لو أتاك على فرس، ولم يقل أتاك على ناضح بعير لقلنا، ولكني أمسك عن ذلك لاستغنائي عنه؛ لأني قلت لأبي عمر بن الخطاب: إذا أتاني سائل على فرس يسألني أعطيته؟ فقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني عنه، فقال لي: نعم إذا لم تصب راجلاً ونحن أيها الرجل نصيب رجال فعلام أعطيك وأنت على بعير؟ فقلت له: بحق أبيك الفاروق، وبحق الله عز وجل، وبحق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوقرته لي تمراً، فقال لي عبد الله: أنا موقره لك تمراً، ووحق الله ووحق رسوله لئن عاودت استحلافي لا أبررت لك قسمك، ولو أنك اقتصرت على استحلافي بحق أبي علي في تمرة أعطيكها لما أنفدت قسمك، لأني سمعت أبي يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلى مسجد لرجاء الثواب إلا إلى المسجد الحرام ومسجدي بيثرب، ولا يبر امرؤ قسم مستحلفه إلا أن يستحلفه بحق الله وحق رسوله، ثم قال للسودان في تلك الحال : أوقروا له بعيره تمراً، قال: ولما أخذ السودان في حشو الغرائر قلت: إن السودان أهل الطرب، وإن أطربتهم أجادوا حشو غرائري، فقلت: يا بن الفاروق، أتأذن لي في الغناء فأغنيك؟ فقال لي: أنت وذلك ، فاندفعت في النصب ، فقال لي: هذا الغناء الذي لم نزل نعرفه. ثم غنيته صوتاً آخر لطويس المغني وهو:

خليلي ما أخفي من الحب ناطق

 

ودمعي بما قلت الغداة شهـيد

فقال لي عبد الله: يا هناه، لقد حدث في هذا المعنى ما لم نكن نعرفه، قال: ثم غنيته لابن سريج:

يا عين جودي بالدموع السفـاح

 

وابكي على قتلى قريش البطاح

فقال: يا أشعب، ويحك، هذا يحيق الفؤاد -أراد: يحرق الفؤاد، لأنه كان ألثغ لا يبين بالراء ولا باللام. قال أشعب: وكان بعد ذلك لا يرائي إلا استعادني هذا الصوت.

من نوادره

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي، قال: لقي أشعب صديق لأبيه فقال له: ويحك يا أشعب، كان أبوك ألحى وأنت أنط فإلى من خرجت؟ قال: إلى أمي.

من حيله

أخبرني الحسن بن علي: قال: أخبرنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله، عن مصعب بن عثمان، قال: لقي أشعب سالم بن عبد الله بن عمر فقال: يا أشعب، هل لك في هريس قد أعد لنا؟ قال: نعم، بأبي أنت وأمي. قال: فصر إلي، فمضى إلى منزله، فقالت له امرأته: قد وجه إليك عبد الله بن عمرو بن عثمان يدعوك. قال: ويحك، إن لسالم بن عبد الله هريسة قد دعاني إليها، وعبد الله بن عمرو في يدي متى شئت، وسالم إنما دعوته للناس فلتة، وليس لي بد من المضي إليه. قالت: إذاً يغضب عبد الله، قال: آكل عنده، ثم أصير إلى عبد الله. فجاء إلى سالم وجعل يأكل أكل متعالل فقال له: كل يا أشعب وابعث ما فضل عنك إلى منزلك، قال: ذاك أردت بأبي أنت وأمي، فقال: يا غلام، احمل هذا إلى منزله، فحمله ومضى معه فجاء به امرأته فقالت له: ثكلتك أمك، قد حلف عبد الله أن لا يكلمك شهراً، قال: دعيني وإياه، هاتي شيئاً من الزعفران، فأعطته ودخل الحمام يمسح وجهه ويديه وجلس في الحمام حتى صفره، ثم خرج متكئاً على عصا يرعد، حتى أتى دار عبد الله بن عمرو، فلما رآه حاجبه قال: ويحك، بلغت بك العلة ما أرى؟ ودخل وأعلم صاحبه فأذن له، فلما دخل عليه إذا سالم بن عبد الله عنده، فجعل يزيد في الرعدة ويقارب الخطو، فجلس وما يقدر أن يستقل، فقال عبد الله: ظلمناك يا أشعب في غضبنا عليك، فقال له سالم: ما لك ويلك! ألم تكن عندي آنفاً وأكلت هريسة؟ فقال له: وأي أكل ترى بي؟ قال: ويلك! ألم أقل لك كيت وكيت وتقل لي كيت وكيت؟ قال له: شبه لك، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، والله إني لأظن الشيطان يتشبه بك. ويلك! أجاد أنت؟ قال: علي وعلي إن كنت خرجت منذ شهر . فقال له عبد الله: اعزب ويحك أتبهته، لا أم لك! قال: ما قلت إلا حقاً، قال: بحياتي اصدقني وأنت آمن من غضبي، قال: لا وحياتك لا صدق. ثم حدثه بالقصة فضحك حتى استلقى على قفاه.

ابنه يذكر بعض طرائف أبيه

أخبرني رضوان بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم، عن إبراهيم بن المهدي: أن الرشيد لما ولاه دمشق بعث إليه عبد الله بن أشعب، وكان يقدم عليه من الحجاز إذا أراد أن يطرب.


قال إبراهيم: وكان يحدثني من حديث أبيه بالطرائف: عادلته يوماً وأنا خارج من دمشق في قبة على بغل لألهو بحديثه، فأصابنا في الطريق برد شديد فدعوت بدواج سمور لألبسه، فأتيت به فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب فقلت: حدثني بشيء من طمع أبيك. فقال لي: ما لك ولأبي، ها أنا إذا دعوت بالدواج فما شككت والله في أنك إنما جئت به لي، فضحكت من قوله، ودعوت بغيره فلبسته وأعطيته إياه، ثم قلت له: ألأبيك ولد غيرك؟ فقال: كثير، فقلت: عشرة؟ قال: أكثر، قلت: فخمسون؟ قال: أكثر كثير، قلت: مائة؟ قال: دع المئين وخذ الألوف، فقلت: ويلك! أي شيء تقول؟ أشعب أبوك ليس بينك وبينه أب، فكيف يكون له ألوف من الولد؟ فضحك ثم قال: لي في هذا خبر ظريف، فقلت له: حدثني به، فقال: كان أبي منقطعاً إلى سكينة بنت الحسين، وكانت متزوجة بزيد بن عمرو بن عثمان بن عفان وكانت محبة له، فكان لا يستقر معها، تقول له: أريد الحج فيخرج معها، فإذا أفضوا إلى مكة تقول: أريد الرجوع إلى المدينة، فإذا عاد إلى المدينة، قالت: أريد العمرة، فهو معها في سفر لا ينقضي. قال عبد الله: فحدثني أبي قال: كانت قد حلفته بما لا كفارة له ألا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يلم بنسائه وجواريه إلا بإذنها، وحج الخليفة في سنة من السنين فقال لها: قد حج الخليفة ولا بد لي من لقائه، قالت: فاحلف بأنك لا تدخل الطائف، ولا تلم بجواريك على وجه ولا سبب، فحلف لها بما رضيت به من الإيمان على ذلك، ثم قالت له: احلف بالطلاق، فقال: لا أفعل، ولكن ابعثي معي بثقتك، فدعتني وأعطتني ثلاثين ديناراً وقالت لي: اخرج معه، وحلفتني بطلاق بنت وردان زوجتي ألا أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه ولا سبب، لحلفت لها بما أثلج صدرها، فأذنت له فخرج وخرجت معه. فلما حاذينا الطائف قال لي: يا أشعب، أنت تعرفني وتعرف صنائعي عندك، وهذه ثلاثمائة دينار، خذها بارك الله لك فيها وأذن لي ألم بجواري، فلما سمعتها ذهب عقلي ثم قلت: يا سيدي، هي سكينة، فالله الله في. فقال: أو تعلم سكينة الغيب! فلم يزل بي حتى أخذتها وأذنت له، فمضى وبات عند جواريه. فلما أصبحنا رأيت أبيات قوم من العرب قريبة منا، فلبست حلة وشيء كانت لزيد قيمتها ألف دينار، وركبت فرسه وجئت إلى النساء فسلمت فرددن، ونسبنني نسب زيد، فحادثنني وأنسن بي. وأقبل رجال الحي، وكلما جاء رجل سأل عن نسبي فخبر به هابني وسلم علي وعظمني وانصرف، إلى أن أقبل شيخ كبير منكر مبطون، فلما خبر بي وبنسبي شال حاجبيه عن عينيه، ثم نظر إلي وقال: وأبي ما هذه خلقة قرشي ولا شمائله، وما هو إلا عبد لهم ناد، وعلمت أنه يريد شراً، فركبت الفرس ثم مضيت، ولحقني فرماني بسهم فما أخطأ قربوس السرج، وما شككت أنه يلحقني بآخر يتقلني فسلحت -يعلم الله- في ثيابي فلوثها ونفذ إلى الحلة فصيرها شهرة ، وأتيت رحل زيد بن عمرو فجلست أغسل الحلة وأجففها، وأقبل زيد بن عمرو، فرأى ما لحق الحلة والسرج، فقال لي: ما القصة؟ ويلك! فقلت: يا سيدي الصدق أنجى، وحدثته الحديث فاغتاظ ثم قال لي: ألم يكفك أن تلبس حلتي وتصنع بها ما صنعت وتركب فرسي وتجلس إلى النساء حتى انتسبت بنسبي وفضحتني، وجعلتني عند العرب ولاجاً جماشاً ، وجرى عليك ذل نسب إلي، أنا نفي من أبي ومنسوب إلى أبيك إن لم أسؤك وأبلغ في ذلك.


ثم لقي الخليفة وعاد ودخلنا إلى سكينة، فسألته عن خبره كله فخبرها حتى انتهى إلى ذكر جواريه، فقالت: إيه وما كان من خبرك في طريقك؟ هل مضيت إلى جواريك بالطائف؟ فقال لها: لا أدري، سلي ثقتك. فدعتني فسألتني، وبدأت فحلفت لها بكل يمين محرجة أنه ما مر بالطائف ولا دخلها ولا فارقني، فقال لها: اليمين التي حلف بها لازمة لي إن لم أكن دخلت الطائف وبت عند جواري وغسلتهن جميعاً، وأخذ مني ثلاثمائة دينار، وفعل كذا وكذا، وحدثها الحديث كله وأراها الحلة والسرج، فقالت لي: أفعلها يا أشعب! أنا نفية من أبي إن أنفقتها إلا فيما يسوءك، ثم أمرت بكبس منزلي وإحضارها الدنانير فأحضرت، فاشترت بها خشباً وبيضاً وسرجيناً، وعملت من الخشب بيتاً فحبستني فيه وحلف ألا أخرج منه ولا أفارقه حتى أحضن البيض كله إلى أن ينقب، فمكثت أربعين يوماً أحضن لها البيض حتى نقب، وخرج منه فراريج كثيرة فربتهن وتناسلن فكن بالمدينة يسمين بنات أشعب ونسل أشعب، فهؤلاء إلى الآن بالمدينة نسل يزيد على الألوف، كلهن أهلي وأقاربي.
قال إبراهيم: فضحكت والله من قوله ضحكاً ما أذكر أني ضحكت مثله قط ووصلته، ولم يزل عندي زماناً حتى خرج إلى المدينة وبلغني أنه مات هناك .


يتسور البستان طلباً للطعام أخبرني أحمد، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله بن عثمان، قال: قال رجل لأشعب: إن سالم بن عبد الله قد مضى إلى بستان فلان و معه طعام كثير، فبادر حتى لحقه فأعلق الغلام الباب دونه، فتسور عليه، فصاح به سالم: بناتي ويلك بناتي، فناداه أشعب: (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) ، فأمر بالطعام فأخرج إليه منه ما كفاه.


يقوقئ مثل الدجاجةأخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي، قال: بعثت سكينة إلى أبي الزناد فجاءها تستفتيه في شيء، فاطلع أشعب عليه من بيت وجعل يقوقئ مثل ما تقوقئ الدجاجة، قال: فسبح أبو الزناد وقال: ما هذا؟ فضحكت وقالت : إن هذا الخبيث أفسد علينا بعض أمرنا، فحلفت أن يحضن بيضا في هذا البيت و لا يفارقه حتى ينقب، فجعل أبو الزناد يعجب من فعلها.


وقد أخبرني محمد بن جعفر النحوي بخبر سكينة الطويل على غير هذه الرواية،وهو قريب منها، وقد ذكرته في أخبار سكينة بنت الحسين مفردا عن أخبار أشعب هذه في أخبارها مع زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان.


عبد يسلح في يده أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب، قال: حدثني بعض المدنيين، قال: كان لأشعب حرق في بابه، فكان ينام ثم يخرج يده من الخرق يطمع في أن يجيء إنسان يطرح في يده شيئا من شدة الطمع، فبعث إليه بعض من كان يعبث به من مجان آل الزبير بعبد له فسلح في يده، فلم يعد بعدها إلى أن يخرج يده.


وأخبرني به الجوهري، عن ابن مهرويه، عن محمد بن الحسن، عن مصعب، عن بعض المدنيين فذكر نحوه ولم يذكر ما فعل به الماجن.


أشعب وسالم بن عبد الله بن عمر أخبرني أحمد بن بد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن محمد الزبيري أبو طاهر، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن أبي قتيلة، قال: حدثني إسماعيل بن جعفر بن محمد الأعرج أن أشعب حدثه، قال: جاءني فتية من قريش فقالوا: إنا نحب أن تسمع سالم بن عبد الله بن عمر صوتا من الغناء وتعلمنا ما يقول لك، وجعلوا لي على ذلك جعلا فتنني ، فدخلت على سالم فقلت: يا أبا عمر، إن لي مجالسة وحرمة ومودة وسنا، وأنا مولع بالترنم، قال: وما الترنم؟ قلت: الغناء، قال: في أي وقت؟ قلت: في الخلوة ومع الإخوان في المنزه، فأحب أن أسمعك، فإن كرهته أمسكت عنه، وغنيته فقال: ما أرى بأسا، فخرجت فأعلمتهم، قالوا: وأي شيء غنيته؟ قلت: غنيته:

قربا مربط النعـامة مـنـي

 

لقحت حرب وائل عن حيالي

فقالوا: هذا بارد ولا حركة فيه، ولسنا نرضى، فلما رأيت دفعهم إياي وخفت ذهاب ما جعلوه لي رجعت فقلت: يا أبا عمر، آخر، فقال: ما لي ولك؟ فلم أملكه كلامه حتى غنيت، فقال: ما أرى بأسا، فخرجت إليهم فأعلمتهم فقالوا: وأي شيء غنيته؟ فقلت غنيته قوله:

لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلـنـا

 

وأخو الحرب من أطاق النزالا

فقالوا: ليس هذا بشيء، فرجعت إليه فقال: مه، قلت: وآخر، فلم أملكه أمره حتى غنيت:

غيضن من عبراتهن وقلن لي:

 

ماذا لقيت من الهوى ولقينـا

فقال: نهلا نهلا ، فقلت: لا والله إلا بذاك السداك، وفيه تمر عجوة من صدقة عمر فقال: هو لك، فخرجت به عليهم وأنا أخطر فقالوا: مه، فقلت: غنيت الشيخ:

غيضن من عبراتهن وقلن لي

 

......

فطرب وفرض لي فأعطاني هذا، وكذبتهم، والله ما أعطانيه إلا استكفافا حتى صمت، قال ابن أبي سعد: السداك: الزبيل الكبير. وفرض لي أي نقطني، يعني ما يهبه الناس للمغني ويسمونه النقط.


كانت له ألحان مطربة وشهد له معبد حدثني الجوهري، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثني قعنب بن المحرز، عن الأصمعي، قال: حدثني جعفر بن سليمان، قال: قدم أشعب أيام أبي جعفر، فأطاف به فتيان بني هاشم وسألوه أن يغنيهم فغنى فإذا ألحانه مطربة وحلقه على حاله، فقال له جعفر بن المنصور: لمن هذا الشعر والغناء:

لمن طلل بذات الجيش أمسى دارسا خلقا؟

فقال له: أخذت الغناء عن معبد، وهو للدلال، ولقد كنت آخذ اللحن عن معبد فإذا سئل عنه قال: عليكم بأشعب فإنه أحسن تأدية له مني.


أشعب يلازم جريرا ويغنيه في شعره أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، عن عبد الله بن مصعب، قال: قدم جرير المدينة، فاجتمع إليه الناس يستنشدونه ويسألونه عن شعره، فينشدهم ويأخذون عنه وينصرفون، ولزمه أشعب من بينهم فلم يفارقه، فقال له جرير: أراك أطولهم جلوسا وأكثرهم سؤالا، وإني لأظنك ألأمهم حسبا، فقال له: يا أبا حزرة، أنا والله أنفعهم لك، قال: وكيف ذلك؟قال: أنا آخذ شعرك فأحسنه وأجوده، قال: كيف تحسنه وتجوده؟ قال: فاندفع فغناه في شعره والغناء لابن سريج: صوت

يا أخت ناجية السلام عليكـم

 

قبل الرحيل وقبل لوم العدل

لو كنت أعلم أن آخر عهدكم

 

يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

قال: فطرب جرير حتى بكى وجعل يزحف إليه حتى لصقت ركبته بركبته وقال: أشهد أنك تحسنه وتجوده، فأعطاه من شعره ما أراد، ووصله بدنانير وكسوة.


حدثني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن القاسم، قال: حدثني أبي، قال: قال الهيثم بن عدي: لقيت أشعب فقلت له: كيف ترى أهل زمانك هذا؟ قال: يسألون عن أحاديث الملوك ويعطون إعطاء العبيد.

أشعب وأم عمر بنت مروان

حدثني أحم، قال: حدثني محمد بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا مصعب، قال: حجت أم عمر بنت مروان فاستحجبت أشعب وقالت له: أنت أعرف الناس بأهل المدينة، فأذن لهم على مراتبهم، وجلست لهم ملياً، ثم قامت فدخلت القائلة، فجاء طويس فقال لأشعب: استأذن لي على أم عمر، فقال: ما زالت جالسة وقد دخلت، فقال له: يا أشعب ملكت يومين فلم تفت بعرتين ولم تقطع شعرتين، فدق أشعب الباب ودخل إليها، فقال لها: أنشدك الله يا بنة مروان، هذا طويس بالباب فل ا تتعرضي للسانه ولا تعرضيني، فأذنت له، فلما دخل إليها قال لها: والله لئن كان بابك غلقاً لقد كان باب أبيك فلقاً ، ثم أخرج دفه ونقر به وغنى:

ما تمنعني يقظي فقد تؤتـينـه

 

في النوم غير مصر محسوب

كان المنى بلقائها فلقـيتـهـا

 

فلهوت من لهو امرئ مكذوب

قالت: أيهما أحب إليك العاجل أم الآجل؟ فقال: عاجل وآجل، فأمرت له بكسوة.
أخبرني الجوهري، قال: حدثني ابن مهرويه، عن أبي مسلم، عن المدائني، قال: حدث رجل من أهل المدينة أشعب بحديث أعجبه فقال له: في حديثك هذا شيء، قال: وما هو؟ قال: تقليبه على الرأس.

أشعب والوليد بن يزيد

أخبرني الجوهري، قال: حدثني ابن مهرويه، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: حدثنا المدائني، قال: بعث الوليد بن يزيد إلى أشعب بعدما طلق امرأته سعدة فقال له: يا أشعب، لك عندي عشرة آلاف درهم على أن تبلغ رسالتي سعدة، فقال له: أحضر المال حتى أنظر إليه، فأحضر الوليد بدرة فوضعها أشعب على عنقه، ثم قال: هات رسالتك يا أمير المؤمنين، قال: قل لها: يقول لك:

أسعدة هل إليك لنـا سـبـيل

 

وهل حتى القيامة من تلاقي؟!

بلى، ولعل دهـراً أن يواتـي

 

بموت من حليلـك أو طـلاق

فأصبح شامتاً وتقـر عـينـي

 

ويجمع شملنا بعـد افـتـراق

قال: فأتى أشعب الباب، فأخبرت بمكانه، فأمرت ففرشت لها فرش وجلست فأذنت له، فدخل وأنشدها ما أمره، فقالت لخدمها: خذوا الفاسق، فقال: يا سيدتي إنها بعشرة آلاف درهم، قالت: والله لأقتلنك أو تبلغه كما بلغتني، قال: وما تهبين لي؟ قالت: بساطي الذي تحتي، قال: قومي عنه، فقالت فطواه ثم قال: هاتي رسالتك جعلت فداءك، قالت: قل له:

أتبكي على لبنى وأنت تركتـهـا

 

فقد ذهبت لنبى فما أنت صانع؟!

فأقبل أشعب فدخل على الوليد فأنشده البيت، فقال: أوه! قتلتني والله، ما تراني صانعاً بك يا بن الزانية؟ اختر إما أن أدليك منكساً في بئر، أو أرمي بك من فوق القصر منكساً، أو أضرب رأسك عمودي هذا ضربة، فقال: ما كنت فاعلاً بي شيئاً من ذلك، قال: ولم؟ قال: لأنك لم تكن لتعذب رأساً فيه عينان قد نظرتا إلى سعدة فقال: صدقت يا بن الزانية، اخرج عني.
وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد، عن حماد، عن أبيه، عن الهيثم بن عدي، أن سعدة لما أنشدها أشعب قوله:

أسعدة هل إليك لنـا سـبـيل

 

وهل حتى القيامة من تلاقي؟!

قالت: لا والله لا يكون ذلك أبداً، فلما أنشدها:

بلى ولعل دهراً أن يواتـي

 

بموت من حليلك أو طلاق

قالت: كلا إن شاء الله، بل يفعل الله ذلك به، فلما أنشدها:  

فأصبح شامتاً وتقر عيني

 

ويجمع شملنا بعد افتراق

قالت: بل تكون الشماتة به، وذكر باقي الخبر مثل حديث الجوهري، عن ابن مهرويه.


أخبرني عمي، قال: حدثنا محمد بن سعيد الكراني، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، قال: كتب الوليد بن يزيد في إشخاص أشعب من الحجاز إليه وجمله على البريد، فحمل إليه، فلما دخل أمر بأن يلبس تباناً ويجعل فيه ذنب قرد، ويشد في رجليه أجراس، وفي عنقه جلاجل، ففعل به ذلك، فدخل وهو عجب من العجب، فلما رآه ضحك منه وكشف عن أيره، قال أشعب: فنظرت إليه كأنه ناي مدهون، فقال لي: أسجد للأصم ويلك، يعني أيره، فسجدت، ثم رفعت رأسي وسجدت أخرى، فقال: ما هذا؟ فقلت: الأولى للأصم، والثانية لخصيتيك، فضحك وأمر بنزع ما كان ألبسنيه ووصلني، ولم أزل من ندمائه حتى قتل.


أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: قال رجل لأشعب إنه أهدي إلى زياد بن عبد الله الحارثي قبة أدم قيمتها عشرة آلاف درهم فقال: امرأته الطلاق لو أنها قبة الإسلام ما ساوت ألف درهم. فقيل له: إن معها جبة وشي حشوها قز قيمتها عشرون ألف دينار، فقال: أمه زانية لو أن حشوها زغب أجنحة الملائكة ما ساورت عشرين ديناراً.


أشعب ورجل من ولد عامر بن لؤي أخبرني عمي، قال: حدثني أبو أيوب المدائني، قال: حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري، عن أبيه، قال: حدثني أشعب، قال: ولي المدينة رجل من ولد عامر بن لؤي، وكان أبخل الناس وأنكدهم ، وأغراه الله بي يطلبني في ليه ونهاره، فإن هربت منه هجم على منزلي بالشرط، وإن كنت في موضع بعث إلى من أكون معه أو عنده يطلبني منه، فيطالبني بأن أحدثه وأضحكه، ثم لا أسكت ولا ينام ، ولا يطعمني ولا يعطيني شيئاً، فلقيت منه جهداً عظيماً وبلاء شديدا، وحضر الحج، فقال لي: يا أشعب، كن معي، فقلت: بأبي أنت وأمي، أنا عليل، وليست لي نية في الحج. فقال: عليه وعليه، وقال: إن الكعبة بيت النار، لئن لم تخرج معي لأودعنك الحبس حتى أقدم، فخرجت معه مكرهاً، فلما نزلنا المنزل أظهر أنه صائم ونام حتى تشاغلت، ثم أكل ما سفرته، وأمر غلامه أن يطعمني رغيفين بملح، فجئت وعندي أنه صائم، ولم أزل أنتظر المغرب أتوقع إفطاره، فلما صليت المغرب قلت لغلامه: ما ينتظر بالأكل؟ قال: قد أكل منذ زمان، قلت: أو لم يكن صائماً؟ قال: لا، قلت: أفأطوي أنا؟ قال: قد أعد لك ما تأكله فكل، وأخرج إلي الرغيفين والملح فأكلتهما وبت ميتاً جوعاً، وأصبحت فسرنا حتى نزلنا المنزل، فقال لغلامه: ابتع لنا لحماً بدرهم، فابتاعه، فقال: كبب لي قطعاً، ففعل، فأكله ونصب القدر، فلما اغبرت قال: اغرف لي منها قطعاً، ففعل، فأكلها، ثم قال: اطرح فيها دقة وأطعمني منها، ففعل، ثم قال: ألق توابلها وأطعمني منها، ففعل؛ وأنا جالس أنظر إليه لا يدعوني، فلما استوفى اللحم كله قال: يا غلام، أطعم أشعب، ورمي إلى برغيفين، فجئت إلى القدر وإذا ليس فيها غلا مرق وعظام، فأكلت الرغيفين، وأخرج له جراباً فيه فاكهة يابسة، فأخذ منها حفنة فأكلها، وبقي في كفه كف لوز بقشره، ولم يكن له فيه حيلة، فرمى به إلي وقال: كل هذا يا أشعب، فذهبت أكسر واحدة منها فإذا بضرسي قد انكسرت منه قطعة فسقطت بين يدي، وتباعدت أطلب حجراً أكسره به، فوجدته، فضربت له لوزة فطفرت -يعلم الله- مقدار رمية حجر، وعدوت في طلبها، فبينما أنا في ذلك إذ أقبل بنو مصعب -يعني ابن ثابت وإخوانه- يلبون بتلك الحلوق الجهورية، فصحت بهم: الغوث الغوث العياذ بالله وبكم يا آل الزبير، الحقوني أدركوني، فركضوا إلي، فلما رأوني قالوا: أشعب، ما لك ويلك! قلت: خذوني معكم تخلصوني من الموت، فحملوني معهم، فجعلت أرفرف بيدي كما يفعل الفرخ إذا طلب الزق من أبويه، فقالوا: ما لك ويلك! قلت: ليس هذا وقت الحديث، زقوني مما معكم، فقد مت ضراً وجوعاً منذ ثلاث، قال: فأطعموني حتى تراجعت نفسي، وحملوني معهم في محمل، ثم قالوا: أخبرنا بقصتك، فحدثتهم وأريتهم ضرسي المكسورة، فجعلوا يضحكون ويصفقون وقالوا: ويلك! من أين وقعت على هذا؟ هذا من أبخل خلق الله وأدنئهم نفساً، فحلفت بالطلاق أني لا أدخل المدينة ما دام بها سلطان، فلم أدخلها حتى عزل.
أشعب يسقط الغاضري  أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني، قال: حدثنا يوسف بن إبراهيم، قال: حدثنا إبراهيم بن المهدي، قال: حدثني عبيدة بن أشعب، قال: كان الغاضري مندر أهل المدينة ومضحكهم قبل أبي، فأسقطه أبي واطرح، وكان الغاضري حسن الوجه ماد القامة غبلاً فخماً، وكان أبي قصيراً دميماً قليل اللحم؛ إلا أنه كان يتضرم ويتوقد ذكاء وحدة وخفة روح، وكان الغاضري يحسده إلا أنهما متساويان، وكان الغاضري لقيطاً منبوذاً لا يعرف له أب، فمر يوماً -ومعه فتية من قريش- بأبي في المسجد وقد تأذى بثيابه فنزعها، وتجرد وجلس عرياناً، فقال لهم الغاضري: أنشدتكم الله هل رأيتم أعجب من هذه الخلقة! يريد خلقة أبي، فقال له أبي: إن خلقتي لعجيبة، وأعجب منها أنه زقني اثنان فصراً نضواً ، وزقك واحد فصرت بختياً ، قال: وأهل المدينة يسمون المهلوس من الفراخ النضو والمسرول البختي، فغضب الغاضري عند ذلك وشتمه، فسقط واستبرد، وترك النوادر بعد ذلك، وغلب أبي على أهل المدينة واستطابوه، وكان هذا سببه.


أشعب وزياد بن عبد الله الحارثي أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كان زياد بن عبد الله الحارثي أبخل خلق الله، فأولم وليمة لطهر بعض أولاده، وكان الناس يحضرون ويقدم الطعام فلا يأكلون منه إلا تعللاً وتشعثاً لعلمهم به، فقدم فيما قدم جدي مشوي فلم يعرض له أحد، وجعل يردده على المائدة ثلاثة أيام والناس يجتنبونه إلى أن انقضت الوليمة، فأصغى أشعب إلى بعض من كان هناك فقال: امرأته الطلاق إن لم يكن هذا الجدي بعد أن ذبح وشوي أطوال عمراً وأمد حياة منه قبل أن يذبح، فضحك الرجل، وسمعها زياد فتغافل.


غضبت سكينة عليه فأمرت بحلق لحيته أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن مالك، عن إسحاق، قال: حدثني إبراهيم بن المهدي، عن عبيدة بن أشعب، قال: غضبت سكينة على أبي في شيء خالفها فيه فحلفت لتحلقن لحيته، ودعت بالحجام فقالت له: احلق لحيته، فقال له الحجام: انفخ شدقيك حتى أتمكن منك، فقال له: يا بن البطراء، أمرتك أن تحلق لحيتي أو تعلمني الزمر! خبرني عن امرأتك إذا أردت أن تحلق حرها تنفخ أشداقه! فغضب الحجام وحلف ألا يحلق لحيته وانصرف، وبلغ سكينة الخبر وما جرى بينهما فضحكت وعفت عنه.


بين زياد بن عبد الله الحارثي وكاتبه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني أبو العيناء، عن الأصمعي، قال: أهدى كاتب لزياد بن عبد الله الحارثي إليه طعاماً، فأتي به وقد تغدى فغضب وقال: ما أصنع به وقد أكلت؟ ادعوا أهل الصفة يأكلونه، فبعث إليهم وسأل كاتبه: فيم دعا أهل الصفة؟ فعرف، فقال الكاتب: عرفوه أن في السلال أخبصة وحلواء ودجاجاص وفراخاً، فأخبر بذلك، فأمر بكشفها، فلما رآها أمر برفعها فرفعت، وجاء أهل الصفة فأعلم، فقال: اضربوهم عشرين عشرين درة، واحبسوهم فإنهم يفسون في مسجد رسول الله صلى الله عليهم وسلم ويؤذون المصلين، فكلم فيهم، فقال: حلفوهم ألا يعاودوا وأطلقوهم.


أشعب وأبان بن عثمان والأعرابي أخبرني محمد بن مزيد، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا ابن زبالة، قال: حدثنا ابن زبنج راوية بن هرمة، عن أبيه، قال: كان أبان بن عثمان من أهزل الناس وأعبثهم ، وبلغ من عبثه أنه كان يجيء بالليل إلى منزل رجل في أعلى المدينة له لقب يغضب منه فيقول له: أنا فلان فلان، ثم يهتف بلقبه، فيشتمه اقبح شتم وأبان يضحك. فبينما نحن ذات يوم عنده وعنده أشعب إذ أقبل أعرابي ومعه جمل له، والأعرابي أشق أزرق أزعر غضوب يتلظى كأنه أفعى، ويتبين الشر في وجهه ما يدنو منه أحد إلا شتمه ونهره، فقال أشعب لأبان: هذا والله من البادية ادعوه، فدعي وقيل له: إن الأمير أبان بن عثمان يدعوك، فأتاه فسلم عليه، فسأله أبان عن نسبه فانتسب له، فقال: حياك الله يا خالي، حبيب ازداد حباً، فجلس، فقال له: إني في طلب جمل مثل جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة، وهذه القامة، واللون، والصدر، والورك، والأخفاف، فالحم لله الذي جعل ظفري به من عند من أحبه، أتبيعه؟ فقال: نعم أيها الأمير، فقال: فإني قد بذلت لك به مائة دينار -وكان الجمل يساوي عشرة دنانير- فطمع الأعرابي وسر وانتفخ، وبان السرور والطمع في وجهه، فأقبل أبان على أشعب ثم قال له: ويلك يا أشعب! إن خالي هذا من أهلك وأقاربك -يعني في الطمع- فأوسع له مما عندك. فقال له: نعم بأبي أنت وزيادة، فقال له أبان: يا خالي، إنما زدتك في الثمن على بصيرة وإنما الجمل يساوي ستين ديناراً، ولكن بذلت لك مائة لقلة النفذ عندنا، وإني أعطيك به عروضاً تساوي مائة، فزاد طمع الأعرابي وقال: قد قبلت ذلك أيها الأمير، فأسر إلي أشعب، فأخرج شيئاً مغطى فقال له: أخرج ما جئت به، فأخرج جرد عمامة خز خلق تساوي أربعة دراهم، فقال له: قومها يا أشعب، فقال له: عمامة الأمير تعرف به، ويشهد فيها الأعياد والجمع ويلقى فيها الخلفاء؛ خمسون ديناراً. فقال: ضعها بين يديه: وقال لابن زبنج، أثبت قيمتها. فكتب ذلك، ووضعت العمامة بين يدي الأعرابي، فكاد يدخل بعضه في بعض غيظاً، ولم يقدر على الكلام، ثم قال: هات قلنسوتي، فأخرج قلنسوة طويلة خلقة قد علاها الوسخ والدهن وتخرقت، تساوي نصف درهم، فقال: قوم، فقال: قلنسوة الأمر تعلو هامته ويصلي فيها الصلوات الخمس، ويجلس للحكم؛ ثلاثون ديناراً. قال: أثبت، فأثبت ذلك، ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي، فتربد وجهه وجحظت عيناه وهم بالوثوب، ثم تماسك وهو متقليل.


ثم قال لأشعب: هات ما عندك، فأخرج خفين خلقين قد نقبا وتقشرا وتفتقا، فقال له: قوم، فقال: خفا الأمير، يطأ بهما الروضة، ويعلو بهما منبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أربعون ديناراً. فقال: ضعها بين يديه فوضعهما. ثم قال للأعرابي: اضمم إليك متاعك، وقال لبعض الأعوان: اذهب فخذ الجمل، وقال لآخر: امض مع الأعرابي فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع وهو عشرون ديناراً، فوثب الأعرابي فأخذ القماش فرب به وجوه القوم لا يألو في شدة الرمي به، ثم قال له: أتدري أصلحك الله من أي شيء أموت؟ قال: لا، قال: لم أدرك أباك عثمان فأشترك والله في دمه إذ ولد مثلك، ثم نهض مثل المجنون حتى أخذ برأس بعيره، وضحك أبان حتى سقط وضحك كل من كان معه. وكان الأعرابي بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول له: هلم إلي بابن الخبيثة حتى أكافئك على تقويمك المتاع يوم قوم، فيهرب أشعب منه.


يخشى أن تحسده العجوز على خفة موته أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، عن المدائني، قال: حدثني شيخ من أهل المدينة قال: كانت بالمدينة عجوز شديدة العين، لا تنظر إلى شيء تستحسنه إلا عانته ، فدخلت على أشعب وهو في الموت، وهو يقول لبنته: يا بنية، إذا مت فلا تندبيني والناس يسمعونك، فتقولين: وا أبتاه أندبك للصوم والصلوات، وا أبتاه أندبك للفقه والقراءة، فيكذبك الناس ويلعنوني. والتفت أشعب فرأى المرأة، فغطى وجهه بكمه وقال لها: يا فلانة بالله إن كنت استحسنت شيئاً مما أنا فيه فصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لا تهلكيني. فغضبت المرأة وقالت: سخنت عينك ، في أي شيء أنت مما يستحسن! أنت في آخر رمق! قال: قد علمت ولكن قلت لئلا تكون قد استحسنت خفة الموت علي وسهولة النزع، فيشتد ما أنا فيه. وخرجت من عنده وهي تشتمه، وضحك كل من كان حوله من كلامه، ثم مات.


أمثلة من طرائف وطمعه أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: حدثنا أبو أيوب المديني، عن مصعب، قال: لا عب أشعب رجلاً بالنرد، فأشرف على أن يقمره إلا بضرب دويكين، ووقع الفصان في يد ملاعبه، فأصابه زمع وجزع، فضرب يكين وضرط مع الضربة فقال له أشعب: امرأته طالق إن لم أحسب لك الضرطة بنقطة حتى يصير لك اليكان دوويك وتقمر . وسلم له القمر بسبب الضرطة.


أخبرني الحسن، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثني أبو أيوب، عن حماد، عن ابن إسحاق، عن أبيه، قال: قال رجل لأشعب: كان أبوك ألحى وأنت أثط فإلى من خرجت؟ قال: إلى أمي، فمر الرجل وهو يعجب من جوابه، وكان رجلاً صالحاً.
أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثني الرياشي، قال: سمعت أبا عاصم النبيل يقول: رأيت أشعب وسأله رجل: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما زفت عروس بالمدينة إلى زوجها قط إلا فتحت بابي، رجاء أن تهدى إلي.


أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، عن عمه، قال: تظلمت امرأة أشعب منه إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم وقالت: لا يدعني أهدأ من كثرة الجماع، فقال له أشعب، أتراني أعلف ولا أركب، لتكف ضرسها لأكف أيري.
قال: وشكا خال لأشعب غليه امرأته وأنها تخونه في ماله، فقال له: فديتك لا تأمنن قحبة، ولو أنها أمك، فانصرف عنه وهو يشتمه.


أخبرني عمي، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني قعنب بن المحرز، عن الأصمعي، عن جعفر بن سليمان، قال: قدم علينا أشعب أيام جعفر، فأطاف به فتيان بني هاشم، وسألوه أن يغني فغناهم فإذا ألحانه مطربة وحلقه على حاله، فسألوه: لمن هذا اللحن:

لمن طلل بذات الجيش أمسى دارساً خلقا؟

فقال: للدلال، وأخذته عن معبد، ولقد كنت آخذ عنه الصوت، فإذا سئل عنه قال: عليكم بأشعب فإنه أحسن أداء له مني.
الحسن بن الحسن بن علي يعبث به أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: ذكر الزبير بن بكار، عن شعيب بن عبيد بن أشعب، عن أبيه، قال: كان الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يعبث بأبي أشد عبث، وربما أراه في عبثه أنه قد ثمل وأنه يعربد عليه، ثم يخرج إليه بسيف مسلول ويريه أنه يريد قتله، فيجري بينهما في ذلك كل مستمع، فهجره أبي مدة طويلة، ثم لقيه يوماً فقال له: يا أشعب، هجرتني وقطعتني ونسيت عهدي، فقال له: بأبي أنت وأمي، لو كنت تعربد بغير السيف ما هجرتك، ولكن ليس مع السيف لعب، فقال له: فأنا أعفيك من هذا فلا تراه مني أبداً، وهذه عشرة دنانير، ولك حماري الذي تحت أحملك عليه، وصر إلى ولك الشرط ألا ترى في داري سيفاً، قال: لا والله أو تخرج كل سيف في دارك قبل أن نأكل قال: ذلك لك، قال: فجاءه أبي، ووفى له بما قال من الهبة وإخراج السيوف، وخلف عنده سيفاً في الدار، فلما توسط الأمر قام إلى البيت فأخرج السيف مشهوراً، ثم قال: يا أشعب إنما أخرجت هذا السيف لخير أريده بك، قال: بأبي أنت وأمي، وأي خير يكون مع السيف؟ ألست تذكر الشرط بيننا؟ قال له: فاسمع ما أقول لك، لست أضربك به، ولا يلحقك منه شيء تكرهه، وإنما أريد أن أضجعك وأجلس على صدرك، ثم آخذ جلدة حلقك بإصبعي من غير أن أقبض على عصب ولا ودج ولا مقتل، فأحزها بالسيف، ثم أقوم عن صدرك وأعطيك عشرين ديناراً، فقال: نشدتك الله يا بن رسول الله ألا تفعل بي هذا! وجعل يصرخ ويبكي ويستغيث، والحسن لا يزيده على الحلف له أنه لا يقتله، ولا يتجاوز به أن يحز جلده فقط، ويتوعده مع ذلك بأنه إن لم يفعله طائعاً فعله كارهاً، حتى إذا طال الخطب بينهما، واكتفى الحسن من المزح معه، أراه أنه يتغافل عنه، وقال له: أنت لا تفعل هذا طائعاً، ولكن أجيء بحبل فأكتفك به، ومضى كأنه يجيء بحبل، فهرب أشعب وتسور حائطاً بينه وبين عبد الله بن حسن أخيه فسقط إلى داره، فانفكت رجله وأغمي عليه، فخرج عبد الله فزعاً، فسأله عن قصته، فأخبره، فضحك منه وأمر له بعشرين ديناراً، وأقام في منزله يعالجه ويعوله إلى أن صلحت حال. قال: وما رآه الحسن بن الحسن بعدها.


وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي، قال: دعا حسن بن حسن بن علي عليهم السلام أشعب، فأقام عنده، فقال لأشعب يوماً: أنا أشتهي كبد هذه الشاة -لشاة عند عزيزة عليه فارهة- فقال له أشعب: بأبي أنت وأمي أعطنيها وأنا أذبح لك أسمن شاة بالمدينة، فقال: أخبرك أني أشتهي كبد هذه وتقول لي: أسمن شاة بالمدينة، اذبح يا غلام، فذبحها وشوى له من كبدها وأطايبها، فأكل. ثم قال لأشعب من الغد: يا أشعب أنا أشتهي كبد نجيبي هذا -لنجيب كان عند ثمنه ألوف الدراهم- فقال له أشعب: يا سيدي في ثمن هذا والله غناي، فأعطنيه وأنا والله أطعمك من كبد كل جزور بالمدينة، فقال: أخبرك أني أشتهي من كبد هذا وتطعمني من غيره! يا غلام انحر، فنحر النجيب وشوى كبده فأكلا، فلما كان اليوم الثالث قال له: يا أشعب، أنا والله أشتهى أن آكل من كبدك، فقال له: سبحان الله أتأكل من أكباد الناس! قال: قد أخبرتك، فوثب أشعب فرمى بنفسه من درجة عالية فاكسرت رجله، فقيل له: ويلك أظننت أنه يذبحك؟ فقال: والله لو أن كبدي وجميع أكباد العالمين جميعاً اشتهاها لأكلها. وإنما فعل حسن بالشاة والنجيب ما فعل توطئة للعبث بأشعب.
تمت أخباره

صوت

ألمت خناس وإلمامـهـا

 

أحاديث نفس وأحلامهـا

يمانية من بنـي مـالـك

 

تطاول في المجد أعمامها

الشعر لعويف القوافي الفزاري والغناء للهذلي رمل بالوسطى، عن عمرو، وذكر حماد بن إسحاق، عن أبيه أن فيه لحناً لجميلة ولم يذكر طريقته، وفيه لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى.