أخبار مزاحم ونسبه

نسبه

هو مزاحم بن عمرو بن الحارث بن مصرف بن الأعلم بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.


وقيل: مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث بن مصرف بن الأعلم، وهذا القول عندي أقرب إلى الصواب.


بدوي شاعر فصيح إسلامي، صاحب قصيدة ورجز، كان في زمن جرير والفرزدق. وكان جرير يصفه ويقرظه ويقدمه.

بيتان له تمنى جرير أنهما له

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني الفضل بن محمد اليزيدي، عن إسحاق الموصلي، قال: قال لي عمارة بن عقيل: كان جرير يقول: ما من بيتين كنت أحب أن أكون سبقت إليهما غير بيتين من قول مزاحم العقيلي:

وددت على ما كان من سرف الهوى

 

وغي الأماني أن ما شئت يفـعـل

فتـرجـع أيام مـضـين ولــذة

 

تولت وهل يثنى من العـيش أول!

قال المفضل: قال إسحاق: سرف الهوى: خطؤه، ومثله قول جرير:

أعطوا هنيدة تحدوها ثمانـية

 

ما في عطائهم من ولا سرف

أراد أنهم يحفظون مواضع الصنائع، لا أنه وصفهم بالاقتصاد والتوسط في الجود.

إسحاق يعجب بشعره

قال إسحاق: وواعدني زياد الأعرابي موضعاً من المسجد، فطلبته فيه فلم أجده، فقلت له بعد ذلك: طلبتك لموعدك فلم أجدك. فقال: أين طلبتني؟ فقلت: في موضع كذا وكذا، فقال: هناك والله سرفتك، أي أخطأتك.


أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر، قال: أنشدني حماد عن أبيه لمزاحم العقيلي قال -وكان يستجيدها ويستحسنها-:

لصفراء في قلبي من الحب شعبة

 

حمى لم تبحه الغانيات صـمـيم

بها حل بيت الحب ثم ابتنى بـهـا

 

فبانت بيوت الحي وهو مـقـيم

بكت دارهم من نأيهم فتهـلـلـت

 

دموعي فأي الجازعـين ألـوم!

أمستعبراً يبكي من الحزن والجوى

 

أم آخر يبكي شجـوه فـيهـيم؟

تضمنه من حب صفراء بعـدمـا

 

سلا هيضات الحب فهو كـلـيم

ومن يتهيض حـبـهـن فـؤاده

 

يمت أو يعش ما عاش وهو سقيم

كحران صاد ذيد عن برد مشرب

 

وعن بللات الريق فهـو يحـوم

منعه عمه من زواجه بابنته لفقره

أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السكري، قال: أخبرنا محمد بن حبيب، عن ابن أبي الدنيا العقيلي -قال ابن حبيب: وهو صاحب الكسائي وأصحابنا- قال: كان مزاحم العقيلي خطب ابنة عم له دنية فمنعه أهلها لإملاقه وقلة ماله، وانتظروا بها رجلاً موسراً في قومها كان يذكرها ولم يحقق، وهو يومئذ غائب. فبلغ ذلك مزاحماً من فعلهم، فقال لعمه: يا عم، أتقطع رحمي وتختار علي غيري لفضل أباعر تحوزها وطفيف من الحظ تحظى به! وقد علمت أني أقرب إليك من خاطبها الذي تريده، وأفصح منه لساناً، وأجود كفاً، وأمنع جانباً، وأغنى عن العشيرة! فقال له: لا عليك فإنها إليك صائرة، وإنما أعلل أمها بهذا، ثم يكون أمرها لك، فوثق به.


تزوجت ابنة عمه في غيابه فقال وأقاموا مدة، ثم ارتحلوا ومزاحم غائب، وعاد الرجل الخاطب لها فذاكروه أمرها، فرغب فيها، فأنكحوه إياها، فبلغ ذلك مزاحماً فأنشأ يقول:

نزلت بمفضى سيل حرسين والضحى

 

يسيل بأطراف المـخـارم آلـهـا

بمسقية الأجفان أنـفـد دمـعـهـا

 

مقـاربة الألاف ثـم زيالـهـــا

فلما نهاها اليأس أن تؤنس الحـمـى

 

حمى البئر جلى عبرة العين جالهـا

أيا ليل إن تشحط بك الـدار غـربة

 

سوانا ويعيي النفس فيك احتيالـهـا

فكم ثم كم من عبرة قـد رددتـهـا

 

سريع على جيب القميص انهلالهـا

خليلي هل من حيلة تعلـمـانـهـا

 

يقرب من ليلى إلينا احـتـيالـهـا

فإن بأعـلـى الأخـشـبـين أراكة

 

عدتني عنها الحرب دان ظلالـهـا

وفي فرعها لو تستطاع جنـابـهـا

 

جنى يجتنيه المجتني لـو ينـالـهـا

هنيئاً لليلى مهجة ظـفـرت بـهـا

 

وتزويج ليلى حين حان ارتحالـهـا

فقد حبسوها محبس البدن وابتـغـى

 

بها الربح أقوام تساخف مـالـهـا

فإن مع الركب الذين تـحـمـلـوا

 

غمامة صيف زعزعتها شمالـهـا

سجنه ثم هربه

وقال محمد بن حبيب في خبره، قال ابن الأعرابي: وقع بين مزاحم العقيلي وبين رجل من بني جعدة لحاء في ماء فتشاتما وتضاربا بعصيهما، فشجه مزاحم شجة أمته ، فاستعدت بنو جعدة على مزاحم فحبس حبساً طويلاً، ثم هرب من السجن، فمكث في قومه مدة، وعزل ذلك الوالي وولى غيره، فسأله ابن عم لمزاحم يقال له مغلس أن يكتب أماناً لمزاحم، فكتبه له، وجاء مغلس والأمان معه، فنفر مزاحم وظنها خيلة من السلطان، فهرب وقال في ذلك:

أتاني بقرطاس الأمير مـغـلـس

 

فأفزع قرطاس الأمـير فـؤاديا

فقلت له: لا مرحباً بك مـرسـلاً

 

إلي ولا لي مـن أمـيرك داعـيا

أليست جبال القهر قعساً مكانـهـا

 

وعروى وأجبال الوحاف كما هيا؟

أخاف ذنوبي أن تـعـد بـبـابـه

 

وما قد أزل الكاشحون أمـامـيا

ولا أستريم عقبة الأمر بـعـدمـا

 

تورط في بهماء كعبي وسـاقـيا

هوى امرأة من قومه وتزوجت غيره أخبرني محمد بن مزيد، وأحمد بن جعفر جحظة، قال: حدثنا حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال: كان مزاحم العقيلي يهوى امرأة من قومه يقال لها مية، فتزوجت رجلاً كان أقرب إليها من مزاحم، فمر عليها بعد أن دخل بها زوجها، فوقف عليها ثم قال:

أيا شفتي مي أما مـن شـريعة

 

من الموت إلا أنتما تـوردانـيا!

ويا شفتي مي أمالي إلـيكـمـا

 

سبيل وهذا الموت قد حل دانيا!

ويا شفتي مي أما تبـذلان لـي

 

بشيء وإن أعطيت أهلي وماليا!

فقالت: أعزز علي يا بن عم بأن تسأل ما لا سبيل إليه، وهذا أمر قد حيل دونه، فاله عنه. فانصرف.

جرير يتمنى أن يكون له بعض شعره

أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي، قال: حدثني عمارة بن عقيل قال: قال لي أبي: قال عبد الملك بن مروان لجرير: يا أبا حزرة، هل تحب أن يكون لك بشيء من شعر غيرك؟ قال: لا، ما أحب ذلك، إلا أن غلاماً ينزل الروضات من بلاد بني عقيل يقال له مزاحم العقيلي، يقول حسناً من الشعر لا يقدر أحد أن يقول مثله، كنت أحب أن يكون لي بعض شعره مقايضة ببعض شعري.


هوى امرأة من قومه يقال لها ليلى وتزوجت من غيره أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثني عمي، عن العباس بن هشام، عن أبيه، قال: كان مزاحم العقيلي يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى، فغاب غيبة عن بلاده، ثم عاد وقد زوجت، فقال في ذلك:

أتاني بظهر الغيب أن قد تزوجت

 

فظلت بي الأرض الفضاء تدور

وزايلني لبي وقد كان حاضـراً

 

وكاد جناني عـنـد ذاك يطـير

فقلت وقد أيقنت أن ليس بينـنـا

 

تلاق وعيني بالدموع تـمـور

أيا سرعة الأخبار حين تزوجـت

 

فهل يأتيني بالطـلاق بـشـير

ولست بمحص حب ليلى لسـائل

 

من الناس إلا أن أقول كـثـير

صوت

لها في سواد القلب تسعة أسهم

 

وللناس طراً من هواي عشير

قال ابن الكلبي: ومن الناس من يزعم أن ليلى هذه التي يهواها مزاحم العقيلي هي التي كان يهواها المجنون، وأنهما اجتمعا هو ومزاحم في حبها.


هوى امرأة أخرى من قشير وتزوجت بغيره قال الأصبهاني: وقد أخبرني بشرح هذا الخبر الحسن بن علي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعدة، عن علي بن الصباح، عن ابن الكلبي، قال: كان مزاحم بن مرة العقيلي يهوى امرأة من قشير يقال لها ليلى بنت موازر، ويتحدث إليها مدة حتى شاع أمرهما، وتحدثت جواري الحي به، فنهاه أهلها عنها، وكانوا متجاورين، وشكوه إلى الأشياخ من قومه فنهوه واشتدوا علبه، فكان يتفلت إليها في أوقات الغفلات، فيتحدثان ويتشاكيان، ثم انتجعت بنو قشير في ربيع لهم ناحية غير تلك قد نضرها غيث وأخصبها، فبعد عليه خبرها واشناقها، فكان يسأل عنها كل وارد، ويرسل إليها بالسلام مع كل صادر، حتى ورد عليه يوماً راكب من قومها، فسأله عنها فأخبره أنها خطبت فزوجت، فوجم طويلاً ثم أجهش باكياً وقال:

أتاني بظهر الغيب أن قد تزوجت

 

فظلت بي الأرض الفضاء تدور

وذكر الأبيات الماضية.
وقد أنشدني هذه القصيدة لمزاحم ابن أبي الأزهر، عن حماد عن أبيه، فأتى بهذه الأبيات وزاد فيها:

وتنشر نفسي بعد موتي بذكرهـا

 

مراراً فموت مـرة ونـشـور

عججت لربي عجة ما ملكتـهـا

 

وربي بذي الشوق الحزين بصير

ليرحم ما ألقى ويعـلـم أنـنـي

 

له بالذي يسدي إلـي شـكـور

لئن كان يهدى برد أنيابها العـلا

 

لأحوج مني إننـي لـفـقـير

الفرزدق وجرير وذو الرمة يفضلونه على أنفسهم

حدثني عمي، قال: حدثني أبو أيوب المديني، قال: قال أبو عدنان: أخبرنا تميم بن رافع قال: حدثت أن الفرزدق دخل على عبد الملك بن مروان -أو بعض بنيه- فقال له: يا فرزدق، أتعرف أحداً أشعر منك؟ قال: لا، إلا غلاماً من بني عقيل، يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات فيجيد، ثم جاءه جرير فسأله عن مثل ما سأل عنه الفرزدق فأجابه بجوابه، فلم يلبث أن جاءه ذو الرمة فقال له: أنت أشعر الناس؟ قال: لا، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الروضات. يقول وحشياً من الشعر لا يقدر على مثله، فقال: فأنشدني بعض ما تحفظ من ذلك، فأنشده قوله:

خليلي عوجا بي على الدار نسأل

 

متى عهدها بالظاعن المترحـل

فعجت وعاجوا فوق بيداء مورت

 

بها الريح جولان التراب المنخل

حتى أتى على آخرها ثم قال: ما أعرف أحداً يقول قولاً يواصل هذا.

صوت

أكذب طرفي عنك في كل ما أرى

 

وأسمع أذني منك ما ليس تسمـع

فلا كبدي تبلـى ولا لـك رحـمة

 

ولا عنك إقصار ولا فيك مطمع

لقيت أموراً فيك لم ألق مثـلـهـا

 

وأعظم منها فـيك مـا أتـوقـع

فلا تسألينـي فـي هـواك زيادة

 

فأيسره يجـزي وأدنـاه يقـنـع

الشعر لبكر بن النطاح، والغناء لحسين بن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي.