أخبار عويف ونسبه

نسبه

هو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن، وقيل: ابن عقبة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جؤية بن لودان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار.

بيوتات العرب المشهورة بالشرف ثلاثة

قال أبو عبيدة: حدثني أبو عمرو بن العلاء أن العرب كانت تعد البيوتات المشهورة بالكبر والشرف من القبائل بعد بيت هاشم بن عبد مناف في قريش ثلاثة بيوت، ومنهم من يقول أربعة، أولها بيت آل حذيفة بن بدر الفزاري بيت قيس، وبيت آل زرارة بن عدس الدارميين بيت تميم، وبيت آل ذي الجدين بن عبد الله بن همام بيت شيبان، وبيت بني الديان من بني الحارث بن كعب بيت اليمن.
وأما كندة فلا يعدو من أهل البيوتات، إنما كانوا ملوكاً.

كسرى يسأل النعمان عن شرف القبيلة

وقال ابن الكلبي: قال كسرى للنعمان: هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة؟ قال: نعم. قال: بأي شيء؟ قال: من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء، ثم اتصل ذلك بكمال الرابع، والبيت من قبيلته فيه، قال: فاطلب لي ذلك، فطلبه فلم يصبه إلا في آل حذيفة بن بدر بيت قيس بن عيلان، وآل حاجب بن زارة بيت تميم، وآل ذي الجدين بيت شيبان، وآل الأشعث بن قيس بيت كندة. قال: فجمع هؤلاء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم، فأقعد لهم الحكام العدول، فأقبل من كل قوم منهم شاعرهم، وقال لهم: ليتكلم كل رجل منكم بمآثر قومه وفعالهم، وليقل شاعرهم فيصدق، فقام حذيفة بن بدر -وكان أسن القوم وأجرأهم مقدماً- فقال: لقد علمت معد أن منا الشرف الأقدم، والعز الأعظم، ومأثرة الصنيع الأكرم، فقال من حوله: ولم ذاك يا أخا فزارة؟ فقال: ألسنا الدعائم التي لا ترام، والعز الذي لا يضام! قيل له: صدقت، ثم قام شاعرهم فقال:

فزارة بيت العـز والـعـز فـيهـم

 

فزارة قيس حسب قيس نضالـهـا

لا العزة القعساء والحـسـب الـذي

 

بناه لقيس في الـقـديم رجـالـهـا

فمن ذا إذا مد الأكف إلـى الـعـلا

 

يمد بأخرى مثلـهـا فـينـالـهـا

فهيهات قد أعيا القرون التي مضـت

 

مآثر قيس مجدهـا وفـعـالـهـا

وهل أحد إن مـد يومـاً بـكـفـه

 

إلى الشمس في مجرى النجوم ينالها!

وإن يصلحوا يصلح لذاك جمـيعـنـا

 

وإن يفسدوا يفسد على الناس حالهـا

ثم قام الأشعث بن قيس -وإنما أذن له أن يقوم قبل ربيعة وتميم لقرابته بالنعمان- فقال: لقد علمت العرب أنا نقاتل عديدها الأكثر، وقديم زحفها الأكبر، وأنا غياث للزبات . فقالوا: لم يا أخا كندة؟ قال: لأنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه، وتقلدنا منكبه الأعظم، وتوسطنا بحبوحة الأكرم، ثم قام شاعرهم فقال:

إذا قست أبيات الرجال ببيتـنـا

 

وجدت له فضلاً على من يفاخر

فمن قال: كلاً أو أتانا بـخـطة

 

ينافرنا يوماً فنحن نـخـاطـر

تعالوا فعدوا يعلم الـنـاس أينـا

 

له الفضل فيما أورثته الأكابـر

ثم قام بسطام بن قيس فقال: لقد علمت ربيعة أنا بناة بيتها الذي لا يزول، ومغرس عزها الذي لا ينقل، قالوا: ولم يا أخا شيبان؟ قال: لأنا أدركهم للثأر، وأقتلهم للملك الجبار، وأقولهم للحق، وألدهم للخصم، ثم قام شاعرهم فقال:

لعـمـري لـبـسـطـام أحـق بـفـضــلـــهـــا

 

وأولـى بـبـيت الـعـز عــز الـــقـــبـــائل

فسائل أبيت اللعن عن عز قومناإذا جد يوم الفخر كل مناضل

 

 

ألسنا أعز الناس قوماً وأسرة

 

وأضـربـهـم لـلـكـبـش بـين الـــقـــبـــائل

فيخـبـرك الأقـوام عـنــهـــا فـــإنـــهـــا

 

وقـائع لـيسـت نـهــزة لـــلـــقـــبـــائل

وقــائع عـــز كـــلـــهـــا ربـــعـــية

 

تذل لـهـم فـيهـا رقـاب الـــمـــحـــافـــل

إذا ذكـرت لـم ينـكـر الـنـاس فـضــلـــهـــا

 

وعـاذ بـهـا مـن شـــرهـــا كـــل قـــائل

وإنـا مـلـوك الـنـاس فـــي كـــل بـــلـــدة

 

إذا نـزلـت بـالـــنـــاس إحـــدى الـــزلازل

ثم قام حاجب بن زرارة فقال: لقد علمت معد أنا فرع دعامتها، وقادة زحفها، فقالوا له: بم ذاك يا أخا بني تميم؟ قال: لأنا أكثر الناس إذا نسبنا عدداً ، وأنجبهم ولداً، وأنا أعطاهم للجزيل، وأحملهم للثقيل، ثم قام شاعرهم فقال:

لقـد عـلـمـت أبـنـاء خـنـدف أنــنـــا

 

لنا الـعـز قـدمـاً فـي الـخـطـوب الأوائل

وأنـا هـجـان أهـل مــجـــد وثـــروة

 

وعـز قـديم لـيس بـالـمــتـــضـــائل

فكـم فـيهـم مـن ســـيد وابـــن ســـيد

 

أغـر نـجـيب ذي فـــعـــال ونـــائل

فسائلأبيت اللعنعنا فإننادعائم هذا الناس عند الجلائل

 

 

ثم قام قيس بن عاصم فقال: لقد علم هؤلاء أنا أرفعهم في المكرمات دعائم، وأثبتهم في النائبات مقاوم، قالوا: ولم ذاك يا أخا بني سعد؟ قال: لأنا أمنعهم للجار، وأدركهم للثأر، وأنا لا ننكل إذا حملنا، ولا نرام إذا حللنا، ثم قام شاعرهم فقال:

لقد علمت قيس وخنـدف كـلـهـا

 

وجل تميم والجموع الـتـي تـرى

بأنا عـمـاد فـي الأمـور وأنـنـا

 

لنا الشرف الضخم المركب في الندى

وأنا ليوث الناس فـي كـل مـأزق

 

إذا اجتز بالبيض الجماجم والطـلـى

وأنـا إذا داع دعـانـا لـنـجــدة

 

أجبنا سراعا في العلا ثم مـن دعـا

فمن ذا ليوم الفخر يعدل عـاصـمـا

 

وقيسا إذا مد الأكف إلـى الـعـلا

فهيهات قد أعيا الجميع فـعـالـهـم

 

وفاتوا بيوم الفخر مسعاة من سعـى

فلما سمع كسرى ذلك منهم قال : ليس منهم إلا سيد يصلح لموضعه، فأثنى حباءهم.

سبب تسميته عويف القوافي

وإنما قيل لعويف: عويف القوافي لبيت قاله، نسخت خبره في ذلك من كتاب محمد بن الحسن بن دريد ولم أسمعه منه. قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، قال: أقبل عويف القوافي-وهو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن بن حذيفة الفزاري، وإنما قيل له عويف القوافي، كما حدثني عمار بن أبان بن سعيد بن عيينة، ببيت قاله:

سأكذب من قد كان يزعم أنني

 

إذا قلت قولا لا أجيد القوافيا

قال: فوقف على جرير بن عبد الله البجلي وهو في مجلسه فقال:

أصب على بجيلة من شقاها

 

هجائي حين أدركني المشيب

فقال له جرير: ألا أشتري منك أعراض بجيلة؟ قال: بلى، قال: بكم؟ قال: بألف درهم وبرذون، فأمر له بما طلب فقال:

لولا جرير هلكت بجيلة

 

نعم الفتى وبئست القبيلة

نسخت من كتاب أبي سعيد السكري في كتاب ((من قال بيتا فلقب به)) قال: أخبرني محمد بن حبيب قال: وإنما قيل لعويف: عويف القوافي لقوله، وقد كان بعض الشعراء عيره بأنه لا يجيد الشعر، فقال أبياتا منها:

سأكذب من قد كان يزعم أنني

 

إذا قلت شعرا لا أجيد القوافيا

فسمي عويف القوافي.

قصته مع عبد الملك بن مروان

أخبرنا محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني أحمد بن إسحاق، عن أبيه، قال: حدثني عزيز بن طلحة بن عبد الله بن عثمان بن الأرقم المخزومي، قال: حدثني غير واحد من مشيخة قريش، قالوا: لم يكن رجل من ولاة أولاد عبد الملك بن مروان كان أنفس على قومه، ولا أحسد لهم من الوليد بن عبد الملك. فأذن يوما للناس فدخلوا عليه؛ وأذن للشعراء، فكان أول من بدر بين يديه عويف القوافي الفزاري، فاستأذنه في الإنشاد فقال: ما بقيت لي بعدما قلت لأخي بني زهرة!قال: وما قلت له مع ما قلت لأمير المؤمنين؟قال: ألست الذي تقول:

يا طلح أنت أخو الندى وحليفه

 

إن الندى من بعد طلحة ماتا

إن الفعال إليك أطلق رحلـه

 

فبحيث بت من المنازل باتـا

أو لست الذي تقول:

إذا ما جاء يومك يا بـن عـوف

 

فلا مطرت على الأرض السماء

ولا سار البشير بـغـنـم جـيش

 

ولا حملت على الطهر النسـاء

تساقى الناس بعدك يا بن عـوف

 

ذريع الموت ليس لـه شـفـاء

ألم تقم علينا الساعة يوم قامت عليه؟ لا والله لا أسمع منك شيئا، ولا أنفعك بنافعة أبدا، أخرجوه عني.


قصته مع طلحة أخي بني زهرة فلما أخرج قال له القرشيون والشاميون: وما الذي أعطاك طلحة حين استخرج هذا منك؟ قال: أما والله لقد أعطاني غيره أكثر من عطيته، ولكن لا والله ما أعطاني أحد قط أحلى في قلبي ولا أبقى شكرا ولا أجدر ألا أنساها ما عرفت الصلات من عطيته، قالوا: وما أعطاك؟ قال: قدمت المدينة ومعي بضيعة لي لا تبلغ عشرة دنانير، أريد أن أبتاع قعودا من قعدان الصدقة، فإذا برجل في صحن السوق على طنفسة قد طرحت له، وإذا الناس حوله، وإذا بين يديه إبل معلوفة له، فظننت أنه عامل السوق، فسلمت عليه، فأثبتني وجهلته، فقلت: أي رحمك الله، هل أنت معيني ببصرك على قعود من هذه القعدان تبتاعه لي؟ فقال: نعم، أو معك ثمنه؟ فقلت: نعم، فأهوى بيده إلي فأعطيته بضيعتي، فرفع طنفسته وألقاها تحتها، ومكث طويلا، ثم قمت إليه فقلت: أي رحمك الله، انظر في حاجتي فقال: ما منعني منك إلا النسيان، أمعك حبل؟ قلت: نعم قال: هكذا أفرجوا، فأفرجوا عنه حتى استقبل الإبل التي بين يديه، فقال: اقرن هذه وهذه وهذه، فما برحت حتى أمر لي بثلاثين بكرة أدنى بكرة منها-ولا دنية فيها-خير من بضاعتي. ثم رفع طنفسته فقال: وشأنك ببضاعتك فاستعن بها على من ترجع إليه، فقلت: أي رحمك الله، أتدري ما تقول! فما بقي عنده إلا من نهرني وشتمني، ثم بعث معي نفرا فأطردوها حتى أطلعوها من رأس الثنية، فوالله لا أنساه ما دمت حيا أبدا.


وهذا الصوت المذكور تمثل به إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن علي يوم مقتله.


حدثني ابن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني ميسرة بن سيار أبو محمد، قال: حدثني إبراهيم بن علي الرافقي، عن المفضل الضبي، وحدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الملك بن سليمان، عن علي بن الحسن، عن المفضل الضبي؛ورواية ابن عمار أتم من هذه الرواية .


ونسخت هذا الخبر أيضا من بعض الكتب عن أبي حاتم السجستاني، عن أبي عثمان اليقطري ، عن أبيه عن المفضل، وهو أتم الروايات، وأكثر اللفظ له قال: قال المفضل: خرجت مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن بح حسن، فلما صار بالمربد، وقف على رأس سليمان بن علي فأخرج إليه صبيان من ولده، فضمهم إليه وقال: هؤلاء والله منا ونحن منهم، إلا أن آباءهم فعلوا بنا وصنعوا، وذكر كلاما يعتد عليهم فيه بالإساءة، ثم توجه لوجهه وتمثل:

مهلا بني عمنا ظلامتنـا

 

إن بنا سورة من القلـق

لمثلكم نحمل السيوف ولا

 

تغمز أحسابنا من الدقـق

إني لإنمي إذا انتميت إلى

 

عز عزيز ومعشر صدق

بيض سباط كأن أعينهم

 

تكحل يوم الهياج بالعلق

فقلت: ما أفحل هذه الأبيات، فلمن هي؟ قال: لضرار بن الخطاب الفهري، قالها يوم الخندق، وتمثل بها علي بن أبي طالب عليه السلام يوم صفين، والحسين بن علي يوم قتل، وزيد بن علي عليهم السلام، ولحق القوم، ثم مضى إلى باخمرى ، فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد، فتمثل:

نبئت أن بني ربيعة أجـمـعـوا

 

أمرا خلالهم لتـقـبـل خـالـدا

إن يقتلوني لا تصب أرماحـهـم

 

ثأري ويسعى القوم سعيا جاهـدا

أرمي الطريق وإن صددت بضيقة

 

وأنازل البطل الكمي الجـاحـدا

فقلت: لمن هذه الأبيات؟ فقال: للأحوص بن جعفر بن كلاب، تمثل بها يوم شعب جبلة، وهو اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما، قال: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فقتل من أصحابه وقتل من القوم، وكاد أن يكون الظفر له .
قال ابن عمار في حديثه: قال المفضل: فقال لي: حركني بشيء، فأنشدته هذه الأبيات:

ألا أيها الناهي فزارة بـعـدمـا

 

أجدت بسير إنما أنـت حـالـم

أبى كل حر أن يبـيت بـوتـره

 

ويمنع منه النوم إذا أنـت نـائم

أقول لفتيان العشي: تـروحـوا

 

على الجرد في أفواههن الشكائم

قفوا وقفة من يحي لا يخز بعدها

 

ومن يخترم لا تتبعـه الـلـوائم

وهل أنت إن باعدت نفسك منهم

 

لتسلم فيما بعـد ذلـك سـالـم

فقال لي: أعد، فتنبهت، وندمت، فقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا، أعدها، فأعدتها، فتمطى في ركابيه حتى خلته قد قطعهما، ثم خمل فكان آخر العهد به.


هذه رواية ابن عمار، وفي الرواية الأخرى : فحمل فطعن رجلا، وطعنه آخر، فقلت: أتباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط بك؟ فقال: إليك يا أخا بني ضبة، كأن عويفا أخا بني فزارة نظر في يومنا هذا حيث يقول:

ألمت خناس وإلمامـهـا

 

أحاديث نفس وأحلامهـا

يمانية من بنـي مـالـك

 

تطاول في المجد أعمامها

وإن لنا أصل جـرثـومة

 

ترد الحـوادث أيامـهـا

ترد الكتـيبة مـغـلـولة

 

بها أفنها وبهـا آمـهـا

قال: وجاءه السهم العائر فشغله عني.


اعترض عمر بن عبد العزيز وأسمعه شعرا أخبرني محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثني محمد بن معاوية الأسدي، قال: حدثني أصحابنا الأسديون، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قال: حضرت مع عمر بن عبد العزيز جنازة، فلما انصرف انصرفت معه، وعليه عمامة قد سدلها من خلفه، فما علمت به حتى اعترضه رجل على بعير فصاح به:

أجبني أبا حفص لقيت محمدا

 

على حوضه مستبشرا وراكا

فقال له عمر: لبيك، ووقف الناس معه، ثم قال له: فمه، فقال:

فأنت امرؤ كلتا يديك مفـيدة

 

شمالك خير من يمين سواكا

قال: ثم مه، فقال:

بلغت مدى المجرين قبلك إذ جروا

 

ولم يبلغ المجرون بعد مـداكـا

فجداك لا جدين أكرم منـهـمـا

 

هناك تناهى المجد ثم هـنـاكـا

فقال له عمر: ألا أرك شاعرا! ما لك عندي من حق، قال: لا، ولكني سائل وابن سبيل وذو سهمة فالتفت عمر إلى قهرمانه فقال: أعطه فضل نفقتي، قال: وإذا هو عويف القوافي الفزاري.

هجا بني مرة

أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي، قال: حدثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة، قال: لما كان يوم ابن جرح، وافتتلت بنو مرة وبنو حن بن عذرة، قال عويف القوافي لبني مرة يهجوهم ويوبخهم بتركهم نصرهم:

كنا لكم يا مر أمـا حـفـية

 

وكنتم لنا يا مر بوا مجلـدا

وكنتم لنا سيفا وكنا وعـاءه

 

إذا نحن خفنا أن يكل فيغمدا

عقيل بن علفة يجيبه بقصيدة فأجابه عقيل بن علفة بقصيدته التي أولها:

أماوي إن الركب مرتحل غدا

 

وحق ثوي نـازل أن يزودا

يقول فيها يخاطب عويفا:

إذا قلت: قد سامحت سهما ومازنـا

 

أبى النسب الداني وكفرهـم الـيدا

وقد أسلموا أستاهـهـم لـقـبـيلة

 

قضاعية يدعـون حـنـا وأصـيدا

فما كنت أما بل جعلتـك لـي أخـا

 

وقد كنت في الناس الطريد المشردا

عويف استها قد رمت ويلك مجدنا

 

قديما فلم تعد الحمار المـقـيدا

ولو أنني يوم ابن جرح لقيتـهـم

 

لجردت في الأعداء عضبا مهندا

وأبيات عويف هذه يقولها يوم مرج راهط؛ وهي الحرب التي كانت بين قيس وكلب.0 يوم مرج راهط أخبرني بالسبب فيه أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: أخبرني سليمان بن أيوب بن أعين أبو أيوب المديني ، قال: حدثنا المدائني، قال: كان بدء حرب قيس وكلب في فتنة ابن الزبير ما كان من وقعة مرج راهط، وكان من قصة المرج أن مروان بن الحكم بن أبي العاص قدم بعد هلاك يزيد بن معاوية والناس يموجون، وكان سعيد بن بحدل الكلبي على قنرسين، فوثب عليه زفر بن الحارث فأخرجه منها وبايع لابن الزبير، فلما قعد زفرعلى المنبر، قال: الحمد لله الذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر، وحصر، فضحك الناس من قوله، وكان النعمان بن بشير على حمص، فبايع لابن الزبير. وكان حسان بن بحدل على فلسطين والأردن، فاستعمل على فلسطين روح بن زنباع الجذامي، ونزل هو الأردن فوثب نابل بن قيس الجذامي على روح بن زنباع، فأخرجه من فلسطين وبايع لابن الزبير.


موقف الضحاك بن قيس القهري وكان الضحاك بن قيس القهري عاملاً ليزيد بن معاوية على دمشق حتى هلك، فجعل يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، إذ جاءته اليمانية وشيعة بني أمية أخبرهم أنه أموي، وإذا جاءته القيسية أخبرهم أنه يدعو إلى ابن الزبير، فلما قدم مروان قال له الضحاك: هل لك أن تقدم على ابن الزبير ببيعة أهل الشام؟ قال: نعم، وخرج من عنده، فلقيه عمرو بن سعيد بن العاص، ومالك بن هبيرة، وحصين بن نمير الكنديان، وعبيد الله بن زياد، فسألوه عما أخبره به الضحاك، فأخبرهم، فقالوا له: أنت شيخ بني أمية، وأنت عم الخليفة، هلم نبايعك. فلما فشا ذلك أرسل الضحاك إلى بني أمية يعتذر إليهم، ويذكر حسن بلائهم عنده، وأنه لم يرد شيئاً يكرهونه، فاجتمع مروان بن الحكم، وعمرو بن سعيد بن العاص، وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية وقال لهم: اكتبوا إلى حسان بن بحدل فليسر من الأردن حتى ينزل الجابية، ونسير من ها هنا حتى نلقاه، فيستخلف رجلاً ترضونه، فكتبوا إلى حسان، فأقبل في أهل الأردن، وسار الضحاك بن قيس وبنو أمية في أهل دمشق، فلما استقلت الرايات من جهة دمشق، قالت القيسية للضحاك: دعوتنا لبيعة ابن الزبير، وهو رجل هذه الأمة، فلما تابعناك خرجت تابعاً لهذا الأعرابي من كلب تبايع لابن أخته تابعاً له، قال: فتقولون ماذا؟ قالوا: نقول: أن تنصرف وتظهر بيعة ابن الزبير ونظهرها معك، فأجابهم إلى ذلك، وسار حتى نزل مرج راهط، وأقبل حسان حتى لقي مروان بن الحكم، فسار حتى دخل دمشق، فأتته اليمانية تشكر بلاء بني أمية، فساروا مع مروان حتى نزلوا المرج على الضحاك، وهم نحو سبعة آلاف، والضحاك في نحو من ثلاثين ألفاً، فلقوا الضحاك، فقتل الضحاك، وقتل معه أشراف من قيس، فأقبل زفر هارباً من وجهه ذاك حتى دخل قرقيسيا، وأقام عمير بن الحباب شيئاً على طاعة بني مروان، ثم أقبل حتى دخل قرقيسيا على زفر فأقام معه، وذلك بعد يوم خازر حين قتل عبيد الله بن زياد.
ما قيل في يوم المرج وأقبل زفر يبكي قتلى المرج يقول:

لعمري لقد أبقت وقـيعة راهـط

 

لمروان صدعاً بيننـا مـتـنـائيا

أتذهب كلب لم تنلها رمـاحـنـا

 

ويترك قتلى راهط هي ما هـيا!

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى

 

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

أبعد ابن صقر وابن عمرو تتابعـا

 

ومصرع همام أمنى الأمـانـيا !

فقال ابن المخلاة الكلبي يجيبه:

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط

 

على زفر داء من الداء باقـيا

تبكي على قتلى سليم وعامـر

 

وذبيان مغروراً وتبكى البواكيا

وقال ابن المخلاة في يوم المرج:

ويوم ترى الرايات فيه كأنهـا

 

حوائم طير مستـدير وواقـع

مضى أربع بعد اللقاء وأربـع

 

وبالمرج باق من دم القوم ناقع

طعنا زياداً في استه وهو مدبر

 

وثور أصابته السيوف القواطع

ونجى حبيشاً ملهب ذو عـلالة

 

وقد جذ من يمنى يديه الأصابع

وقد شهد الصفين عمرو بن محرز

 

فضاق عليه المرج والمرج واسع

وقال رجل من بني عذرة:

سائل بني مروان أهل العـج

 

رهط النبي وولاة الـحـج

عنا وعن قيس غداة المـرج

 

إذ يثقفون ثـقـفـاً بـنـج

تسديس أطراف القنا المعوج

 

إذا أخلف الضحاك ما يرجي

مذ تركوا من بعد طول هرج

 

لحم ابن قيس للضباع العرج

وقال جواس بن القعطل الكلابي في يوم المرج:

هم قتلوا براهط جـد قـيس

 

سليما والقبائل مـن كـلاب

وهم قتلوا بني بدر وعبـسـاً

 

وألصق حر وجهك بالتراب

تذكرت الذحول فلن تقصـى

 

ذحولك أو تساق إلى الحساب

إذا سارت قبائل من جـنـاب

 

وعوف أشحنوا شم الهضاب

وقد حاربتنا فوجدت حـربـاً

 

تغصك حين تشرب بالشراب

فأقبل عمير يخطر، فخرج من قرقيسيا يتطرف بوادي كلب، فيغير عليها وعلى من أصاب من قضاعة وأهل اليمن، ويخص كلباً ومعشر تغلب ، قبل أن تقع الحرب بين قيس وتغلب، فعل أهل البادية ينتصفون من أهل القرار كلهم. فلما رأت كلب ما لقي أصحابهم، وأنهم لا يمتنعون من خيل الحاضرة، اجتمعوا إلى حميد بن حريث بن بحدل، فسار بهم حتى نزل تدمر، وبه بنو نمير، وقد كان بين النميريين خاصة وبين الكلبيين الذي بتدمر عقد مع ابن بخدل بن بعاج الكلبي، فأرسلت بنو نمير رسلاً إلى حميد يناشدونه الحرمة، فوثب عليهم ابن بعاج الكلبي فذبحهم، وأرسلوا إليهم: إنا قد قطعنا الذي بينا وبينكم، فالحقوا بما يسعكم من الأرض، فالتقوا فقتل ابن بعاج وظفر بالنميريين فقتلوا قتلاً ذريعاً وأسروا ، فقال راعي الإبل في قتل ابن بعاج ولم يذكر غيره من الكلبيين:

تجيء ابن بعاج نسور كأنـهـا

 

مجالس تبغي بيعة عند تاجـر

تطيف بكلبـي عـلـيه جـدية

 

طويل القرا يقذفنه في الحناجر

يقول له من كان يعلم علـمـه

 

كذاك انتقام الله من كل فاجـر

وقد كان زفر بن الحارث لما أغار عمير بن الحباب على الكلبيين قال يعيرهم بقوله:

يا كلب قد كلب الزمان عليكم

 

وأصابكم مني عذاب مرسل

إن السماوة لا سماوة فالحقي

 

بمنابت الزيتون وابنيبحـدل

وبأرض عك والسواحل إنها

 

أرض تذوب باللقاح وتهزل

حميد بن بحدل يغير على بوادي قيسفجمع لهم حميد بن الحريث بن بحدل، ثم خرج يريد الغارة على بوادي قيس، فانتهى إلى ماء لبني تغلب، فإذا النساء والصبيان يبكون، فقالت لهم النساء -وهن يحسبنهم قيساً-: ويحكم، ما ردكم إلينا، فقد فعلتم بنا بالأمس ما فعلتم! فقالت لهم كلب: وما لكم؟ قالوا: أغار علينا بالأمس عمير بن الحباب، فقتل رجالنا، واستاق أموالنا، ولم يشككن أن الخيل خيل قيس وأن عميراً عاد إليهن، فقال بعض كلب لحميد: ما تريد من نسوة قد أغير عليهن وحربن، وصبية يتامى، وتدع عميراً. فاتبعوه، فبينا هم يسيرون إذ أخذوا رجلاً ربيئة للقوم. فسألوه فقال لهم: هذا الجيش ها هنا والأموال، وقد خرج عمير في فوارس يريد الغارة على أهل بيت من بني زهير بن جناب، أخبر عنهم مخبر، فأقام حميد حتى جن عليه الليل، ثم بيت القوم بياتاً. وقال حميد لأصحابه: شعاركم: نحن عباد الله حقاً. فأصابوا عامة ذلك العسكر، ونجا فيمن نجا رجل عريان قذف ثوبه وجلس على فرس عري، فلما انتهى إلى عمير، قال عمير: قد كنت أسمع بالنذير العريان فلم أره، فهو هذا، ويلك ما لك! قال: لا أدري غير أنه لقينا قوم فقتلوا من قتلوا وأخذوا العسكر، فقال: أفتعرفهم؟ قال: لا، فقصد عمير القوم وقال لأصحابه: إن كانت الأعاريب فسيسارعون إلينا إذا رأونا، وإن كانت خيول أهل الشام فستقف. وأقبل عمير، فقال حميد لأصحابه: لا يتحركن منكم أحد، وانصبوا القنا، فحمل عمير حملة لم تحركهم، ثم حمل فلم يتحركوا، فنادى مراراً: ويحكم من أنتم؟! فلم يتكلموا، فنادى عمير أصحابه: ويلكم خيل بني بحدل والأمانة، وانصرف على حاميته، فحمل عليه فوارس من كلب يطلبونه، ولحقه مولى لكلب يقال له شقرون، فاطعنا، فجرح عمير وهرب حتى دخل قرقيسيا إلى زفر، ورجع حميد إلى من ظفر به من الأسرى والقتلى، فقطع سبالهم وأنفهم، فجعلها في خيط، ثم ذهب بها إلى الشام، وقال قائل: بل بعث بها إلى عمير وقال: كيف ترى؟ أوقعي أم وقعك؟ فقال في ذلك سنان بن جابر الجهني:

لقـد طـار فـي الآفـــاق أن ابـــن بـــحـــدل

 

حمـيداً شـفـى كـلـبـاً فـقـرت عــيونـــهـــا

وعـرف قـيسـاً بـالـهـــوان ولـــم تـــكـــن

 

لتـنـزع إلا عــنـــد أمـــر يهـــينـــهـــا

فقلت له: قيس بن عيلان إنهسريع إذا ما عضت الحرب لبنها

 

 

سما بالعتاق الجرد من مرج راهط

 

وتـدمـر ينـوي بـذلـهـــا لا يصـــونـــهـــا

فكـان لـهـا عــرض الـــســـمـــاوة لـــيلة

 

سواء عـلـيهـا سـهـلـهــا وحـــزونـــهـــا

فمـن يحـتـمـل فـي شـأن كـلــب ضـــغـــينة

 

علـينـا إذا مـا حـان فـي الـحـرب حـينـــهـــا

فإنـا وكـلـبـاً كـالـيدين مــتـــى تـــضـــع

 

شمـالـك فـي شـيء تـعـنـهـا يمــينـــهـــا

لقـد تـركـت قـتـلـى حـمـيد بــن بـــحـــدل

 

كثـيراً ضـواحـيهـا قـلـــيلاً دفـــينـــهـــا

وقـيسـية قـد طـلـقـتـهـــا رمـــاحـــنـــا

 

تلـفـت كـالـصـيداء أودى جـــنـــينـــهـــا

وقال سنان أيضاً في هذا الأمر بعدما أوقع ببني فزارة:

يا أخت قيس سلي عنا علانـية

 

كي تخبري من بيان العلم تبيانا

إنا ذوو حسب مال ومـكـرمة

 

يوم الفخار وخير الناس فرسانا

منا ابن مرة عمرو قد سمعت به

 

غيث الأرامل لا يردين ما كانا

والبحدلي الذي أردت فوارسـه

 

قيساً غداة اللوى من رمل عدنانا

فغادرت حلبساً منها بمعـتـرك

 

والجعد منعرفاً لم يكس أكفانـا

كائن تركنا غداة العاه من جزر

 

للطير منهم ومن ثكلى وثكلانـا

ومن غوان تبكي لا حميم لـهـا

 

بالعاه تدعو بني عم وإخـوانـا

فلما انتهى الخبر إلى عبد الملك بن مروان، وعبد الله ومصعب يومئذ حيان، وعند عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل وعبد الله بن مسعدة بن حكم الفزاري، وجيء بالطعام، فقال عبد الملك لابن مسعدة: ادن، فقال ابن مسعدة: لا والله، لقد أوقع حميد بسليم وعامر وقعة لا ينفعني بعدها طعام حتى يكون لها غير، فقال له حسان: أجزعت أن كان بيني وبينكم في الحاضرة على الطاعة والمعصية، فأصبنا منكم يوم المرج، وأغار أهل قرقيسيا بالحاضرة على البادية بغير ذنب؟ فلما رأى حميد ذلك طلب بثأر قومه، فأصاب بعض ما أصابهم، فجزعت من ذلك، وبلغ حميداً قول ابن مسعدة فقال: والله لأشغلنه بمن هو أقرب إليه من سليم وعامر. ذكر في شعره إيقاع حميد ببني فزارة فخرج حميد في نحو من مائتي فارس، ومعه رجلان من كلب ودليلان، حتى انتهى إلى بني فزارة أهل العمود لخمس عشرة مضت من شهر رمضان، فقال: بعثني عبد الملك بن مروان مصدقاً: فابعثوا إلى كل من يطيق أن يلقانا، ففعلوا، فقتلهم أو من استطاع منهم، وأخذ أموالهم، فبلغ قتلاهم نحواً من مائة ونيف، فقال عويف القوافي:

منا الله أن ألقى حميد بن بحـدل

 

بمنزلة فيها إلى النصف معلمـا

لكيما نعاطيه ونبـلـو بـينـنـا

 

سريجية يعجمن في الهام معجما

ألا ليت أني صادفتني مـنـيتـي

 

ولم أر قتلى العام يا أم أسلـمـا

ولم أر قتلى لم تدع لي بعـدهـا

 

يدين فما أرجوا من العيش أجذما

وأقسم ما ليث بخـفـان خـادر

 

بأشجع من جعد جنانا ومقـدمـا

يعني الجعد بن عمران بن عيينة وقتل يومئذ.


أسماء بن خارجة يشكو حميداً إلى عبد الملك فلما رجع عبد الملك من الكوفة وقتل مصعب، لحقه أسماء بن خارجة بالنخيلة، فكلمه فيما أتى حميد به إلى أهل العمود من فزارة، وقال: حدثنا أنه مصدقك وعاملك، فأجبناك وبك عذنا، فعليك وفي ذمتك ما على الحر في ذمته، فأقدنا من قضاعي سكير، فأبى عبد الملك وقال: انظر في ذلك وأستشير وحميد يجحد وليست لهم بينة، فوداهم الف وألف ومائتي ألف، وقال: إني حاسبها في أعطيات قضاعة، فقال في ذلك عمرو بن مخلاة الكلبي.
صوت

خذوها يا بني ذبيان عـقـلاً

 

على الأجياد واعتقدوا الخداما

دراهم من بني مروان بيضـا

 

ينجمها لكم عاماً فـعـامـا

وأيقـن أنـه يوم طـــويل

 

على قيس يذيقهم السمـامـا

ومختب أمام القوم يسـعـى

 

كسرحان التنوفة حين سامـا

رأى شخصاً على بلد بـعـيد

 

فكبر حين أبصره وقـامـا

وأقبل يسأل البشـرى إلـينـا

 

فقال: رأيت إنساً أو نعامـا

وقال لخيله سـيري حـمـيد

 

فإن لكل ذي أجل حمـامـا

فما لاقيت من سجـح وبـدر

 

ومرة فاتركي حطباً حطاما

بكل مقلص عـبـل شـواه

 

يدق بوقع نابيه اللـجـامـا

وكل طمرة مرطى سبـوح

 

إذا ما شد فارسها الحزامـا

وقائلة على دهـش وحـزن

 

وقد بلت مدامعها اللثـامـا

كأن بني فزارة لم يكـونـوا

 

ولم يرعوا بأرضهم الثمامـا

ولم أر حاضراً منهم بـشـاء

 

ولا من يملك النعم الركامـا

فزارة تنتقم من قيس قال: فلما أخذوا الدية انطلقت فزارة فاشترت خيلاً وسلاحاً، ثم استتبعت سائر قبائل قيس، ثم أغارت على ماء يدعى بانت قين، يجمع بطوناً كلب كثيرة وأكثر من عليه بنو عبد ود وبنو عليم بن جناب، وعلى قيس يومئذ سعيد بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وحلحلة بن قيس بن الأشيم بن يسار أحد بني العشراء ، فلما أغاروا نادوا بني عليم: إنا لا نطلبكم بشيء، وإنما نطلب بني عبد ود بما صنع الدليلان اللذان حملا حميداً، وهما المأمور ورجل آخر اسمه أبو أيوب، فقتل من العبديين تسعة عشر رجلاً، ثم مالوا على العليميين فقتلوا منهم خمسين رجلاً، وساقوا أموالاً.

موقف عبد الملك بن مروان وعرضه الدية

فبلغ الخبر عبد الملك، فأمهل حتى إذا ولي الحجاج العراق كتب إليه يبعث إليه سعيد بن عيينة وحلحلة بن قيس ومعهما نفر من الحرس، فلما قدم بهما عليه قذفهما في السجن وقال لكلب: والله لئن قتلتم رجلاً لأهريقين داماءكم، فقدم عليه من بني عبد ود عياض ومعاوية ابنا ورد، ونعمان بن سويد أبوه ابن مالك يومئذ أشرف من قتل يوم بنات قين، وكان شيخ بني عبد ود، فقال له النعمان: دماءنا يا أمير المؤمنين، فقال له عبد الملك: إنما قتل منكم الصبي الصغير والشيخ الفاني، فقال النعمان: قتل منا والله من لو كان أخلاً لأبيك لاختير عليك في الخلافة، فغضب عبد الملك غضباً شديداً، فقال له معاوية وعياض: يا أمير المؤمنين، شيخ كبير موتوتر. فأعرض عنه عبد الملك وعرض الدية، وجعل خالد بن يزيد بن معاوية ومن ولدته كلب يقولون: القتل، ومن كانت أمه قيسية من بني أمية يقولون: لا، بل الدية كما فعل بالقوم، حتى ارتفع الكلام بينهم بالمقصورة، فأخرجهم عبد الملك ودفع حلحلة إلى بعض بني عبد ود، ودفع سعيد بن عيينة إلى بعض بني عليم، وأقبل عليهما عبد الملك فقال: ألم تأتياني تستعدياني فأعديتكما وأعطيتكما الدية، ثم انطلقتما فأخفرتما ذمتي وصنعتما ما صنعتما، فكلمه سعيد بكلام يستعطفه به ويرققه، فضرب حلحلة صدره وقال: أترى خضوعك لابن الزرقاء نافعك عنده، فغضب عبد الملك وقال: اصبر حلحلة، فقال له: أصبر من عود بجنبيه جلب فقتلا وشق ذلك على قيس، وأعظمه أهل البادية منهم والحاضرة، فقال في ذلك علي بن الغدير الغنوي:

لحلحلة القتيل ولابن بـدر

 

وأهل دمشق أنجبة تبـين

فبعـد الـيوم أيام طـوال

 

وبعد خمود فتنتكم فتـون

وكل صنيعة رصد لـيوم

 

تحل به لصاحبها الزبون

خليفة أمة قسرت علـيه

 

تخمط واستخف بمن يدين

فقد أتيا حميد ابن المنـايا

 

وكل فتى ستشعبه المنون

وقال رجل من بني عبد ود:

نحن قتلنا سيديهم بشيخنـا

 

سويد فما كانا وفاء به دما

وقال حلحلة وهو السجن

لعمري لئن شيخا فزارة أسلـمـا

 

لقد خزيت قيس وما ظفرت كلب

وقال أرطاة بن سهية يحرض قيساً:

أيقتل شيخنـا ويرى حـمـيد

 

رخي البال منتشياً خمـورا

فإن دمنا بذاك وطال عـمـر

 

بنا وبكم ولم نسمع نـكـيرا

فناكت أمها قـيس جـهـاراً

 

وعضت بعدها مضر الأيوار

وقال عميرة بنت حسان الكلبية تفخر بفعل حميد في قيس:

سمت كلب إلى قيس بجمـع

 

يهد مناكب الأكم الصعـاب

بذي لجب يدق الأرض حتى

 

تضايق من دعا بهلا وهاب

نفين إلى الجزيرة فل قـيس

 

إلى بق بهـا وإلـى ذنـاب

وألفينا هجين بـنـي سـلـيم

 

يفدي المهر من حب الإياب

فلولا عدوة المهر المـفـدى

 

لأبت وأنت منخرق الإهاب

ونجاه حثيث الركض مـنـا

 

أصيلانا ولون الوجه كابـي

وآض كأنه يطلـى بـورس

 

ودق هوي كاسرة عـقـاب

حمدت الله إذ لقى سـلـيمـاً

 

على دهمان صقر بني جناب

تركن الروق من فتيات قيس

 

أيامى قد يئسن من الخضاب

فهن إذا ذكرن حميد كـلـب

 

نعقن برنة بعد انـتـحـاب

متى تذكر فتى كلب حمـيداً

 

تر القيسي يشرق بالشـراب

مدح عيينة بن أسماء رغم تطليقه أخته

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عمه، قال: أنشدني رجل من بني فزارة لعويف القوافي -وهو عويف بن معاوية بن عقبة بن حصن بن حذيفة الفزاري- وكانت أخته عند عيينة بن أسماء بن خارجة فطقلها، فكان عويف مراغماً لعيينة وقال: الحرة لا تطلق بغير ما بأس، فلما حبس الحجاج عيينة وقيده قال عويف:

منع الرقاد فما يحس رقادخبر أتاك ونامت العواد

 

خبر أتاني عن عيينة موجع

 

ولـمـثـلـه تـتـصــدع الأكـــبـــاد

بلـغ الـنـفـوس بـلاؤهـا فـكـأنــنـــا

 

موتـى وفـينـا الــروح والأجـــســـاد

ساء الأقـارب يوم ذاك فـأصـبـــحـــوا

 

بهـجـين قـد سـروا بـه الـحـــســـاد

يرجـون عـثـرة جـدنـا ولـو أنــهـــم

 

لا يدفـعـون بـنـا الـمـكــاره بـــادوا

لمـا أتـانـــي عـــن عـــيينة أنـــه

 

عان تـظـاهـر فـــوقـــه الأقـــياد

نخـلـت لـه نـفـسـي الـنـصـيحة إنــه

 

عنـد الـشـدائد تـذهــب الأحـــقـــاد

وذكـت أي فـتـى يسـد مــكـــانـــه

 

بالـرفـد حـين تـقـاصـــر الأرفـــاد

أم مـن يعـين لـنـا كــرائم مـــالـــه

 

ولـنـا إذا عـدنــا إلـــيه مـــعـــاد

لو كـان مـن حـضـن تـضـاءل ركـنــه

 

أو مــــن نـــــــضـــــــاد

مدح عبد الرحمن ابن مروان وهو صغير

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: قال العتبي: سأل عويف القوافي في حمالة، فمر به عبد الرحمن بن محمد بن مروان وهو حديث السن، فقال له: لا تسأل أحداً وصر إلي أكفك، فأتاه فاحتملها جمعاء له، فقال عويف يمدحه:

غلام رماه الله بالـخـير يافـعـاً

 

له سيمياء لا تشق على البـصـر

كأن الثريا علقت فـي جـبـينـه

 

وفي حده الشعرى وفي جيده القمر

ولما رأى المجد استعيرت ثـيابـه

 

تردى رداء واسع الـذيل واتـزر

إذا قيلت العوراء أغضـى كـأنـه

 

ذليل بلا ذل ولو شاء لانـتـصـر

رآني فآساني ولـو صـد لـم ألـم

 

على حين لا باد يرجى ولا حضر

قال أبو زيد: هذه الأبيات لابن عنقاء الفزاري، يقولها في ابن أخ له، كان قوم من العرب أغاروا على نعم ابن عنقاء، فاستقوها، حتى لم يبق لها منها شيء، فأتى ابن أخيه فقال له: يا بن أخي، إنه قد نزل بعمك ما ترى، فهل من حلوبة؟ قال: نعم يا عم، يروح المال وأبلغ مرادك، فلما راح ماله قاسمه إياه وأعطاه شطره، فقال ابن عنقاء:

رآني على ما بي عميلة فاشتكى

 

إلى ماله حالي أسر كما جهر

وذكر بعد هذا البيت باقي الأبيات. قال أبو زيد: وإنما تمثلها عويف.


رثى سليمان بن عبد الملك ومدح عمر بن عبد العزيز أخبرني محمد بن خلف وكيع، والحسن بن علي قالا: حدثنا الغلابي، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله، عن عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان، قال: لما مات سليمان بن عبد الملك وولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، وفد إليه عويف القوافي وقال شعراً رثى به سليمان ومدح عمر فيه، فلما دخل إليه أنشده:

لاح سحاب فرأينـا بـرقـه

 

ثم تدانى فسمعنا صـعـقـه

وراحت الريح تزجي بلـقـه

 

ودهمه ثم تـزجـي ورقـه

ذاك سقى قبراً فروى ودقـه

 

قبر امرئ عظم ربي حقـه

قبر سليمان الذي من عـقـه

 

وجحد الخير الذي قد بـقـه

في المسلمين جـلـه ودقـه

 

فارق في الجحود منه صدقه

قد ابتلى الله بخير خـلـقـه

 

ألقى إلى خير قريش وسقـه

يا عمر الخير الملقى وفقـه

 

سميت بالفاروق فافرق فرقه

وارزق عيال المسلمين رزقه

 

واقصد إلى الجود ولا توقـه

بحرك عذب الماء ما أعقـه

 

ريك فالمحروم من لم يسقـه

فقال له عمر: لسنا من الشعر في شيء، ومالك في بيت المال حق، فألح عويف يسأله فقال: يا مزاحم، انظر فيما بقي من أرزاقنا فشاطره إياه، ولنصبر على الضيق إلى وقت العطاء، فقال له عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الملك: بل توفر يا أمير المؤمنين وعلي رضا الرجل، فقال: ما أولاك بذلك، فأخذ بيده وانصرف به إلى منزله، وأعطاه حتى رضى.

صوت

صفرا يطويها الضجيع لصلبها

 

طي الحمالة لين مثـنـاهـا

نعم الضجيع إذا النجوم تغورت

 

بالغور أولاها على أخراهـا

عذب مقبلها وثـير ردفـهـا

 

عبل شواها طيب مجنـاهـا

يا دار صهباء التي لا أنتهـي

 

عن حبها أبداً ولا أنـسـاهـا

الشعر لعبد الله بن جحش الصعاليك، والغناء فيه لعلي بن هشام ثقيل أول بالوسطى من كتاب أحمد بن المكي.