أخبار السري ونسبه

نسبه السري بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري، لوجده عويم بن ساعدة صحبة بالنبي (.
شعره وشخصه: والسري شاعر من شعراء أهل المدينة، وليس بمكثر ولا فحل، إلا أنه كان أحد الغزلين والفتيان والمنادمين على الشراب. كان هو وعتير بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف، وجبير بن أيمن، وخالد بن أبي أيوب الأنصاري يتنادمون. قال: وفيهم يقول:

إذا أنت نادمت العتير وذا النـدى

 

جبيرا ونازعت الزجاجة خالـداً

أمنت بإذن الله أن تقرع العصـا

 

وأن ينبهوا من نومة السكر راقدا

غناه الغريض ثقيلاً.
وكان السري هذا هجا الأحوص، وهجا نصيبا؛ فلم يجيباه.


يهجو النصيب فيهبه لقومه، ولله ورسوله: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثني الزبير بن بكار قال: حدثني عمي، وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي قالا: حبس النصيب في مسجد النبي -( فأنشد، وكان إذا أنشد لوى حاجبيه، وأشار بيده، فرآه السري بن عبد الرحمن الأنصاري، فجاءه حتى وقف بإزائه ثم قال:

فقدت الشعر حين أتى نصـيبـا

 

ألم تستحي من مقت الـكـرام

إذا رفع ابن ثـوبة حـاجـبـيه

 

حسبت الكلب يضرب في الكعام

قال: فقال نصيب: من هذا! فقالوا: هذا ابن عويم الأنصاري، قال: قد وهبته لله عز وجل ولرسوله -(- ولعويم بن ساعدة. قال: وكان لعويم صحبةٌ ونصرةٌ.


يحب امرأة يقال لها زينب ويشبب بها: أخبرني الحرمي قال: حدثنا الزبير قال: حدثني عمي عن عبد الرحمن بن عبد الله العمري قال: كان السري قصيراً دميماً أزرق، وكان يهوى امرأة يقال لها زينب ويشبب بها، فخرج إلى البادية، فرآها في نسوة فصار إلى راعٍ هناك وأعطاه ثيابه، وأخذ منه جبته وعصاه، وأقبل يسوق الغنم حتى صار إلى النسوة فلم يحفلن به، وظنن أنه أعرابي، فأقبل يقلب بعصاه الأرض وينظر إليهم فقلن له: أذهب منك يا راعي الغنم شيء فأنت تطلبه؟ فقال: نعم. قال: فضربت زينب بكمها على وجهها وقالت: السري والله أخزاه الله! فأنشأ يقل: صوت

ما زال فينا سقيمٌ يستطب لـه

 

من ريح زينب فينا ليلة الأحد

حزت الجمال ونشراً طيباً أرجاً

 

فما تسمين إلا مسكة البـلـد

أما فؤادي فشيء قد ذهبت بـه

 

فما يضرك ألا تحربي جسدي!

يستحسن المهدي شعراً له في الغزل: أخبرني الحسين بن علي قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا مصعبٌ الزبيري قال، قال أبي: قال لي المهدي: أنشدني شعراً غزلاً، فأنشدته قول السري بن عبد الرحمن:

ما زال فينا سقيمٌ يستطب لـه

 

من ريح زينب فينا ليلة الأحد

فأعجبته، وما زال يستعيدها مراراً حتى حفظها.


كان وندماءه تقبل شهادتهم مع شربهم النبيذ: أخبرني الحسن قال: حدثني أحمد قال: حدثني محمد بن سلام الجمحي قال: كان السري بن عبد الرحمن ينادم عتير بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف وجبير بن أيمن بن أم أيمن مولى النبي -(- وخالد بن أبي أيوب الأنصاري، وكانوا يشربون النبيذ، وكلهم كان على ذلك مقبول الشهادة جليل القدر مستوراً، فقال السري:

إذا أنت نادمت العتير وذا النـدى

 

جبيرا ونازعت الزجاجة خالـداً

أمنت بإذن الله أن تقرع العصـا

 

وأن ينبهوا من نومة السكر راقدا

فقالوا: قبحك الله! ماذا أردت إلى التنبيه علينا والإذاعة لسرنا؟ إنك لحقيق ألا ننادمك. قال: والله ما أردت بكم سوءاً، ولكنه شعر طفح فنفثته عن صدري، قال: وخالد بن أبي أيوب الأنصاري الذي يقول: صوت

ألا سقني كأسي ودع قول من لحى

 

ورو عظاماً قصرهن إلى بلـى

فإن بطوء الكأس موتٌ وحبسهـا

 

وإن دراك الكأس عندي هو الحيا

الغناء في هذين البيتين هة لعبد الله بن العباس الربيعي، خفيف رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة.


التمثل بشعره في طلب الشراب: أخبرني أبو الحسن الأسدي قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال: حدثني مصعب بن عثمان قال: حدثني عبيد الله بن عروة بن الزبير قال: خرجت وأنا غلام أدور في السكك بالمدينة فانتهيت إلى فناءٍ مرشوش وشاب جميل الوجه جالس، فلما رآني دعاني، ثم قال لي: من أنت يا غلام؟ فقلت عبيد الله بن عروة بن الزبير. فقال: اجلس، فجلست، فدعا بالغداء فتغدينا جميعاً، ثم قال: يا جارية؛ فأقبلت جاريةٌ تتهادى كأنها مهاةٌ، وفي يدها قنينيةٌ فيها شرابٌ صاف وقلة ماء وكأس، فقال لها: استقني؛ فصبت في الكأس وسكبت عليه ماءً وناولته، فشرب ثم قال: اسقيه، فصبت الكأس وسكبت عليه ماء وناولتني. فلما وجدت رائحته بكيت، فقال: ما يبكيك يا بن أخي؟ فقلت: إن أهلي إن وجدوا رائحة هذا مني ضربونب، فأقبل على الجارية بوجهه، وقال لها يخاطبها:

ألا سقني كأسي ودع عنك من أبى

 

ورو عظاماً قصرهن إلى بلـى

فأخذته من يدي وأعطته؛ فشربه، وقمت فلما جاوزته سألت عنه فقيل لي: هذا خالد بن أبي أيوب الأنصاري الذي يقول فيه الشاعر:

إذا أنت نادمت العتير وذا الـنـدى

 

جبيرا ونازعت الزجاجة خـالـداً

أمنت بإذن الله أن تقرع العـصـا

 

وأن يوقظوا من سكرة النوم راقداً

وصرت بحمد الله في خير عصبة

 

حسان الندامى لا تخاف العرابـداً

يأبى ابن الماجشون دخول مجلس حتى يخرجه أصحابه فيخرجوه: أخبرنا وكيع قال: حدثنا محمد بن علي بن حمزة قال: حدثني أبو غسان عن محمد بن يحيى بن عبد الحميد قال: كان السري بن عبد الرحمن يختلف إلى فتيةً، فجاء ابن الماجشون فقال: لا أدخل حتى يخرج السري؛ فأخرجته فقال السري:

قبح الله أهل بيت بـسـلـع

 

أخرجوني وأدخلوا الماجشونا

أدخلوا هرةً تلاعـب قـردا

 

ما نراهم يرون ما يصنعونا

شعر له في أمة وبنتها: أخبرني الحسن قال: حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب قال: أنشدني أبي للسري بن عبد الرحمن في أمة الحميد بنت عبد الله بن عباس وفي ابنتها أمة الواحد:

أمة الحمـيد وبـنـتـهـا

 

ظبيان فـي ظـل الأراك

يتـتـبـعـان بـــريره

 

وظلاله فهـمـا كـذاك

حذي الجمال علـيهـمـا

 

حذو الشراك على الشراك

يتمنى أن يكون مؤذناً ليرى ما في السطوح: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثني محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي قال: حدثني يحيى بن عثمان بن أبي قباحة الزهري قال: أنشدني أبو غسان صالح بن العباس بن محمد -وهو إذ ذاك على المدينة- للسري بن عبد الرحمن:

ليتني في المـؤذنـين نـهـاراً

 

إنهم يبصرون من في السطوح

فيشـيرون أو يشـار إلـيهـم

 

حبذا كـل ذات جـيدٍ مـلـيح

قال: فأمر صالحٌ بسد المنابر، فلم يقدر أحدٌ على أن يطلع رأسه حتى عزل صالح.
يعمره عمر بن عمرو بن عثمان أرضاً بقباء: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب قال: حدثني زبير بن بكار عن عمه: أن السري بن عبد الرحمن وقف على عمر بن عمرو بن عثمان، وهو جالسٌ على بابه والناس حوله، فأنشأ يقول:

يا بن عثمان يا بن خير قريش

 

أبغني ما يكفنـي بـقـبـاء

ربما بلنـي نـداك وجـلـى

 

عن جبيني عجاجة الغرماء

فأعمره أرضاً بقباء، وجعلها طعمةً له أيام حياته، فلم تزل في يده حتى مات.
مثل من الولوع بالتغني بشعره: أخبرني وسواسة بن الموصلي، قال: حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه، عن عزيز بن طلحة، قال: قال معبد: خرجت من مكة أريد المدينة، فلما كنت قريباً من المنزل أريت بيتاً فعدلت إليه، فإذا فيه أسود عنده حبان من ماء وقد جهدني العطش، فسلمت عليه واستسقيت، فقال: تأخر عافاك الله، فقلت: يا هذا، اسقني بسرعة من الماء فقد كدت أموت عطشاً، فقال: والله لا تذوق منه جرعة ولو مت، فرجعت القهقري، وأنخت راحلتي واستظللت بظلها من الشمس، ثم اندفعت أغني ليبتل لساني:

كفنوني إن مت في درع أروى

 

واستقوا لي من بئر عروة مائي

فإذا أنا بالأسود قد خرج إلي ومعه قدح خيشاني فيه سويق ملت بماء بارد، فقال: هل لك في هذا أرب؟ قلت: قد منعتني ما هو أقل منه: الماء. فقال: اشرب -عافاك الله- ودع عنك ما مضى، فشربت ثم قال: أعد -فديتك- الصوت، فأعدته، فقال: هل لك -بأبي وأمي- أن أحمل لك قربة من ماء، وأمشي بها معك إلى المنزل وتعيد على هذا الصوت حتى أتزود منه، وكلما عطشت سقيتك؟ قلت: افعل، ففعل وسار معي، فما زلت أغنيه إياه، وكلما عطشت استقيته حتى بلغت المنزل عشاء .

صوت

سلـب الـــشـــبـــاب رداءه

 

عنـي ويتـــبـــعـــه إزاره

ولقد تحل علي حلته ويعجبني افتخاره

 

 

سائل شبابي هل مسك

 

ت بــســـوءةٍ أو ذل جـــاره

ما إن مـلـكـت الـــمـــال إلا

 

كان لـــي ولـــه خــــياره

ويروي: هل أسأت مساكه.

الشعر لمسكن الدرامي، والغناء لمقاسة بن ناصح، خفيف رمل بالبنصر عن عمرو.