أخبار مسكين ونسبه

اسمه ونسبه:  مسكين لقبٌ غلب عليه، واسمه ربيعة بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن زيد بن عبد الله بن عدس بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وقال أبو عمرو الشيباني: مسكين بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم.


لماذا لقب مسكيناً؟: قال أبو عمرو: وإنما لقب مسكيناً لقوله:

أنا مسكينٌ لمن أنـكـرنـي

 

ولمن يعرفني جد نـطـق

لا أبيع الناس عرضي إنني

 

لو أبيع الناس عرضي لنفق

وقال أيضاً:

سميت مسكيناً وكانت لجاجةً

 

وإني لمسكين إلى الله راغب

وقال أيضاً:

إن أدع فلـسـت بـمـنـكـر

 

وهل ينكرن الشمس ذر شعاعها

لعمرك ما الأسماء إلا عـلامة

 

منارٌ ومن خير المنار ارتفاعها

شاعر شريف من سادات قومه، هاجي الفرزدق ثم كافه، فكان الفرزدق بعد ذلك في الشدائد التي أفلت منها.


مهاجاته الفرزدق لأنه نقض رثاءه لزياد: حدثني حبيب بن أوس بن نصر المهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة عن أبي عبيدة قال: كان زياد قد أرعى مسكيناً الدارمي حمى له بناحية العذيب في عام قحط حتى أخصب الناس وأحيوا، ثم كتب له ببر وتمر وكساه، قال: فلما مات زياد رثاه مسكين، فقال:

رأيت زيادة الإسلام ولت

 

جهاراً حين ودعنا زياد

فعارضه الفرزدق، وكان منحرفاً عن زياد لطلبه إياه وإخافته له، فقال:

أمسكين أبكى الله عينك إنـمـا

 

جرى في ضلال دمعها فتحدرا

بكيت على علج بميسان كـافـر

 

ككسرى على عدانه أو كقيصرا

أقول له لما أتاني نـعـيه: بـه

 

لا بظبي بالصـريمة أعـفـرا

فقال مسكين يجيبه:

ألا أيها المرء الذي لسـت قـاعـداً

 

ولا قائماً في القوم إلا نـبـرى لـيا

فجئتني بعم مـثـل عـمـي أو أب

 

كمثل أبي أو خال صدق كـخـالـيا

كعمرو بن عمرو أو زرارة ذي الندى

 

أو البشر من كل فرعت الـروابـيا

قال: فأمسك الفرزدق عنه، فلم يجبه، وتكافأ.
أخبرني ببعض هذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلام، فذكر نحواً مما ذكره أبو عبيدة وزاد فيه، قال: والبشر خال لمسكين من النمر بن قاسط، وقد فخر به، فقال:

شريحٌ فارس النعمان عمـي

 

وخالي البشر بشر بني هلال

وقاتل خالـه بـأبـيه مـنـا

 

سماعة لم يبع حسبا بـمـال

اتقى الفرزدق هجاءه واتقى هو هجاء الفرزدق: وأخبرني عمي قال: حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبيه بمثل هذه الحكاية، وزاد فيها، قال: فتكافأ واتقاه الفرزدق أن يعين عليه جريراً، واتقاه مسكين أن يعين عليه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. ودخل شيوخ بني عبد الله وبني نجاشع، فتكافا.


مهاجاته الفرزدق من المحن التي أفلت منها الفرزدق: وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة عن أبي عمرو قال: قال الفرزدق.


نجوت من ثلاثة أشياء لا أخاف بعدها شيئاً: نجوت من زياد حين طلبني، ونجوت من ابني رميلة وقد نذرا دمي وما فلتهما أحد طلباه قط، ونجوت من مهاجاة مسكين الدارمي؛ لأنه لو هجاني اضطرني أن أهدم شطر حسبي وفخري، لأنه من بحبوحة نسبي وأشراف عشيرتي، فكان جرير حينئذ ينتصف مني بيدي ولساني.


شعره في الغيرة أشعر ما قيل فيها: أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني محمود بن داود عن أبي عكرمة عامر بن عمران عن مسعود بن بشر عن أبي عبيدة أنه سمعه يقول: أشعر ما قيل في الغيرة قول مسكين الدارمي:

ألا أيها الغائر المستشيط فيم تغار إذا لم تغر؟

 

فما خير عرس إذا خفتها

 

ومـا خـير عـرس إذا لـــم تـــزر؟

تغـار عـلـى الـنـاس أن ينـظـــروا

 

وهل يفتـن الـصـالـحـات الـنـظـر؟

وإنـي سـأخـلـي لـهـا بـيتــهـــا

 

فتـحـفـظ لـي نـفـسـهـا أو تـــذر

إذا الـلـه لـم يعـطـنـي حـبــهـــا

 

فلـن يعـطـي الـحـب سـوطٌ مـمـر

يأبى معاوية أن يفرض له: ثم يعود فيجيبه إلى طلبه: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال: حدثني عبد الله بن مالك الخزاعي قال: حدثني عبد الله بن بشير قال: أخبرني أيوب بن أبي أيوب السعدي قال: لما قدم مسكين الدارمي على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى عليه، وكان لا يفرض إلا لليمن، فخرج من عنده مسكين وهو يقول:

أخاك أخاك إن من لا أخـا لـه

 

كساعٍ إلى الهيجا بغير سـلاح

وإن ابن عم المرء فأعلم جناحـه

 

وهل ينهض البازي بغير جناح؟

وما طالب الحاجات إلا مغـرر

 

وما نال شيئاً طالب كـنـجـاح

قال السعدي: فلم يزل معاوية كذلك حتى غزت اليمن وكثرت، وضعضعت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلاً من أهل اليمن قال يوماً: لهممت ألا أدع بالشأم أحداً من مضر، بل هممت ألا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري بالشأم، فبلغت معاوية، ففرض من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندق، وقدم على تفئية ذلك عطارد بن حاجب على معاوية، فقال له: ما فعل الفتى الدارمي الصبيح الوجه الفصيح اللسان؟ يعني مسكيناً، فقال: صالح: يا أمير المؤمنين، فقال: أعلمه أني فرضت له من شرف العطاء وهو في بلاده؛ فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإن عطاءه سيأتيه، وبشره أني فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندق؛ قال: وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي قيساً في البر، فقال شاعر اليمن:

ألا أيها القوم الـذين تـجـمـعـوا

 

بعكا أنـاسٌ أنـتـم أم أبـاعـر؟

أتترك قـيسٌ آمـنـين بـدارهـم

 

ونركب ظهر البحر والبحر زاخر؟

فواللـه مـا أدري وإنـي لـسـائل

 

أهمدان يحمى ضيمها أم يحابـر؟

أم الشرف الأعلى من أولاد حمـير

 

بنو مالك إذ تستـمـر الـمـرائر

أأوصى أبوهم بينهم أن تواصـلـوا

 

وأوصى أبوكم بينكم أن تـدابـروا

قال، ويقال: إن النجاشي قال هذه الأبيات.
أخبرني بذلك عبد الله بن أحمد بن الحارث العدوي عن محمد بن عائد عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عياش وغيره، قالوا: فلما بلغت هذه الأبيات معاوية بعث إلى اليمن فاعتذر إليهم، وقال: ما أغزيتكم البحر إلا لأني أتيمن بكم، وأن في قيس نكداً وأخلاقاً لا يحتملها الثغر، وأنا عارف بطاعتكم. ونصحكم. فأما إذ قد ظننتم غير ذلك فأنا أجمع فيه بينكم وبين قيس فتكونون جميعاً فيه وأجعل الغزو فيه عقباً بينكم، فرضوا فعل ذلك فيما بعد.


بشر بن مروان يتمثل بشعر له: حدثني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال: حدثني مصعب بن عبد الله قال: وحدثنيه زبير عن عمه قال: كان أصاغر ولد مروان في حجر ابنه عبد العزيز بن مروان، فكتب عبد العزيز إلى بشر كتاباً، وهو يومئذ على العراق، فورد عليه وهو ثمل، وكان فيه كلام أحفظه، فأمر بشر كاتبه فأجاب عبد العزيز جواباً قبيحاً، فلما ورد عليه علم أنه كتبه وهو سكران، فجفاه وقطع مكاتبته زماناً. وبلغ بشراً عتبه عليه، فكتب إليه: لولا الهفوة لم أحتج إلى العذر، ولم يكن لك في قبوله مني الفضل. ولو احتمل الكتاب أكثر مما ضمنته لزدت فيه، وبقية الأكابر على الأصاغر من شيم الأكارم. ولقد أحسن مسكينٌ الدارمي حين يقول:

أخاك أخاك إن من لا أخـا لـه

 

كساعٍ إلى الهيجا بغير سـلاح

وإن ابن عم المرء فأعلم جناحه

 

وهل ينهض البازي بغير جناح!

قال: فلما وصل كتابه إلى عبد العزيز دمعت عينه، وقال: إن أخي كان منتشياً ولولا ذلك لما جرى منه ما جرى، فسلوا عمن شهد ذلك المجلس؛ فسئل عنهم، فأخبر بهم، فقبل عذره، وأقسم عليه ألا يعاشر أحداً من ندمانه الذين حضروا ذلك المجلس، وأن يعزل كاتبه عن كتابته، ففعل.


مهاجاته الفرزدق من المحن التي نجا الفرزدق منها: أخبرني محمد بن الحسين الكندي خطيب القادسية قال: حدثنا عمر بن شبة عن أبي عبيدة عن أبي عمرو قال: كان الفرزدق يقول: نجوت من ثلاث أرجو ألا يصيبني بعدهن شر: نجوت من زياد حين طلبني وما فاته مطلوب قط، ونجوت من ضربة رئاب بن رميلة أبي البذال فلم يقع في رأسي، ونجوت من مهاجاة مسكين الدارمي. ولو هاجيته لحال بيني وبين بين بني عمي، وقطع لساني عن الشعراء.


يخطب فتاة فتأباه، ويمر بها وهي مع روجها، فيقول في ذلك شعراً: أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا أبو العيناء عن الأصمعي قال: خطب مسكينٌ بن خلف فتاةً من قومه فكرهته لسواد لونه وقلة ماله، وتزوجت بعده رجلاً من قومه ذا يسار ليس له مثل نسب مسكين، فمر بهما مسكين ذات يوم، وتلك المرأة جالسة مع زوجها، فقال:

أنا مسكين لمن يعـرفـنـي

 

لوني السمرة ألوان العـرب

من رأى ظبياً علـيه لـؤلـؤ

 

واضح الخدين مقروناً بضب

أكسبته الورق الـبـيض أبـاً

 

ولقد كان ومـا يدعـى لأب

رب مهزولٍ سمـينٌ بـيتـه

 

وسمين البيت مهزول النسب

أصبحت ترزق من شحم الذرا

 

وتخال اللؤم دراً ينـتـهـب

لا تلمها إنهـا مـن نـسـوة

 

صخبات ملحها فوق الركب

كشموس الخيل يبدو شغبـهـا

 

كلما قيل لها هـالٌ وهـب

يأمره يزيد أن يرشحه للخلافة في أبيات وينشدها في مجلس أبيه: أخبرني محمد بن مزيد قال: حدثني حماد بن إسحاق الموصلي قال: حدثني أبي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش قال: كان يزيد بن معاوية يؤثر مسكيناً الدارمي، ويصله ويقوم بحوائجه عند أبيه، فلما أراد معاوية البيعة ليزيد تهيب ذلك وخاف ألا يمالئه عليه الناس، لحسن البقية فيهم، وكثرة من يرشح للخلافة، وبلغه في ذلك ذرء وكلام كرهه من سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر، فأمر يزيد مسكيناً أن يقول أبياتاً وينشدها معاوية في مجلسه إذا كان حافلاً وحضره وجوه بني أمية، فلما اتفق ذلك دخل مسكين إليه، وهو جالس وابنه يزيد عن يمينه وبنو أمية حواليه وأشراف الناس في مجلسه، فمثل بين يديه وأنشأ يقول:

إن أدع مسكيناً فإني ابن معشر

 

من الناس أحمي عنهم وأذود

إليك أمير المؤمنين رحلتـهـا

 

تثير القطا ليلاً وهن هجـود

وهاجرة ظلت كأن ظباءهـا

 

إذا ما اتقتها بالقرون سجـود

صوت

ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر

 

ومروان أم ماذا يقول سـعـيد؟

بني خلفاء الله مهـلاً فـإنـمـا

 

يبوئها الـرحـمـن حـيث يريد

إذا المنبر الغربـي خـلاه ربـه

 

فإن أمير الـمـؤمـنـين يزيد

-الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر، عن عمرو بن بانة:

على الطائر الميمون والجد صاعد

 

لكـل أنـاس طـائر وجــدود

فلا زلت أعلى الناس كعباً ولا تزل

 

وفود تسـامـيهـا إلـيك وفـود

ولا زال بيت الملك فوقك عـالـياً

 

تشـيد أطـنـاب لـه وعـمـود

قدور ابن حرب كالجوابي وتحتهـا

 

أثاف كأمـثـال الـرئال ركـود

فقال له معاوية: ننظر فيما قلت يا مسكين، ونستخير الله. قال: ولم يتكلم أحد من بني أمية في ذلك إلا بالإقرار والموافقة، وذلك الذي أراده يزيد ليعلم ما عندهم، ثم وصله يزيد ووصله معاوية فأجزلا صلته.


يغير مغن للرشيد شطر بيت له، فيعجب الرشيد تغييره: أخبرني محمد بن خلف قال: حدثنا العنزي قال: حدثنا أبو معاوية بن سعيد بن سالم قال: قال لي عقيد: غنيت الرشيد:

إذا المنبر الغربي خلاه ربه

ثم فطنت لخطابي، ورأيت وجه الرشيد قد تغير، قال: فتداركتها وقلت:

فإن أمير المحسنين عقيد

فطرب، وقال: أحسنت والله، بحياتي قل:

فإن أمير المؤمنين عقيد

فوالله لأنت أحق بها من يزيد بن معاوية، فتعاظمت ذلك، فحلف لا أغنيه إلا كما أمر، ففعلت، وشرب عليه ثلاثة أرطال، ووصلني صلة سنية.


تمر به امرأة له وهو ينشد من شعره، فتعقب عليه، فيضربها: أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال: حدثني عمي قال: كانت لمسكين الدارمي امرأة من منقر، وكانت فاركا كثيرة الخصومة والمماظة ، فجازت به يوماً وهو ينشد قوله في نادي قومه:

إن أدع مسكيناً فما قصرت

 

قدري بيوت الحي والجدر

فوقفت عليه تسمع حتى إذا بلغ قوله:

ناري ونار الجار واحدة

 

وإليه قبلي تنزل القدر

فقالت له: صدقت والله، يجلس جارك فيطبخ قدره، فتصطلى بناره، ثم ينزلها فيجلس يأكل وأنت بحذائه كالكلب، فإذا شبع أطعمك، أجل ولله، إن القدر لتنزل إليه قبلك، فأعرض عنها، ومر في قصيدته حتى بلغ قوله:

ما ضر جاراً لي أجاوره

 

ألا يكون لبيته سـتـر

فقلت له: أجل، إن كان له ستر هتكته، فوثب إليها يضربها، وجعل قومه يضحكون منهما وهذه القصيدة من جيد شعره .

صوت

يا فرحتا إذ صرفنا أوجه الإبل

 

نحو الأحبة بالإزعاج والعجل

نحثهن وما يؤتـين مـن دأب

 

لكن للشوق حثا ليس للإبـل

الشعر لأبي محمد اليزيدي، والغناء لسليمان، ثقيل أول بالبنصر عن عمرو، والهشامي.