أخبار بيهس ونسبه

اسمه ونسبه  بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد الله بن نائل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعيد بن كثير بن غالب بن عدي بن بيهس بن طرود بن قدامة بن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.


ويكنى أبا المقدام: شاعر فارس شجاع، من شعراء الدولة الأموية، وكان يبدو بنواحي الشام مع قبائل جرم وكلب وعذرة، ويحضر إذا حضروا، فيكون بأجناد الشام، وكان مع المهلب بن أبي صفرة في حروبه للأزارقة، وكانت له مواقف مشهورة وبلاء حسن، وبعض أخباره في ذلك يذكر بعقب أخباره في هذا الشعبر.


من هي صفراء وقد اختلف الرواة في أمر صفارء التي ذكرها في شعره هذا، فذكر القحذمي أنها كانت زوجته وولدت له ابنا، ثم طلقها، فتزوجت رجلاً من بني أسد، وماتت عنده، فرثاها. وذكر أبو عمرو الشيباني أنها كانت بنت عمه دنية، وأنه كان يهواها، فلم يزوجها، وخطبها الأسدي، وكان موسراً، فزوجها.


قال أبو عمرو: وكان بيهس بن صهيب الجرمي يهوى امرأة من قومه، يقال لها، صفراء بنت عبد الله بن عامر بن عبد الله بن نائل، وهي بنت عمه دنية، وكان يتحدث إليها، ويجلس في بيتها، ويكتم وجده بها، ولا يظهره لأحد، ولا يخطبها لأبيها؛ لأنه كان صعلوكاً لا مال له، فكان ينتظر أن يثرى، وكان من أحسن الشباب وجهاً وشارة وحديثاً وشعراً، فكان نساء الحي يتعرضن له، ويجلسن إليه ويتحدثن معه، فمرت به صفراء، فرأته جالساً مع فتاة منهن، فهجرته زماناً لا تجيبه إذا دعاها، ولا تخرج إليه إذا زارها، وعرض له سفر، فخرج إليه، ثم عاد، وقد زوجها أبوها رجلا من بني أسد، فأخرجها، وانتقل عن دارهم بها، فقال بيهس بن صهيب:

سقى دمنة صفراء كانت تحلهـا

 

بنوء الثريا طلهـا وذهـابـهـا

وصاب عليها كل أسحم هـاطـل

 

ولا زال مخضراً مريعاً جنابهـا

أحب ثرى أرض إلي وإن نـأت

 

محلك منها نبتهـا وتـرابـهـا

على أنها غضبى علي وحـبـذا

 

رضاها إذا ما أرضيت وعتابهـا

وقد هاج لي حينا فراقك غـدوة

 

وسعيك في فيفاء تعوي ذئابـهـا

نظرت وقد زال الحمول ووازنوا

 

بركوة والوادي وخفت ركابهـا

فقلت لأصحابي: أبالقرب منهـم

 

جرى الطير أم نادى بين غرابها؟

يرثي صفراء قال أبو عمرو: ثم ماتت صفراء قبل أن يدخل بها زوجها، فقال بيهس يرثيها:

هل بـالـديار الـتـي بــالـــقـــاع مـــن أحـــد

 

باق فـيسـمـع صـوت الـمــدلـــج الـــســـاري

تلـك الـمـنـازل مـن صـفــراء لـــيس بـــهـــا

 

نار تـــضـــيء ولا أصـــوات ســـمــــــار

عفـت مـعـارفــهـــا هـــوج مـــغـــبـــرة

 

تسـفـي عـلـيهـا تـراب الأبـطـــح الـــهـــاري

حتـى تـنـكـرت مـنــهـــا كـــل مـــعـــرفة

 

إلا الــرمـــاد نـــخـــيلاً بـــين أحـــجـــار

طال الـوقـوف بـهـا والـعـين تـســبـــقـــنـــي

 

فوق الـرداء بـوادي دمــعـــهـــا الـــجـــاري

إن أصــبـــح الـــيوم لا أهـــل ذوو لـــطـــف

 

ألـهـوا لـديهــم ولا صـــفـــراء فـــي الـــدار

أرعـى بـعـينـي نـجـوم الـلـيل مـرتـــقـــبـــاً

 

يا طـــول ذلـــك مـــن هـــم وإســـهــــار

فقد يكون لي الأهل الكرام وقد ألهو بصفراء ذات المنظر الواري

 

 

من المواجد أعراقاً إذا نسبت

 

لا تـحـرم الـمـال عــن ضـــيف وعـــن جـــار

لم تـلـق بـؤسـاً ولـم يضـــرر بـــهـــا عـــوز

 

ولـم تـزخـف مـع الـصـالــي إلـــى الـــنـــار

كذلـــك الـــدهـــر إن الـــدهـــر ذو غـــير

 

علـــى الأنـــام وذو نـــقـــض وإمــــــرار

قد كـاد يعـتـادنـــي مـــن ذكـــرهـــا جـــزع

 

لولا الـــحـــياء ولـــولا رهـــبة الـــعــــار

سقـي الإلـه قــبـــورا فـــي بـــنـــي أســـد

 

حول الــربـــيعة غـــيثـــاً صـــوب مـــدرار

من الـذي بــعـــدكـــم أرضـــى بـــه بـــدلاً

 

أو مـن أحـــدث حـــاجـــاتـــي وأســـراري؟

يقف وصحبه على قبرها وينشد قال أبو عمرو: واجتاز بيهس في بلاد بني أسد، فمر بقبر صفراء، وهو في موضع يقال له الأحض، ومعه ركب من قومه، وكانوا قد انتجعوا بلاد بني أسد، فأوسعوا لهم، وكان بينهم صهر وحلف، فنزل بيهس على القبر، فقال له أصحابه: ألا ترحل، فقال: أما والله، حتى أظل نهاري كله عنده، وأقضي وطراً فنزلوا معه عند قبرها، فأنشأ يقول، وهو يبكي:

ألما على قبر لصفراء فاقراً

 

السلام وقولا حينا أيها القبر

 

ومـا كـان شـيئاً غـير أن لـسـت صـابــراً

 

دعـاءك قـبـراً دونـه حـجـج عــشـــر

برابية فيها كرام أحبة على أنها إلا مضاجعهم قفر

 

 

عشية قال الركب من غرض بنا

 

تروح أبا الـمـقـدام قـد جـنـح الـعـصـر

فقـلـت لـهـم: يوم قـــلـــيل ولـــيلة

 

لصفراء قـد طـال الـتـجـنـب والـهـجـر

وبـت وبـات الـنـاس حـولـي هــجـــداً

 

كأن عـلـي الـلـيل مـن طـولـه شـهــر

إذا قـلـت هـذا حـين أهـجـــع ســـاعة

 

تطـاول بـي لـيل كـواكـبـــه زهـــر

أقـول إذا مـا الـجـنـب مـل مـكـانـــه

 

أشوك يجافي الـجـنـب أم تـحـتـه جـمـر؟

فلـو أن صـخـراً مـن عـمــاية راســـياً

 

يقاسي الذي ألـقـى لـقـد مـلـه الـصـخـر

           

قال: وأما القحذمي فإنه ذكر فيما أخبرني به هاشم بن محمد الخزاعي، عن عيسى بن إسماعيل رتينة عنه، أنه كان تزوجها، ثم طلقها بعد أن ولدت منه ابناً؛ فتزوجها رجل من بني أسد، فماتت عنده، وذكر من شعره فيها ومراثيه لها قريباً مما تقدم ذكره. وذكر أن بيهس بن صهيب كان من فرسان العرب، وكان مع المهلب بن أبي صفرة في حروبه للأزارقة. وكان يبدو بنواحي الشام مع قبائل جرم وكلب ويحضر إذا حضروا فيكون من أجناد الشام.


يتهم في قتيل قال: أبو عمرو: ولما هدأت الفتنة بعد مرج راهط، وسكن الناس مر غلام من قيس بطوائف من جرم وعذرة وكلب، وكانوا متجاورين على ماء لهم؛ فيقال: إن بعض أحداثهم نخس "بيهس" به ناقته فألقته، فاندقت عنقه، فمات؛ فاستعدى قومه عليهم عبد الملك، فبعث إلى تلك البطون من جاءه بوجوههم وذوي الأخطار منهم، فحبسهم، وهرب بيهس بن صهيب الجرمي، وكان قد اتهم أنه هو الذي نخس به، فنزل على محمد بن مروان فعاذبه، واستجاره، فأجاره إلا من حد توجبه عليه شهادة، فرضي بذلك، وقال وهو متوار عند محمد:

لقد كانت حوادث معضـلات

 

وأيام أغصت بـالـشـراب

وما ذنب المعاشر في غـلام

 

تقطر بين أحواض الجبـاب

على قوداء أفرطهـا جـلال

 

وغض فهي باقية الهـبـاب

ترامت باليدين فأرهـقـتـه

 

كما زل النطيح من القبـاب

فإني والعقاب ومـا أرجـى

 

لكالساعي إلى وضح السراب

فلما أن دنـا فـرج بـربـي

 

يكشف عن مخفقة بـبـاب

من البلدان ليس بهـا غـريب

 

تخب بأرضهـا زل الـذئاب

فظني بالـخـلـيفة أن فـيه

 

أماناً للبريء وللـمـصـاب

وأن محمداً سـيعـود يومـاً

 

ويرجع عن مراجعة العتاب

فيجبر صبيتي ويحوط جاري

 

ويؤمن بعدها أبداً صحابـي

هو الفرع الذي بنيت عـلـيه

 

بيوت الأطيبين ذوي الحجاب

قال: فلم يزل محمد بن مروان قائماً وقاعداً في أمرهم مع أخيه، حتى أمن بيهس بن صهيب وعشيرته، واحتمل دية المقتول لقيس وأرضاهم.

صوت

نزل المشيب فما له تحـويل

 

ومضى الشباب فما إليه سبيل

ولقد أراني والشباب يقودنـي

 

ورداؤه حسن علي جـمـيل

الشعر للكميت بن معروف الأسدي، والغناء لمعبد خفيف، ولحنه من القدر الأوسط، من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق.