الرباب

الرّباب آلةٌ قديمة العهد، يُستَخرَج النّغم منها بقسمة أوتارها بالأصابع، ويُجرّ عليها بقوسٍ تُشَدّ عليه خصلةٌ من شعر الخيل.

وُرِدَ ذكر الرّباب منذ عهدٍ مُتقدّمٍ يرجع إلى الجاحظ في مصنّفه "مجموعة الرّسائل"، ولكنّنا لا نستطيع أن نتحقّق من قصده بالضّبط، أكان يريد الرّباب ذا القوس أو الرّباب الذي يُعزَف بالأصابع.

يذهب صاحب "كشف الهُموم" إلى أنّ الرّباب وُجِدَ أوّل ما وُجِدَ في يد امرأةٍ من بني طيّ. وقد عَرَف العرب الجاهليّون الرّباب الذّي من نوع المُربّع، ويتألّف من هيكلٍ خشبيٍ يتفاوت شكله قربًا وبعدًا من المُربّع، ومن جلدةٍ مشدودةٍ على الوجه والظّهر، ومن عنقٍ اسطوانيٍ من الخشب أيضًا ولهُ وترٌ أو وتران من شعر النّخيل. وقد ذُكِرَ أنّه كان يُصاحب إنشاد القصائد الجاهليّة عامّةً والمراثي خاصّةً. ولعلّ أقدم شاهد عربيّ على "الرّباب الكثرى" ما أورده ابن خرداذبة الذّي قال في خطبةٍ بين يديّ الخليفة المُعتَمد: "إنّه كان للرّوم خشبة ذات خمسة أوتارٍ تُسمّى "لورَه"، وهي عين رباب العرب.

أمّا ما قاله الفارابي في تلك الآلة: "وهذه الآلة هي أيضًا من الآلات التّي تستخرج نغمها بقسمة الأوتار التي تُستعمل فيها. فربّما استُعمِلَ فيها وترٌ واحدٌ، وربّما استُعمل اثنان متساويا الغلظ، وربّما استُعمِل وتران متفاضلا الغلظ. ويُجعَل أزيَدَهُما غلظًا حاله في هذه الآلة كحال المُثلّث في العود، وحال الأنقص غلظًا في هذه الآلة كحال المُثنّى في العود".

تُعرَف هذه الآلة بإسم الجوزة في العراق فقط، وهي تسمية حديثة ترجع إلى المادّة التي يُصنَع منها الصّندوق الصّوتي وهي جوزة الهند. أمّا أقدم آلةٍ وتريّةٍ عُزِفَ عليها بالقوس في تاريخ العالم كلّه فآلةٌ هنديّةٌ يرجع عهدها إلى أكثر من خمسة آلاف عامٍ قبل الميلاد، واسمها "رافانا سترون" ذات وَتَرَين أو ثلاثة.

ويرجع للعرب فضلُ إحياء آلة القوس، حيث بدأت بالرّباب ذات الوتر الواحد ثم تقدّمت بهمّتهم، فأصبحت ذات وَتَرَين مُتساويين في الغلظ، ثم ذات وترين متفاضلين فيه، ثم أربعة أوتارٍ يتفاضل غلظُ كلّ اثنين منها على الآخَرَين، كما هو الحال في الجوزة العراقيّة.

وصف الرباب في عصرنا هذا:

- الصّندوق الصّوتي وهو عبارةٌ عن إطارٍ ارتفاعه حوالى 7سم، يُقَصّ من جوز الهند، مفتوح الطّرفين ويُلصَق على الفتحة العالية البالغ قطرها حوالى8 سم قطعةٌ من جلد السّمك أو الماعز. أمّا الفتحة السّفلى البالغ قطرها حوالى 10.5سم فتبقى مفتوحةً. وفي كثيرٍ من الأقطار الآسيويّة يُصنَع الصّندوق الصّوتي للجوزة من الخشب أو من البرونز، والقسم الأسفل منه مُغلق بعكس الجوزة العراقيّة. والجدير بالذكر أنّ صناعة آلة الجوزة من جوز الهند هي ثابتة تاريخيًا منذ أوائل القرن الخامس عشر.

- الرّقبة أو العنق عبارة عن عصًا من خشب المشمش أو النّارنج، طولها حوالى 47سم، تنتهي في الأعلى بأربعة مفاتيح (ملاوي). أمّا الطرف الأسفل من الرّقبة فهو مُتّصل بإطار الصّندوق الصّوتي. وفي أوائل القرن الخامس عشر، كانت رقبة الرّباب تُصنَع من خشب الجوز أو اللّوز. ويتّصل بالنّهاية السفلى للرّقبة قضيبٌ معدنيٌّ طوله حوالى 20سم، يخترق الصّندوق الصّوتي من الجانبين.

وتُثبّت بالقرب من نهايته السّفلى قطعةٌ معدنيّةٌ تُشدّ عليها النّهايات السّفلى للأوتار؛ وعند العزف تُرَكّز النّهاية السّفلى للقضيب المعدني على فخذ العازف.

- الأوتار وعددُها في الجوزة العراقيّة أربعةٌ، وهي مصنوعةٌ من سلكٍ فولاذيٍ ومتفاوتةٌ في الثّخانة.

 





الفارابي