أخبار صخر بن الجعد ونسبه

نسبه

صخر بن الجعد الخضري، والخضر ولد مالك بن طريف بن محارب بن خصفة بن قيس بن عيللان بن مضر، وصخر أحد بني جحاش بن سلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف، قال: وسمي ولد مالك بن طريف الخضر لسوادهم، وكان مالك شديد الأدمة. وخرج ولده إليه فقيل لهم الخضر، والعرب تسمي الأسود الأخضر.

ابن ميادة يترفع عن مهاجاته وهو شاعر فصيح من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وقد كان يعرض لابن ميادة لما انقضى ما بينه وبين حكم الخضري من المهاجاة، ورام أن يهاجيه، فترفع ابن ميادة عنه.

أخبرني بخبره علي بن سليمان الأخفش، عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، عن الزبير بن بكار مجموعاً، وأخبرني بأخبار له متفرقة الحرمي بن أبي العلاء، عن الزبير بن بكار.

وحدثني بها غيرهما من غير رواية الزبير، فذكرت كل شيء من ذلك مفرداً، ونسبته إلى راويه.

قصته مع محبوبته كأس قال الزبير فيما رواه هارون عنه: حدثني من أثق به عن عبد الرحمن بن الأحول بن الجون قال: كان صخر بن الجعد مغرما بكأس بنت بجير بن جندب، وكان يشبب بها، فلقيه أخوها وقاص، وكان شجاعا، فقال له: يا صخر، إنك تشبب بابنة عمك، وشهرتها، ولعمري ما بها عنك مذهب؛ ولا لنا عنك مرغب، فإن كانت لك فيها حاجة فهلم أزوجكها، وإن لم تكن لك فيها حاجة فلا أعلمن ما عرضت لها بذكر، ولا أسمعنه منك. فأقسم بالله لئن فعلت ذلك ليخالطنك سيفي، فقال له: بل والله إن لي لأشد الحاجة إليها، فوعده موعداً وخرج صخر لموعده، حتى نزل بأبيات القوم، فنزل منزل الضيف، فقام وقاص فذبح، وجمع أصحابه. وأبطأ صخر عنهم، فلما رأى ذلك وقاص بعث إليه: أن هلم لحاجتك، فأبطأ، ورجع الرسول فقال مثل قوله، فغضب. وعمد إلى رجل من الحي ليس يعدل بصخر، يقال له حصن، وهو مغضب لما صنع، فحمد الله وأثنى عليه، وزوجه كأس، وافترق القوم، ومروا بصخر، فأعلموه تزويج كأس بحصن، فرحل عنهم من تحت الليل، واندفع يهجوها بالأبيات التي قذفها فيها فيما قذفها، وذلك قوله حين يقول:  

وأنكحها حصناً ليطمس حملـهـا

 

وقد حملت من قبل حصن وجرت

أي زادت على تسعة أشهر، قال: وترافع القوم إلى المدينة، وأميرها يومئذ طارق مولى عثمان، قال: فتنازعوا إليه ومعهم يومئذ رجل يقال له حزم، وكان من أشد الناس على صخر شراً. قال: وفيه يقول صخر:

كفى حزناً لو يعلم الناس أنـنـي

 

أدافع كأساً عند أبـواب طـارق

أتنسين أياماً لـنـا بـسـسـويقة

 

وأيامنا بالجزع جزع الـخـلائق

ليالي لا نخشى انصداعاً من الهوى

 

وأيام حزم عنـدنـا غـير لائق

إذا قلت لا تفشي حديثي تعجرفت

 

زياداً لودها هنـا غـير صـادق

قال: فأقاموا عليه البينة بقذف كأس، فضرب الحد، وعاد إلى قومه، وأسف على ما فاته من تزويج كأس، فطفق يقول فيها الشعر.


مطولته في كأس قال الزبير: فأنشدني عمي وغيره لصخر قوله:

لقد عاود النفس الشقـية عـيدهـا

 

نعم إنه قد عاد نحساً سـعـودهـا

وعاوده من حب كـأس ضـمـانة

 

على النأي كانت هيضة تستقيدهـا

وأنى ترجيها وأصبح وصـلـهـا

 

ضعيفا وأمست همه لا يكـيدهـا

وقد مر عصر وهي لا تستزيدنـي

 

لما استودعت عندي ولا أستزيدها

فمازلت حتى زلت الـنـعـل زلة

 

برجلك في زوراء وعث صعودها

ألا قل لكأس إن عرضت لبيتـهـا

 

فأين بكا عيني وأين قصـيدهـا؟

لعل البكا يا كأس إن نفع الـبـكـا

 

يقرب دنيانـا لـنـا فـيعـيدهـا

وكانت تناهت لوعة الود بـينـنـا

 

فقد أصبحت يبساً وأذبل عـودهـا

ويروى: وقد ذاء عودها يقال: ذبل وذأى وذوى بمعنى واحد.

ليالي ذات الرمس لازال هيجهـا

 

جنوبا ولا زالت سحاب تجودهـا

وعيش لنا في الدهر إذ كان قلبه

 

يطيب لديه بخل كأس وجودهـا

تذكرت كأساً إذ سمعت حمـامة

 

بكت في ذرا نخل طوال جريدها

دعت ساق حر فاستجبت لصوتها

 

مولهة لـم يبـق إلا شـريدهـا

فيا نفس صبراً كل أسباب واصل

 

ستنمي لها أسباب هجر تبيدهـا

قال أبو الحسن الأخفش: ستنمي لها أسباب صرم تبيدها أجود.

وليل بدت للعين نار كـأنـهـا

 

سنا كوكب للمستبين خمودهـا

فقلت: عساها نار كأس وعلهـا

 

تشكى فأمضي نحوها وأعودها

فتسمع قولي قبل حتف يصيدني

 

تسر به أو قبل حتف يصيدهـا

كأن لم نكن يا كأس إلفى مودة

 

إذ الناس والأيام ترعى عهودها

من شعره في تجواله أخبرني عبد الله بن مالك النحوي، قال: حدثنا محمد بن حبيب، قال: لما ضرب صخر بن الجعد الحد لكأس، وصارت إلى زوجها ندم على ما فرط منه، واستحيا من الناس للحد الذي ضربه، فلحق بالشام، فطالت غيبته بها، ثم عاد فمر بنخل كان لأهله ولأهل كأس، فباعوه، وانتقلوا إلى الشام، فمر بها صخر ورأى المبتاعين لها يصرمونها، فبكى عند ذلك بكاء شديداً، وأنشأ يقول:

مررت على خيمات كأس فأسبلت

 

مدامع عيني والرياح تميلـهـا

وفي دارهم قوم سواهم فأسبلـت

 

دموع من الأجفان فاض مسيلها

كذاك الليالي ليس فيها بـسـالـم

 

صديق ولا يبقى عليها خليلـهـا

وقال وهو بالشام:

ألا ليت شعري هل تغير بـعـدنـا

 

عن العهد أم أمسى على حاله نجدُ؟

وعهدي بنجد منذ عشـرين حـجة

 

ونحن بدنيا ثم لم نلـقـهـا بـعـد

به الخوصة الدهماء تحت ظلالهـا

 

رياض بها الحوذان والنفل الجعـد

قال: ومر على غدير كانت كأس تشرب منه ويحضره أهلها ويجتمعون عليه، فوقف طويلاً عليه يبكي وكان يقال لذلك الغدير جنان فقال صخر:

بليت كما يبلى الرداء ولا أرى

 

جناناً ولا أكناف ذروة تخلق

ألوى حيازيمي بهن صـبـابة

 

كما تتلوى الحية المتشـرق

تموت كأس فيرثيها أخبرني عبد الله بن مالك، عن محمد بن حبيب، قال: قال السعيدي: حدثني سبرة مولى يزيد بن العوام، قال:  

كان صخر بن الجعد المحاربي خدنا لعوام بن عقبة، وكان عوام يهوى امرأة من قومه، يقال لها: سوداء، فماتت، فرثاها، فلما سمع صخر بن الجعد المرثية، قال: وددت أن أعيش حتى تموت كأس، فأرثيها، فماتت كأس، فقال:

على أم داود السـلام ورحـمة

 

من الله يجري كل يوم بشيرهـا

غداة غدا الغادون عنها وغودرت

 

بلماعة القيعان يستن موردهـا

وغيبت عنها يوم ذاك وليتـنـي

 

شهدت فيحوى منكبي سريرها

ويروى: فيعلو منكبي.

نزت كبدي لما أتاني نـعـيهـا

 

فقلت: أدان صدعها فمطيرها؟

أمير المؤمنين يسأل عن قائل شعره أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثني الزبير، قال: حدثني خالد بن الوضاح قال: قال عبد الأعلى بن عبيد بن محمد بن صفوان الجمحي لعبد الله بن مصعب: سألني أمير المؤمنين اليوم في موكبه: من الذي يقول:

ألا يا كأس قد أفنيت شعري

 

فلست بقائل إلا رجيعـا؟

ولم أدر لمن الشعر؟ فقال عبد الله بن مصعب: هو لصخر الخضري، وأنشد باقي الأبيات، وهي:

ترجىة أن تلاقي آل كـأس

 

كما يرجو أخو السنة الربيعا

فلست بـنـائم إلا بـحـزن

 

ولا مستيقظا إلا مـروعـا

فإنك لو نظرت إذا التقـينـا

 

إلى كبدي رأيت بها صدوعا

من شعره حينما ندم على عدم زواجها قال ابن حبيب في رواية عبد الله بن مالك: لما زوجت كأس جزع صخر بن الجعد لما فرط منه وندم وأسف، وقال في ذلك:

هنيئاً لكأس قطعها الحبل بعدما

 

عقدنا لكأس موثقاً لا نخونهـا

وإسماتها الأعداء لما تـألـبـوا

 

حوالي واشتدت علي ضغونها

فإن حراماً أن أخونك ما دعـا

 

بيليل قمري الحمام وجونـهـا

وقد أيقنت نفسي لقد حيل دونها

 

ودونك لو يأتي بيأس يقينـهـا

ولكن أبت لا تستفيق ولا تـرى

 

عزاء ولا مجلود صبر يعينهـا

لو أنا إذ الدنيا لنا مـطـمـئنة

 

دحا ظلها ثم ارجحنت غصونها

لهونا ولكنا بغـرة عـيشـنـا

 

عجبنا لدنيانا فكدنا نعـينـهـا

وكنا إذا نحن التقينا وما نـرى

 

لعينين إلا من حجاب يصونهـا

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننـا

 

وأوساطها حتى تمل فنونـهـا

تراه كأس في النوم قال ابن حبيب: أرسلت كأس بعد أن زوجت إلى صخر بن الجعد تخبره أنها رأته فيما يرى النائم: كأنه يلبسها خماراً، وأن ذلك جدد لها شوقاً إليه وصبابة، فقال صخر:

أنائل ما رؤيا زعـمـت رأيتـهـا

 

لنا عجب لو أن رؤياك تـصـدق

أنائل لولا الود مـا كـان بـينـنـا

 

نضاً مثل ما ينضو الخضاب فيخلق

يشتري نسيئة ثم يهرب من البائع أخبرنا حبيب بن نصر، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثني محمد بن عبد الله البكري، قال: قدم صخر بن الجعد الخضري المدينة، فأتى تاجراً من تجارها، يقال له سيار فابتاع منه براً وعطراً، وقال: تأتينا غدوة فأقضيك، وركب من تحت ليلته، فخرج إلى البادية، فلما أصبح سيار سأل عنه؛ فعرف خبره، فركب في جماعة من أصحابه في طلبه، حتى أتوا بئر مطلب، وهي على سبعة أميال من المدينة، وقد جهدوا من الحر، فنزلوا عليها، فأكلوا تمراً كان معهم، وأراحوا دوابهم وسقوها، حتى إذا برد النهار انصرفوا راجعين، وبلغ الخبر صخر بن الجعد، فقال:

أهون علـي بـسـيار وصـفـوتـه

 

إذا جـعـلـت صـراراً دون سـيار

إن القضـاء سـيأتـي دونـه زمـن

 

فاطو الصحيفة واحفظها من الـعـار

يسائل الناس هل أحسنـتـم جـلـبـاً

 

محاربيا أتى مـن نـحـو أظـفـار

وما جلـبـت إلـيهـم غـير راحـلة

 

وغير رحل وسـيف جـفـنة عـار

ومـا أريت لـهـم إلا لأدفـعـهــم

 

عني ويخرجني نقضـي وإمـراري

حتى استغاثوا بأروى بئر مـطـلـب

 

وقد تحرق مـنـهـم كـل تـمـار

وقال أولهـم نـصـحـاً لآخـرهـم:

 

ألا ارجعوا واتركوا الأعراب في النار

جاريته تخدعه  

أخبرني عبد الله بن مالك، عن محمد بن حبيب، قال: حدثنا ابن الأعرابي، قال: كان الجعد المحاربي أبو صخر بن الجعد قد عمر حتى خرف، وكان يكنى أبا الصموت؛ وكانت له وليدة يقال لها سمحاء، فقالت له يوماً: يا أبا الصموت، زعم بنوك أنك إن مت قتلوني، قال: ولم؟ قالت: مالي إليهم ذنب غير حبي لك، فأعتقها على أن تكون معه، فمكثت يسيراً، ثم قالت له: يا أبا الصموت، هذا عرابة من أهل المعدن يخطبني، قال: أين هذا مما قلت لي؟ قالت: إنه ذو مال، وإنما أردت ماله لك، قال: فأتني به، فأتته فزوجه إياها، فولدت له أولاداً، وقوته بما كانت تصيبه من الجعد، وكانت تأتي الجعد في أيام، فتخضب رأسه، ثم قطعته، فأنشأ الجعد يقول:

أمسى عـرابة ذا مـال وذا ولـد

 

من مال جعد وجعد غير محمود

تظل تنشقه الكافـور مـتـكـئاً

 

على السرير وتعطيني على العود

من قوله لامرأته قال والجعد هو القائل لامرأته:

تعالجني أم الـصـمـوت كـأنـمـا

 

تداوي حصاناً أوهن العظم كـاسـره

فلا تعجبي أم الـصـمـوت فـإنـه

 

لكل جواد معـثـر هـو عـاثـره

وقد كنت أصطاد الظبـاء مـوطـئاً

 

وأضرب رأس القرن والرمح شاجره

فأصبحت مثل العش طارت فراخـه

 

وغودر في رأس الهشـيمة سـائره

أولاده يرثونه حيا فلما كبر حمله بنوه، فأتوا به مكة، وقالوا له: تعبد هاهنا، ثم اقتسموا المال، وتركوا له منه ما يصلحه، فقال:

ألا أبلغ بني جـعـد رسـولا

 

وإن حالت جبال الغور دوني

فلم أر معشراً تركوا أبـاهـم

 

من الآفاق حيث تركتمونـي

فإني والروافض حول جمـع

 

ومحطمهن من حصبا الحجون

لو أني ذو مدافعة وحـولـي

 

كما قد كنت أحياناً كمـونـي

إذا لمنعتكم مالي ونـفـسـي

 

بنصل السيف أو لقتلتمـونـي

يعيا وعبده حاضر البديهة وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان البكري، عن عروة بن زيد الخضري، عن أبيه، قال: كنت في ركب فيهم صخر بن الجعد، ودرن مولى الخضريين معنا، ونحن نريد خيبر، فنزلنا منزلاً تعشينا فيه، فهيجنا إبل صخر، فلما ركبنا ساق بنا واندفع يرجز، ويقول:

لقد بعثت حاديا قراصفا

فردّده قطعاً من الليل لا ينفده، ولا يقول غيره، ثم قال لنا: إني نسيت عقالا، فرجع يطلبه في المتعشى، ونزل درن يسوق بالقوم، فارتجز درن ببيت صخر، وقال:

لقد بعثت حادياً قراصـفـا

 

من منزل رحلت عنه آنفـا

يسوق خوصاً رجفاً حواجفا

 

مثل القسي تقذف المقاذفـا

حتى ترى الرباعي العتارفا

 

من شدة السير يزجى واجفا

قال: فأدركه صخر، وهو في ذلك، فقال له: يا بن الخبيثة أتجترىء على أن تنفذ بيتا أعياني؟ فقاتله، فضربه، حتى نزلنا، ففرقنا بينهما.

صوت

إذا سرها أمر وفيه مسـاءتـي

 

قضيت لها فيما تحب على نفسي

وما مر يوم أرتجي منـه راحة

 

فأذكره إلا بكيت على أمـسـي

الشعر لأبي حفص الشطرنجي، والغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو.