أخبار عتيبة ونسبه

اسمه ونسبه عتيبة بن مرداس أحد بني كعب بن عمرو بن تميم، لم يقع إلي من نسبه غير هذا، وهو شاعر مقل غير معدود في الفحول، مخضرم ممن أدرك الجاهلية والإسلام هجاء خبيث اللسان بذي.


لماذا لقب بابن فسوة؟ وابن فسوة لقب لزمه في نفسه، ولم يكن أبوه يلقب بفسوة، إنما لقب هو بهذا، وقد اختلف في سبب تلقيبه بذلك، فذكر إسحاق الموصلي عن أبي عمرو الشيباني: نسخت ذلك من كتاب إسحاق بخطه.


أن عتيبة بن مرداس كان فاحشاً كثير الشر قد أدرك الجاهلية، فأقبل ابن عم له من الحج، وكان من أهل بيت منهم يقال لهم: بن فسوة، فقال لهم عتيبة: كيف كنت يا بن فسوة؟ فوثب مغضباً، فركب راحلته وقال: بئس لعمر الله ما حييت به ابن عمك، قدم عليك من سفر، ونزل دارك! فقام إليه عتيبة مستحيياً، وقال له؛ لا تغضب يا بن عم، فإنما مازحتك! فأبى أن ينزل، فقال له: انزل وأنا أشتري منك هذا الاسم فأتسمى به، وظن أن ذلك لا يضره، قال: لا أفعل أو تشتريه مني بمحضر من العشيرة. قال: نعم فجمعهم وأعطاه برداً وجملا وكبشين، وقال لهم عتيبة: اشهدوا أني قد قبلت هذا النبز وأخذت الثمن، وأني ابن فسوة، فزالت عن ابن عمه يومئذ، وغلبت عليه وهجي بذلك، فقال فيه بعض الشعراء:

أودى ابن فسوة إلا نعته الإبلا

وعمر عمراً طويلاً، وإنما قال:

أودى ابن فسوى إلا نعته الإبلا

لأنه كان أوصف الناس لها، وأغراهم بوصفها، ليس له كبير شعر إلا وهو مضمن وصفها.


تخريج آخر لهذا اللقب وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: إنما سمي عتيبة بن مرداس بن فسوة، لأنه كان له جار من عبد القيس، فكان يتحدث إلى ابنته، وكان لها حظ من جمال، وكانت تعجبه ويهيم بها، فكان أحداث بني تميم، إذا ذكروا العبدي، قالوا: قال ابن فسوة، وفعل ابن فسوة، فأكثروا عليه من ذلك حتى مل فعمل على التحول عنهم، وبلغ ذلك عتيبة، فأتاه فطلب إليه أن يقيم، وأن يحتمل اسمه، ويشريه منه ببعير، فلم يفعل، قال: العبدي: فتحولت عنهم وشاع في الناس أنه قد ابتاع مني وغلب عليه، فأنشأ عتيبة يقول من كلمة له:

وحول مولانا علينا اسـم أمـه

 

ألا رب مولى ناقص غير زائد

ابن عباس ينهره أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثنا أحمد بن الحارث قال: حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي وابن دأب وابن جعدبة، قالوا: أتى عتيبة بن مرداس - وهو ابن فسوة - عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو عامل لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه على البصرة، وتحته يومئذ شميلة بنت جنادة بن بنت أبي أزهر الزهرانية، وكانت قبله تحت مجاشع ابن مسعود السلمي، فأستأذن عليه، فأذن له، وكان لا يزال يأتي أمراء البصرة فيمدحهم، فيعطونه، ويخافون لسانه، فلما دخل على ابن عباس قال له: ما جاء بك إلي يا بن فسوة؟ فقال له: وهل عنك مقصر أو رواءك معدي؟ جئتك لتعينني على مروءتي، وتصل قرابتي، فقال له ابن عباس: وما مروءة من يعصي الرحمن ويقول البهتان ويقطع ما أمر الله به أن يوصل؟ والله لئن أعطيتك لأعيننك على الكفر والعصيان، انطلق فأنا أقسم بالله لئن بلغني أنك هجوت أحداً من العرب لأقطعن لسانك. فأراد الكلام، فمنعه من حضر، وحبسه يومه ذلك، ثم أخرجه عن البصرة.


الحسن وابن جعفر يصلانه خشية لسانه فوفد إلى المدينة بعد مقتل علي رضي الله عنه، فلقي الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، فسألاه عن خبره مع ابن عباس عليه السلام فأخبرهما، فاشتريا عرضه بما أرضاه، فقال عتيبة يمدح الحسن وابن جعفر رضي الله عنهما ويلوم ابن عباس رضي الله عنهما

أتيت ابن عباس فلم يقض حاجـتـي

 

ولم يرج معروفي ولم يخشى منكري

حبست فلم أنطق بـعـذر لـحـاجة

 

وسد خصاص البيت من كل منظـر

وجئت وأصوات الـخـصـوم وراءه

 

كصوت الحمام في القليب المغـور

وما أنا إذ زاحمت مصـراع بـابـه

 

بذي صولة ضـار، ولا بـحـزور

فلو كنت من زهران لم ينس حاجتـي

 

ولكنني مولى جميل بن مـعـمـر

وكان حليفاً لجميل بن معمر القرشي :

وباتت لعبد الله من دون حاجتـي

 

شميلة تلهو بالحديث المقـتـر

ولم يقترب من ضوء نار تحثهـا

 

شميلة إلا أن تصلي بمجـمـر

تطالع أهل السوق والباب دونها

 

بمستفلك الذفري أسيل المدثـر

إذا هي همت بالخروج يردهـا

 

عن الباب مصراعا منيف مجير

وجدت بخط إسحق الموصلي مجير: محير. والمحير: المصهرج. والحيار: الصهروج

فليت قلوصي عريت أو رحلتها

 

إلى حسن في داره وابن جعفر

إلى ابن رسول الله يأمر بالتقـى

 

وللدين يدعو والكتاب المطهـر

إلى معشر لا يخصفون نعالهـم

 

ولا يلبسون السبت، ما لم يخصر

فلما عرفت البأس منه وقد بدت

 

أيادي سبا الحاجات للمتـذكـر

تسنمت حرجوجاً كأن بغامـهـا

 

أحيح ابن ماء في يراع مفجـر

فمازلت في التسيار حتى أنحتها

 

إلى ابن رسول الأمة المتخـير

فلا تدعني إذ رحلـت إلـيكـم

 

بني هاشم أن تصدروني بمصدر

وهي قصيدة طويلة، هذا ذكر في الخير منها.
وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد الله بن عمار، عن عمر بن شبة، عن المدائني مثل ما مضى أو قريباً منه، ولم يتجاوز عمر بن شبة المدائني في إسناده.


عامر بن الكريز ينهره أيضاً أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال: قال ابن الأعرابي: كان عتيبة بن مرداس السلمي شاعراً خبيث اللسان مخوف المعرة في جاهليته وإسلامه، وكان يقدم على أمراء العراق وأشراف الناس، فيصيب منهم بشعره، فقدم على أبن عامر بن كريز - وكان جواداً - فلما استؤذن له عليه أرسل إليه: إنك والله ما تسأل بحسب ولا دين ولا منزلة، وما أرى لرجل من قريش أن يعطيك شيئاً، وأمر به فلكز وأهين فقال ابن فسوة:

وكائن تخطت ناقتي وزميلـهـا

 

إلى ابن كريز من نحوس وأسعد

وأغبر مسحول التراب ترى لـه

 

حيا طردته الريح من كل مطرد

لعمرك إني عند باب ابن عامـر

 

لكالظبي عند الرمية المـتـردد

فلم أر يوماً مثله إذ تكـشـفـت

 

ضبابته عـنـي ولـمـا أقـيد

ثم يطيب خاطر فبلغ قوله ابن عامر، فخاف لسانه وما يأتي به بعد هذا ورجع له، وأحسن القوم رفده، وقالوا: هذا شاعر فارس وشيخ من شيوخ قومه واليسير يرضيه، فقال: ردوه فرد، فقال له: إيه يا عتيبة، أردد علي ما قلت، فقال: ما قلت إلا خيراً قال: هاته فقال: قلت:

أتعرف رسم الدار من أم معبـد

 

نعم فرماك الشوق قبل التجلـد

فيا لك من شوق ويا لك عبـرة

 

سوابقها مثل الجمان الـمـبـدد

وكائن تخطت ناقتي وزميلـهـا

 

إلى ابن كريز من نحوس وأسعد

فتى يشتري حسن الثناء بمـالـه

 

ويعلم أن المرء غير مـخـلـد

إذا ما ملمات الأمور اعتـرينـه

 

تجلى الدجى عن كوكب متوقـد

فتبسم ابن عامر وقال: لعمري ما هكذا قلت، ولكنه قول مستأنف، وأعطاه حتى رضي وانصرف.
ابن الأعرابي يستحسن أبياتاً له قال: وأنشدنا ابن الأعرابي له بعقب هذا الخبر، وكان يستحسن هذه الأبيات ويستجيدها:

منعمة لم يغذهـا أهـل بـلـدة

 

ولا أهل مصر فهي هيفاء ناهد

فريعت فلم تخبا ولكـن تـأودت

 

كما انتص مكحول المدامع فارد

وأهوت لتنتاش الرواق فلم تـقـم

 

إليه ولكن طـأطـأتـه الـولائد

قليلة لحم النـاظـرين يزينـهـا

 

شباب ومخفوض من العيش بارد

تناهى إلى لهو الحديث كأنـهـا

 

أخو سقم قد أسلمتـه الـعـوائد

ترى القرط منها في قناة كأنهـا

 

بمهلكة لولا البرا والمـعـاقـد

يرثي صريعاً في بئر وقال أبو عمرو والشيباني: أغار رجل من بني تغلب يقال له الهذيل بعقب مقتل عثمان على بني تميم، فأصاب نعماً كثيراً، فورد بها ماء لبني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم يقال له سفار، فإذا عليه الأسود وخالد ابنا نعيم بن قعنب بن الحارث بن عمرو بن همام بن رباح في إبل لهما قد أورداها، فأراد الهذيل أخذها، فتفرقت، فتفرق أصحابه في طلبها، وهو قائم على رأس ركية من سفار، فرماه أحدهما فقتله فوقع في الركية فكانت قبره. ويقال: بل رماه عبد أسود لمالك ابن عروة المازني، فقال عتيبة بن مرداس الذي يقال له ابن فسوة في ذلك:

من مبلغ فتيان تغـلـب أنـه

 

خلال للهذيل من سفار قليب؟

إذا صوت الأصداء وسطـهـا

 

فتى تغلبي في القليب غريب

فأعددت يربوعاً لتغلب إنـهـم

 

أناس غذتهم فتـنة وحـروب

حويت لقاح ابني نعيم بن قعنب

 

وإنك إن أحرزتها لكـسـوب

بشر بن كهف ينهره وقال أبو عمرو أيضاً: كان عبد الله بن عامر بن كريز قد تزوج أخت بشر بن كهف أحد بني خزاعة بن مازن، فكان أثيراً عنده، واستعمله على الحمى، فسأله ابن فسوة أن يرعيه فأبى، ومنعه، وطرد إبله، فقال في ذلك:

من يك أرعاه الحـمـى أخـواتـه

 

فما لي من أخت عوان ولا بـكـر

وما ضرها أن لم تكن رعت الحمى

 

ولم تطلب الخير الممنع من بـشـر

متى يجيء يوماً إلى المـال وارثـي

 

يجد قبض كف غير ملأى ولا صفر

يجد مهرة مثل الـقـنـاة طـمـرة

 

وعضب إذا ما هز لم يرض بالهبر

فإن تمنعوا منها حـمـاكـم فـإنـه

 

مباح لها ما بين إنبـط فـالـكـدر

إذا ما امرؤ أثنى بفضل ابن عـمـه

 

فلعنة رب العالمين علـى بـشـر

يسرقون ثيابه؛ فيستعدي قومه عليهم  وقال أبو عمرو الشيباني، ونسخته أيضاً من خط إسحاق الموصلي، وجمعت الروايتين: إن ابن فسوة نزل ببني سعد بن مالك من بني قيس بن ثعلبة، وبات بهم، ومعه جارية له يقال لها جوزاء، فسقروا عيبة له فيها ثيابه وثياب جاريته، فرحل عنهم، فلما عاد إلى قومه أعلمهم ما فعله به بنو سعد بن مالك. فركب معه فرسان منهم حتى أغاروا على إبل لبني سعد فأخذوا منها صرمة، واستاقوها فدفعوها إليه، فقال يمدح قومه ويهجو بني سعد بقوله:

جزى الله قومي من شفيع وشاهد

 

جزاء سليمان النبي المـكـرم

هم القوم لا قوم ابن دارة سالـم

 

ولا ضابئ إذ أسلما شر مسلـم

وما عيبة الجوزاء إذ غدرت بها

 

سراة بني قيس بسر مـكـتـم

إذا ما لقيت الحي سعد بن مالـك

 

على زم فانزل خائفاً أو تـقـدم

أناس أجارونا فكان جـوارهـم

 

شعاعاً كلحم الجازر المتقـسـم

لقد دنست أعراض سعد بن مالك

 

كما دنست رجل البغي من الدم

لهم نسوة طلس الثياب مواجـن

 

ينادين من يبتاع عوداً بـدرهـم

إذا أيم قيسية مـات بـعـلـهـا

 

وكان لها جار فلـيسـت بـأيم

يمشي ابن بشر بينهن مقـابـلا

 

بأير كإير الأرجحي المـخـرم

إذا راح من أبياتهـن كـأنـمـا

 

طليت بتنوم قفـاه وخـمـخـم

وفيه رواية إسحاق:

تسوق الجواري منخراه كأنما

 

دلكن بتنوم قفاه وخمـخـم

صوت

قال طال شوقي وعادني طري

 

من ذكر خود كريمة النسـب

غراء مثل الهلال صورتـهـا

 

أو مثل تمثال صورة الذهـب

ويروى: "بيعة الرهب" الشعر لعبد الله بن العجلان النهدي، والغناء لمالك ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالسبابة في مجري الوسطى عن إسحاق، وله فيه أيضاً خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو، وذكر الهشامي أنه لابن مسحج.