أخبار أحمد بن يوسف

هو أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب، وأصله من الكوفة، وكان مذهبه الرسائل والإنشاء، وله رسائل معروفة، وكان يتولى ديوان الرسائل للمأمون، ويكنى أبا جعفر، وكان موسى بن عبد الملك غلامه وخريجه، فذكر محمد بن داود بن الجراح أن أحمد بن سعيد حدثه عن موسى بن عبد الملك: قال: وهب لي أحمد بن يوسف ألفي ألف درهم تفاريق عن ظهر يد.


وأخوه القاسم بن يوسف أبو محمد شاعر مليح الشعر، وكان ينتمي إلى بني عجل، ولم يكن أخوه أحمد يدعي ذلك.
وكان القاسم قد جعل وكده في مدح البهائم ومراثيها فاستغرق أكثر شعره في ذلك، منها قوله يرثي شاة:

عين بكي لعنزنا الـسـوداء

 

كالعروس الأدماء يوم الجلاء

وقوله في الشاهمرك :

أقفرت منك أبا سعد عراص وديار

وقوله في السنور:

ألا قل لمـجة أو مـاردة

 

تبكي على الهرة الصائدة

وقوله في القمري :

هل لامرئ من أمان

 

من طارق الحدثان؟

أخبرني محمد بن خلف وكيع: قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد: قال: حدثني رجل من ولد عبد الملك بن صالح أن الهشامي قال:  

كان أحمد بن يوسف قد تبنى جارية للمأمون اسمها مؤنسة، فأراد المأمون أن يسافر ويحملها ،فكتب إليه أحمد بن يوسف بهذا الشعر على لسانها، وأمر بعض المغنين، فغناه به، فلما سمعه وقرأ الكتاب أمر بإخراجها إليه، وهو:

قد كان عتبك مرة مكتوما

وقال محمد بن داود: حدثني أحمد بن أبي خيثمة الأطروش قال: عتب أحمد بن يوسف على جارية له، فقال:

وعامل بالفجور يأمر بالبر كهاد يخوض في الظلم

 

أو كطبيب قد شفه سقم

 

وهـو يداوي مـن ذلـك الـــســـقـــم

يا واعـظ الـنـاس غـير مـــتـــعـــظ

 

نفـسـك طـهـر أولاً فـــلا تـــلـــم

ووجدت في بعض الكتب بلا إسناد: عتب المأمون على مؤنسة، فخرج إلى الشماسية متنزهاً، وخلفها عند أحمد بن يوسف الكاتب فرجت أن يذكرها إذا صار في متنزهه ، فيرسل في حملها، فلم يفعل، وتمادى في عتبه، فسألت أحمد بن يوسف لأن يقول على لسانها شعراً ترفعه فقال:

يا سيداً فقده أغرى بي الحزنـا

 

لا ذقت بعدك لا نوماً ولا وسنا

لا زلت بعدك مطويا على حرق

 

أشنا المقام وأشنا الأهل والوطنا

ولا التذذت بكأس في مـنـادمة

 

مذ قيل لي: إن عبد الله قد ظعنا

ولا أرى حسناً تبدو محاسـنـه

 

إلا تذكرت شوقاً وجهك الحسنا

وبعثت به إلى إسحاق الموصلي، فغناه به، وقيل: بل بعثت به إلى سندس، فغنته به؛ فاستحسن ذلك، وقال: لمن هذا الشعر؟ فقال أحمد بن يوسف: لمؤنسة يا سيدي تترضاك، وتشكو البعد منك ،فركب من ساعته، حتى ترضاها، ورضي عنها.
ووجدت في هذا الكتاب قال: كنا مع أحمد بن يوسف الكاتب في مجلس؛ وعندنا قينة، فتحلاها أحمد بن يوسف، فكتب إلى صاحب المنزل:

أنا رهن لـلـمـنـايا

 

بين إبرام ونـقـض

من هوى ظبي غرير

 

مونق المنظر غـض

ليتها جـادت بـتـق

 

بيل لخديهـا وعـض

إن عجزتم عن شراها

 

لي بفرض أو بقرض

فتمنوا لي جـمـيعـاً

 

أنها قبر لبعـضـي

أخبرني عمي: قال: حدثنا الحسن بن عليل: قال: ذكر مسعود بن أبي بشر أن أحمد بن يوسف دخل يوماً على الفضل بن سهل أو أخيه في يوم دجن، فأطال مخاطبته، وكان أحمد بن يوسف آنساً به، ففتح دواته وكتب إليه:

أرى غيماً تؤلفه جـنـوب

 

وأحسبه سيأتينا بـهـطـل

فوجه الرأي أن تدعو برطل

 

فتشربه وتدعو لي برطـل

ودفعها إليه فقرأهما، وضحك، وقال: إن كان هذا عين الرأي قبلناه، ولم نرده، ثم دعا بالطعام والشراب، فأتموا يومهم.


الغناء في هذين البيتين للقاسم بن زرزور ثاني ثقيل بالوسطى.


ومما يغني فيه من شعره.

صد عني محمد بن سعيد

 

أحسن العالمين ثاني جيد

ليس من جفوة يصد ولكن

 

يتجنى لحسنه في الصدود

الغناء فيه لزرزور خفيف رمل، ذكر ذلك إبراهيم بن القاسم بن زرزور عن أبيه، ومحمد بن سعيد هذا كان من أولاد الكتاب بسر من رأى، وكان أحمد يتعشقه.
ومن شعره الذي يغني فيه:

كم ليلة فيك لا صباح لـهـا

 

أحببتها قابضاً على كبـدي

قد غصت العين بالدموع وقد

 

وضعت خدي على بنان يدي

كأن قلبـي إذا ذكـرتـكـم

 

فريسة بين ساعـدي أسـد

الغناء لشارية من رواية طباع، وفيه خفيفي رمل، ذكر حبش أنه لأحمد النصيبي، وهو خطأ يشبه أن يكون لأحمد بن صدقة أو بعض طبقته.

الراح والندمان أحسن منظراً

 

في كل ملتف الحدائق رائق

فإذا جمعت صفاءه وصفاءها

 

فارجم بكل ملمة من حالق

الشعر للعطوي، والغناء لبنان ثقيل أول بالوسطى، وفيه لذكاء وجه الرزة خفيف ثقيل.