الصنج (الجنك أو الهارب)

الصّنج هو آلةٌ وَتَريّةٌ تُغمَز أوتارها بالأنامل. ونذكر أنّ اللاّعب بالصّنج هو الصنّاج أو الصنّاجة. وسُمّي الأعشى "صنّاجة العرب" لجودة شعره. ويقول الأعشى ذاكرًا الصّنج:

"ترى الصّنج يبكي له شجوّه          مخافةً أنّ سوف يُدعى بها"

تَستعمل الكُتب العربيّة والحديثة الكلمة الفارسية "جَنك" (بفتح الجيم وتسكين النّون) للدّلالة على الآلة الوتريّة التي تُعرَف في الإنكليزية بإسم "الهارْب".

تاريخ هذه الآلة، كما تثبته الشّواهد الأثرية، قديم وطويل، حيث إنّ أقدم ظهورٍ لها في العراق عند السّومرييّن في حدود ثلاثة آلاف سنةٍ قبل الميلاد. واستمرّ استعمالها في العصور اللاّحقة للسّومريين وفي العصور الإسلاميّة في أقطار العالم الإسلاميّ المُختلفة، من الأندلس غربًا إلى إيران وأواسط آسيا شرقًا.

وتذكر بعض المراجع أنّ آلة الصّنج الوتريّ أو الهارب هي آلةٌ مصريّةٌ بحتةٌ عرفها قدماء المصرييّن منذ الأُسَر الفرعونيّة الأولى، وهي أقدم الآلات الوتريّة عندهم. بل كانت هي الآلة الوتريّة الوحيدة التي عرفتها الدّول القديمة واتّخذتها أحد العناصر الثّلاثة الأساسية التّي تتألّف منها الفرقة الموسيقيّة حينذاك، وهي: المُغنّي والعازف بالصّنج والزّامر بالنّاي.

تتألّف آلة الصّنج من ثلاثة أجزاءٍ رئيسة: الصّندوق المُصوّت والرّقبة والأوتار. وتختلف عن سائر الآلات الوتريّة في أنّ أوتارها تنزلُ عموديًا على صندوقها المُصوّت. ثم تطوّرت هذه الآلة عند قدماء المصريين. وأرقى ما وصلت إليه صناعتها في عهد الأسرة العشرين، ويشهد بذلك نقشٌ لآلتين من هذا النّوع في نقوش هذه الأُسرة بمقبرة "رمسيس الثّالث".

وعبر هذا التّاريخ الطّويل للجنك، وهي أقدم الآلات الوتريّة إطلاقًا، نُلاحظ تنوّعًا في شكلها. إنّ أقدم وأوّل شكلٍ للآلة هو الجنك المقوّس، وهو النّوع الذي أجمع عُلماء الموسيقى بأنّه قد تطوّر من قوس الرّماية.

والشّكل الثّاني للهارب هو الذي يأخذ شكل الزّاوية التي تنشأ من جرّاء اتّصال الرّقبة الحاملة للأوتار مع الصّندوق الصّوتي. وظَهَر هذا النّوع في العراق، في العصر البابلي القديم، في حدود سنة 1950 ق.م؛ كما عرف قدماء المصرييّن أنواعًا مُختلفةً من هذه الآلة، أهمّها الصّنج المُنحني وذو الحامل والكتف والزّاوي... وأوتار هذه الأنواع كلّها تعزف مُطلقًا.

ثمّ انتشرت هذه الآلات في سائر الممالك القديمة وانتقلت منها إلى أوروبا في العصور الوسطى. وشغف بالعزف عليها جماعات التّروبادور والميناسنجر. وقامت أوروبّا بإدخال تحسيناتٍ على هذه الآلة، مثل الدّوَسات الفردية ثم الزّوجية، وعندئذ دخلت إلى الفِرَق السّمفونيّة.

 



الأعشى