مخطوطات بحر الميت

صدف ان وجد ولداً راعيًا عام 1947 في كهف قرب الشاطىء الشمالي الغربي من البحر الميت في فلسطين لفافات قديمة من جلد . ولما لم يعرف قيمة هذه اللفائف او حقيقتها قام ببيعها بثمن زهيد جداً . ولما عرف علماء الآثار بهذه اللقية إستعانوا ببعض الرعاة المحليين وجمعوا أكثر من اربعمئة مخطوطة يعود تاريخها الى القرن الاول ميلادي . ووجدت في هذه المخطوطات كل أسفار العهد القديم بإستثناء سفر أستير . كما وجد ايضا كتيب يتضمن كل احكام مجتمع الاسينيين ومعتقداتهم . وكانت هذه اللفائف مخبأة في جرار في كهوف لحمايتها من الجيش الروماني الذي كان يهاجم اليهود سنة 86 م .

ظلت هذه المخطوطات او الرقوق محفوظة طيلة هذا الزمن الطويل بفضل المناخ الدافىء والخالي من الرطوبة . وكانت غالبيتها مكتوبة باللغتين العبرية والارامية . وتبين من النسخ ان النص العبري المتداول كان منتشراً في القرن الاول للميلاد وربما قبله .

تحتوي المخطوطات التي تركتها جماعة قمران ، وهم من الاسينيين ، على تفاسير لاجزاء من أسفار العهد القديم، وتمكن المفسرون من شرح اسماء الاعلام القديمة ، من اشخاص او اماكن. وبفضل هذا التفسير وضح ان قائد الجماعة الاول المدعو " معلم البر " اختلف مع اغلب اليهود حول مواقيت الاعياد الرئيسة فانسحب من اوراشليم
القدس وأنشأ في قمران جماعة منظمة . وقمران هذه تقع على مقربة من الركن الشمالي الغربي للبحر الميت بفلسطين.

تدعو جماعة قمران اعداءها " ابناء الظلمة " وتعتبر افرادها " ابناء النور " . وكانت الجماعة تنتظر اليوم الذي يجىء فيه المسيح او المسيا المخلص المرسل من عند الله لينصرها على اعدائها . غير ان امال جماعة قمران خابت . فمسيَاهم لم يأت والرومان اجبروا جماعتهم على الانفراط .

ومن مخطوطات البحر الميت نعرف ان أهل هذه الجماعة كانوا اقلية يهودية امينة لعهد الله . وكانوا ينظرون الى بقية اليهود ، بل وحتى الى الهيكل والكهنة ، على انهم غير امناء . وكانوا يؤكدون ، ككل الاسينيين ، سيادة الله على العالم ويتطلعون الى يوم تحل فيه كارثة في التاريخ . وتعطينا الرقوق نظرة فيها بعض الوضوح عن كيفية تعامل المسيح واتباعه مع اسفار العهد القديم . ومنها يظهر ان
المسيح وبخ قادة اليهود على تقيدهم بحرفية الشريعة من دون فهم ابعادها الحقيقية .

تظهر لفائف قمران مدى تزمت هذه الفرقة اليهودية بعكس ما كانت تدعي . فالعصائب التي وجدت بين الرقوق تدلنا على هذا الواقع . فقد كان من عادات جماعة قمران ان يربطوا وصايا الله على جباههم وسواعدهم ، وكانوا يكتبون آيات من العهد القديم على رقوق صغيرة جداً يجعلونها ضمن أحجية من جلد ثم يربطونها على جباههم وأيديهم اليسرى وقت الصلاة . ومن النماذج التي وجدت في قمران حجاب بقياس 20 × 13 ملم . وكان المسيح قد شهَر بأولائك الذين يلبسون العصائب ليراها الاخرون .

ظن بعض المؤرخين ان يوحنا المعمدان كان على علاقة ومعرفة جيدة بجماعة قمران ، بل وربما كان عضواً في جماعتهم . ذلك ان يوحنا عاش في البرية نفسها وعلى مقربة من بحر الميت حيث كان يعمد الناس في نهر الاردن الذي تتدفق مياهه في البحيرة . وقال آخرون ان الجماعة تبنت يوحنا وهو طفل وقامت بتربيته . وكان الاسينيون ، وأهل قمران منهم ، يتبنون ابناء الاخرين لتلقينهم افكار شيعتهم . ولكن ليس من دليل قاطع على ان يوحنا كان واحداً من جماعة قمران او انه تربى بينهم . فالواقع يثبت ان اختلافات كبيرة وجدت بين مفهوم المعمودية عند يوحنا والغسلات الطقسية التي كانت تمارس في قمران . فيوحنا عمّد الذين ارادوا ان يغيروا من اسلوب حياتهم ، بينما الجماعة لم تكن تقبل سوى الذين أثبتوا فعلاً انهم قد غيروا اسلوب حياتهم . وكان على الذي اراد الانضمام اليهم ان ينتظر سنة او سنتين قبل ان يسمح له بالاشتراك في الغسلات الطقسية ، يبنما كان يوحنا يعمد فوراً اي انسان اراد التوبة . وكان معنى الطقس مختلفاً تماماً بين الاثنين . فعمودية يوحنا كانت جزءاً من الاستعداد لمجىء المسيح المنتظر بينما غسلات قمران لم يكن لها علاقة بانتظار المسيح او اي شخص آخر ، بل كانت للتعبير الرمزي عن الانتقاء الاخلاقي والروحي .