ما هو العلم


قال أبو علي، نور الدين اليوسي المتوفى سنة 1691 م في كتابه "زهر الأكم في الأمثال والحكم "، وهو الفقيه المالكي الأديب،ينعت بغزالي عصره.

1. ما هو العلم

"أما بعد، فان العلم انفس علق يقتنى، وأحلى ثمر يجتنى؛ وأعدل حجة، وأقوم حجة، وأحصن جنة، وأضوء بدر في دجنة؛ وأربح متجر مثابر عليه، وأنجع مرعى ينتجع إليه؛ وأرجى بارق يشتام، وأفضل جناب يعتام؛ وأنور نور يستضاء به في الظلومات، وامنع وزر يعتصم به في الأزمات؛ وأوثق عروة يستمسك بها ذوو البصائر، وأعظم عدة تعقد عليها الخناصير؛ وأقوى مطية تركب، وأتم سلاح يتنكب؛ وأطيب نسمة تستنشق، وأجمل محبوب يعلق؛ وأبهى زينة يتحلى بها المتحلون، وارفع منصة يتجلى عليها المتجلون.

فإن العلم غذاء العقل، وبه يعرف الحكم العدل؛ وإنّ الخصيصى التي بها شرف الإنسان إنّما هي العلم؛ فان المرء لو بلغ في كمال الجسم أطوريه، لا يكون أنسانا إلاّ بأصغريه:

لولا العقول لكان أدنى ضيعة ... أدنى إلى شرف من الإنسان"

2. المثل والحكمة شعراً

المثل معروف الحقيقة ، وهو يكون نثرا تارة، وذلك أكثره، وقد يكون نظما. فان المثل، وإنّ كان سائرا، لكنه إذا نظم كان أسير له وأسهل على اللسان وأحسن، ثم إنّه قد يقع بيتا كاملا، وقد يقع نصف بيت أو ربعه أو نحو ذلك من الأجزاء. وسئل حماد الراوية بأي شيء فضل النابغة، فقال: إنّ النابغة إن تمثلت ببيت من شعره اكتفيت، مثل قوله:

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة ... و ليس وراء الله للمرء مطلب

بل لو تمثلت بنصف بيت من شعره اكتفيت به، وهو قوله: وليس وراء الله للمرء مطلب، بل لو تمثلت بربع بيت من شعره اكتفيت به، وهو قوله: أي الرجال المهذب.

ومن ورود المثل بيتا مستقلا قول طرفة مثلا:

لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى ... لك الطول المرخى وثنياه باليد

و قول أبي الطيب:

ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد

و اعلم إنّه قد لا يتم المثل إلاّ على بيتين، كقول الأول:

إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو صديق توافقه

بخلت، وبعض البخل حزم وقوة ... و لم يبتذلك المال إلى حقائقه

و قد لا يتم إلى على اكثر.

3. المثل نثراً: "يأتيك كل غد بما فيه."

الغد معروف، واصله غدو، ثم خفف بحذف لامه، وقد يؤتى به على أصله قال لبيد.

وما الناس إلاّ كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلاقع

و هذا المثل من أمثالهم المشهورة يعنون به: " المقادير كلها في علم الله تعالى قد قدرت، والأحداث بأصنافها قد فصلت وقسطت، وكل ما هو واقع منها فهو لا محالة كائن، وما قضي أن يبرز منها فهو بارز حتى يعاين، فكل غد فهو يأتيك بما فيه من خير وشر، ويسر وعسر، وفرح وترح.