النفوذ الإيراني

نتحدث ثانية عن الفتوحات الفارسية في البلاد العربية ونشهد الحوثيين يتمددون في اليمن ويحتلون العاصمة صنعاء ومنها يتجهون إلى ميناء الحُدَيدَة آخذين في طريقهم المدن والقرى الفاصلة بين العاصمة والميناء. كل هذا بعد أن وَقعوا مع الدولة اليمنية ميثاقاً رَعَته الأمم المتحدة وكان ممثلها قد أعلن موافقة الأطراف على شروط الميثاق وقبلوا التقيد بما ورد فيه.

يقوم أنصار الله الحوثيون بالتوسع في مناطق تُجاور صنعاء وتمتد إلى الشريط الساحلي الغربي أي على ساحل البحر الأحمر شاملة محافظات ذمار وريمة والحديدة وباب المندب ومينائي الحديدة والصليف، والأخير هو ميناء لضخ النفط والغاز لتصديره، وتتجه شمالا هادفة ميناء ميدي لتحتله ويقع على الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية.

باب المندب، بعد أن تصبحُ الحديدة ميناءأ تابعا للحوثيين وتحقق أهدافها على الساحل الغربي للبحر الأحمر، االممر الحيوي الوحيد والضابط للتجارة الدولية بين الشرق الآسيوي والغرب الأوروبي والبلاد المطلة على البحر الأبيض المتوسط وامتداداته كالبحر الأسود والأدرياتيكي، يصبح تحت إمرة أنصار الله وبالتالي للمرجعية المذهبية والإدارية والمالية للحوثيين أي ايران.

وقد يقول قائل بأن العالم لن يوافق على مثل هذا التمدد والسيطرة على هذا الشريان الحيوي وأن الغرب سيحاربه، ونقول عكس ذلك. فالغرب أثبت عن عجزه محاربة الطالبان وعن عجزه الواضح لكل من له عينان على الإنتصار في حربَيه على العراق وفي مباشرة أي فعل ضد داعش وفيما بعد الدولة الإسلامية والخليفة الحاكم في سوريا والعراق.

عندما تأسس الحلف الشهير دخل الحرب ضد داعش بالحد الأدنى، أي التحكم عن بعد (remote control) وهو حتى كتابة هذه السطور لم يحقق ما يسترعي الإهتمام.

ونقول أيضا ولا نبالغ بأن الشواهد على العجز الناتج عن عجز فكري لدى الغرب ونخص وللضرورة قائدها المتردد غير الواثق من نفسه التارك الأمور تجري في أعنتها علّ الوقت يُبعد أذاها عنه ويبعد عنه ما يُجهد الدماغ من ضرورة أخذ أي قرار ، قلنا الشواهد كثيرةونكتفي بواحدة نافرة أوحت حتى للغرب بحكايا بطولات وأفلام تعرض في العالم عن قدرات بدائية ولكن تتفوق على كل من حاول لَجمها . مضحك ربما ولكنه واقع معروف. القراصنة الصوماليين إحتلوا البحر الأحمر والمحيط الهندي وأوقفوا وصادروا سفناً وجروها إلى موانئهم وطالبوا بالفدية كي يعيدوها لمالكيها وقبضوا قيمة كل فدية فحسّنوا أوضاعهم المالية وتقنيات أعمالهم ولا يزالون، والدول العظمى منها كالصغرى لا تجد حلا للمشكلة وتقبل هذا الواقع إن لم يكن علنا فبالسكوت، والسكوت علامة الرضى.

ونرجع إلى إيران فهي حجر الرحى في الشرق الأوسط مركز المشكلة الكبرى حالياً. ونعطي مثلا آخرا أهميته تتعدى بكثير ما لأنصار الله من أحلام يحققونها في اليمن السعيد ونقصد العراق حيث داعش تسيطر على شمالها ويقال على مناطق قريبة من العاصمة بغداد أيضا وحيث الحلف يعمل.

الدكتور حيدر جواد العبادي عضوٌ بارز في حزب الدعوة الإسلامية ، رئيس وزراء العراق الجديد الذي حل محل المالكي، يعارض بشدة مشاركة الدول العربية في ضرب داعش في العراق ويشيد بمساعدة إيران في محاربتها له. ويشترط على الدول العربية قبل السماح لها بالمشاركة أن تتفق فيما بينها وينصح يأن تتعاون مع إيران.

لحزب الدعوة الإسلامية في العراق علاقات نسجها مع إيران بعد نجاح الثورة الإيرانية وتبوأ الإمام الخميني سُدَّتها وطبعا لا نريد إساءة التقدير لنوعية العلاقة القائمة الآن بين الطرفين ولكن رفض العبادي لمشاركة الدول العربية والإشادة بمساعدة إيران توحي بتفضيله التعامل مع إيران على الدول العربية المُنضوية تحت لواء الحلف.

وننتقل إلى سوريا ونرى أن الحلف كله بإستثناء أميركا والدول العربية لا يريد أن يشترك بحرب داعش هناك، وداعش تتوسع وتحتل وضربات الحلف الجوية لا تؤثر على مجريات الحرب. عين عرب في المنطقة الكردية في شمال سوريا مثال فاضح على ما نقول.

الأسد يستفيد لأن أميركا تشارك في ضرب أعدائه وهو على ما يظهر ويصرح مرتاح لما تقوم به أميركا ويعرض مساعدته لها. وطبعا ولا داعي لتكرار واقع حكم إيران لهذا البلد مباشرة وبالواسطة أيضا.

النظام في سوريا لا يزال قائماً وإذا ما تعلمنا مما سمعنا من أوباما فإننا نخاف من بقاء النظام حاكما لأن داعميه جديون ومعارضيه مترددون. يجيز لنا هذا الوضع أن نتساءل هل في جُعبة القادرين إنهاء هذا النظام وبسرعة أم يتركوه بشاطئه الطويل على البحر الأبيض المتوسط لنفوذ إيران الحاكم الفعلي له وجزئيا لروسيا التي لها منشآت عليه ؟.

وإن ننسى فلا ننسى أن لبنان معرض لتوسع الإرهابيين فيه وتهديدهم لسلمه الأهلي بتحريض أهل ذوي العسكريين المخطوفين ووعيدهم بذبحهم إذا لم يتقيدوا بما يطلبه الخاطفون واوعد بإعادتهم لأهلهم إن تعاونوا. وهو أيضا يعيش نفوذ إيران المتنامي فيه والمتمثل بحزب الله.

إذا أضغنا لكل ما أوردنا أن إيران على الساحل الشرقي لمضيق هرمز في الخليج العربي، نرى أن إيران أحكمت سيطرتها على مصادر النفط والغاز فيه كما أحكمت قبضتها على التجارة العالمية بسيطرتها على باب المندب.

هل نخلص إلى القول بأن إيران أكثر نفوذا في المشرق العربي من الحلف كله وأنها أكثر فاعلية لأنها تعمل وتقرر ولا تتردد ،وأن قص أجنحتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبلدان أخرى ربما ، ضرورة لإستقرار المشرق العربي؟

قلنا أو لم نقل فنحن لم نغير ما بأنفسنا فعلامَ نَتَّكِل؟ في الٌقرآن الكريم آية تدلنا إلى السراط المستقيم وتقول: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]. فهل من سامعٍ لهذا القول الكريم؟

الثاني من تشرين الأول 2014