الاسطول العربي في شرق المتوسط

لما احتل العرب بلاد الشام ومصر في النصف الاول من القرن السابع ميلادي انتزعوها من الامبرطورية البيزنطية التي كانت شديدة العناية بالاسطول باعتبار اتساع رقعتها الممتدة من سواحل البحرين الاسود والمتوسط وما يتداخلها من خلجان ومضائق. وادرك العرب بعد الفتح خطر الاسطول البيزنطي لهم ولديار الشام ومصر خاصة ولذلك جربوا ان يقيموا لهم قوة بحرية تستطيع ان تحفظ البلاد لهم.

كان معاوية بن أبي سفيان حاكم بلاد الشام وكان منفتح الذهن واعيا للخطر عارفا بقيمة البحر. وهو الذي اقترح على الخليفة عمر بن الخطاب ان يغزو قبرص ليتخذ منها نقطة ارتكاز بحرية في الدفاع عن الساحل الشامي ولكن عمر ابى ذلك. فلما ولي الخلافة عثمان بن عفان عاد معاوية الى طلبه بإلحاح فأذن له الخليفة. فتعاون معاوية مع والي مصر على اعداد الحملة البحرية.

ومعاوية كان يعرف قيمة الاستعداد والتنظيم في البر والبحر. ولذالك وهو أمير على الشام، اتخذ من عكّا دار صناعة للسفن واعدها مأوى للاسطول. وكان هذا العمل الاول من نوعه في تاريخ العرب بعد الاسلام فقد سبق اتخاذ دار صناعة في مصر بخمس. ولما آلت الخلافة الى معاوية ازداد بالبحر وشؤونه عناية واقام مركزا بحريا آخر في صور. ولما جاء دور عبد الملك بن مروان وهو خليفة اموي ثان كان شديد العناية بالتنظيم والادارة ، أصلح بشأن قيسارة واهتم باللاذقية. وظلت عكّا مركز دار الصناعة حتى بعد عبدالملك الذي نقلها الى صور. والرواية العربية تقول بأن الخليفة هشام بن عبد الملك أراد أن يبتاع أملاك أحد سكان عك، فأبى ذلك، فغضب الخليفة على المدينة ونقل دار الصناعة الى صور. ولكن دار الصناعة اعيدت الى عكا في اوائل الدولة العباسية.

ولما استولى ابن طولون، حاكم مصر، على الأجزاء الحنوبية من الساحل الشامي اهتم بعكا اهتماما خاصا. وقد روى المقدسي وهو مرجع موثوق به لجغرافية الشام في اواخر القرن العاسر للميلاد، وسع الميناء بأبراج ضخمة على نحو ما كانت عليه صور. وكان من الضروري أن تبنى اجزاء من الاسوار في البحر وهذه كانت مهمة هندسية صعبة. لذلك عجز عنها كثير من البنائين، حتى تم الامر لابن طولون على يدي ابي بكر، وهو جد المقدسي الجغرافي. فأخذ جذوع الجميز وكان يركزها على الرمال ويبني فوقها ويتركها حتى تغور في الرمال ثم يعاود العملية الى ان تم له اساس متين اقام عليه البنيان.

ووضع ابن طولون سلسلة ضخمة تربط بين البرجين القائمين على طرفي الميناء، كانت تسحب مساء فتكون حاجزا دون تسلل السفن المعادية الى الميناء. وقد كان لكل من بيروت وصور مثل هذه السلسلة. وظلت السلسلة في الموانئ الثلاث الى قبيل الحملات الصليبية.

ومن الموانئ الاخرى التي رابط بها الاسطول ميناء طرابلس التي كان يتسع لنحو ١٠٠٠ من السفن..