العصر الرابع
عصر الموحـدين
(1149- 1248م/ 544-646 هـ)
حفصة بنت الحاج الركونية
أكثر شعرها في أبي جعفر أحمد بن سعيد:
1- |
يا سيّـد النـاس يا من |
يُؤمِل الناسُ رِفدَه |
|
أمنُن عليّ بِطرسٍ |
يكونُ للدهر عُدّه |
|
تخطّ يمناك فـيه |
"الحمد لله وحد" |
|
|
|
2- |
يا مدّعي في الهوى الحسن |
والغرامِ الإمامه |
|
أتى قريضُكَ لكن |
لم أرضَ منه نِظامه |
|
أمدّعي الحبّ يثني |
يأسُ الحبيبِ زمامَه؟ |
|
ضللتَ كلّ ضلال |
ولم تُفدك الزعامه |
|
ما زلتَ تصحبُ مذ كنتَ |
في السباق السلامه، |
|
حتى عثرتَ وأُخجلتَ |
بافتصاح السِآمه |
|
بالله في كل وقتٍ |
يبدي السحابُ انسجامه؛ |
|
والزهر في كل حين |
يشقّ عنه كِمامـه |
|
لو كنتَ تعلم عُذري |
كففتَ غربَ الملامه |
|
|
|
3- |
أبا جعفرٍ يا ابنَ الكرامِ الأماجد، |
خلوتَ بمن تهواهُ رغماً لحاسـد |
|
فهل لك في خلّ قنوعٍ مهذّب |
كتوم عليمٍ باختفاء المراصد؟ |
|
يبيتُ إذا يخلو المحبّ بحبّه |
ممتّعَ لذّاتٍ بخمس ولائد |
|
|
|
4- |
سلامٌ يفتّحُ في زهره الكـمامُ |
ويُنطِق وُرقَ الغصون، |
|
على نازح قد ثوى في الحشى، |
وإن كان تُحرمُ منه الجفون |
|
فلا تحسبوا البُعدَ يُنسّيكم |
فذلك والله ما لا يكون |
|
|
|
5- |
ولو لم يكن نجماً لما كان ناظري، |
وقد غِبتَ عنه، مُظلماً بعد نوره |
|
سلام على تلك المحاسن من شبحٍ |
تناءت بنُعماه وطيب سروره |
|
|
|
6- |
سلوا البارقَ الخفّاقَ والليلُ ساكنٌ |
أظلّ بأحبابي يذكّرني وهنـا |
|
لعمري لقد أهدى لقلبيَ خفقةً |
وأمطرني منهلًّ عارضه الجفنا |
|
|
|
7- |
أغارُ عليك من عيني رقيبي |
ومنك ومن زمانك والمكان |
|
ولو أني خبّأتك في عيوني |
إلى يوم القيامة ما كفاني |
|
|
|
8- |
رأستَ فما زال العُداة بظلمهم |
وعلمهمُ النامي يقولون: ما رأس؟ |
|
وهل منكرٌ إن ساد أهلَ زمانه |
جَموحٌ إلى العليا حرونٌ عن الدنس! |
|
|
|
9- |
لعمركَ ما سُرّ الرياضُ بوصلنا |
ولكنّه أبدى لنا الغلّ والحسد؛ |
|
ولا صفّق النهرُ ارتياحاً لقربنا |
ولا صدح القُمريُّ إلا لما وجد |
|
فلا تحسن الظنّ الذي أنت أهله، |
فما هو في كل المواطني بالرشدِ |
|
فما خلتُ هذا الأفقَ أبدى نجومه |
لأمرٍ سوى كيما تكونُ لنا رصد |
|
|
|
10- |
أزورك أم تزور؟ فإنّ قلبي |
إلى ما تشتهي أبداً يميل |
|
فثغري موردٌ عذبٌ زلال |
وفرع ذُئابتي ظلٌ ظليل |
|
وقد أملتُ أن تظما وتضحى |
إذا وافى إليك بي المقيل |
|
فعجّل بالجواب فما جميل |
إباؤك بُثينة يا جميل |
أبو جعفر بن سعيد
1- |
يا من أُجانِبُ ذكرَ اسـ |
مـهِ، وحسبي علامَه |
|
ما إن أرى الوعدَ يٌقضى |
والعمرُ أخشى انصرامَه |
|
اليومَ أرجوكَ، لا أن |
تكونَ لي في القـيامة |
|
لو قد بَصُرت بحـالي |
والليلُ أرخـى ظلامـه |
|
أنوحُ وَجـداً وشـوقاً |
إذ تستريح الحمامه |
|
صبٌ أطـال هـواه |
على الحبيب غـرامـه |
|
لمن يتيهُ عليـه، |
ولا يردّ سـلامـه |
|
إن لم تُنيلي أريحي، |
فاليأسُ ثني زمـامـه |
|
|
|
2- |
رعـى الله ليلاً لم يُرح بمُذمّم |
عشيّةَ وارانا بحور مؤمّلٍ |
|
وقد خفقّت من نحو نجد أريجةٌ |
إذا نفحت هبّت بريّا القرنفل |
|
وغرّد قُمريٌّ على الدوح وانثنى |
قضيب من الريحان من فوق جدول |
|
يُرى الروضُ مسروراً بما قد بلدا له: |
عِناقٌ وضمٌ وارتشافُ مقبّل |
|
|
|
3- |
مولايَ، في أي وقـتٍ |
أنـال في العيش راحـه |
|
إن لم أنلها وعمري |
ما إن أنـارَ صـباحـه؟ |
|
وللمـلاحِ عيـون |
تميـل نحو الملاحـه |
|
وكأسُ راحيَ ما ان |
تمـلّ منيَ راحـه |
|
والخطب عنـي أعمـى |
لم يقترب ليَ سـاحه |
|
أنت دونـي سـورٌ |
من الغُلى والرجاجـه |
|
فأعفنيَ وأقِلنـي |
مما رأيتَ صلاحـه |
|
مافي الوزارة حظ |
لمن يريـد ارتياحـه |
|
كلٌ وقالٌ وقـيلٌ |
ممن يُطيل نِيـاحـه |
|
أٌنسي أتـى مستغيثاً |
فاترك، فُديت، سـراحـه |
|
|
|
4- |
ويومَ تجـلّى الأفقُ فيه بعنبرٍ |
من الغيم لُذنا فيـه باللهو والقنص |
|
وقد بقيت فينا من الأمس فضلةٌ |
من السكر تُغرينا بمنتهبِ الفُرَص |
|
ركبنا له صُبحاً وليلاً وبعضُنا |
أصيلاً، وكلٌ إن شدا جلجلَ رقص |
|
وشُهب بُزاة قد رجمنا بشهبها |
طيوراً [يُساغ اللهوُ إن شكت الغُصص |
|
وعن شفقٍ تغري الصباحَ أو الدجى |
إذا أوثقت ما قد تحرّك أو قمص |
|
وملنا، وقد نلنا من الصيد سؤلنا، |
على قنصِ اللذات والبردُ قد قرص |
|
بخيمة ناطورٍ توسّط عذبَنا |
جحيمٌ، به من كان عُذّبَ قد خـلص |
|
أدرنا عليـه مثله ذهبيّة |
دعته إلى الكبرى فلم يُجب الرُخص |
|
فقل لحريصٍ أن يراني مقيّداً |
بخدمته: لا يُجعل البازُ في القفص |
|
وما كنتُ إلا طوعَ نفسي فهل أُرى |
مطيعاً لمن عن شأوِ فخريَ قد نقص؟ |
أبو الحسن علي بن حريق
1- |
"بلنسيةٌ قرارةُ كلَ حسنٍ" |
حديثٌ صحّ في شرقٍ وغرب |
|
فإن قالوا: محلٌّ غلاء سعر، |
ومسقطُ ديمتي طعنٍ وضرب؛ |
|
فقل: هي جنةٌ حُفّت رُبـاهـا |
بمكروهّين من جوع وحرب |
|
|
|
2- |
وكأنها سكنَ الأراقمُ جوفَها |
من عهد نوح خشيةَ الطـوفان |
|
فإذا رأينَ الماءَ يطفح نضْنصتْ |
من كلّ خرق حيّةٌ بلسانِ |
|
|
|
3- |
صغرُ الرأس وطولُ العنقِ |
خلقة منكرةٌ في الخُلق |
|
فإذا أبصرتها من رجلٍ |
فاقضِ لي الحين له بالحمق |
عبد الرحمن السهبلي
1- |
جعلتُ طريقي على بابه |
وما لي على بابه من طريق |
|
وعاديتُ من أجله جيرتي |
وآخيتُ من لم يكن لي صديق |
|
فإن كان قتلي حلالاً لكم |
فسيروا بروحيَ سيراً رفيق |
|
|
|
2- |
يا دارُ أين البيض والآرام؟ |
أم أين جيرانٌ عليّ كرامُ؟ |
|
رابَ المُحبّ من المنازل أنه |
حياً فلم يُرجَع إليه سـلام |
|
لما أجابنيَ الصّدى عنهم ولم |
يلجِ المسامعَ للحبيب كـلام |
|
طارحتُ وُرقَ حَمامِها مترنّماً |
بمقال صبٍ والدموعُ سِجام: |
|
(يا دارُ ما فعلتْ بكِ الأيام؟ |
ضامتكِ، والأيامُ ليس تضام) |
أبو الربيع الكلاعبي
1- |
أمَوْلى الموالي، ليس غيرَك لي مولى؛ |
وما أحـد يا ربُّ منك بـذا أولى |
|
|
|
2- |
أحنّ إلى نجـدٍ ومن حلَ في نـجد، |
وما ذا الذي يُغني حنينيَ أو يُجدي؟ |
أبو عبد الله محمد بن الأبّار
أدْرِك بخيلِكَ خيلِ الله أندلُسـا |
إن السبيلَ إلى مناجاتها درسا |
وهب لها من عزيز النصر ما التمسَت |
فلم يزل منـك عِزُّ النصر مُلتمسـا |
وحاشِ مما تُعانيه حُشاشتُها |
فطال ما ذاقت البـلوى صباحَ مسا |
يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا |
للحادثات وأمسى جدّها تعسا |
واضرب لها موعداً بالفتح ترقبه |
لعلّ يوم الأعادي قد أتى وعسى! |
عبد البر الوادي آشـي
أجُبنـاً ورمحي ناصـري وحـسامي؟ |
وعجزاً وعزمي قائـدي وإمـامـي؟ |
ولي منك بطّاشُ اليدين غضنفر |
يُحـارب عـن أشباله ويُحـامـي |
إلا غنيّاني بالصهيل فإنـه |
سَماعي ورقراق الدماء مـدامـي |
وحطّاً على الرمضاء رحلي فإنـها |
مِهادي، وخفّاقُ البنودِ خِيـامي |
عبد المنعم الوادي آشـي
إلا إنَما الدنيا بِحارٌ تلاطمت، |
فما أكثر الغرقى على الجنبات! |
وأكثرُ ما لقيتُ يَغرقُ إلفه؛ |
وقل فتى ينجي من الغمرات |
ابن نـزار الوادي آشـي
رمانةٍ قد فضّ عنها خِتامَها |
حبيبٌ أعـار البدرَ بعض صـفاتـه |
فكسّر منها نـهدَ عذراءَ كاعبٍ |
وناولني منـها شبيهاً لِذاتـه |
أبو عميرة
أرى من جاء بالموسى مؤاسى |
وراحةَ من أراح المـدح صِفـرا |
فأنجحَ سعيُ ذا إذ قـصّ شـعراً |
وأخفق سـعيُ ذا إذ قـصّ شِعرا |
أبو عبد الله محمد الرصـافي
1- |
ولا كالرصـافـة من منزلٍِ |
سقّته السحائبُ صوبَ الولي |
|
أحنّ إليـها، ومن لي بـها؟ |
وأين السرّي من الموصل! |
|
|
|
2- |
قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي: |
لو لم تَهم بمُذال القدر مبتذلِ |
|
فقلتُ لو كان أمري في الصبابة لي |
لأخترتُ ذاك، ولكن ليس ذاك لي |
|
عُلّقته حبَبيّ الثغر عاطِره، |
حُلوَ اللُمى ساحرَ الأجفانِ والمُقل |
|
غُزيّل لم تزل في الغزل جائلةً |
بنانه، جولانَ الفكر في الغزل |
|
جذلانُ تلعبُ بالمحواك أنملُه |
على السـدى لَعِبَ الأيام بالأمل |
|
ضماً بكفّيـه أو فحصاً بأخمصه |
تخبّط الظبي في أشراك محتبل |
أبو الحسين محمد بن جبير (صاحب الرحلة المشهورة)
1- |
لا تـغتـرب عـن وطـنٍ |
واذكـر تـصاريـفَ النوى |
|
أمـا تـرى الغـصن إذا |
ما فـارق الأصـل ذوى؟ |
|
|
|
2- |
طـولُ اغترابٍ وبرحُ شوقٍ، |
لا صـبرَ- والله- لي عـليْه |
|
إليك أشكو الذي أُلاقـي |
يا خـيرَ من يُشتكى إليـه |
|
ولي بغرناطةٍ حـبيبٌ |
قـد غلِقَ الرهنُ فـي يـديـه |
|
ودّعته وهو بارتحاضٍ |
يُظهر لي بعضَ ما لـديـه |
|
فلو تـرى طلّ نـرجسـيه |
ينهلّ في ورد وجـنـتيـه |
|
أبصرتَ دُراً على عقيق |
من دمعه فـوق صفحتيه |
|
|
|
3- |
عليك بكتمان المصائب واصطبر |
عليها، فما أبقى الزمانُ شقيقا |
|
كفاك بشكوى النسا إذ ذاك أنها |
تسرّ أو تسوء صديقا |
|
|
|
4- |
غريب تذكّر أوطـانـه |
فهيّج بالذكر أشجـانه |
|
يحلّ عُرى صبره بالأسى |
ويعقدُ بالنـجمِ أجفـانه |
|
|
|
5- |
يا دِمشقَ الغـرب هـاتـيك |
لقـد زدّتِ عـليـها |
|
تحتكِ الأنـهار تـجري، |
وهْيَ تنصبّ إليـها |
|
|
|
6- |
الناسُ مثلُ ظروفٍ حشوُها صَبرُ |
وفوق أفواهـها شيءٌ من العسل |
|
تغرّ ذائقها حتى إذا كُشفت |
له، تبين ما تحويه من دخل |
أبو الحسن علي الشُشزي
1- |
لقد تِهتُ عُجباً بالتجرّد والفقر |
فلم أندرج تحتَ الزمان ولا الدهرِ |
|
وجاءت لقلبي نفحـةٌ قُدُسية |
فغبتُ بها عن عالم الخلق والأمر |
|
طويتُ بساط الكـون، والطيُ نشرُه، |
وما القصد إلا التركُ للطيّ والنشر |
|
وغمّضتّ عين القلب غيرَ مطّلقٍ |
فألفيتني ذاك المقلّبَ بالغَيرِ |
|
وصلتُ لمن لم تنفصل عنه لحظة |
ونزّهتُ من أغنى عن الوصل والضجر |
|
وما الوصفُ إلا دونَه غير أنني |
أريد به التشبيبَ عن بعض ما أدري |
|
وذلك مثلُ الصوت أيقظ نائماً |
فأبصر أمراً جلّ عن ضابط الحصر |
|
فقلتُ له: الأسماءُ تبغي بيانه، |
وكانت له الألفاظ ستراً على ستر |
|
|
|
2- |
أرى طالباً منا الزيادة لا الحسنى |
بفكرٍ رمى سهماً تعدّى به عدْنا |
|
وطالبنا مطلوبُنا من وجودنا |
نغيبُ به عنّا لدى الصّعق إن عنّا |
|
|
|
3- |
من لامني، لو أنه قد أبصرا |
ما ذُقتُه أضحى به متحيّرا؛ |
|
وغدا يقول لصحبه: إن أنتمُ |
أنكرتمُ ما بي مُنكَرا |
|
شذّت أمورُ القوم عن عاداتهم |
فلأجل ذاك يُقال: سحرٌ مفترى! |
أبو جعفر الوقشي
ألا ليت شعري، هل يُمدّ ليَ المدى |
فأُبصِرَ شملَ المشركين طريدا |
حملتُ إليه من نظامي قِلادةً |
يُلقّبها أهلُ الكـلامِ قصـيدا |
غـدت يومَ إنشـاد القريضِ وحيدة |
كما قصـدت في المعلومات وحـيدا |
أبو القاسم الشاطبي
خالصتُ أبناءَ الزمان فلم أجد |
من لم أرَ منه ارتياديَ مخلصي |
ردّ الشباب، وقـد مضـى لسبيه، |
أهـيا وأمكنُ من صديق مُخلص |
أم الحنـاء (بنت القاضي أبي محمد عبد الحق بن عطية)
جاء الكتابُ من الحبيبِ بأنهُ |
سيزورني فاستعبرتْ أجفاني |
غلب السرور عليّ حتى أنه |
من فرط عظم مسرّتي أبكاني |
يا عينُ صار الدمع عندكِ عادةً |
تبكين في فرحٍ وفي أحزان |
فاستقبلي بالبشر يوم لقائه |
ودعي الدمـوعَ لليلةِ الهجران |
هنـد (جارية أبي محمد عبد الله بن مسلمة الشاطبي)
يا سيداً حاز العُلى عن سـادةٍ |
شمّ الأنوفِ من الطراز الأول |
حسبي من الإسراع نحوكَ أنني |
كنتُ الجوابَ مع الرسول المقبل |
الشلبية
شلبُ كلا شلبُ وكانت جنّةً |
فأعـادها الطـاغون ناراً حاميه |
حافوا وما خافوا عقوبة ربهم |
والله لا تخفى عليه خافيه |
أبو بكر يحيى بن مجُبَر
1- |
أشكو إلى نـدمـان أمرَ زجاجـةٍ |
تردّت بـثوب حالكِ اللون أسحم |
|
نصبُّ بها شمسَ المُدامة بيننا |
فتغرُبُ في جُنح من الليل مُظلم |
|
وتجحدُ أنوارَ الحُميّا بلونـها |
كقلبِ حسودٍ جاحدٍ يدُ منعم |
|
|
|
2- |
أعَلِمْتَني أُلقي عصـا التسيار |
في بلدة ليست بـدار قرار؟ |
|
طَوراً تكونُ بمن حوَتهُ مُحيطةٌ |
فكأنها سُور من الأسوار؛ |
|
وتكونُ حيناً عنهم مخبوءةً |
فكأنها سرّ من الأسرار |
|
وكأنها علمت مقادير الورى |
فتصرّفت لهم على مقدار |
|
فإذا أحسّت بالإمام يزورُها |
في قومه قامت إلى الزوار |
|
يبدو فتبدو ثم تخفى بعدَه |
كتكوّن الهـالات للأقمـار |
|
|
|
3- |
بي رشاٌ وسنانُ، مهما انثني |
حارٍ قضيبُ البـان في قدّه |
|
مذ وَليَ الحسنَ وسطانه |
صارت قلوب النـاس من جُنده |
|
أودعَ في وجنته زهرةً |
كأنها تجزع من صـدّه |
|
وقد تفاءلت على فـعلـه |
أني أرى خـدي على خـدّه |
|
|
|
4- |
ولِد العبدُ الذي إنعامكـم |
طينةٌ أُنشءَ مـنها جـسـدُه |
|
وهْو دون اسمٍ لِعلمي أنـه |
لا يُيسمي العبـدَ إلا سـيّدُه |
|
|
|
5- |
ملكٌ تزويـك منه شيمةٌ |
أنْسَتِ الظمآن زُرقَ النُطفِ |
|
جُمعت من كل مجد فحكت |
لفظةً قد جمّعت من أحـرف |
|
يعجب السامعُ من وصفي لها |
ووراءَ العجز ما لم أصِف |
|
لو أعار السهمَ ما في رأيـه |
من سدادٍ وهُدىً لم يصُف |
|
حِمله الراجح ميزانُ الهـدى |
يِزنُ الأشياءَ وزنَ المُنصف |
أبو العسّال (الغسّال) البحصي
يا أهـلَ أندلسٍ، حثّوا مطيّكم؛ |
فما المُقام بـهـا إلا من الغلط |
الثوب ينسُل من أطرافه، وأرى |
ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط |
ونحن بين عدوّ لا يفارقنا؛ |
كيف الحياة مع الحيّات في سفط؟ |
بعضهم
يا أهلَ أندلس، رُدوا المُعار؛ فما |
في العُرف عاريةٌ إلا مُردّات |
ألم ترَوا بيذقَ الكفّارِ فَرزنةً |
وشاهَنا آخر الأبيات شهمات |
أبو البقاء صالح بن البقاء الرندي
وقال صالح أبو البقاء الشريف الرُندي يصف الأندلس عند مغادرة أهلها لها، وتعرف هذه القصيدة برثاء الأندلس، وهي من أشهر القصائد الأندلسية:
لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نُقصـانُ |
فلا يُغرّ بطيب العيش إنسانُ |
هي الأمورُ كما شاهدتَها دُوَلٌ، |
من سرّه زمنُ ساءتهُ أزمان |
وهذه الدار لا تُبقي على أحـدٍ |
ولا يدوم، على حـالٍ لها، شان |
يمزّقُ الدهرُ حتماً كل سابغة |
اذا نبت مشرفيّاتٌ وخُرصان |
ويُنتضى كل سيف للفناء، ولو |
كان ابن ذي يزنٍ والغمد غمدان |
أين الملوكُ ذوو التيجان من يمنٍ |
وأين منهم أكاليلٌ وتيجان؟ |
وأين ما شاده شدّادُ في إرم |
وأين ما سانه في الفرس ساسان؟ |
وأين ما حازه قارونُ من ذهبٍ |
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطان؟ |
أتى على الكلّ أمرٌ لا مردّ له |
حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا |
وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلكٍ |
كما حكى عن خيال الطيف وسنان |
دار الزمان على دارا وقاتله |
وأمّ كسرى فما آواه إيـوان |
كأنهما الصعب لم يسهل له سبب |
يوماً ولم يملك الدنيا سليمان |
فجائعُ الدهر أنواع مُنوّعةٌ، |
وللزمان مسراتٌ وأحزان |
وللحوادث سُلوان يسهّلها، |
وما لما حلّ بالإسلام سـلوان |
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له |
هوى له أحدٌ وانهدّ ثهلان |
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأت |
حتى خلت منه أقطار وبلدان |
فاسأل بلنسيةً: ما شأن مُرسيةٍ؟ |
وأين شاطبةٌ أم أين جيّان؟ |
وأين قرطبةٌ دارُ العلوم، فـكـم |
من عالم قد سما فيها له شان؟ |
وأين حمصُ وما تحويه من نُزهٍ |
ونهرُها العذبُ فيَاض وملآن؟ |
قواعدٌ كنّ أركانَ البلاد فـما |
عسـى البقاءُ إذا لم تبقَ أركان! |
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف، |
كما بكـى لفراقِ الإلف هيمان، |
على ديار من الإسلام خاليةٍ |
قد أقفرت ولها بالكفر عُمران: |
حيث المساجد قد صارت كنائس ما |
فيهنّ إلا نواقيسٌ وصُلبان؛ |
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ، |
حتى المنابر تَرثي وهي عيدان |
يا غافلاً ولو في الدهر موعظةٌ |
إن كنتَ في سِنةٍ فالدهرُ يقظان |
وماشياً مرحاً يُلهيه موطنُهُ، |
أبعدَ حِمصٍ تغرُّ المرءَ أوطان؟ |
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدّمها |
وما لها مع طول الدهر نسيان |
يا راكبين عِتاقَ الخيلِ ضامرةً |
كأنها في مجال السبق عِقبان، |
وحاملين سيوفَ الهندِ مُرهفةً |
كأنها في ظلام النقع نيران |
وراتعين وراءَ البحر في دعـةٍ |
لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطان، |
أعندكم نبأٌ من أهل أندلسٍ؟ |
فقد سرى بحديث القوم رُكبان |
كم يستغيثُ صناديدُ الرجال وهم |
قتلى وأسرى فما يهتزّ إنسان! |
ماذا التقاطع في الإسلام بينكم |
وأنتم يا عبادَ الله إخوان؟ |
ألا نفوسٌ أبيّاتٌ لها هممٌ؟ |
أما على الخير أنصار وأعـوان؟ |
يا من لذلّةِ قومٍ بعـد عزّهـم |
أحـالَ حالهم جَوْرٌ وطـغيان؛ |
بالأمس كانوا مُلوكاً في منازلهم |
واليومَ هم في بلاد الكفر عُبدان |
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم |
عليهم من ثياب الذلّ ألوان؛ |
ولو رأيتَ بُكاهم عند بيعهمُ |
لهالكَ الأمرُ واستهوتك أحزان: |
يا رُبّ أمٍ وطفلٍ حيلَ بينهما |
كما تفرّقُ أرواحٌ وأبـدان، |
وطفلةٍ مثلِ حسنِ الشمس إذ طلعت |
كأنما هي ياقوت ومرجان |
يقودها العلجُ عند السبي مُكرهةً |
والعينُ باكية والقلب حيران |
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ |
إن كان في القلبٍ إسلامٌ وإيمان |