عصر الموحـدين

العصر الرابع

عصر الموحـدين

(1149- 1248م/ 544-646 هـ)

 

حفصة بنت الحاج الركونية

أكثر شعرها في أبي جعفر أحمد بن سعيد: 

1-

يا سيّـد النـاس يا من

يُؤمِل الناسُ رِفدَه

 

أمنُن عليّ بِطرسٍ

يكونُ للدهر عُدّه

 

تخطّ يمناك فـيه

"الحمد لله وحد"

 

 

 

2-

يا مدّعي في الهوى الحسن

والغرامِ الإمامه

 

أتى قريضُكَ لكن

لم أرضَ منه نِظامه

 

أمدّعي الحبّ يثني

يأسُ الحبيبِ زمامَه؟

 

ضللتَ كلّ ضلال

ولم تُفدك الزعامه

 

ما زلتَ تصحبُ مذ كنتَ

في السباق السلامه،

 

حتى عثرتَ وأُخجلتَ

بافتصاح السِآمه

 

بالله في كل وقتٍ

يبدي السحابُ انسجامه؛

 

والزهر في كل حين

يشقّ عنه كِمامـه

 

لو كنتَ تعلم عُذري

كففتَ غربَ الملامه

 

 

 

3-

أبا جعفرٍ يا ابنَ الكرامِ الأماجد،

خلوتَ بمن تهواهُ رغماً لحاسـد

 

فهل لك في خلّ قنوعٍ مهذّب

كتوم عليمٍ باختفاء المراصد؟

 

يبيتُ إذا يخلو المحبّ بحبّه

ممتّعَ لذّاتٍ بخمس ولائد

 

 

 

4-

سلامٌ يفتّحُ في زهره الكـمامُ

ويُنطِق وُرقَ الغصون،

 

على نازح قد ثوى في الحشى،

وإن كان تُحرمُ منه الجفون

 

فلا تحسبوا البُعدَ يُنسّيكم

فذلك والله ما لا يكون

 

 

 

5-

ولو لم يكن نجماً لما كان ناظري،

وقد غِبتَ عنه، مُظلماً بعد نوره

 

سلام على تلك المحاسن من شبحٍ

تناءت بنُعماه وطيب سروره

 

 

 

6-

سلوا البارقَ الخفّاقَ والليلُ ساكنٌ

أظلّ بأحبابي يذكّرني وهنـا

 

لعمري لقد أهدى لقلبيَ خفقةً

وأمطرني منهلًّ عارضه الجفنا

 

 

 

7-

أغارُ عليك من عيني رقيبي

ومنك ومن زمانك والمكان

 

ولو أني خبّأتك في عيوني

إلى يوم القيامة ما كفاني

 

 

 

8-

رأستَ فما زال العُداة بظلمهم

وعلمهمُ النامي يقولون: ما رأس؟

 

وهل منكرٌ إن ساد أهلَ زمانه

جَموحٌ إلى العليا حرونٌ عن الدنس!

 

 

 

9-

لعمركَ ما سُرّ الرياضُ بوصلنا

ولكنّه أبدى لنا الغلّ والحسد؛

 

ولا صفّق النهرُ ارتياحاً لقربنا

ولا صدح القُمريُّ إلا لما وجد

 

فلا تحسن الظنّ الذي أنت أهله،

فما هو في كل المواطني بالرشدِ

 

فما خلتُ هذا الأفقَ أبدى نجومه

لأمرٍ سوى كيما تكونُ لنا رصد

 

 

 

10-

أزورك أم تزور؟ فإنّ قلبي

إلى ما تشتهي أبداً يميل

 

فثغري موردٌ عذبٌ زلال

وفرع ذُئابتي ظلٌ ظليل

 

وقد أملتُ أن تظما وتضحى

إذا وافى إليك بي المقيل

 

فعجّل بالجواب فما جميل

إباؤك بُثينة يا جميل

 

أبو جعفر بن سعيد 

1-

يا من أُجانِبُ ذكرَ اسـ

مـهِ، وحسبي علامَه

 

ما إن أرى الوعدَ يٌقضى

والعمرُ أخشى انصرامَه

 

اليومَ أرجوكَ، لا أن

تكونَ لي في القـيامة

 

لو قد بَصُرت بحـالي

والليلُ أرخـى ظلامـه

 

أنوحُ وَجـداً وشـوقاً

إذ تستريح الحمامه

 

صبٌ أطـال هـواه

على الحبيب غـرامـه

 

لمن يتيهُ عليـه،

ولا يردّ سـلامـه

 

إن لم تُنيلي أريحي،

فاليأسُ ثني زمـامـه

 

 

 

2-

رعـى الله ليلاً لم يُرح بمُذمّم

عشيّةَ وارانا بحور مؤمّلٍ

 

وقد خفقّت من نحو نجد أريجةٌ

إذا نفحت هبّت بريّا القرنفل

 

وغرّد قُمريٌّ على الدوح وانثنى

قضيب من الريحان من فوق جدول

 

يُرى الروضُ مسروراً بما قد بلدا له:

عِناقٌ وضمٌ وارتشافُ مقبّل

 

 

 

3-

مولايَ، في أي وقـتٍ

أنـال في العيش راحـه

 

إن لم أنلها وعمري

ما إن أنـارَ صـباحـه؟

 

وللمـلاحِ عيـون

تميـل نحو الملاحـه

 

وكأسُ راحيَ ما ان

تمـلّ منيَ راحـه

 

والخطب عنـي أعمـى

لم يقترب ليَ سـاحه

 

أنت دونـي سـورٌ

من الغُلى والرجاجـه

 

فأعفنيَ وأقِلنـي

مما رأيتَ صلاحـه

 

مافي الوزارة حظ

لمن يريـد ارتياحـه

 

كلٌ وقالٌ وقـيلٌ

ممن يُطيل نِيـاحـه

 

أٌنسي أتـى مستغيثاً

فاترك، فُديت، سـراحـه

 

 

 

4-

ويومَ تجـلّى الأفقُ فيه بعنبرٍ

من الغيم لُذنا فيـه باللهو والقنص

 

وقد بقيت فينا من الأمس فضلةٌ

من السكر تُغرينا بمنتهبِ الفُرَص

 

ركبنا له صُبحاً وليلاً وبعضُنا

أصيلاً، وكلٌ إن شدا جلجلَ رقص

 

وشُهب بُزاة قد رجمنا بشهبها

طيوراً [يُساغ اللهوُ إن شكت الغُصص

 

وعن شفقٍ تغري الصباحَ أو الدجى

إذا أوثقت ما قد تحرّك أو قمص

 

وملنا، وقد نلنا من الصيد سؤلنا،

على قنصِ اللذات والبردُ قد قرص

 

بخيمة ناطورٍ توسّط عذبَنا

جحيمٌ، به من كان عُذّبَ قد خـلص

 

أدرنا عليـه مثله ذهبيّة

دعته إلى الكبرى فلم يُجب الرُخص

 

فقل لحريصٍ أن يراني مقيّداً

بخدمته: لا يُجعل البازُ في القفص

 

وما كنتُ إلا طوعَ نفسي فهل أُرى

مطيعاً لمن عن شأوِ فخريَ قد نقص؟

 

أبو الحسن علي بن حريق 

1-

"بلنسيةٌ قرارةُ كلَ حسنٍ"

حديثٌ صحّ في شرقٍ وغرب

 

فإن قالوا: محلٌّ غلاء سعر،

ومسقطُ ديمتي طعنٍ وضرب؛

 

فقل: هي جنةٌ حُفّت رُبـاهـا

بمكروهّين من جوع وحرب

 

 

 

2-

وكأنها سكنَ الأراقمُ جوفَها

من عهد نوح خشيةَ الطـوفان

 

فإذا رأينَ الماءَ يطفح نضْنصتْ

من كلّ خرق حيّةٌ بلسانِ

 

 

 

3-

صغرُ الرأس وطولُ العنقِ

خلقة منكرةٌ في الخُلق

 

فإذا أبصرتها من رجلٍ

فاقضِ لي الحين له بالحمق

 

عبد الرحمن السهبلي 

1-

جعلتُ طريقي على بابه

وما لي على بابه من طريق

 

وعاديتُ من أجله جيرتي

وآخيتُ من لم يكن لي صديق

 

فإن كان قتلي حلالاً لكم

فسيروا بروحيَ سيراً رفيق

 

 

 

2-

يا دارُ أين البيض والآرام؟

أم أين جيرانٌ عليّ كرامُ؟

 

رابَ المُحبّ من المنازل أنه

حياً فلم يُرجَع إليه سـلام

 

لما أجابنيَ الصّدى عنهم ولم

يلجِ المسامعَ للحبيب كـلام

 

طارحتُ وُرقَ حَمامِها مترنّماً

بمقال صبٍ والدموعُ سِجام:

 

(يا دارُ ما فعلتْ بكِ الأيام؟

ضامتكِ، والأيامُ ليس تضام)

 

أبو الربيع الكلاعبي 

1-

أمَوْلى الموالي، ليس غيرَك لي مولى؛

وما أحـد يا ربُّ منك بـذا أولى

 

 

 

2-

أحنّ إلى نجـدٍ ومن حلَ في نـجد،

وما ذا الذي يُغني حنينيَ أو يُجدي؟

 

أبو عبد الله محمد بن الأبّار 

أدْرِك بخيلِكَ خيلِ الله أندلُسـا

إن السبيلَ إلى مناجاتها درسا

وهب لها من عزيز النصر ما التمسَت

فلم يزل منـك عِزُّ النصر مُلتمسـا

وحاشِ مما تُعانيه حُشاشتُها

فطال ما ذاقت البـلوى صباحَ مسا

يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا

للحادثات وأمسى جدّها تعسا

واضرب لها موعداً بالفتح ترقبه

لعلّ يوم الأعادي قد أتى وعسى!

 

عبد البر الوادي آشـي

أجُبنـاً ورمحي ناصـري وحـسامي؟

وعجزاً وعزمي قائـدي وإمـامـي؟

ولي منك بطّاشُ اليدين غضنفر

يُحـارب عـن أشباله ويُحـامـي

إلا غنيّاني بالصهيل فإنـه

سَماعي ورقراق الدماء مـدامـي

وحطّاً على الرمضاء رحلي فإنـها

مِهادي، وخفّاقُ البنودِ خِيـامي

 

عبد المنعم الوادي آشـي 

إلا إنَما الدنيا بِحارٌ تلاطمت،

فما أكثر الغرقى على الجنبات!

وأكثرُ ما لقيتُ يَغرقُ إلفه؛

وقل فتى ينجي من الغمرات

 

ابن نـزار الوادي آشـي 

رمانةٍ قد فضّ عنها خِتامَها

حبيبٌ أعـار البدرَ بعض صـفاتـه

فكسّر منها نـهدَ عذراءَ كاعبٍ

وناولني منـها شبيهاً لِذاتـه

 

أبو عميرة 

أرى من جاء بالموسى مؤاسى

وراحةَ من أراح المـدح صِفـرا

فأنجحَ سعيُ ذا إذ قـصّ شـعراً

وأخفق سـعيُ ذا إذ قـصّ شِعرا

 

أبو عبد الله محمد الرصـافي 

1-

ولا كالرصـافـة من منزلٍِ

سقّته السحائبُ صوبَ الولي

 

أحنّ إليـها، ومن لي بـها؟

وأين السرّي من الموصل!

 

 

 

2-

قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي:

لو لم تَهم بمُذال القدر مبتذلِ

 

فقلتُ لو كان أمري في الصبابة لي

لأخترتُ ذاك، ولكن ليس ذاك لي

 

عُلّقته حبَبيّ الثغر عاطِره،

حُلوَ اللُمى ساحرَ الأجفانِ والمُقل

 

غُزيّل لم تزل في الغزل جائلةً

بنانه، جولانَ الفكر في الغزل

 

جذلانُ تلعبُ بالمحواك أنملُه

على السـدى لَعِبَ الأيام بالأمل

 

ضماً بكفّيـه أو فحصاً بأخمصه

تخبّط الظبي في أشراك محتبل

 

أبو الحسين محمد بن جبير (صاحب الرحلة المشهورة) 

1-

لا تـغتـرب عـن وطـنٍ

واذكـر تـصاريـفَ النوى

 

أمـا تـرى الغـصن إذا

ما فـارق الأصـل ذوى؟

 

 

 

2-

طـولُ اغترابٍ وبرحُ شوقٍ،

لا صـبرَ- والله- لي عـليْه

 

إليك أشكو الذي أُلاقـي

يا خـيرَ من يُشتكى إليـه

 

ولي بغرناطةٍ حـبيبٌ

قـد غلِقَ الرهنُ فـي يـديـه

 

ودّعته وهو بارتحاضٍ

يُظهر لي بعضَ ما لـديـه

 

فلو تـرى طلّ نـرجسـيه

ينهلّ في ورد وجـنـتيـه

 

أبصرتَ دُراً على عقيق

من دمعه فـوق صفحتيه

 

 

 

3-

عليك بكتمان المصائب واصطبر

عليها، فما أبقى الزمانُ شقيقا

 

كفاك بشكوى النسا إذ ذاك أنها

تسرّ أو تسوء صديقا

 

 

 

4-

غريب تذكّر أوطـانـه

فهيّج بالذكر أشجـانه

 

يحلّ عُرى صبره بالأسى

ويعقدُ بالنـجمِ أجفـانه

 

 

 

5-

يا دِمشقَ الغـرب هـاتـيك

لقـد زدّتِ عـليـها

 

تحتكِ الأنـهار تـجري،

وهْيَ تنصبّ إليـها

 

 

 

6-

الناسُ مثلُ ظروفٍ حشوُها صَبرُ

وفوق أفواهـها شيءٌ من العسل

 

تغرّ ذائقها حتى إذا كُشفت

له، تبين ما تحويه من دخل

 

أبو الحسن علي الشُشزي 

1-

لقد تِهتُ عُجباً بالتجرّد والفقر

فلم أندرج تحتَ الزمان ولا الدهرِ

 

وجاءت لقلبي نفحـةٌ قُدُسية

فغبتُ بها عن عالم الخلق والأمر

 

طويتُ بساط الكـون، والطيُ نشرُه،

وما القصد إلا التركُ للطيّ والنشر

 

وغمّضتّ عين القلب غيرَ مطّلقٍ

فألفيتني ذاك المقلّبَ بالغَيرِ

 

وصلتُ لمن لم تنفصل عنه لحظة

ونزّهتُ من أغنى عن الوصل والضجر

 

وما الوصفُ إلا دونَه غير أنني

أريد به التشبيبَ عن بعض ما أدري

 

وذلك مثلُ الصوت أيقظ نائماً

فأبصر أمراً جلّ عن ضابط الحصر

 

فقلتُ له: الأسماءُ تبغي بيانه،

وكانت له الألفاظ ستراً على ستر

 

 

 

2-

أرى طالباً منا الزيادة لا الحسنى

بفكرٍ رمى سهماً تعدّى به عدْنا

 

وطالبنا مطلوبُنا من وجودنا

نغيبُ به عنّا لدى الصّعق إن عنّا

 

 

 

3-

من لامني، لو أنه قد أبصرا

ما ذُقتُه أضحى به متحيّرا؛

 

وغدا يقول لصحبه: إن أنتمُ

أنكرتمُ ما بي مُنكَرا

 

شذّت أمورُ القوم عن عاداتهم

فلأجل ذاك يُقال: سحرٌ مفترى!

 

أبو جعفر الوقشي 

ألا ليت شعري، هل يُمدّ ليَ المدى

فأُبصِرَ شملَ المشركين طريدا

حملتُ إليه من نظامي قِلادةً

يُلقّبها أهلُ الكـلامِ قصـيدا

غـدت يومَ إنشـاد القريضِ وحيدة

كما قصـدت في المعلومات وحـيدا

 

أبو القاسم الشاطبي 

خالصتُ أبناءَ الزمان فلم أجد

من لم أرَ منه ارتياديَ مخلصي

ردّ الشباب، وقـد مضـى لسبيه،

أهـيا وأمكنُ من صديق مُخلص

 

أم الحنـاء (بنت القاضي أبي محمد عبد الحق بن عطية) 

جاء الكتابُ من الحبيبِ بأنهُ

سيزورني فاستعبرتْ أجفاني

غلب السرور عليّ حتى أنه

من فرط عظم مسرّتي أبكاني

يا عينُ صار الدمع عندكِ عادةً

تبكين في فرحٍ وفي أحزان

فاستقبلي بالبشر يوم لقائه

ودعي الدمـوعَ لليلةِ الهجران

 

هنـد (جارية أبي محمد عبد الله بن مسلمة الشاطبي) 

يا سيداً حاز العُلى عن سـادةٍ

شمّ الأنوفِ من الطراز الأول

حسبي من الإسراع نحوكَ أنني

كنتُ الجوابَ مع الرسول المقبل

 

الشلبية 

شلبُ كلا شلبُ وكانت جنّةً

فأعـادها الطـاغون ناراً حاميه

حافوا وما خافوا عقوبة ربهم

والله لا تخفى عليه خافيه

 

أبو بكر يحيى بن مجُبَر  

1-

أشكو إلى نـدمـان أمرَ زجاجـةٍ

تردّت بـثوب حالكِ اللون أسحم

 

نصبُّ بها شمسَ المُدامة بيننا

فتغرُبُ في جُنح من الليل مُظلم

 

وتجحدُ أنوارَ الحُميّا بلونـها

كقلبِ حسودٍ جاحدٍ يدُ منعم

 

 

 

2-

أعَلِمْتَني أُلقي عصـا التسيار

في بلدة ليست بـدار قرار؟

 

طَوراً تكونُ بمن حوَتهُ مُحيطةٌ

فكأنها سُور من الأسوار؛

 

وتكونُ حيناً عنهم مخبوءةً

فكأنها سرّ من الأسرار

 

وكأنها علمت مقادير الورى

فتصرّفت لهم على مقدار

 

فإذا أحسّت بالإمام يزورُها

في قومه قامت إلى الزوار

 

يبدو فتبدو ثم تخفى بعدَه

كتكوّن الهـالات للأقمـار

 

 

 

3-

بي رشاٌ وسنانُ، مهما انثني

حارٍ قضيبُ البـان في قدّه

 

مذ وَليَ الحسنَ وسطانه

صارت قلوب النـاس من جُنده

 

أودعَ في وجنته زهرةً

كأنها تجزع من صـدّه

 

وقد تفاءلت على فـعلـه

أني أرى خـدي على خـدّه

 

 

 

4-

ولِد العبدُ الذي إنعامكـم

طينةٌ أُنشءَ مـنها جـسـدُه

 

وهْو دون اسمٍ لِعلمي أنـه

لا يُيسمي العبـدَ إلا سـيّدُه

 

 

 

5-

ملكٌ تزويـك منه شيمةٌ

أنْسَتِ الظمآن زُرقَ النُطفِ

 

جُمعت من كل مجد فحكت

لفظةً قد جمّعت من أحـرف

 

يعجب السامعُ من وصفي لها

ووراءَ العجز ما لم أصِف

 

لو أعار السهمَ ما في رأيـه

من سدادٍ وهُدىً لم يصُف

 

حِمله الراجح ميزانُ الهـدى

يِزنُ الأشياءَ وزنَ المُنصف

 

أبو العسّال (الغسّال) البحصي 

يا أهـلَ أندلسٍ، حثّوا مطيّكم؛

فما المُقام بـهـا إلا من الغلط

الثوب ينسُل من أطرافه، وأرى

ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط

ونحن بين عدوّ لا يفارقنا؛

كيف الحياة مع الحيّات في سفط؟

 

بعضهم 

يا أهلَ أندلس، رُدوا المُعار؛ فما

في العُرف عاريةٌ إلا مُردّات

ألم ترَوا بيذقَ الكفّارِ فَرزنةً

وشاهَنا آخر الأبيات شهمات

 

أبو البقاء صالح بن البقاء الرندي 

وقال صالح أبو البقاء الشريف الرُندي يصف الأندلس عند مغادرة أهلها لها، وتعرف هذه القصيدة برثاء الأندلس، وهي من أشهر القصائد الأندلسية: 

لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نُقصـانُ

فلا يُغرّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأمورُ كما شاهدتَها دُوَلٌ،

من سرّه زمنُ ساءتهُ أزمان

وهذه الدار لا تُبقي على أحـدٍ

ولا يدوم، على حـالٍ لها، شان

يمزّقُ الدهرُ حتماً كل سابغة

اذا نبت مشرفيّاتٌ وخُرصان

ويُنتضى كل سيف للفناء، ولو

كان ابن ذي يزنٍ والغمد غمدان

أين الملوكُ ذوو التيجان من يمنٍ

وأين منهم أكاليلٌ وتيجان؟

وأين ما شاده شدّادُ في إرم

وأين ما سانه في الفرس ساسان؟

وأين ما حازه قارونُ من ذهبٍ

 وأين عادٌ وشدادٌ وقحطان؟

أتى على الكلّ أمرٌ لا مردّ له

حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلكٍ

كما حكى عن خيال الطيف وسنان

دار الزمان على دارا وقاتله

وأمّ كسرى فما آواه إيـوان

كأنهما الصعب لم يسهل له سبب

يوماً ولم يملك الدنيا سليمان

فجائعُ الدهر أنواع مُنوّعةٌ،

وللزمان مسراتٌ وأحزان

وللحوادث سُلوان يسهّلها،

وما لما حلّ بالإسلام سـلوان

دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له

هوى له أحدٌ وانهدّ ثهلان

أصابها العينُ في الإسلام فارتزأت

حتى خلت منه أقطار وبلدان

فاسأل بلنسيةً: ما شأن مُرسيةٍ؟

وأين شاطبةٌ أم أين جيّان؟

وأين قرطبةٌ دارُ العلوم، فـكـم

من عالم قد سما فيها له شان؟

وأين حمصُ وما تحويه من نُزهٍ

ونهرُها العذبُ فيَاض وملآن؟

قواعدٌ كنّ أركانَ البلاد فـما

عسـى البقاءُ إذا لم تبقَ أركان!

تبكي الحنيفية البيضاء من أسف،

كما بكـى لفراقِ الإلف هيمان،

على ديار من الإسلام خاليةٍ

قد أقفرت ولها بالكفر عُمران:

حيث المساجد قد صارت كنائس ما

فيهنّ إلا نواقيسٌ وصُلبان؛

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ،

حتى المنابر تَرثي وهي عيدان

يا غافلاً ولو في الدهر موعظةٌ

إن كنتَ في سِنةٍ فالدهرُ يقظان

وماشياً مرحاً يُلهيه موطنُهُ،

أبعدَ حِمصٍ تغرُّ المرءَ أوطان؟

تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدّمها

وما لها مع طول الدهر نسيان

يا راكبين عِتاقَ الخيلِ ضامرةً

كأنها في مجال السبق عِقبان،

وحاملين سيوفَ الهندِ مُرهفةً

كأنها في ظلام النقع نيران

وراتعين وراءَ البحر في دعـةٍ

لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطان،

أعندكم نبأٌ من أهل أندلسٍ؟

فقد سرى بحديث القوم رُكبان

كم يستغيثُ صناديدُ الرجال وهم

قتلى وأسرى فما يهتزّ إنسان!

ماذا التقاطع في الإسلام بينكم

وأنتم يا عبادَ الله إخوان؟

ألا نفوسٌ أبيّاتٌ لها هممٌ؟

أما على الخير أنصار وأعـوان؟

يا من لذلّةِ قومٍ بعـد عزّهـم

أحـالَ حالهم جَوْرٌ وطـغيان؛

بالأمس كانوا مُلوكاً في منازلهم

واليومَ هم في بلاد الكفر عُبدان

فلو تراهم حيارى لا دليل لهم

عليهم من ثياب الذلّ ألوان؛

ولو رأيتَ بُكاهم عند بيعهمُ

لهالكَ الأمرُ واستهوتك أحزان:

يا رُبّ أمٍ وطفلٍ حيلَ بينهما

كما تفرّقُ أرواحٌ وأبـدان،

وطفلةٍ مثلِ حسنِ الشمس إذ طلعت

كأنما هي ياقوت ومرجان

يقودها العلجُ عند السبي مُكرهةً

والعينُ باكية والقلب حيران

لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ

إن كان في القلبٍ إسلامٌ وإيمان